فيصل الغيص لـ الوطن: فضحت السفير العراقي في البرازيل!
الإعلام البرازيلي أيدنا طوال الغزو وهاجم حكومته لوقوفها «على الحائط» مطالبا بموقف قوي
يوم التحرير كان تاريخياً فخرجنا في مسيرة شعبية حاملين علم الكويت نجوب شوارع «برازيليا»
تفوقت على «قيس المختار» في الحرب الإعلامية.. ومجهوداتي المضاعفة مع طاقم السفارة منحتني لقب «مواطن شرف الريو»
السفير ممثل سياسة بلاده ولو كانت تخالف قناعاته بشكل كبير فليكن أمينا ويستقل
لم أحلم يوماً أن أصبح سفيراً.. لكني نجحت في عملي بحب اللغات وتتلمذت على يد الشيخ صباح عميد الدبلوماسية الكويتية
تفاجأت بالسفير العراقي في البرازيل يطلب مقابلتي في 2 أغسطس!
قد يكون للدبلوماسي دور في صناعة القرار السياسي من خلال آرائه ومقترحاته وتقاريره
أعكف على كتابة مذكراتي الشخصية وسأركز على تجربتي كسفير في أمريكا اللاتينية أثناء الاحتلال
عقيلة الدبلوماسي ليست مجرد ربة بيت وإعدادها لا يقل أهمية عن زوجها
واجهت بشجاعة صدمة خبر الغزو الصدامي.. وكسبت تعاطف الجميع في مؤتمر صحافي جريء
نظيري العراقي كان بعثيا حتى النخاع وتهديداته لم توقف مسيرتي المهنية.. وبعد التحرير خاف من العودة لبلاده وصار لاجئا!
حاوره: فيصل العلي
بمناسبة ذكرى الغزو، التقت «الوطن» السفير المتقاعد فيصل راشد الغيص في حوار ثري ممتع مليء بالدروس المستفادة عن تلك الذكرى الاليمة على نفوسنا، كاشفا عن اسرار من حياته الشخصية والاسرية والمهنية، فتحدث عن اهم المحطات في مسيرة حياته، بدءا بمولده في حي شرق، مرورا بمراحل تعليمه في الكويت ولبنان، وانتهاء بعمله كدبلوماسي الى ان اصبح سفيرا ممثلا للكويت في البرازيل والنمسا وألمانيا والصين.
وفي الحوار عرج الغيص على اسرار تجربته خلال فترة عمله سفيرا للكويت للبرازيل اثناء الغزو ونجاحه في كسب تعاطف الاعلام البرازيلي والتغلب على نظيره العراقي في الحرب الاعلامية بينهما رغم التهديدات التي تلقاها.
وتحدث عن دور وزير الخارجية البرازيلي البارز في تلك الفترة الحرجة اذ فتح له ابواب وسائل اعلام بلاده على مصراعيها لينقل قضية بلاده العادلة.
وتطرق الغيص كذلك الى مجهودات طاقم السفارة معه في كل مرحلة حتى تكللت تلك الجهود المضنية بالنجاح وتحقق حلم كل الكويتيين بلحظة التحرير التي جاءت تاريخية اذ اعد مسيرة شعبية جابت ارجاء العاصمة برازيليا ابتهاجا بتلك المناسبة وكلما انتقلت من منطقة لأخرى اتسعت بانضمام كثير من البرازيليين الينا لمشاركتنا افراحنا بعودة بلادنا الينا.
كما كشف الغيص – خلال الحوار – عن عثوره على 4 وثائق رسمية قديمة عن الكويت في فيينا، ويسعى الى ترجمتها، وفي الوقت نفسه لفت الى انه يعكف على اعداد مذكراته الشخصية وسيركز خلالها على تجربته سفيرا للبلاد في امريكا اللاتينية خلال فترة الغزو الصدامي لتكون وثيقة مهمة امام الاجيال المقبلة.. وفي السطور التالية شهادة الغيص حول مرارة الغزو وفرحة الانتصار..
