
25-03-2008, 04:12 PM
|
 |
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,664
|
|
واقعة حمض
أرسل الشيخ سالم دعيج بن سليمان القائد البري على رأس سرية إلى فيافي (قرية) أو جرية كما تسمى عادة وأمره بأن يضرب خيامه هناك تصدياً لابن شقير الذي شرع في البناء هناك وقد أمر الشيخ سالم قائده بأن لا يقوم بعمل إلا باسترشاده وعلم ابن سعود إذ ذاك بأن الفرصة قد حانت وأوعز من طرف خفي إلى فيصل الدويش بالهجوم وكان ذلك يوم 28 شعبان 1338 هـ وكانت الهزيمة شاملة لجيش دعيج ابن سليمان الذي كان مقيداً بسلاسل أوامر سالم كما يقول عبدالعزيز الرشيد وقد فقد سالم قوة عظيمة في جيشه ومالاً وفيراً يتمثل في آلاف من الإبل والأغنام التابعة للكويت.
وعلى أثر هذا الحادث أرسل الشيخ سالم وفداً إلى الأمير ابن السعود وحمله رسالة يشرح فيها ما حدث ويطالب برد المنهوبات، والوفد برئاسة عبدالعزيز الحسن وعبدالله السميط (عبدالعزيز الحسن من الشخصيات المقربة عند الشيخ سالم وهو من أهالي مدينة بريدة كما ذكر لي الحاج يوسف الحميضي، أما عبدالله السميط فهو من الشخصيات الكويتية المعروفة "المؤلف"). وصل الوفد إلى الرياض وقابل ابن السعود الذي بدأ يلوم سالم على مداراته لرجال ابن الرشيد عدوه اللدود.. كذا.. ثم حرر كتاباً شديد اللهجة ومما جاء فيه الطلب إلى سالم بأن يتنازل عن سلطته على العشائر التي تحت يده وعلى أن لا يخرج من الكويت جيشاً مقاتلاً وسلم الرسالة إلى ناصر بن فرحان الذي اصطحب الوفد عند رجوعه. استلم سالم الرسالة ورد عليها بما يناسب وهو أن طلب ابن سعود وشروطه مجحفة في حق الكويت. استلم ناصر ابن فرحان الرسالة وسار بمعيته مبارك بن هيف وهلال.
ووصل الرسل إلى ابن سعود وسلموه الرسالة فازداد غضباً على غضب وهدد وتوعد وعاد الرسل إلى الكويت وفجروا هذه الأخبار في صفاة الكويت والتي كانت أشبه بإعلان الحرب كما يذكر ابن الرشيد ثم يضيف أن من حظ الكويت أن تأخر هذا الإعلان حتى اكتمال بناء السور (المصدر نفسه صفحة 215) ويذكر أمين الريحاني حول حادث حمض فيقول كتب ابن السعود إلى سالم كتاباً ذكر فيه "السبب في هذا الحادث تدخلكم فيما لا يعنيكم اعلموا أن لا حق لكم في بلبول أو قرية وإني أرى أن يقرر ذلك في عهد بيننا وبينكم فنرعاه. أما ما كان لآبائك وأجدادك حقاً على آبائي وأجدادي فإني معترف به (تاريخ نجد للريحاني -صفحة 245، ودوحة بلبول أو بليبيل هي آخر حدود الكويت من الجنوب أيام الشيخ مبارك- "المؤلف").
أما الكولونيل ديكسن فيقول ان الشيخ سالم طلب مساعدة الحكومة البريطانية مؤكداً أن ما قام به فيصل الدويش في حمض لا مبرر له ولكن ابن السعود أنكر ذلك بشدة في عدة رسائل موجهة إلى الحكومة البريطانية وألقى باللائمة كلها على الشيخ سالم.
