عبدالمحسن الحسيني: فريجنا سعود وغنيم أكبر أحياء الحي القبلي
أجرى الحوار جاسم عباس
الرعيل الأول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، إلى ان حققوا الطموح أو بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فإن قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين إلى الأيام الخوالي، القبس شاركت عددا من هؤلاء الأفاضل والفاضلات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع عبدالمحسن محمد الحسيني، قال: تنقسم الكويت قديما إلى منطقتين كبيرتين هما: الشرق والقبلة في الغرب، وهناك منطقة ثالثة صغيرة وحديثة بالنسبة لهاتين المنطقتين، وهي المرقاب، وكانت القبلة من المستشفى الأميركاني حتى قصر السيف. وأضاف: في القبلة أحياء كثيرة وأنا عشت في هذه المنطقة، حي غنيم القريب الملاصق لحي سعود، وفيها أيضا حي الصقر والبدر وابن عثمان والخالد، هذه أحياء تقع على البحر، وهناك أحياء أخرى تقع خلفها بعيدة عن البحر. وقال الحسيني: فريج سعود بالقرب من الفرضة نسبة إلى الشيخ سعود بن جابر الصباح، وأما فريج الغنيم نسبة لأسرة آل الغنيم ففيه براحة بوزبر.
وتحدث الحسيني عما يذكره من معالم فريج الغنيم، قال: خبازنا المشهور بخبز الخميرة وهو الخبز الإيراني الذي كان يخبزه بواسطة التنور، وكان ينقر الخبزة بواسطة أصابعه، وكانت خبزته محمشة المرغوبة، ونداف فريجنا وعبدالله الرحماني والد محمد وعبدالرحمن والجيولوجي محمود كان معي في المدرسة. والنداف هو الشخص الذي ينفش القطن ويبطنه في أكياس الفرش والمخدات، ولا أنسى قوسه الطويل وكان يضرب على الوتر ويصيب القطن. والكويتيون يسمون النداف ايضا «كطان». وكان في فرجينا خياط باكستاني رحمه الله، وحلاقنا سوري ما عنده غير المقص والمشط وكنا نسميه محسن أو مزين. وتابع: أما فريج سعود فمشهور بحفرة بوطيبان نسبة لأسرة البوطيبان، وكانت هذه الحفرة تجتمع فيها سيول الأمطار، ولها دور كبير كباقي الحفر في كل المناطق الداخلية، وكانت ملاذا للعب الأطفال وتربية الكلاب وصيد الطيور في أيام الربيع، وهناك أكثر من ثلاثين حفرة وكانت تحفر الأرض ايضا لغرض الحصول على الطين لبناء المساكن، ومن معالم الفريجين الغنيم وسعود، سكة صغيرة فيها بيت سكن لمدرسي المعهد الديني.
الجيران.. أين هم؟
وتذكر الحسيني الجيران الذين شبعت نفوسهم بروح الإيمان وكانت الحقوق مرعية ومعلومة بينهم، وكانوا يتنافسون في الخير، أين هذه العلاقة في عصرنا هذا؟! فكان حق الجار كحق الوالدين وصلة الارحام، كان الجار هو القريب، آباؤنا كانوا يوصوننا ويكررون النصائح «خير الجيران عند الله خيرهم لجاره»، و«من سعادة المرء الجار الصالح»، واذا مرض احدهم كانت الأدعية تعانق السماء له بالشفاء، وكانوا يقولون لنا: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جارك، وكنا نحترم ونتعاون ونقدم ما نأكل لأربعين جارا من كل جانب، من هؤلاء الجيران الكرماء الذين إذا طبخوا أكثروا الإيدام والرز حتى يوزعوا، فريج الغنيم وسعود كانا يضمان عدة عناصر وطوائف ومذاهب لم نشعر بهذه الفروقات بيننا، كان الإسلام هو التوازن والتواؤم، وهو الوسيلة والتشابك والترابط وكنا كالجسد الواحد، منهم بيت جاسم العنجري والد السيد مشاري، وبيت السمكة، وبوتقي اشكناني، وبهمن، والنصرالله، وسيد حامد الطبطبائي، والخيزيم، وعبدالله البحريني، وبيت الروضان، وعبداللطيف شهاب، وبيت بن ربان سكن فيه يعقوب شماس والد سعيد وسامي، ولا ننس براحة السليم، والآن موقعها جزء من البنك المركزي «سعيد الهيلم» ثم بيت الخميس، ومنزل حسين الحسيني (ابو علي) بالقرب من بيت بوتقي اشكناني بالقرب من مسجد السرحان والمشهور حسب الاعلان بمسجد ياسين القناي.