< هلا حدثتنا عن البيئة التي ولدت فيها؟وكيف كانت طفولتك والكويت في الخمسينيات؟ وكيف كان نظام الدراسة؟ وما الألعاب الشعبية التي كنت تمارسها؟
- ولدت في عام 1945 في حي الشرق.ولما جاء وقت الاستملاك الحكومي «التثمين» انتقلنا الى حي المرقاب ثم الى القادسية فالروضة.وتلقيت تعليمي الابتدائي في مدرسة الصباح ومدرسة قتيبة ثم المرحلة المتوسطة في مدرسة صلاح الدين ثم المرحلة الثانوية في ثانوية الشويخ.وكانت الكويت في الخمسينيات بلدا مريحا جدا على الرغم من بساطة الحياة فيها.فلم تكن مكتظة بالمباني والسكان ولم يكن هواؤها ملوثا، فكان البر يزدهر في فصل الربيع بالأزهار من مختلف الأجناس والألوان كالبساط الملون، خاصة بزهور النوير.وكنا نعيش حياة بسيطة لكنها كانت صحية ومريحة.وأهم شيء هو ان الكويتيين كانوا يشتغلون في كل المهن ويحترمون العمل ويتفانون فيه.أما الآن فكثيرمنا مع الأسف ليس كذلك.وكان المجتمع الكويتي صغير العدد متماسكا ومتجانسا لم تدخل عليه العادات الغريبة كالغش والفساد والتزوير والسرقات، وأذكر ان الأمن كان مستتبا، ليس بالقانون وحسب، بل الأهم من ذلك في عقول وقلوب الناس، بل ان الأمن كان من المسلمات الاجتماعية.فأذكر على سبيل المثال ان والدي لم يكن يقفل دكانه في سوق واجف حينما كان يعود الى المنزل في الظهيرة، بل يكتفي بانزال المظلة الشمسية، وهكذا كان يفعل الجميع.وكنا نعيش طفولة ممتعة نقضيها بالألعاب الشعبية، وكانت بسيطة أهمها «المقصي» و«الدرباحة» و«غميمضة».كذلك كانت لدى الصبية هواية اصطياد الطيور بالفخ أو بالنباطة.
ذكريات المدرسة
< كيف كان نظام التعليم قديما وما هي ذكرياتك عن ثانوية الشويخ التي درست فيها؟
- لم تكن لدينا مرحلة رياض الأطفال، بل كنا نبدأ التعليم النظامي في سن السادسة بالمرحلة الابتدائية لمدة أربع سنوات وكنا نسميها مرحلة الروضة، ثم المتوسطة أربع سنوات، وكنا نسميها الابتدائية ثم يتوزع الطلاب بين ثانوية الشويخ والكلية الصناعية والمعهد الديني. أما البنات فكن يتوزعن بين الثانوية وكلية المعلمات وكلية التمريض.ومن ينهون المرحلة الثانوية أو الصناعية بدرجات تسمح لهم بمواصلة دراساتهم العليا كانت الدولة، وكذلك شركة نفط الكويت، ترسلهم في بعثات الى الخارج، اذ ان جامعة الكويت أنشئت في سنة 1966والمعهد التطبيقي بعد ذلك.وجيلنا لم يكن متاحا له السفر الى الخارج خلال عطلة المدارس الصيفية، لذلك كان أهلنا يلحقون كثيرا منا بمدرسة الملا «الكتاتيب» خلال العطلة الصيفية لمزيد من الفائدة والتحصيل.وكان الملا يركز على مادة الدين واللغة العربية وبعض مبادئ الحساب.وكان نظام التعليم قويا والمناهج كذلك وكان المعلم له احترام شديد وكنا نخاف من المدرسين لدرجة أنهم كانوا يعاقبوننا عقابا جسديا بالضرب بالعصا أو الخيزرانة.وكانت الملهيات المادية المتاحة لنا قليلة، فلم تكن عندنا سيارات ولا كمبيوترات ولا راديو ولا تلفاز أوغير ذلك.وكانت الدراسة جادة ومستوى المدرسين والطلبة عاليا وكان الطالب ينظر الى الدراسة ليس كشهادة تتيح له الحصول على وظيفة فقط، بل كوسيلة للعلم وكمفتاح للثقافة والترقي الاجتماعي والذهني.لذلك كان لدى الطلبة شغف بالتحصيل وبالذات بالمطالعة الخارجية، وكانت هناك ظاهرة جيدة هي مادة «الهوايات» التي تتيح لكل طالب ان يختار تعلم الهواية التي يريدها من الرسم الى النجارة الى الطباعة الى التمثيل وغير ذلك وكانت ثانوية الشويخ صرحا علميا بارزا ومحترما جدا.