بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*****
واليوم يسعدني أن أنقل لكم من سيرة ابن عم والدتي
السيد زيد السيد محمد الرفاعي
سيد زيد الرفاعي.. بئر العطاء
حين يتفانى المرء في خدمة بلده، فهو فرض يقتضيه حق المواطنة وواجب الانتماء، هكذا كان الرعيل الأول من الكويتيين المخلصين يبذلون الغالي والنفيس في سبيل وطنهم من دون منة او طلب مقابل اخلاصهم، فقد كان العمل نهج حياتهم في مضمار الخدمة المدنية، وواجبا مقدسا يؤدونه بقناعة تامة تشعرهم بالغبطة والرضا. فيا لها من غايات نبيلة تلك التي قصدوا تحقيقها وهم يدركون تماما ان هذا هو مكسبهم ورصيدهم الحقيقي ومصدر سعادتهم في الحياة.
سيد زيد سيد محمد الرفاعي هو احد اولئك الجنود المخلصين، فهو سليل أسرة عريقة اتصلت برسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) نسبا، وبالكويت موطنا، هو رحمه الله من مواليد حي القبلة بمدينة الكويت القديمة عام 1896. تلقى تعليمه كعادة اهل الكويت في الماضي، لدى الكتّاب، واقبل منذ صغره على القراءة بكل انواعها، وتكونت لديه نواة مكتبة أدبية، وساهم في انشاء النادي الادبي.
اما والده سيد محمد سيد عبدالله الرفاعي، فقد كان تاجرا يمتلك متجراً لبيع المواد التموينية، وفي فصل الصيف كان يبحر بسفينته ليزود سفن الغوص بالمواد الغذائية، وكان يصطحب معه نجله سيد زيد الى مغاصات اللؤلؤ. وقد ورث الابن مهنة التجارة عن والده، وكان يسافر الى الهند للاتجار بالبضائع.
وكان سيد زيد من طليعة شباب الكتلة الوطنية التي كانت تؤمن بضرورة الاصلاح من اجل الارتقاء بالكويت ورفعتها، وكان يجمع اولئك الشباب وحدة الفكر والمبدأ، والتحلي بالجرأة ونكران الذات والاستماتة في سبيل مصلحة بلدهم، فعقد العزم ورشح نفسه في انتخابات اول مجلس بلدي في تاريخ الكويت عام 1932، وفاز بالاقتراع السري المباشر، واستمر بالترشيح والفوز بعضوية المجلس في ثلاث دورات انتخابية. ومعلوم ان المتطوعين في مجال الخدمة المدنية في الماضي لم يكونوا يتقاضون اجورا او مكافآت على الرغم من مشقة العمل، وثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم. وكان عملهم يشمل زيارات ميدانية للاسواق والمنازل والمنشآت العامة للتأكد من حسن سير تنفيذ القرارات التي يتخذها المجلس.
وبعد الاحداث التي جرت في عام 1938، تأثرت اعمال المجلس، على الرغم من نزاهة واخلاص وامانة اعضائه من شباب الكتلة الوطنية، وآثر سيد زيد الابتعاد عن الاحتكاك والمواجهة المباشرة مع المتسببين في تلك الاحداث حفاظا على الوحدة الوطنية. فقد كان يمتاز برجاحة العقل، ودماثة الخلق، وكان رحمه الله يؤمن بالحكمة القائلة: ادر لسانك في فمك سبع مرات قبل ان تتكلم. وكان يطبق هذه الحكمة في التعامل مع الامور. وقرر النزوح الى البصرة مع مجموعة من الأسر الكويتية، واستقر في المنطقة التي احبها كثيرا منذ صغره حينما كان يرافق والده سيد محمد في فترة الصيف لتفقد املاكه الشاسعة ومنازله. فقد كانت البصرة مصيفا للعائلة لجمال طبيعتها وقربها من الكويت. وباشر سيد زيد ادارة ممتلكاته هناك، وواصل السفر الى الهند للتجارة.
وكان منزله وديوانه في البصرة داري ضيافة لاهل الكويت، وربابنة سفن السفر التجاري، حيث كان بعضهم يقيم لديه طيلة فصل الصيف.
ومع ذلك لم ينقطع سيد زيد عن التردد على بلده الكويت في زيارات قصيرة، يلتقي فيها الاقارب والاصحاب. وفي مطلع الستينات عقب ثورة 1958 في العراق، قرر سيد زيد العودة الى الكويت والاستقرار فيها بصورة نهائية. وعندما سمع المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراه، بعودة سيد زيد قال مازحا: «الآن تأكدنا ان هنالك ثورة حقيقية في العراق، الثورة التي أعادت سيد زيد الى الكويت بعد محاولات كثيرة لإقناعه بالعودة هي فعلا ثورة حقيقية».
وبعد عودة سيد زيد الى الكويت، عرضت عليه مناصب كثيرة منها رئاسة ديوان المحاسبة. كما قصده بعض الشباب الوطني لإقناعه بالترشيح لأول مجلس امة في الكويت لكي يتولى رئاسة المجلس، ولكنه اعتذر عن عدم رغبته في المشاركة لعزوفه عن العمل الوظيفي من جهة، وبسبب المرض الذي لازمه فترة طويلة.
وفي تلك الفترة جرى تقسيم الاراضي في سوق التجار الحالي وتوزيعها على التجار، وكان سيد زيد اول المرشحين لنيل حصته من هذا التقسيم. ولكنه تنازل عن ذلك العرض لعدم قدرته على ممارسة العمل التجاري نظرا لظروفه الصحية. هكذا كانت حياة سيد زيد الرفاعي، فهو بئر عطاء دائم يردها الناس، وعزوف مستمر عن مغريات الحياة. هذه السمات النادرة وغيرها مما لا يعرفها عنه البعض، سوف يذكرها له ذووه وصحبه، ويسحبون ذيل الفخار، رحمك الله يا والدي العزيز رحمة واسعة، واسكنك فسيح جناته.
د. حصة السيد زيد الرفاعي
*****
أضيف على مقال الدكتورة الفاضلة حصة السيد زيد الرفاعي أستاذة الأدب العربي في جامعة الكويت والتي هي ابنة أخوالي وأعمامي أيضا، أن السيد زيد الرفاعي رزق بأربع بنات تصاهر ثلاث منهن مع كل من الحميضي والمرزوق والسعدون.