صالح العجيري:
مدرستي الأولى هبة من حمد الصقر ومديرها والدي
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح أو بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الأيام الخوالي. 'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة
أكمل الدكتور الفلكي صالح محمد العجيري حديثه الذي بدأه الاسبوع الماضي الجمعة 30 ربيع الاول 1427 ه 28 ابريل 2006 مركزا على التعليم في فترة العشرينات حيث بدأ دراسته في مدرسة والده الذي قدمها هبة التاجر المعروف المحسن حمد عبدالله الصقر رحمه الله الذي كان يعي ادب الأطفال واصالتهم وابداعهم، وكان يؤمن بأن الأطفال بهجة القلوب وزينة الحياة، وهم جيل الغد والأمل المنشود، وأمة لا تحرص على رعاية أطفالها وتحقيق احتياجاتهم غير جديرة بالحياة. وعندما فكر المرحوم حمد الصقر في انشاء مدرسة لتعليم الأطفال، كان بعيد النظر، ويعرف ان أي بداية لبناء المجتمع، تبدأ من الطفولة وتتطور مع تطورها وتنمو وتتقدم بتقدمها، وعملية التنشئة الاجتماعية تعتبر ابرز عامل في البناء وفي تحقيق التقدم، وهذا ما توصل اليه المحسن المرحوم حمد الصقر في نمو شخصية الطفل، وكسب الصفة الاجتماعية والانسانية، وحتى اذا ما اصبح الطفل الكويتي راشدا يساهم في نشاط المتجمع الكويتي وتطوره.
وقال العجيري: والدي دخل الكويت عام 1914 وعمل اعمالا كثيرة منها: الغوص ـ الفلاحة ـ تربية اغنام ـ دلال ـ من هذه الاعمال عين مديرا لمدرسة 'تربية الاطفال' بعد ان فكر فيها المحسن الكبير المرحوم حمد عبدالله الصقر، وبعد ان استشار في ذلك الوقت عالم الكويت الجليل الشيخ عبدالله الخلف الدحيان، رحمه الله، فتبرع الصقر وآله الكرام بالصالة التي كانت تقع تحت (كشك الصقر) الذي كان معلما تاريخيا شهيرا من الناحية الاقتصادية والثقافية والسياسية، واختاروا والدي مديرا للمدرسة التي موقعها الحالي متحف الكويت الوطني.
وقال العجيري : كان حمد الصقر، رحمه الله، دائما يستشير الكبار والعلماء في جميع اموره الخيرية، فطلب من الدحيان، رحمه الله، الذي كان فقيه الكويت وعالمها ان يكلف والدي ليدير المدرسة، فجهزت المدرسة من قبل آل الصقر الكرام لخدمة اطفال الحي القبلي وغيرهم وانضم اليها اطفال الحي من المستشفى الامريكاني الى السوق شرقا فرشت الدرسة 'بالجودري' وهو حصير يصنع من الألياف وجهزت بحب كبير يوضع فيه الماء للشرب (زير) واتذكر كان ينقل الماء من بومهم، ومساحة صالة التدريس 15 مترا طولا.
واضاف العجيري قائلا: كل يوم خميس من كل اسبوع يأتينا الى المدرسة خادم الصقر المرحوم (ابو مغير) لتوفير الماء وتنظيف المدرسة ويساعده عباس البصري (عراقي الجنسية)، وتجهز بالمراوح اليدوية بواسطة حبل طويل.
خميسية الطلاب ومشاهرة المعلمين
وقال: في تلك الفترة كانت المدارس تأخذ من كل طالب 'خميسية' للمعلم اي كل خميس طوال السنة، اما مدرسة 'تربية الاطفال' فكانت تأخذ من الطالب اجرة شهرية نصف روبية (37 فلسا) من هذه المشاهرة تعطي راتبا للمدرسين الذين كانوا يتقاضون روبيتين شهريا، ومن المدرسين الذين عملوا بالتدريس فيها المرحوم الشيخ عبدالله النوري، ويوسف العمر، وسعود الزيد، والد الشاعر خالد الزيد، وماجد التمار، ومحمد الاردح، وزيد، وعراقي اسمه مصطفى.