وفي رأيي كان مستوى التعليم فيها يعادل الجامعات ونحن شعرنا بذلك حينما سافرنا للدراسة الجامعية في الخارج.كذلك كانت مدارس البنات قوية وكانت البنات بصفة عامة أكثر تفوقا في الدراسة من البنين.ومن أهم ما كان يميز ثانوية الشويخ موقعها ومبانيها المتعددة والفسيحة وبنظام السكن الداخلي لمن يريد، واختاره معظمنا.والى جانب الطلاب الكويتيين كان يسكن في القسم الداخلي طلبة البعثات من بلدان الخليج العربي واليمن وبلدان المغرب العربي وفلسطين.كذلك تميزت ثانوية الشويخ بمسرحها المشهور الذي كانت تقام عليه أمسيات ثقافية وفنية وشعرية يحييها الطلاب مع اساتذتهم.كذلك كان المسرح يستخدم لمناسبات رسمية وشعبية من خارج ثانوية الشويخ لأنه كان أهم وأكبر مسرح في الكويت آنذاك.وبالنسبة لي فانني أحمل أجمل الذكريات من سنين ثانوية الشويخ واشعر بالفخر كوني درست فيها خلال عصرها الذهبي.
حب اللغات
< لماذا اخترت الدراسة في بيروت بينما أبناء جيلك كانوا يفضلون القاهرة؟ وهل وجدت صعوبة كون دراستك باللغة الانجليزية؟
- كانت الدراسة خلال السنتين الأخيرتين من المرحلة الثانوية تنقسم الى قسمين، علمي وأدبي. وكنت انا في القسم الأدبي وكان نظام البعثات يسمح بارسال طلبة القسم العلمي الى البلدان الأجنبية علاوة على البلدان العربية، أما خريجوالقسم الأدبي فكانت بعثاتهم محصورة بالدول العربية.وكان هذا في رأيي نظاما خاطئا، اذ كيف نفرض على من يريد ان يتخصص في اللغة الانجليزية ان يدرس في بلد عربي بدلا من بريطانيا أو على من يريد التخصص في اللغة الفرنسية وآدابها ان يدرسها في بلد عربي بدلا من فرنسا!!!
وكنت أود ان أدرس مادة اللغات المقارنة وكنت أعلم ان هذه المادة تمتاز بها جامعات سويسرا وبريطانيا، لكنني حرمت من هذه الفرصة مع ان ترتيبي كان الأول على القسم الأدبي في شهادة الثانوية العامة.لذلك اخترت الجامعة الأمريكية في بيروت لعلمي بقوتها وبسمعتها الممتازة وكذلك لأنني أردت التعرف على مزيد من الثقافات والعلوم واللغات الأجنبية، وشجعني على ذلك ان لغتي الانجليزية كانت قوية بحيث انني التحقت بالسنة الجامعية الأولى رأسا وبدون حاجة لقضاء فترة في دراسة اللغة.وأدين في توجيهي وحسن اختياري للجامعة لناظر ثانوية الشويخ انذاك، الأستاذ سليمان المطوع.ولقد تخرجت في الجامعة المذكورة بمرتبة الشرف. وهكذا فانني لم أجد أية صعوبة لكون الدراسة هناك باللغة الانجليزية، وخلال دراستي الجامعية كنت أدرس كذلك اللغتين الألمانية والفرنسية، وكنت أمضي العطل الصيفية في المزيد من دراسة اللغة الألمانية في ألمانيا بمنح من الحكومة الألمانية.
بناء علمي صلب
< وما سر تفوقك الدراسي في الثانوية والجامعة؟
- التفوق الدراسي في المراحل المتقدمة- أي الثانوية والجامعية- لا يمكن ان يتحقق بدون تكوين بناء علمي صلب في جميع المراحل السابقة.فالتعليم عملية تراكمية، بمعنى ان الطالب الذي كان كسولا او ضعيفا في مادة ما طوال سنوات دراسته لا يمكنه ان يتفوق فيها فجأة في السنة النهائية من دراسته الثانوية بأن يجتهد فيها خلال تلك السنة فقط.فأنا كنت أحب التحصيل العلمي وشغوفا بالتعلم والمطالعة منذ صغري وكنت متفوقا في جميع المراحل الدراسية وكنت أخصص وقتا كافيا للمذاكرة بدون مبالغة في ذلك، ولكن بشكل منظم.كذلك يساعد الطالب كثيرا ان يضع لنفسه نظاما معينا للمذاكرة، وهذا يختلف من شخص لاخر.كذلك يجب ان يترك لنفسه وقتا كافيا للراحة ولممارسة هواياته وللتسلية وللمطالعة الخارجية وللرياضة البدنية.فأنا كنت في فريق الجمباز وكنت أحرص على ذلك.