وقال الحسيني: اما جهة الشرق منزل بوقريص والصانع، والحنيف، ومنزل الجيران والرويح، واما فريج سعود الملاصق لفريج الغنيم فلا ننس بيوت بهمن اصحاب البوم (السفار) الذي طبع عام 1947 اثناء عودتهم من الهند الى الكويت ضربت الاقدار هذا البوم حين هب اعصار اخذ السفينة بمن فيها الى قاع البحر ومعظمهم من عائلة بهمن، ومن هذا الفريج بيت المهيني ودكان اكبر انكي الضرير، رحمه الله، الذي كان يعرف كل قطعة في دكانه، وحتى العملة المغشوشة اذا اعطيناها له كان يطلب منا الانتظار يقوم بخرمها بمسمار ومطرقة ويرميها في وجوهنا، واخيرا قام بنقل الماء من بركة غنيم الى البيوت مع خالي علي الحسيني، وعلي مؤمن ابو الزلوف، ولكن قربة اكبر انكي اكبر القرب، والمسؤول عن البركة خالد الغنيم، وعلي جعفر والد عبدالكريم جعفر وكيل وزارة الصحة، وجده كان مؤذنا في مسجد السرحان، والامام ملا عثمان، ولا ننس من الجيران منزل السلاحي فريج سعود، وبيت المانع، ومنزل مرتوه وكلمد، ناصر المقهوي، ابن بحروه ــ سعد النجار جد عبدالرحمن النجار، ومنزل خالي علي الحسيني المؤذن والقارئ في الاذاعة الكويتية، وهو اول كويتي قرأ القرآن في الاذاعة واول مدرس للمكفوفين في معهد النور.وتذكر الحسيني من الجيران ايضا بيت الرشود والمنصور والطريجي، وفيصل الثويني بالقرب من مدرسة خالد بن الوليد، ومنزل محمد صالح الجوعان، وبيوت الفهد والعون والصرعاوي ومنزل القاضي عبدالعزيز حمادة رحمه الله.
وقال: اذا حلب البقرة بيت العنجري كانوا يوزعون على الفرجان، وحتى خبز الرقاق اذا جهز كان يدخل كل بيت من بيوت الجيران، وام مشاري العنجري كانت توزع الثلج على بيوت لا تملك الثلاجة، ونحن نصيبنا كان نصيب الاسد لملاصقتنا بهم، وثلاجة العنجري كانت تعمل على الكاز (كيروسين)، واتذكر عبدالوهاب السيد هاشم مدير الجمارك، واخاه عبدالحميد السيد المطرب المشهور، ووالدهم رحمه الله سيد هاشم مدرس في المدرسة المباركية، وكان يقيم «المالد» تلك الحفلة تردد فيها الادعية والتواشيح، جلسات تتلى فيها آيات الذكر والمدح لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. وهو الذي علم خالي علي الحسيني القراءة و«المالد».
بداية الدراسة في الأحمدية
وعن تعليمه قال الحسيني: درست في المدرسة الاحمدية عام 1952م التي تعتبر ثاني مدرسة نظامية تأسست عام 1920، وللاسف تهدمت ولم يحافظوا على هذا التراث القيم، ثم درست في مدرسة خالد بن الوليد سوق الذهب الحالي في منطقة المباركية، ثم نقلت الى مدرسة المباركية.
من الطلبة الذين عاشرتهم ودرست معهم: مشاري العنجري، واولاد العنجري، ومحمد تقي اشكناني رحمه الله، وعبدالله تقي، وعبدالله غلوم، وحسن رجب، وعلي رجب من الكنادرة، واولاد المنصور والسمكة ومن المدرسين: احمد ياسين، وجاسم الجناعي، ناظرنا كان صالح عبدالملك الصالح، ثم جاء راشد السيف، فتسلم نظارة الاحمدية احدى عشرة سنة، والمعروف عنه انه اعتزل النظارة وعاد الى التدريس.