وعندما سئل ابن السعود عن الحدود التي يدعي بها أكد أن حقه حتى أسوار مدينة الكويت ولكنه أخبر بأن حكومة صاحب الجلالة تعترف بالحدود الداخلية التي رعتها الاتفاقية الإنجليزية التركية لعام 1913 على أنها تخص الكويت ولا تقبل المناقشة (إن اتفاقية 1913 بين الأتراك والبريطانيين كما سبقت الإشارة إليها قسمت الكويت إلى منطقتين الأولى منطقة مدينة الكويت وما جاورها وتبدأ من الحدود العراقية عند سفوان وتنتهي عند هضبة القرين. أما المنطقة الثانية وغالبيتها تشمل بادية الكويت التي تسكنها القبائل الخاضعة للشيخ مباركفتشمل منطقة أوسع تبدأ من فتحة خور الزبير ثم تتجه جنوب سفوان وجبل سنام حتى يصل الباطن إلى الجنوب الغربي باتجاه حفر الباطن ثم نحو الجنوب الشرقي قرب الحبا ثم تتجه شرقا نحو جبل منيفة وبلبول أو (بليبيل) وتبلغ مساحة المنطقتين ما يقارب السبعة والخمسين ألف كيلو متراً مربعاً. ويقول عبدالعزيز الرشيد أن الشيخ سالم قدم احتجاجاً في ذي الحجة 1338 على تعديات ابن سعود وعلى طمعه في الكويت وحدودها وإصراره على عدم تسليم منهوبات الدويش فأجابته الحكومة بأنها ستعين مميزاً لتمييز الحدود بين الكويت ونجد على شرط أن يقبل الاثنان ما يحكم به. وقد أجاب الشيخ سالم: إن حدود الكويت تمتد من جزيرة العمار جنوباً إلى قرب أنطاع وإلى وبره واللهابة والقرعة واللصافة إلى حفر الباطن وشمالاً إلى جبل سنام وسفوان وأم قصر.
إن كلا من الحاكمين هو المسئول عما يجري في حدوده من تعديات العرب الساكنين هناك.
إعطاء العشائر الحرية التامة في الانضمام إلى أي حاكم يرونه أقدر على حمايتهم. ويدفعون له دون غيره زكاة أموالهم.
إذا حدث شيء من الغارات بين البادية أو نزاع فالفصل فيه للحاكمين أنفسهما إلا إذا عجزا فيرجع الأمر إلى وكلاء الحكومة في الكويت والبحرين.
تكون التجارة حرة دون معارض. تاريخ الكويت ص 216).
وفي أول جون (حزيران) أرسل الشيخ سالم وفداً إلى الرياض يشرح ما حدث في حمض ويطلب من ابن السعود إعادة المنهوبات وتعويض عائلات القتلى. رجع هذا الوفد في الثاني من يوليو (تموز) ومعه ناصر بن سعود الفرحان حاملاً رسالة من ابن سعود للشيخ سالم تشمل ذكر عدة أخطاء ارتكبها الشيخ سالم ضد ابن سعود ورعاياه مؤكداً أن الشيخ سالم لا يملك السلطة على جرية العليا أو أي بلد آخر يدعي به. كذلك أرسل ابن سعود للشيخ سالم رسالة طالباً توقيعه عليها ويطلب فيها تخليه عن جميع ما يدعي به شرق أو غرب (جرية).
ولما رأى الشيخ سالم أنه من غير الممكن التوصل إلى اتفاق مشرف مع ابن سعود إلا عن طريق المساعدة البريطانية فقد طلب حالاً من حكومة صاحب الجلالة النصيحة لأجل إرسال الجواب لابن سعود موضحاً بأن المناطق المتنازع عليها إنما تعود إليه بموجب اتفاقية 1913. وقد تمت إجابته بأن لا يوقع على كتاب الاتهام الذي وجهه إليه ابن سعود وأن يلتمس رسمياً تحكيماً ودياً من قبل الحكومة البريطانية وفي الوقت نفسه تم إفهامه بأن الاتفاقية البريطانية التركية ليست وثيقة تجعله طرفاً فعالاً فيها. وعلى أي حال فإنها قد عدلت بموجب الفقرة (6) من اتفاقية 26 ديسمبر (كانون الأول) 1919 بين حكومة صاحب الجلالة وابن السعود (من الواضح أن هذا التعديل المشار إليه تم بدون علم الشيخ سالم أو موافقته وهو ما جعل ابن السعود في وضع شجعه على تجاهل ادعاءات الشيخ سالم).
لقد تلقى الشيخ سالم هذه المعلومات بخيبة أمل ومرارة. وجرت عدة مراسلات طويلة بين الكويت وابن سعود والمندوب السامي البريطاني في العراق، على أثرها وافقت الحكومة البريطانية بشرط أن يتعهد كل من ابن سعود والشيخ سالم بتعهد مكتوب مقدماً بالقبول مدى الحياة بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن شعبه بقبول قرار الحكم. كذلك وطلب من الطرفين أن يجنحوا للسلم. وبعد عدة رسائل أرسل الشيخ سالم موافقته في 17 سبتمبر (أيلول) وكرر ادعاءاته السابقة. وقد عمل ابن السعود نفس الشيء في كتابه المؤرخ في 5 سبتمبر (أيلول) -تم إستلامه في 17 سبتمبر- والذي كرر فيه أن سلطة الشيخ هي داخل حدود السور الجديد حول الكويت.