كذبة ابريل
< ولدت في الاول من شهر ابريل.فهل شكل ذلك أية ابعاد بين اصدقائك على الاقل؟
- كلا، لم يكن لتاريخ ميلادي أية أبعاد تذكر.فجيلنا لم يكن يهتم بتواريخ الميلاد ولم يكن من عاداتنا الاحتفال بأعياد ميلاد الأفراد.وكل ما يمكن ان أذكره بهذا الخصوص هو ان بعض اصدقائي الاجانب يتندرون أحيانا بعيد ميلادي على أنه كذبة أبريل.
< هل كنت تتمنى في صغرك ان تصبح سفيرا؟
- كلا، لم تكن هذه أمنيتي في الصغر على الاطلاق!!!
أميرنا أستاذي
< ولم اخترت العلوم السياسية في دراستك؟
- لأن الجامعة الامريكية في بيروت لا تقدم برنامجا لدراسة اللغات المقارنة - وهذا تخصص يوجد في عدد محدود من الجامعات في العالم - فقد قررت دراسة العلوم السياسية الى جانب ما أستطيع من اللغات لاشباع هوايتي.وحتى حينما تخرجت لم أكن أفكر في العمل بالسلك الدبلوماسي، بل انني توجهت فورا لمقابلة مدير جامعة الكويت آنذاك، الأستاذ الفاضل أنور النوري، لأتعين كمعيد بعثة، ولكن نظرا لأن الجامعة لم تكن في حاجة الى معيدين في العلوم السياسية آنذاك فقد نصحني بالتوجه الى وزارة الخارجية.ولما وافقت اتصل هو فورا بالأستاذ الفاضل راشد الراشد، وكيل وزارة الخارجية آنذاك، الذي كان قد درس أيضا في الجامعة الأمريكية في بيروت، وأخبره بأن لديه مرشحا يقدمه له وأخبره بأهم المعلومات الدراسية عني.فطلب الأستاذ راشد مقابلتي فورا، فذهبت الى وزارة الخارجية وأجرى معي مقابلة شخصية واطلع على شهاداتي ثم أمر مدير مكتبه باتمام اجراءات تعييني في الوزارة كملحق دبلوماسي، ولقد تعلمت الدبلوماسية أنا وجيلي على يد والدنا وأستاذنا صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح ومجموعة من المدراء والسفراء الذين سبقونا كالأساتذة راشد الراشد وعبدالله زكريا الأنصاري وعبد المحسن الدويسان وفيصل الصالح المطوع وعبدالله بشاره ومحمد السداح وسليمان ماجد الشاهين وغيرهم.
صفات الدبلوماسي الناجح
< وما الصفات الواجب توافرها في الدبلوماسي الناجح؟
- من الصفات المرغوبة ان يكون الدبلوماسي واسع الثقافة والاطلاع في مختلف الميادين وأن يكون متابعا للأحداث وأن يكون ذا تكوين علمي مكين.وفي العصر الحديث لم يعد يوجد مفهوم الدبلوماسية العامة، بل هناك كذلك الدبلوماسية المتخصصة بمعنى أنه على الدبلوماسي ان يكون ملما ليس بالمسائل السياسية فقط بل كذلك بالاقتصاد والقانون الدولي والتاريخ والجغرافيا.ومن صفات الدبلوماسي الناجح كذلك ان يكون ملما بالأوضاع في بلده متابعا للتطورات فيها بشكل مستمر وكذلك ان يكون على معرفة جيدة بالبلد المضيف سياسيا واقتصاديا وتاريخيا وان يحترم ذلك البلد وقوانينه وثقافته وعاداته الاجتماعية وأن يظهر ذلك الاحترام.كذلك من المهم ان يجيد فن الحديث والاصغاء وأن تكون له مصداقية في تعامله مع الاخرين ومتواضعا.ومن المفيد جدا ان يكون الدبلوماسي على معرفة بأكبر عدد ممكن من الثقافات الأجنبية.واذا توفرت له عدة لغات أجنبية فهذا أفضل كذلك.لكنني لا أرى كيف يمكن لأي دبلوماسي ان ينجح في عمله ان لم يكن متمكنا من لغته العربية واللغة الانجليزية على الأقل!!!!