اما من الطلبة فذكر منهم العجيري وما زالوا على قيد الحياة والذين هم جزء من تاريخ الكويت: احمد السرحان، محمد البحر، جاسم الصقر، محمد صالح الحميضي، يعقوب الحمد، مرزوق العبدالوهاب، زيد حمد الخالد، عبدالرزاق حمد الخالد، عبدالله السميط، حمد النفيسي، سليمان النفيسي، مشاري عبدالله الخالد، محمد الراشد النجادة، عبدالله صفر آل بن علي، علي محمد المحميد، عيسى الجساس، صالح العجيري، لهؤلاء المجد وطول العمر، ولمن فقدناهم جنة الخلد، وملك لايبلى في اعلى فراديس الجنان وبالنعيم المقيم 'اللهم استجب'.
كساد السوق
وتحدث عن بداية افتتاح مدرسة 'تربيةالاطفال' في عام 1920 قبل ان يولد الفلكي صالح العجيري بسنة واحدة قال: حصل كساد في السوق الكويتي في عام 1930 فبعض الآباء عجزوا عن دفع المشاهرة لذلك فكر والدي في ترك المدرسة فاتجه الى اعمال حرة وجاء بعده الملا احمد الخميس ابن اخت عبدالله خلف الدحيان ليكمل المسيرة التربوية لهذه المدرسة، وبعض اولياء الامور الذين ابقوا اولادهم للدراسة كتبوا على انفسهم سندات دفع للمدرسة اذا رزقهم الله في المستقبل، وبعد ان يفرج عن هذا الكساد، فبقيت هذه السندات عند والدي، ولكنه طلبها مني عندما كنت جالسا معه بالقرب من موقد القهوة والشاي والنار مشتعلة فيه فأحضرت السندات فرماها في النار كلها، ولم يبق منها اثر، واستمرت المدرسة لفترة الى ان توفي المحسن المرحوم حمد الصقر كما توفي الشيخ عبدالله الدحيان، فاستلم ديوانه ابن اخته المدير الجديد الشيخ احمدا لخميس، فترك المدرسة واغلقت ابوابها، بعد ان قدمت خدماتها الجليلة لذلك الجيل.
مدرسة نموذجية
وقال العجيري: كانت المدرسة تربوية 100% والملفت للنظر ان والدي والقيمين عليها عرفوا بفطنتهم في مستهل القرن الماضي ان تعليم الاطفال له خصوصيته اولا: ان الطالب لا يضرب في مدرسة 'تربية الاطفال' كما يعاقب في المدارس الاخرى باليحيشة.
ثانيا: كان يسمح للطالب ان يسبح في البحر خلافا لما كان متبعا في المدارس الاخرى التي تختم على ارجل الطلاب لمنعهم من السباحة.
ثالثا: والمدرسة خصصت حلاقا للطلاب.
رابعا: ومن عادة والدي، رحمه الله، انه كان يوقد النار في فصل الشتاء وكنا نقرأ المحفوظات ونحن نصطلي على النار صباحا.
خامسا: الطلاب لا يجلسون على الارض الترابية كانت الحصران والجودري من الالياف تحتهم.
سادسا: كان فيها جرس وهو عبارة عن غالون حديد فارغ يضرب بالارض والكل كان يسمعه.
سابعا: هناك حصة خصصت لتنظيف ساحل البحر في تلك الفترة من القمامة والزجاجات الفارغة والمكسورة حفاظا على اقدام مستخدمي البحر لانهم حفاة فكان والدي كمدير المدرسة خصص مكافأة لكل طالب يعثر على اي قطعة من الزجاج وهي عبارة عن حلوى 'برميت'.
وهذه الهدية اغرت المرحوم محمد النصر الله فصار يحضر الزجاج المكسور من البيت لكي ينال 'البرميت'.
ثامنا: المدرسة كانت لها زاوية لنوم الاطفال الذين يريدون بعد موافقة ولي الامر فترة الظهيرة.
تاسعا: فيها مروحة يدوية تشد بالحبل فتبرد على الاطفال.
