عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20-02-2009, 08:56 PM
الصورة الرمزية الأديب
الأديب الأديب غير متواجد حالياً
عضـو متميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 448
افتراضي

(القبس)

وصلها من طولكرم قبل 50 سنة
عمر الخليل: «هدايا بلقيس» حملناها إلى الكويت

أجرى الحوار: جاسم عباس

في سلسلة حلقات من «قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات من الرعيل الاول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للايام الخوالي، الي الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتآلفة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف ان يشمل معهم عددا من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت الى الكويت قبل 40 او 50 سنة، فجاهدوا وعملوا، كل في مجاله ومازالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، ولن يستمر هذا التواصل والعطاء لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت واهلها لهم.



في مستهل لقائنا مع عمر احمد يوسف الخليل، قال: دخلنا الكويت عام 1958 ومعنا التوابل والبهارات، حملنا من مدينة طولكرم نباتات طيبة الرائحة، فكانوا يقولون عن البهار «عين البقر أو بهار». ومعنا ما يطيب به الاكل، حتى كبار السن من الكويتيين كانوا يسمون والدي «التبال» ، حملنا معنا الفلفل من اشهر التوابل.

واضاف: انا الان مع التوابل والقهوة التي كانت تسمى بشجرة البن العربي، شراب يدخل البدن، يروي ويوقظ وينعش، بلغ مبلغ الصدارة عند اهل الكويت، من بين الاشربة، شرابان: الشاي والقهوة، خمسون عاماً مع حب الهال والبن والقرفة والزنجبيل وجوزة الطيب.

وتذكر عمر الخليل الطائرة العربية التي اقلتهم من مطار القدس الى مطار النزهة الدولي، متذكراً الحقيبة التي كانت بيد والده، وفيها الصفقات والاسعار الخاصة بالبندق واللوز والفستق، وجوزة البرازيل «النقل» والسبال «الفول السوداني» وزيته.

وتذكر ما في الحقيبة من طلبات للعدس الذي كان معروفاً في الكويت، ومن اقدم البقول واكثرها غذاء، وفي علم الضوء صنعوا من الزجاج قرصاً فأسموه عدسة، وما سمي بهذا الاسم الا لشبهه ببذرة العدس.

قال الخليل: من بلدة فلسطينية مرتبطة بالخط الحديدي القدس – حيفا فتحها الى الانكليز عام 1918 جئنا، ونملك تخصصاً في طحن القهوة ايضاً، لدينا مكائن وآلات ضخمة تصنع البهارات وتجهزها للطعام، واول محل لنا كان في شارع دسمان بجانب مدرسة الصباح ومدرسة خديجة في الميدان، ومن جيراننا المطرب محمود الكويتي، كان له محل لبيع الادوات الموسيقية، يغلقه في النهار لذهابه الى الاذاعة، وفي المساء يفتحه،
ولم يكن في الكويت الا مطحنة غزة فلسطين في منطقة المباركية، ونحن «سمراء عدن» ولا توجد مطاحن متكاملة وجاهزة لكل التوابل والحبوب الا هاتين ولا انسى المرحوم عبدالرسول ابل، وكان محله في اول سوق الغربللي، كنا نشتري منه كل انواع التوابل.


(الشيخ جابر زائراً المطحنة .. وبجانبه أحمد الخليل والد عمر)

السكن في «شرك»!
وقال الخليل: عند وصولنا قال احد المستقبلين للوالد: سكنكم بين البحر واكبر ساحة في الكويت، وهي الوحيدة «الصفاة»، وعندكم المدارس ومنها: المدرسة الشرقية للبنين، ومدرسة الصباح التي انشئت سنة 1948، وفي الشرق دار للسينما عند وصولنا عام 1958 بدأ العمال بهدمها، وكنت اسمع كلمة «شرك» اي «شرق» من الكويتيين.