صدمة الاحتلال
< وكيف تلقيت خبر الاحتلال وانت في البرازيل؟
- كما تعلم كانت هناك حالة توتر بين العراق والكويت قبلها وكنا نتابع تطور ذلك الوضع عبر التصريحات ووسائل الاعلام وعبر الرسائل المتبادلة الى الجامعة العربية، كما كنا نترقب اجتماع الطائف باهتمام وقلق.علمت بالاحتلال من زملائي في سفارتنا في لندن فجر الخميس.وقتها كان والداي المتقدمان في السن يزوراننا في البرازيل، فاتفقت مع زوجتي على ألا توقظهما خوفا عليهما من الصدمة.حضر زملائي وزوجاتهم الى السفارة مصابين بالذهول وبدأنا نتابع ما تبثه وسائل الاعلام.ثم وصلنا تعميم من وكيل وزارة الخارجية، السيد سليمان الشاهين، يخبرنا بحدوث الاحتلال.فاتصلت بوزارة الخارجية البرازيلية لمقابلة الوزير ولأطلب حماية للسفارة، لكن الحكومة البرازيلية قدرت خطورة الوضع وأرسلت من ذاتها قوة من الشرطة الخاصة، يسمونها البوليس الفيدرالي، في ساعة مبكرة.وتم تحديد موعد فوري في نفس الصباح لأقابل وزير الخارجية السيد «فرانسيسكو رزق» وهو بروفيسور في القانون الدولي. فوجدته مستاء جدا مما حدث ووصف التصرف العراقي بأنه أمر لا يقبله المنطق ولا القانون الدولي ويخرق المواثيق الدولية.فشكرته كثيرا على هذا الموقف وطلبت ان يتم اعلانه في بيان ادانة يتم توزيعه على وسائل الاعلام. فوعدني بأن يتم ذلك بعد اجتماعنا على الفور، وهو ما تم بالفعل. بعد ذلك قلت لمعالي الوزير ان المرحلة القادمة ستتطلب مني تكثيف نشاطي من خلال وسائل الاعلام وأرجو ألا يزعجهم ذلك.فرد بأن هذا أمر طبيعي في حالة احتلال عسكري كهذا وبأن كل الأبواب مشرعة أمامي، وكانت علاقة العراق مع البرازيل قوية، فالبرازيل كانت أكبر شريك تجاري للعراق والعراق كان ثاني أكبر شريك تجاري للبرازيل بعد الولايات المتحدة، مما أثار بعض التخوفات بشأن الموقف الذي ستتخذه الحكومة البرازيلية.مع ذلك صوتت البرازيل لصالح القرارات الدولية المؤيدة للحق الكويتي وطبقت الحظر الاقتصادي بشكل جيد. ومن جهة أخرى أدت الصحافة البرازيلية دورها على خير وجه، وهي صحافة تتمتع بحرية كبيرة.ووقف الشعب البرازيلي وكل الشعوب اللاتينية الى جانب الشرعية الدولية بقوة، ماعدا المهاجرين العرب، الذين انقسموا حول هذه المسألة فكانت تلك تجربة كبيرة ومسؤولية جسيمة تجاه بلدنا تحملتها كفريق مع الطاقم الدبلوماسي الكفء المكون من الاخوة أحمد الدواس وغسان الدويسان ومحسن ظبية، وقد أبلوا بلاء حسنا وكانوا عند حسن الظن بهم وقاموا بواجباتهم على خير وجه.كذلك أقدر الجهود المضاعفة التي بذلها الطاقم المحلي في السفارة خلال تلك الفترة الصعبة.