المعلم الغريب
وقال: قديما كان الاب يقول للمدرس 'لك اللحم ولنا العظام' قبل شهر من هذا اللقاء يا اخ جاسم كنت في مدرسة لألقي محاضرة عن الفلك للطلبة، وانا في غرفة المديرة دخل علينا ولي امر احد التلاميذ يطلب من ادارة المدرسة ان تأتي بالولد الذي ضرب ابنه لكي يقوم هو بضربه وعقابه 'امر عجيب وغريب' هذه الايام.
واضاف: كان والدي يدرسني ويعاملني معاملة اي طالب بالتكليف او التقصير والعقاب سواسية.
ولا فرق بينه وبين معلم آخر، لان المدرسة كانت لاجل التربية اولا ثم يليها التعليم، والمعلم الناجح، خاصة الاب يكون اكثر حنانا وحبا لابنه ان يتعلم فلذلك وجبت عليه المعاقبة والاهتمام، وكنت لا افرق في المعاملة بين والدي المعلم او الغريب الآخر الذي يدرسني، واخيرا ذكر الدكتور الفلكي العجيري بعض اخوانه من الطلبة الذين درسوا معه في المدرسة المباركية ومنهم: عبداللطيف الكاظمي، الشاعر سليمان الجار الله، داود مساعد الصالح، احمد العامر، مؤسس جريدة الوطن، عبدالرحمن الجلبي، عبداللطيف امان، عبدالرزاق امان سلطان، عبدالرحمن العبدالمفتي، عبدالعزيز حسين، عبدالله المطوع، سعيد وحبيب شاس، عبدالله بن عيسى، عبداللطيف الصانع، حمد الصانع، حمد عبدالملك الصالح، عبدالله العجيري، ابراهيم عيد (فلسطيني) احمد حسن حديد (فلسطيني)، والمرحوم عبدالعزيز ياسين الغربللي، اقرب صديق كان لي واعز رفقائي، توفي عام 1962 عن عمر يناهز 39 عاما، خالد الغربللي، صالح عبدالملك، صالح الشلفان، عبدالمحسن الزبن الذي عمل في البلدية ولم يستمر فيها لانه مستقيم ومشهور بالصلابة وكان يطبق عليه المثل : لا تكن يابسا فتكسر، ولا لينا فتعصر' سعود الحميضي، علي الغربللي، حمد الرجيب، د. عبدالرزاق العدواني، عبدالعزيز الدوسري، معجب الدوسري، سعود الخرجي، ابراهيم واحمد المقهوي، وسليمان ابو كحيل وبعد هذه الاسماء من رفاقه.
ولذلك سألنا احدهم وهو السيد عبداللطيف الكاظمي ليحدثنا عن المدرسة المباركية والاحمدية، بعد ان حدثنا العجيري عن الروضة اي تربية الاطفال، فقال الكاظمي:
انا اصغر من الدكتور صالح لانني ولدت عام 1927 درست في الاحمدية تسمى (المدرسة الاحمدية للناشئة الوطنية) تعتبر ثاني مدرسة نظامية تأسست في الكويت 1920 بعد المباركية التي افتتحت 1911، وا ختصر اسمها الى المدرسة الاحمدية' ويعود الفضل في تأسيسها الى جماعة من اهل الخير والفضل واول مدير لها المرحوم عبدالملك الصالح المبيض، رحمه الله، وكانت المدرسة على البحر، هدمت سنة 1957م واعيد بناؤها من جديد، وادخلت بعض المواد الحديثة كالجغرافيا والتاريخ واللغة الانكليزية، وهذه المواد فتحت مجالات اوسع في ميدان الثقافة والتعليم، واصبحت هاتان المدرستان لا تستوعبان الاعداد من الطلاب فقامت المعارف باستئجار بيتين احدهما في القبلة ملك (العصفور) وثانيهما في الشرق ملك (الفرس).
وقال الكاظمي: كنا نسكن فريج الرزاقة، اقطع المسافة سيرا على الاقدام حتى اصل الاحمدية، وكان مورد المدرستين من تبرعات المحسنين، وكان المرحوم الشيخ احمد الجابر الصباح تبرع بالمكان وبراتب سنوي من ماله الخاص، حوالي 1000 روبية لمدة خمسة عشر عاما حتى تأسست المعارف.
