الأحد ، 15 يونيو 2014 - العدد 14743
شيخة العصفور وإلى جانبها ابنها راشد وحفيدتها سجى
محمد العصفور والد أم راشد
سعد العصفور (الزوج)
النوخذة عبدالله العصفور
شهادة زواج شيخة
شهادة زوج شيخة
تم النشر في 2012/11/15
أجرى الحوار جاسم عباس
في سلسلة حلقات «من قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الأول من رحلات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للأيام الخوالي، إلى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتألقة، هو القاسم الذي يجمعهم، فمن الإنصاف أن يشمل معهم عدداً من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت إلى الكويت قبل 40 أو 50 سنة فجاهدوا وعملوا، كل في مجاله وما زالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، ولن يستمر هذا التواصل والعطاء لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت وأهلها لهم.
في مستهل لقائنا مع شيخة محمد علي العصفور ارادت الحديث عن الجيران فقالت:
أيامنا كان الجيران يبعثون الطاقة، ويتقربون إلى الله تعالى عن طريق خدمة الجار، وتجد الواحد منهم يخلص ويصلي لينال مرضاة ورحمة من الله تعالى، ولا يعبد هواه وعبوديته لربه سبحانه، والإخلاص للجار كنا نعتبره مقاماً من مقامات الموقنين، وكانت النيات صادقة، وأنا لا أنسى الجيران من القبلة إلى الشرق وأبو حليفة وكيفان والآن الخالدية.
أضافت شيخة: أنا من مواليد الشرق حي المطبة، خلف مدرسة النجاح «بيت الحقان» سابقا، عشت طفولتي عند بيت الجد من الأم «راشد الرمح» نوخذة سفر، تولت تربيتي جدتي «عائشة بنت أحمد الجيبان» المرأة التي كانت تخدم الجيران والأهل في حالات المرض والولادة، وكانت تخلط الاعشاب وتقدمها للمرضى، وشفي على يدها كثيرون والشافي هو الله تعالى العزيز الحكيم.
الزواج من ابن عمي
وقالت أم راشد: كان المهر 300 روبية هندية ما يساوي 22 دينارا، اقيم الحفل في عام 1945م في أبو حليفة وشارك اهل الفنطاس، وكشافة الديرة، والزوج هو ابن عمي سعد العصفور، الذي تلقى دروسه عند الكتّاب، ولم يمنعه فقدان بصره نتيجة امراض العيون (تراخوما) من ركوب سفن الغوص، كان سيباً في سفينة العائلة، وكان بداية موسم الزراعة، كان يساعد شقيقه عبد اللطيف في مزرعة العائلة (ابو حليفة) وفي عام 1951 انتسب ابو راشد الى المعهد الديني كطالب، ومن زملائه الدكتور يعقوب الغنيم، وراشد الفرحان، ومحمد سليمان المطيري، وحصل على الشهادة الثانوية من المعهد عام 1957.
اضافت: تعلمت الكثير من جدتي وسمية بنت هذال المطيري، كانت كريمة وسديدة الرأي، ولديها مضياف كبير، كانت تواسي الزوجة في حالة الزعل مع الزوج، كم اتمنى لو اخذنا من جداتنا عادات تنقلنا الى المستوى الاعلى من الصفاء والسلام واحترام الاخرين، كانت الواحدة منهن مدرسة في كل شؤون الحياة، تساعد البيوتات في حالة غياب الازواج للغوص والسفر.
وجدي من الاب علي بن العصفور من نواخذة الغوص، ذكره سيف مرزوق الشملان في كتابه، عاش مع جدتي في ابو حليفة لانهما من عشاق البر والخضار والمزارع، واتخذا من ابو حليفة مقراً للراحة واستنشاق طيب الهواء.
أسواقنا القديمة لم يحافظوا عليها
قالت ام راشد: انا من مواليد 1925 اتذكر اسواقنا القديمة التي لا تعوض وللاسف هدمت ولم يحافظوا عليها، وهذا سوق الغربللي الذي كان يسمى «الصين» وبعد ان فتح الغربللي محلاً كبيراً سمي باسمه، وبالقرب منه سوق واجف الذي يختلف عن سوق الحريم والحراج، سوق واجف اخيراً انتقل الى مقره الحالي في شارع الجديد (عبدالله السالم).