انتسبت إلى الكشافة
وقال: عندما كنت طالبا في المباركية كانت الحركة الكشفية في الكويت متقدمة، ولها صيت وسمعة في العالم العربي، فالتحقت بها عام 1954م، وشاركت في عدة معسكرات التي كانت دائرة المعارف تقيمها في عطلة الربيع في قرية الفنيطيس على البحر، حركة تأسست في الكويت سنة 1937، واول معسكر كشفي كان في البدع، وجمعيتها تأسست 1955، والكويت تعتبر عضو في الاتحاد الكشفي الدولي، اضاف الحسيني: كان القائد احمد المهنا، وعلي حسن العلي، وقائد مدرستنا مدرس لبناني اسمه محمود الشيخ.
الكنادرة ليسوا وحدهم
وقال عبدالمحسن الحسيني: لسنا وحدنا الكنادرة الذين نقلوا الماء، وكان ايضا الاشكنانية وغيرهم، ولكن الاسم جاء نسبة لعصا توضع على الاكتاف مع قوطيين فيهما الماء، وغيرنا كانوا يوزعون بالقرب على اكتافهم، واصبحت التسمية مهنة لهم، وكلمة «كندرة» عربية، وهناك حي في مدينة جدة اسمه «حي الكندرة»، وعندما سألناهم قالوا: انهم من السقائين الذين كانوا يوزعون الماء على الاهالي من القديم، وايضا في مكة المكرمة شارع باسم الكندرة، وبعد الاستفسار عرفت ان هذا الشارع كان يمر فيه الكنادرة.
اضاف: اما من يدعي ان الكنادرة هم من قبيلة ما، فهذا خطأ او تسمية الى مدينة ما، فهذا ايضا غير صحيح، اجدادنا جاءوا من بر فارس، وهم اصحاب مهنة «نقل الماء»، وكما قال جدي رحمه الله، وسمعت منه ان الكنادرة عملوا في الخبازة اي وفروا الخبز للأهالي بالاضافة الى توفير الماء، وايضا عملنا في نقل الصخر من العشيرج ساحل البحر في جون الكويت الى السيف لبناء المنازل، وموقعه الان الصليبخات، وايضا نقلنا الصخر من بر غفي في الساحل الشمالي بين الجهراء والصبية، وعملنا في العماير ونشرنا الخشب، وبنينا البيوت في فريج سعود والغنيم، ولكننا اشتهرنا في نقل الماء.
وقال: اشهر من نقل الماء جدي حجي حسين الحسيني، وحجي مظفر، ووالد محمد حبيب بدر، واحمد مريد (عبدالسلام) وجماعتنا في الامارات والبحرين وقطر يلقبونهم بالهولة، اي تحولوا من العرب الى بر فارس هولة اي حوله الى اقرب منطقة لهم في الخليج.
العملات في الماضي
وتحدث عن العملة، فقال: انا من مواليد 1942م كان والدي رحمه الله يعطيني بيزة pies هندية اتذكرها من النحاس الاحمر، وهي جزء من 64 جزءا من الروبية، سحبت البيزة من الكويت في عام 1957، واستبدلت بقطعة جديدة عرفت باسم ناية بيزة التي تعادل تقريبا واحد فلس و3/4 الفلس، وكانت البيزة لها قيمة جمعها بيزات، وكنا نقول: فلان ما عنده بيزات، او عنده بيزات أي النقود. وتذكر الحسيني العملة الدائرية المشرشرة عليها صورة الامبراطور جورج السادس والوجه الثاني كتب عبارة آنة. واما الفئات الورقية لم نكن نشاهدها الا عند الوالد او اصحاب المحال، وهناك روبيات تداولت في الكويت منها: ام صنم وهي من النيكل، ونصف روبية عليها رسم سنبلتين، واربع آنات قطعة من النيكل عليها «أسد اسوكا» وآخر روبية استخدمت عام 1959 وانتهت 1961، وقال الحسيني: ليعرف الأبناء والأحفاد ان الروبية الواحدة = 75 فلساً، نصف روبية 37.5 فلسا، 4 آنات = 18 وثلاثة أرباع فلس، و2 آنة التي كنا نذهب إلى المدرسة والبقالة = 9 وخُمس فلس، وواحد آنة نشتري حلاوة أو شوكولاتة = 4.8 فلوس، والبيزة = 1.2 فلس، وأما الآردي ثلث فلس، وهناك تسميات أخرى مثل: روبية الولد - روبية أصنم - بيزة أم صلعة وأم بنت والشايب، وأم چلاب - البرقشية - المتليك - آردي.