المباركية بعد الأحمدية
وذكر الكاظمي: ان الاحمدية تعلم قواعد التجويد والحساب وشيئا من اللغة الانكليزية ومسك الدفاتر. وظلت الدراسة تسير ببطء ولا تؤدي الواجب المطلوب حتى اجتمع بعض من المحسنين الكويتيين لانشاء مجلس للمعارف لكي يهتم بالعلم اكثر، اعتقد انه كان في 1936م. بعد ذلك سار التعليم على منهج منظم منظور وبالمجان، ولكن بعد سنة 1946 ومع الذهب الاسود توسع التعليم اكثر، وبدأت البعثات تصلنا.
وقال: بعد المدرسة الاحمدية انتقلت الى المباركية التي تأسست عام 1911 على ايدي الكرماء من اهل الكويت، كان نظامها في الصباح خمس حصص، وفي المساء حصتين، وكانت هناك عطلة ربيعية تسمى 'الكشتة'.
وقال:انا كنت من طلائع الخطابة بالمناسبات والتجمعات وكانت الثقة بالنفس والقدرة على التفكير بهدوء اثناء التحدث، وكنت اقول لزملائي ليس امرا صعبا، وباستطاعتكم ان تنموا طاقاتكم وفعلا زاد عدد الطلاب.
اللغة الإنكليزية
وتحدث عن دراسة اللغة الاجنبية في مدرسة ملا هاشم البدر، التي افتتحت في عام 1941 لتدريس الانكليزية باسلوب متطور، وادخلت الآلة الكاتبة وبدأ الطلاب ينضمون الى هذه المدرسة نظرا لما لمسوه من الحاجة الماسة الى السوق المحلي، وكانت الدراسة صباحا ومساء.
وختم الكاظمي ان خريجي هذه المدرسة عملوا عند التجار وفي المصارف وشركة النفط، وكنت ادفع روبيتين شهريا، وذكر بعض الطلبة الذين كانوا معه مثل: عبدالمطلب الرفاعي، احمد العامر، داود المساعد، سعود الخرجي، صالح محمد العجيري، سليمان الجارالله، ومن المدرسين ذكر: ملا راشد بن سيف، عبدالمحسن البحر، ملا اسماعيل الساعاتي، عبدالملك المبيض وملا سالم الحسينان.
مدير المدرسة الملا محمد صالح العجيري حمد عبدالله الصقر الملا محمد العجيري مع بعض الطلبة في عام 1970
__________________
ومنطقي العذب للألباب مستلبٌ *** ومبسمي نضَّ فيه الدر والنضرُ
لازم منادمتي وافهـم مناظرتي *** واسمع مكالمتي يفشو لك الخبرُ
يـعـطيـك ألـف عآفيـه إخوي الأديـب على هالموضوع الجميل والأكثر من رائع....
بـس حبيت أسإلك سؤال...منو إهوه محمد الراشد النجاده؟؟ هل هو محمد احمد الراشد؟؟
تشرفت يوم الخميس الموافق 2009/11/12 بمقابله العم الدكتور / صالح العجيري أطال الله بعمره ومنحه موفور الصحه والعافيه . وذلك بمنزله العامر وبالتحديد بمتحفه الصغير العامر بكل ماهو أثري وتراثي وقيّم من صور واجهزه ومعدات والكثير من الذكريات الجميله التي يحتفظ بها . رجل وقور مهذب مضياف , جسده عامر بالنشاط والهمه وذكاءه وذاكرته مثل جسده . ملىء بالتواضع والتهذيب والمعامله الراقيه كما هو معروف عنه طوال عمره . بديهي الخاطره ظريف وطريف الحديث والمعشر . جلسه كانت من جلسات العمر مع علم من أعلام ليس الكويت فقط بل العالم العربي والاسلامي ايضا .
نرجو له الصحه والعافيه وطول العمر ليعطينا المزيد من خلاصه تجاربه وفيض علمه الغزير . وقد التقطت له ومعه عده صور وهذه واحده منها له .
صالح العجيري والتعليم في الكويت - القبس
العرض العادي