في الوقت نفسه أرسل ابن سعود رسالة إلى ابن شقير في (جرية العليا) يأمره فيها بناء حصن هناك حيث عارض الشيخ سالــم مثل هذا الإجــراء لا سيما أن هذا الأمر جاء بعد قبول ابن سعود شروط التحكيم التي وضعتها حكومـــة صاحب الجلالة وقد أحــدث هـــذا التصـــرف استياءاً عظيمــاً في الكويت (الكويت وجيرانها Kuwait & her neighbours P.252 – 253 ويرى القارئ تقارب ما ذكره عبدالعزيز الرشيد حول موضوع الخلاف مع ما يذكره ديكسن "المؤلف").
بناء السور
هناك إجماع من المواطنين والأجانب على السواء بأن بناء السور في عهد الشيخ سالم كان حدثاً عظيماً في تاريخ الكويت وكان له أثره الفعال بالنسبة لأمن الكويت وفقاً لمفاهيم تلك الأيام ولنر ما كتبه الدكتور ملري طبيب البعثة التبشيرية الأمريكية وكان في الكويت في تلك الأيام الصعبة فيقول "قام الشيخ سالم في 22 مايو (أيار) بتدشين بدء العمل في بناء سور جديد للمدينة وكان هذا ثالث سور للمدينة في تاريخ الكويت. أما السوران السابقان فقد تجاوزتهما المدينة المتسعة باستمرار منذ زمن بعيد وكان السور الجديد يمتد في شكل نصف دائري خلف الكويت من البحر إلى البحر.
وكان بناء هذا السور آية في التنظيم فقد فرضت الضريبة على سكان المدينة. وتم تعيين مسئوليات محددة لرجال المدينة البارزين وعين شخص مسئول على الحفر وآخر عن الصلصال (الطين) وثالث عن المواصلات وكان الصلصال المادة الرئيسة المستعملة في البناء وبما أن بناء السور كان سيبلغ ثلاثة أميال، وسمك جداره ستة أقدام، وارتفاعه عشرين قدماً فإن كمية الصلصال المطلوبة كانت هائلة. وعين رجل آخر مسئول عن توفر الجص والملاط بكميات كافية، ورابع مسئولاً عن طعام آلاف العمال وخامس عن حل مشكلة توفير مياه الشرب للعاملين.
واستمر العمل الجاد طوال الصيف اللاهب وتم بناء السور في سبتمبر أي خلال أربعة أشهر (عبدالعزيز الرشيد وديكسن يذكران مدة انتهائه بشهرين فربما يقصدان هيكل السور ويقصد الدكتور ملري التشطيبات النهائية للأبراج وغيرها "المؤلف") وامتد السور أكثر من ثلاثة أميال وعزل المدينة تماماً من ناحية البر وقد جرى من طرفيه داخل البحر وإلى مدى أبعد من المياه الضحلة الراكدة لمنع العدو من تسلق السور أثناء الجزر. وكان للسور ثلاث بوابات وبوابة رابعة خاصة بالأمير قرب قصر دسمان (لقد أضيفت بوابة خامسة من جهة الغرب عند المسلخ القديم لا تزال آثارها باقية وتسمى بوابة المقصب).
وكانت البوابات أشبه بالحصون المنيعة وقد زود السور بأبراج لها فتحات تطلق منها النار كل ثلاثمائة ياردة وكانت هناك على طول السور عارضات خشبية يمكن للمسلحين الوقوف عليها وإطلاق النار على العدو من فتحات في الجدار. وهكذا كان السور آخر خط للدفاع وآخر إنجاز في فن الدفاع كما يفهمه العرب وأصبحت الكويت مدينة مسورة.
ولم أتمالك نفسي وأنا أشهد تحفة سالم من استعادة كلمات الشيخ مبارك العظيم عندما سألته لماذا لم يبن سوراً حول الكويت وأجابني.. أنا السور! (الكويت قبل النفط صفحة84 مخطوطة الدكتور ستانلي ملري ترجمة وتقديم دكتور محمد غانم الرميحي وباسم سرحان).