معلم.. مختار
وتحدث الحسيني عن الأعمال التي مارسها قائلاً: مهنة التدريس لعدة سنين في مدرسة العديلية ثم المأمون، ثم رئيساً لقسم الإعلام التربوي بوزارة التربية، ورئيساً لقسم العلاقات العامة بوزارة المالية، فمراقباً للمالية ولإدارة الضيافة، وبعد التحرير عينت مديراً لإدارة العلاقات العامة والإعلام بالهيئة العامة للشباب والرياضة عند تأسيسها، وحالياً، أعمل مختاراً لمنطقة قرطبة.. وتوليت رئاسة مجلس إدارة قرطبة التعاونية لمدة 3 سنوات في بداية تأسيسها، وكنت معداً ومقدماً لبرامج الشباب والرياضة من 1968 الى 1976. وأما عن المختارية فأضاف: أنا مختار قرطبة التي تشمل 5 قطع وسبعة مساجد وفيها مركز للشباب، من أعمال المختار أن يوفر خدمات أفضل للأهالي.
وتذكر مختار قرطبة الحسيني اول مختار للشامية وكان عبدالله المجرن، ولجزيرة فيلكا كان عبدالقادر محمد السرحان، واول مختار لقرية الفنطاس محمد الناصر الحمدان، والاحمدي، السيد عيسى بن عبدالمنعم، وللدعية النوخذة والطواش عبدالله ناصر الروضان، والخالدية والعديلية حمود البرجس، والفيحاء محمد مطلق العصيمي، ومختار المطبة يوسف الروضان، واول مختار للفحيحيل محمد جاسم الدبوس، ولمنطقة الشرق محمد شمس الدين، وللقبلة محمد صالح الحميضي، والدسمة مكي الجمعة، واول مختار لمنطقة قرطبة عبدالمحسن الحسيني.
ألفاظ وذكرياتنا
في الختام، تذكر بعض الكلمات التي لها علاقة بذكريات الطفولة في فريج سعود والغنيم وما زال لها صدى، ومنها: الواردة وهي مدفع رمضان وايضا لعبة شعبية عندما نحصل على مفتاح في احد طرفيه ثقب يربط في طرف عصا، ويربط بين منتصف خيط بطرفه مسمار، ثم يوضع في ثقب المفتاح البارود من اعواد الكبريت، ويوضع المسمار في ذلك الثقب ويضرب على الجدار فينبعث صوت مدو يصل الى مسامع البيوت.
لچمة: كانت تصيبنا قرحة في احد اصابع القدم بسبب السير او اللعب حفاة، حيث نصطدم بحجر وكنا نعالج اللچمة بوسخ الصفار او التبوّل عليها، او يصب كيروسين على الجرح، او الذهاب الى البحر يقال ان العلاج هناك.
بلبول: من ألعابنا من الخشب في اسفله مسمار صغير، ويدار بواسطة خيط من القماش يدعى «سفيفة» وكنا نردد: من عنده بلبول بلى - طاح بالطاسة بلى - وانكر راسه بلى.
هول: لعبة ليلية من 14 لاعبا كل سبعة يشكلون فريقا، لعبة تشبه لعبة كرة القدم، ولكنها من دون كرة.
«انتو سبعة وحنا سبعة
يالله قوموا نلعب هول
الكل منا يشجع ربعه
يحيا اللاعب يالله نقول»
براحة: هي الساحة، لها ذكريات تقام فيها رقصة العرضة ونلعب فيها، وهي لجلوس كبار السن، وفيها المراجيح ايام العيد، ولا انسى براحة السليم وبوزبر.
وختم الحسيني بذكر عمل والده، في شركة النفط، وانتظارهم في ساحة الصفاة لنقلهم الى الاحمدي، ومن ثم عمل في الميناء مع خالي حجي الحسيني، ووالدك يا جاسم (عباس بوتقي).
جريدة القبس - 5/6/2010
يصافح الأمير الوالد رحمه الله
مع الشيخ عبدالله الجابر الصباح
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
|