بعثي حتى النخاع
< وماذا عن السفير العراقي في البرازيل؟
- السفير العراقي في ذلك الوقت اسمه «قيس توفيق المختار» من تكريت، أي أنه «بعثي حتى النخاع»، وزوجته رئيسة اتحاد المرأة العراقية. وكان قبل ذلك مدير مراسم رئاسة الجمهورية. وفي صباح يوم الاحتلال جاءني السفير الجزائري متعاطفا.كذلك اتصل بي ممثل فلسطين مستنكرا ما حدث، وكلها مواقف شخصية الى ان اتضحت مواقف بلدانهم فتغيرت مواقفهم. لكن السفير الجزائري كان راقيا، فلم يقم بأي عمل أو يدلِ بأي تصريح ضد الكويت ولزم الصمت – تماما كما فعل السفير التونسي - بينما السفير الفلسطيني، واسمه أحمد صبح، الذي استعان به السفير العراقي، عين نفسه محاميا للنظام العراقي وجعل احتلال الكويت قضيته.ولقد أطلعني فيما بعد صديق فلسطيني لم يعجبه موقف القيادة الفلسطينية على برقية بخط ياسرعرفات يطلب فيها من كل ممثليات فلسطين الرسمية والشعبية في الخارج دعم الموقف العراقي.
وبعد فترة صمت واخذ نفس عميق راح يتذكر فترة مهمة من تاريخ عمله: وفي صبيحة الاحتلال طلب السفير العراقي مقابلتي واذ به يوجه أو ينقل لي تهديدا مبطنا بأن أمتنع عن التحدث مع وسائل الاعلام والا فانهم سيؤذون أهلي في الكويت.فرفضت تهديده وصرفته وأعلنت تصرفه هذا لممثلي وسائل الاعلام البرازيلية في أول مؤتمر صحافي عقدته، ونشرت وسائل الاعلام ذلك.وسأفصل هذه الحادثة الهامة في مذكراتي ان شاء الله.أما السفير العراقي فاستمر يعمل في البرازيل لحين الاطاحة بالنظام البائد وحينها تم عزله، فخشي ان يرجع الى بلاده وظل حتى الآن يعيش كلاجئ في البرازيل.
فضح النظام العراقي
< وما الخطوة التي تلت تلك المقابلة؟
- بدأت مع زملائي على الفور بجمع وترتيب المعلومات التاريخية والسياسية التي تدعمنا ووضعنا خطة تحرك ترتكز على المحاور التالية:الاتصال المكثف بالمسؤولين في الدولة والبرلمان والأحزاب السياسية ومحاولة كسب أكبر عدد ممكن من السفراء والدبلوماسيين العرب والأجانب والعمل عن كثب مع سفراء ودبلوماسيي البلدان الحليفة والصديقة والتحرك الاعلامي النشط ولكن المحسوب والمؤثر.ورغم أهمية كل هذه المحاور فان المحور الاعلامي كان مفصليا في ظرف كهذا.فأنت اذا كسبت تعاطف وسائل الاعلام والجمهور بواسطتها فانك تكسب البلاد كلها.ولا يكفي ان تكون صاحب حق، بل من المهم ان تكون محاميا جيدا لهذا الحق وأن تستطيع تبيانه.كان علينا كذلك ان نغطي عدة بلدان في القارة الامريكية الجنوبية، كوننا آنذاك السفارة الكويتية الوحيدة في تلك القارة فكان لزاما علينا اذا ان نتحرك باتجاه الاعلام، فجمعت المعلومات اللازمة ودعوت الى أول مؤتمر صحافي.واقترح عليّ نائب عميد السلك الدبلوماسي في البرازيل وهو سفير هاييتي دعوة كل السفراء.فقمت بتطوير الفكرة لاشراك السفراء وبعض الشخصيات البرازيلية.وكانت قد اتصلت بي متعاطفة حاكمة مقاطعة برازيليا «مارسيا كوبيتشيك»، ابنة رئيس جمهورية البرازيل السابق جوسيلينو كوبيتشيك، مؤسس العاصمة برازيليا.وكانت مارسيا سياسية مشهورة من الحزب الحاكم وكانت هي وعائلتها أصدقاء لأسرتي.كما اتصلت بي متعاطفة أستاذة التاريخ في جامعة برازيليا «سلفانا رومنتشيني» التي سبق ان راجعت لها رسالة الدكتوراه عن الشرق الأوسط.فطلبت حضورهما المؤتمر الصحافي وأجلستهما وكذلك القائم بالاعمال السعودي، الأخ منصور صالح الغامدي، معي على الطاولة الرئيسية وطلبت من الدكتورة سلفانا ان تكون عريف المؤتمر.ولم تكن في البرازيل من الخليج سوى سفارتي الكويت والسعودية.وحضرت كل وسائل الاعلام ومعظم السفراء.فكان مؤتمرا صحافيا ناجحا شرحت خلاله خلفية الاحتلال وذكرت ايضا تهديد السفير العراقي ان أنا تحدثت الى الاعلام.فنشرت وسائل الاعلام ذلك وكانت تلك فضيحة كبيرة لممارسات وطبيعة النظام العراقي واحراجا لسفيره.وعلى اثر ذلك احتلت قوات الاحتلال بيتي وبيت والدي في الكويت ونهبتهما.