أما الشيخ عبدالعزيز الرشيد فيذكر أن "في أثر حادثة حمض التي أولجت الخوف في الأفئدة وأطارت النوم من الأعين صمم سالم على إحاطة المدينة بسور منيع ليصد عنها الهجمات ويطفئ به جمرة الخوف التي اتقدت ويخفف من الوساوس التي ساورت الناس إذ ذاك وأزعجتهم ولم يقبل فيما رأى أخذاً ولا رداً من دهشوا من تصميمه وعدوه قضاء على حريتهم التي كانوا بها متمتعين. وقد اشترك الكويتيون عموماً في بنائه وبذلوا همة عظيمة يندر مثلها ويكفي أنه لم يمض عليه إلا شهران حتى كان سوراً كاملاً وهو من الطين الخالص إلا أبراجه فمن الطين واللبن معاً، أحد طرفيه في شاطئ الجون الشرقي والآخر في الشاطئ الغربي و له أربعة أبواب منها باب (نايف) الشامية والبريعصي "الشعب" - وبنيد القار "الصباح" ولم يذكر بوابة الجهراء - وطوله خمسة أميال تقريباً وقد قام الأهالي بنفقته كلها ولم تمدهم الحكومة ولا بدرهم واحد (تاريخ الكويت صفحة 213).
أما الدكتورة الينانور كالفرلي طبيبة النساء في المستشفى الأمريكي فقد أشارت إلى بناء السور وكيف أن رجال الكويت هبوا يداً واحدة في عملية البناء وعن أحاديث النساء عند زيارتهن للمستوصف لم يكن غير موضوع السور وعن فضائح فيصل الدويش وكيف أنه في غزواته السابقة تخطى أعراف حرب الصحراء التي تمنح الحماية للنساء والأطفال، "لقد حدثنني عن كيفية معاملة جيشه للأسرى من النساء والأطفال مما لا يمكن ذكرها لبشاعتها" ثم تستمر الدكتورة في وصف السور حيث نهايته من جهة الغرب تبعد حوالي ثلاثمائة ياردة عن بيتها وكانت تشاهد الرجال المدججين بالسلاح في حركة دائمة عند الساحل بالقرب من المستشفى. وفي اليوم الثامن من أكتوبر تقدم العدو نحو الجهراء. ثم تقول "لقد علمنا أن الشيخ سالم في الجهراء وجعل مركز قيادته في القصر ولم توجد اتصالات تلغرافية أو تلفونية فكانت الأخبار تأتي متأخرة" (My Arabian days and nights, by Eleanor Caverlay M. D. page 119).
وعلى ذكر بناء السور فإني أذكر جيداً تلك التجمعات الهائلة من الرجال ليلاً حيث صادف البناء صيفاً وفي شهر رمضان فكان الليل هو الوقت المناسب في تلك الأيام الصعبة.
وكنت أشاهد تجمعات الرجال بعد صلاة العشاء في (براحة المطوع) من محلة القناعات. فإذا اكتمل العدد سارت تلك الجموع بأهازيجها الحماسية فمن هنا جماعة تحمل معدات البناء على أنواعها وهناك جماعة يرقصون رقصة الحرب (العرضه) على أنغام الأهازيج الشعبية وقرع الطبول. ثم تتلاقى الفرق القادمة من كل صوب ويشتد الحماس، وعند الوصول للموقع يتوزع القوم كل في جهته يمارس المهنة التي أوكلت إليه، فجماعة تخرج الماء من الآبار وأخرى تجمع الطين وتعبئه في السلال (الزبلان) المصنوعة من خوص النخيل. وكنا نحن الأطفال نمشي مع هذه الجموع الغفيرة مرة خلفها ومرة أمامها أو نندس بينها وكانت هذه المناسبة بالنسبة لنا متعة ما بعدها متعة.
أما الأكبر منا سناً فكانوا يحملون الفوانيس النفطية وكانت توقد النيران هنا وهناك لزيادة الإضاءة أو لعمل الشاي، ويبقى الحال هكذا حتى قبيل موعد السحور بقليل حيث ترجع الفرق عائدة إلى المدينة ويذهب كل إلى بيته حتى الأمسية القادمة طيلة شهر ليالي رمضان من ذلك العام (1338 هـ) بهذه الصورة الرائعة من التعاون والتآزر بين أبناء الوطن الواحد تم بناء السور. لقد مضت ستون عاماً على تلك الأحداث الفريدة ولكن لا تزال آثارها عالقة بالذاكرة فكأنها حدثت في الأمس القريب.
|