وقال: انتقلنا بعد الشرق الى حي في شرق العاصمة، وعرفت من الطلبة في المدرسة انها كانت ارضاً صلبة فيها حجارة، وان اول من سكنها صبر على ارضها الصلبة خصوصا اثناء حفر الآبار او برك الماء، واما في اللغة فكلمة الصوابر «جمع: صبر» وهي الحجارة المتجمعة الغليظة، وقيل عن الصوابر ايضاً انها شجرة شديدة الحموضة.
اضاف عمر: كنت اقطع مسافة من منزلنا في الصوابر الى المدرسة المباركية بين القبور.

واما عن الدراسة فقال: ثم درست في المعهد الديني بالقرب من حي البلوش خلف مقبرة «مدوة» ثم تحول الى مدرسة كاظمة، ودرست في «الارشاد الاسلامي» ذات المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ثم اكملت الدراسة في الهند.

العاب المقبرة
قال: كنا نلعب في فريج الحساوية وكان يعرف ايضاً بفريج الصوابر، كل العابنا كانت في المقبرة منها: لعبة عماكور التي تعصب عين واحد من اخواننا، واذا اراد ان يصطادنا يضرب بشواهد القبور، ونصيح عليه «عماكور طاح بالتنور»، وصلاة البقر، ولعبة صبت، والبلبول والدقة، وخروف مسلسل، وما احلى الحبال عندنا في فصل الربيع وفي المقبرة الهادئة من الناس، كنا نضع الفخ، والصلاية، وبأيدينا النباطة،
ومن طيور المقبرة: الحمامي – الاشول – السمنة – السلاحي – الزعرة – الشولة – الذبابي.

وتحدث عن الخرافات التي كانت تقال لهم ان في المقبرة اشباحاً خصوصا في الليل، قال: كنا نخرج منها مع اذان المغرب، واحياناً نشاهد بعض الناس يدخلون المقبرة من الفتحات في السور للعبور الى الجهة الثانية، نعتقد انه شيطان او شبح.

اقاويل نسمعها لا صلة لها بالحقيقة: لا تصفر في المقبرة خوفاً من الحيات فتخرج، ولا تشعل ناراً فيها خوفاً من الاشباح، واذا اردت ان تكون ساحراً خذ رأس خروف وادفنه في المقبرة، ومن الاقاويل تجد في الليل ساحرا يطير في المقبرة عليك الخروج منها مع غروب الشمس، وانا لم اشاهد شيئا من هذه الخرافات طوال طفولتنا وشبابنا مع اخواني اثناء اللعب في المقبرة.

«حمصي» ببنطلون
وتذكر الخليل بعض الكلمات التي كانت تطلق عليهم من بعض الاولاد اثناء لعبهم او في المدرسة، فقال: كلما شاهدوا استاذا او رجلاً بالبنطلون والقميص قالوا له «حمصي» واذا التقوا رجلا لونه احمر ايضا يقولون عنه « أكال صمون ممون» و «حمصي»، واحيانا كنا نرد عليهم او ان معلمنا يشرح لهم، ان الحمص المطبوخ ينفع للصداع، ويصفي الصوت، ويزيل السعال، ويحل عسر البول، وان الحمص الاسود يفتت الحصى.

واما اذا التقوا الاولاد فيقولون بصوت منخفض: هذا مصري «اكال الفول» وايضا كان المدرس يشرح لهم ان الفول يقوي المفاصل ويعالج الرئة والصدر، وماؤه يلين الصوت، وكنت اسمع المدرس يقول: هذا له اسماء منها: الباقلاء ــ الباقلي ــ الجرجير ــ الجمي، واما الحبة الصغيرة من الفول تسمى «الفول المصري» و«فول الخيل»،

وقال: الخيل: اتذكر مدرس اللغة العربية كتب على السبورة:
«فصوص زمرد في غلف در -- بأقماع حكت تقليم ظفر
وقد خاط الربيع لها ثيابا -- لها وجهان من خضر وصفر»

واحيانا يردد ويكتب ويقول: يا اولادي وطلابي:
كأن ورد الباقلاء اذا بدا
لناظريه اعين فيها حور
كمثل ألحاظ اليعافير اذا
روعها عن قانص فرط الحذر
كأنه مداهن من فضة
اوساطها بها من المسك اثر

وقال البقال عمر الخليل: والان وبعد هذه السنوات يأتي هؤلاء الاعزاء ويأخذون من محلنا الحمص والفول، نعم لا نرد عليهم لان كلماتهم (غشمار) مزاح وغشمرة، ايام لا تعوض اخوة بالله ولهم الفضل علينا بعد فضل الله على الجميع.

