
27-04-2025, 01:18 PM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 27
|
|
علم الأنساب : خرافة الخرافات
اشتهر الشيخ حمد الجاسر بعبارة مثيرة للجدل، قال فيها: «علم الأنساب خرافة الخرافات»، فهل كانت هذه المقولة خلاصة سنواته الطويلة، التي قضاها في البحث والتقصي عن أنساب القبائل العربية؟ وما الذي أوصله إلى هذه القناعة الصادمة؟
لقد دخلت الجزيرة العربية في «عصر الظلام» عقب سقوط دولة المماليك على يد السلطان العثماني سليم الأول. ومنذ ذلك الحين، انشغلت القبائل بالسعي وراء لقمة العيش، مما أدى إلى انقطاع الصلة بين القبائل الحديثة والقبائل الأم، وطمس الكثير من ملامح النسب القديم.
وقد بدت آثار هذا الانقطاع واضحة في علم الأنساب، إذ إن قرناً واحداً من الجهل والتراخي في نقل الرواية كفيل بإسقاط سلسلة النسب المتوارثة، لتبدأ الأجيال الجديدة من نقطة الصفر، كطفل وُلد لتوّه، لا يدري ما كان قبله.
كما أن الحاجة إلى الارتباط بالقبائل الجاهلية فقدت قيمتها الفعلية، فالقبيلة الحديثة اكتسبت شرعيتها من الواقع الاجتماعي والثقافي في الجزيرة، وأصبحت تقدّم للفرد كل مقومات الحياة من حماية، وعزوة، وزواج، وانتماء وغيرها من الحاجات.
وحين فاض الخير على الجزيرة العربية، وعاد الأدب ينبض في عروق العرب، عاد معه شغف البحث عن الحقيقة الغائبة. لكن الكثير من المؤرخين عجزوا عن الربط الدقيق بين القبائل الحديثة وعلاقتها بالقبائل الجاهلية، فلجأ بعضهم إلى التشابه في الأسماء، مما أدى إلى تضارب الآراء، ووصلت التعددية إلى حد أن بعض القبائل نُسبت إلى أكثر من أربعة أجذام عربية مختلفة!
حاول الشيخ حمد الجاسر تجاوز هذا القصور بمنهج جديد ومحايد، مستنداً إلى جغرافيا القبائل الجاهلية ومقارنتها بالقبائل الحديثة، التي تسكن المناطق ذاتها، لكنه واجه رفضاً واسعاً في ذلك الوقت.
ويبدو أن قناعته تلك جاءت نتيجة التعدد الكبير في الأقوال حول أنساب القبائل المعاصرة، وغياب منهج علمي رصين يُرجّح بين الروايات المتضاربة.
بيد أن ظهور علم الأنساب الجيني أعاد الأمل إلى الباحثين، وفتح الباب من جديد لمراجعة هذا الملف. ولو كان الشيخ حمد الجاسر على قيد الحياة اليوم، لكان من أوائل المرحّبين بهذا العلم الجديد.
لقد أثبتت الدراسات الجينية الخاصة بعلم الأنساب وجود هيكلة جينية تتوافق الى حد كبير مع ما ورد في كتب الأنساب التقليدية، وهو ما يدحض مقولة «خرافة الخرافات»، ويُثبت أن لهذا العلم أساساً راسخاً. وهذا يمثل انتصاراً للتراث العربي، ومصدر فخر لكل عربي ومسلم، ولو علم الشيخ حمد بهذه النتائج، لابتهج بها أشد الابتهاج رحمه الله.
وتبقى الأسئلة مطروحة:
ما هو المدخل السليم والمنهج الرصين لهذا العلم الجديد؟ وكيف توصّل الباحثون إلى هذه الهيكلة الجينية المتوافقة مع روايات الأنساب القديمة؟ وهل تم فحص رفات قضاعة وربيعة ومضر حتى يقال إن هؤلاء هم أحفادهم؟!
سنتناول هذا في الجزء الثاني من المقال بعنوان: «الصُّرحاء».
عبدالرحمن وليد بن سلامة
https://alqabas.com/article/5945521 :إقرأ المزيد
|