تأييد برازيلي
< وكيف كانت ردة فعل الاعلام البرازيلي؟
- وقف الاعلام البرازيلي بجميع أجهزته الى جانبنا تماما، بل انه كان يوجه النقد للحكومة البرازيلية ويتهمها بالوقوف «على الحائط» ويدفعها لتبني موقف أقوى وكان له تأثير كبير في ذلك بالفعل.وكانت وسائل الاعلام تقابلني وتقابل السفير العراقي في اليوم نفسه. وحرصت وزملائي على معاملة رجال الاعلام باهتمام واحترام بالغين وبمنحهم كل الوقت الذي يحتاجونه أو نحتاجه نحن، فلقد أدركنا منذ اللحظة الأولى ان الاعلام الحر، كما هو الحال في البرازيل، سيكون سلاحنا الأقوى ان احسنا استخدامه.وساعدنا في ذلك عدالة قضيتنا بالدرجة الأولى وكوني أتحدث الى الشعب بلغته بينما كان السفير العراقي يتحدث بواسطة مترجم، لدرجة ان احدى الصحف أجرت ذات مرة مقارنة بين الحرب الاعلامية للسفارتين في مقال بعنوان «الكويت هي المنتصرة في برازيليا»، وكان هذا المقال ساخرا جدا بحق السفير العراقي وسفارته.
التحرير أسعد اللحظات
< وماذا عن التحرير؟
- أسعد لحظات حياة كل كويتي.كنا قد شكلنا لجنة شعبية برازيلية باسم «اللجنة البرازيلية لمناصرة الشعب الكويتي»، فخرجنا مع اللجنة في مسيرة تحمل العلم الكويتي جابت شوارع العاصمة ابتهاجا بهذه المناسبة.وكم كان سرورنا حينما رأينا المسيرة تكبر باستمرار بانضمام الجمهور البرازيلي اليها شيئا فشيئا.
ك < وما اللغات التي تجيدها؟
- العربية والانجليزية والألمانية والفرنسية والبرتغالية والأسبانية ثم الايطالية والفارسية والصينية بدرجة أقل.
4 وثائق رسمية
< وهل ساعدتك تلك اللغات في عملك؟
- جدا جدا، ولمست ذلك أكثر ما لمسته في البرازيل في الدفاع عن قضية الكويت.كذلك ساعدتني لغاتي في جميع محطات عملي كدبلوماسي وكسفير في التواصل مع المسؤولين ووسائل الاعلام وأفراد الشعب وكذلك في التعرف والاطلاع المباشر على ثقافات وطرق تفكير الشعوب المختلفة وقراءة ومشاهدة وسائل اعلامها بشكل مباشر وفوري، وعلى كسب صداقات بين السفراء الأجانب. وحينما كنت سفيرا في النمسا زرت المكتبة الوطنية، واستفدت من لغتي الألمانية بأن عثرت على أربع مذكرات رسمية من سفراء الامبراطورية النمساوية-الهنغارية في القسطنطينية الى وزير خارجية الامبراطورية في مطلع القرن العشرين حول «مشكلة الكويت» وخط حديد برلين - بغداد وفكرة ايصاله الى الكويت.ولقد أرسلت صورة عنها في حينه الى وزارة الخارجية الكويتية، كما سلمت صورة الى الأخ د.عبدالله الغنيم، رئيس مركز الدراسات والبحوث الكويتية، وسوف أترجمها الى اللغة العربية.
|