ذكريات لا تمحى وستبقى معي الى الكفن وفي القبر. ابوابنا كانت مفتوحة والجيران لا انساهم: بيت امان والصايغ الشواف والعسكر والصفار والنقي، وابو شاكر دشتي، واكبر مشاجرة بيننا لا تدوم اثارها سوى ساعات فقط، ومن معالم فريج الحمصي كما قالو لنا بائع الفحم، وخبازنا ابو محمد، ومطعم باجة، وصائغ يعمل بالذهب، وقصاب.

التوابل الكويتية
وقال: نحن عائلة الخليل من طولكرم نعرف في البهارات (التوابل) معرفة جيدة من اصلها في التاريخ القديم إلى ان دخلنا الكويت، وكان أهلها من مستخدمي التوابل، وكانت تقدم هدايا عند عودتهم من الهند وكراتشي عبر البحار والمحيطات اشهرا طويلة، ان كانت للتوابل اهمية، فكيس من الفلفل او القرفة او القرنفل يساوي ذهبا، وهدايا للملوك والسلاطين،
فكانت ابل ملكة سبأ بلقيس تحمل بالهدايا من التوابل الى الملك سيدنا سليمان. وتحدث عن ان التوابل الهندية، التي كانت تصدّر الى الكويت غالية الثمن، ومازالت الكويتية مع البهارات وتحسن طعم مأكلها، وتجعل مائدتها اكثر اقبالا عليها، وكانت تعرف نوع التوابل الذي يؤخذ من اجزاء النبات كبراعمه وجذوره وسوقه ولحائه، وكانت تضيف التوابل الى الطعام لتثير الشهية.

ومنها: هيل، زعفران، حبة حلوة، يدنزبيل، كركم، فلفل اسو، عرج الهيل، مسمار، دارسين، سنوت، ومن النوى: طعام بمبر، وصبار، لوز البحرين، وطعام الخوخ، وطعام مشمش المعروف بـ «عنكيش».

وقال: نحن مازلنا مع بعض المكسرات القديمة منذ 52 سنة مثل: حب كرع، نكل، عنجكك، نبك، سبال، حب ركي، حب شمسي، باجلة محموس، حب بطيخ، بيذان.

ويضيف : كل هذه التوابل نستوردها الان من الهند اولا المصدر الرئيسي للعالم، ومن مصر وسورية، والامارات العربية المتحدة التي استولت على هذه الانواع وبدأت توزع على اغلب الدول بعد ان كانت الكويت هي التي تصدر للامارات وللعراق، وعرفنا ان بهار كلمة سنسكريتية تعني: بلاد الهند BHARAT ، وكان البهار خصوصا الينسون يوضع في كيس ويعلق في خزانة الثياب لتعطير الهواء وقصب الذريرة يرش على ارضية الغرف، وهذا الفلفل جاء في المرتبة الثالثة بعد الذهب والفضة، والمر في صنع البخور، والكركم يستخدم في صنع الآيس كريم والشوكولاته والحلوى، والفلفل الحلو بذوره تستعمل في تقطير الصابون، والتوابل هي التي صنعت التاريخ في اوروبا مع الشتاء وهي التي اكتشفت بسببها دورانا حول الارض.

وبسبب التوابل عرفت اميركا عن طريق كولومبس، وهذه التوابل التي سرقت وهربت الى كثير من بقاع الارض لاستزراعها هناك.