من ذكريات ام راشد روت: كنا نمشي من هذه الاسواق الى حفيز الغانم (معرض) وسوق الصفافير الذي كنا نأخذ الى الصفار قدورنا النحاسية لتنظيفها، وبعض الاواني الاخرى المصنوعة من النحاس لتبييضها خوفا من التسمم عند الطبخ، وكان الصفار يصلح الاواني، وسوق السلاح، وابن دعيج، وسوق الماء والبرمة والحب الكبير وناقوط الماء، سوق كنا نسميه واشتهر بسوق ابو الربيعان او سكة الربيعان، ولوجود الماء السبيل لابن دعيح سمي باسمه، ولا انسى سوق الدبوس، والكتابل وسوق بيع الهيل والقهوة، وسوق البرجوته فيه المعهد الديني، وشارع الجديد الذي يربط الصفاة بساحل البحر والمحلات التي تباع فيها كل انواع البضائع، وفيه لواوين مبنية على أعمدة تحمي المارة والباعة من الشمس والمطر، ويعتبر أول شارع فيه مجرى للأمطار تحت الأرض، شارع كان يقصده المواطن والمقيم لوجود المطاعم والمقاهي ومازال عامرا.
المطوعة مريم
وتحدثت أم راشد عن التعليم أيام زمان في الكويت، فقالت: آباؤنا وأجدادنا كانوا يعتقدون أن العلم أفضل الفضائل الكمالية، وأشرف النعوت الجمالية، وإن السعادة الأبدية والقرب من الله سبحانه لا يتيسران من دون العلم، ونحن أحببنا العلم وتلذذنا به، وهذه مطوعتنا مريم محمد العمر (المطاوعة) كانت مربية ومعلمة، بذلت جهدها لتنقلنا إلى أعلى المراتب، في تهذيب النفس والسعي إلى الخير والسعادة لبلدنا وأسرنا، وكانت -رحمها الله- تدرّبنا على الصحة، البدنية وتدبير المنزل ختمت «جزء عم» من القرآن الكريم عندها بفتحاتها وضماتها وكسراتها وكل حركات الكلمات والآيات.
وقالت أم راشد: من زميلاتي بنات العبدالجليل - الخرافي - الحميضي - بشارة - المهنا، وكان التجار يقدّمون الدعم للمطوعات من المداد والبسط، والبرم للماء، وحتى الخميسية يدفعونها عن بعض الطالبات المحتاجات، وهي عبارة عن هبة تعطى للمطوعة كل خميس خلال فترة الدراسة.
وأضافت: درست عندها 24 شهرا، وبعد التخرّج رشوا علينا ماء الورد، ووزعوا «الملبس» عبارة عن قطر السكاكر تُصبّ فوق حبات الحمص، وشكل الملبس دائري والكلمة تعني الكسيرة الملبسة بالسكر، وأكملت المصحف الشريف عند ابني هشام العصفور.
أضافت شيخة أن الدراسة القديمة كانت قوية وصعبة، ولها أساسيات في اللغة، وآثارها باقية على المتعلم، ومازلت أقرأ المصحف الشريف، والصحف المحلية من ذلك التعليم المتميز، وأتذكر هذه الأبيات:
«يا نبي سلام عليك
يا رسول الله سلام عليك
صلوات الله عليك
من رأى وجهك يسعد
ويومنا يوم النشور
آمنت بالله وبأسمائه وصفاته
وقبلنا جميعاً أركانه
وأحكامه آمنا بالله».
العطف والرحمة
وقالت: أنا وغيري من النساء نؤكد أن الزوج كان يهتم بزوجته، ويعتبر أن حقوق المرأة واجبة ومستحبة، والكبار كانوا دائما ينصحون الأبناء (الأزواج) بحُسن المعاشرة، وأن يكون في بيته لطيفاً هادئاً كريماً، وهكذا كان أبو عيالي، وكانوا يذكرون الحديث الشريف: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، وكان الأب يُدخل السرور إلى قلوب أولاده، وكنا نستند إلى أزواجنا، ونعتز بتصرفاتهم وكلماتهم، فالحياة أيامنا كانت قائمة على طاقات قوية، وعواطف مليئة باللباقة، ومشحونة بشحنات متجددة من الحب والمودة، وحسن الخلق، لم أسمع سباً أو شتماً أو توتراً، ولا عمره «كشّر» (أي تغير وجهه أمامي)، لأن الزوجة أيام زمان كانت مطيعة لا تخرج ولا تتصرف إلا بإذنه، وكانت الزوجة تقف أمام زوجها وتنظر إليه نظرة كلها حنيّة وود، وتبتعد عن كل شيء لا يرضيه مطبقة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، وتأذن في بيته إلا بإذنه».
الحلويات كانت تُصنع في المنزل
وتحدثت عن حلويات قديمة وبعض من الحلوى الشعبية التي كانت تُصنع في البيوت، لأن أغلب الأمهات كن صاحبات مهن وحرف، تُعدّ الحلويات وتُخرج الصحون على رؤوس الصبيان، قاطعين السكيك الى سوق الحلوى، وبعض النساء يبعن في بيوتهن، وتعرض أيضاً في البراحات، ومن الحلويات المشهورة في تلك الأيام الحلوة: حلاوة نارجيل، التي تُصنع من جوز الهند والسكر والزعفران والهيل، وحلاوة سبال، وخنفروش واللقيمات والزلابية، والكبيط الذي لا يُنسى، والسمسمية وبيض الصعو، وديج ودياية، وبيالة، واستكانة، وملبس، والعنبرية للأطفال، وبرميت حلو وحار، وحلو ورهش، وحلوى فيل تحضر من الهند لونها أسود، وسبال مملح ينشر في الشمس، وسبال مقشر.