اللهجة تتراجع
ويقول رغم النمو والتطور في مختلف اوجه الحياة في المجتمع الكويتي الجديد، ورغم هذا الانغماس التطوري الجديد لكن الكويتيين مازالوا مع البر والخيام والسدر، وبعض البيوت الحديثة ادخلت الجنادل وعلى مائدة الكويتي الرهش والحلوى والاقط والجرثي والخريط، ومازال بعضهم مع القديم رغم البترول والهجرة وفتح ابواب الكويت للهجرات بانواعها فان اللهجة سلكت وتطورت بسبب ادخال بعض الالفاظ مثل: غسالة – خلاطة – عصارة وكاسيت وكلمة لاين مان – جدر كاتم – وماسكرا كلمة تعني «كحل».

وقال الخليل: من خلال 52 سنة في الكويت شعرت ان اللهجة القديمة التي كنت اسمعها قد خلت استعمالها وبحكم عملي الآن لم اسمع كلمة سراي وتربك، وكميخ تعني البلادة وكذلك إمدمغ، وربربي وبالع راديو وعوا الصيخ، وحتى الهوشات والمشاجرات والنزاعات ضاعت كلماتها اين إبطحه ورضه ويره وجفته وتله.

وامرده وافدسه، وشمخه ومجع شعره قال: نحن باعة التوابل كنا نسمع من الاولين كلمة نكدي وجكي وفكدي وسلف وخرص، وحتى الوزن كان له كلمات تخرج من القلب واللسان تعبر عما في الاحساس والمستوى المعيشي للفرد، خاصة عندما يطلب القليل او الكثير كنا نسمع: يا حجي عطني «جيله» اي بقدر استكانه، وآخر يطلب «مغرفة» و«خاشوكه» و«غمطه» و«عذله» و«كوده»، واما المقتدر وميسور الحال فكان يطلب صرخي (اي: كيس سكر)، وغرابية لماء الورد واللقاح، وسحارة شاي، يونية للعيش و،باردان وعاء للبضاعة غير الموزونة، واذا فسدت الحبوب عندنا كانت تقول الكويتية لا تعطينا الحبوب المنتخره، ولا الزيت الحزر، واي حب يفسد يقال عنه صالم او فاسد وحزر وحشف، مسميات تلاشت وبعضها سيتلاشى مع الزمن لا سمح الله.

وقال: تعلمت وتأثرت بهذه اللهجة من الامهات الكويتيات عن كيفية اعداد الطعام، وعندما تطلب البهار الخاص للبرياني او بهاراً للسمك المقلي او للمرق والمموش والمعدس، حتى ان زوجتي اصبحت فنانة بالطبخات الكويتية.

دخلت البحر بالتناك
لبست ازاراً (وزار) ذلك الثوب الذي كان يحيط ويستر اسفل البدن، وانا ادخل البحر للاستحمام او اجلس مع اخواني على (اليال) ساحل البحر لصيد الاسماك، كنت اضع الطاسة (اناء) وبداخلها طحين واغطيها بقطعة من القماش في وسطها ثقب لجلب السمك لتدخل داخل الطاسة.

قال الخليل: دخلنا البحر بالتناك وهو زورق صغير صنعناه من علب التنك كان يحمل شخصاً واحداً يسير باتجاه الريح مع الشراع الصغير نسير مسافة قصيرة فار (القاف) السور، واكثر المرات كان ينقلب، قضينا ساعات طويلة بالقرب من نقعة شملان بن علي آل سيف، تركنا التناك اثناء غرقه وصلنا الساحل، طلب منا صاحبه 10 دنانير واتذكر اسمه (غانم) منزله كان عند موقع القرية التراثية.

واخيراص تذكر عمر قصة عدنان الشواف عندما فقدوه في المقبرةاثناء اللعب، كانوا ينادونه بأعلى اصواتهم فيرد عليهم صدى اصواتهم. اعتقدوا انه الجن والشياطين فهربوا خوفاً وعندما وصلوا البرامة وجدوه امامهم يأكل الدندرمه (البوظه).

(الشيخ عبد الله الجابر زائراً مطحنة سمراء عدن)
.
__________________
ومنطقي العذب للألباب مستلبٌ *** ومبسمي نضَّ فيه الدر والنضرُ
لازم منادمتي وافهـم مناظرتي *** واسمع مكالمتي يفشو لك الخبرُ

رد مع اقتباس