وأضافت أم راشد: لا أنسى ملبس كاكولي، وحلويات شاهين، والحلواجي، وأشكناني، وأبو البنات الذي كان يعمل أفضل وأجود الدرابيل واليوامع والسمبوسة الحلوة، وكنا نسمي أبو البنات بيت البركة، لأنهم من المبروكين وأهل كرم، دخلوا مع والدي وجدي وأهلي الغوص على أبوامنا، ولا أنسى شعر بنات على شكل شعر وخيوط أشاهد تلك الصحون تأتي من جهة الشرق الى الأسواق، أكثر بيوتات أهل الشرق كانت معامل ومصانع وخياطة، مهن وحرف نعتز بها، وعشنا عليها عيشة كريمة لا محتاج ولا فقير، كلنا يد واحدة حبنا الأول والأخير لبلدنا وشعارنا «أحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم»، أيامنا كانت كلها أعياد وفرح، والنيات كانت خالصة وسعي الآباء والأمهات ظاهرة ومبروكة للجميع، وكل ما تعلمنا منهم «اذكروا الله يذكر كم فإنه ذاكر لمن ذكره، وسلوه من رحمته وفضله، فإنه لا يخيب داعياً من المؤمنين دعاه».
وقالت: لا توضع أي قطعة من الحلوى إلا بعد التسمية، ونضعها باليد اليمنى، ونشارك اخواتنا بها، والحلوى المسقطية نسبة الى «مسقط» كانت مميزة عن غيرها خاصة في فصل الشتاء، والكويتيون كانوا يأخذونها معهم ويسمونها «الزهاب» من ضمن المواد الغذائية الأخرى، وكانت توضع في علب من التنك الصفيح، وكذلك الرهش المصنوع من الهردة والدبس من كاركة جمال.
النواخذة لهم منزلتهم
وقالت: نوخذة تعني ربان السفينة، وكان للنوخذة منزلة مرموقة لما لديه من فهم ودراية، والنواخذة اعمدة الاقتصاد في القديم. وأهلنا من آل العصفور كانوا نواخذة غوص في الشرق او ابو حليفة، وكان موسم الغوص في فصل الصيف حتى نهاية شهر سبتمبر. ونواخذة آل العصفور كانوا على سفنهم الخاصة المملوكة لهم، والملك لله تعالى منهم: النوخذة احمد العلي العصفور، وعيسى العلي العصفور، وعبدالله العصفور، وعلي المحمد العصفور، وزوجي ابو راشد كان سيباً المكلف بمسك «الجدا» وهو الذي يمسك به الغواص في قاع البحر، وزوجي السيب في اعلى السفينة، واذا شعر الغواص بالتعب حرك الحبل يسرع السيب (زوجي) بجره الى اعلى السفينة، ويعتبر حبل النجاة، وكان كفيفاً ولذلك اختار عمل السيب، وسفينة الغوص تسمى «شوعي» وشوعينا اسمه «بدران» ولدى العائلة سفينة اخرى هي «البقارة» لأن مقدمتها تشبه رأس بقرة. الكويتيون في البحر تعرضوا الى امراض كثيرة منها: الطنان، الشاقة، انفجار الاذن، الصرع، ام زليغة، وامهاتنا من وراء هؤلاء الرجال كانت الواحدة منهن تسد كل حاجات المجتمع، فهذه جدتي عائشة احمد الجيبان، وجدتي الثانية وسمية بنت هذال المطيري وغيرهما قدمن خدماتهن في الديرة وابو حليفة، كن اساس كل اسرة، والواحدة خدمت البيت بإيمانها وشخصيتها، ولها دور أيام المصائب والمصاعب، قادت الاسرة كما يقود النوخذة سفينته الى بر الامان، كانت جدتي تخدم المريضة والولادة كرست بنت الجيبان كل جهودها، وكانت عالمة بالادوية التقليدية، هكذا كانت الام الكويتية التي غلبت الامراض والمجاعات، والكوارث، والطبعات، وربت الايتام، مازالت باقية في تاريخنا بكدها ومدها. وكل ما اتمناه ان تبقى الكويت لنا جميعا، ولا فرق بين الحضر او البدو او بين مذهب وآخر، كلنا ارواحنا فداء للكويت ويحفظها تحت قيادة أميرنا المفدى وحكومتنا الرشيدة، حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه
|