عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-06-2013, 01:12 PM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

بابا سليمان الفهد.. وكفى!



في آخر زيارة له لجريدة القبس قبل أيام


الشهيد نواف الفهد.. حسرته الأخيرة











سعدية مفرح


غيّب الموت امس الزميل سليمان الفهد، الصحافي الرائد والناقد الأدبي، وأحد أبرز كتّاب المقال الساخر في الكويت، وقبلها جميعاً الإنسان الطيب المحب، والخدوم، أرفق توقيعه دائما بعبارة «العبد لله».
وضع قلمه في خدمة وطنه الكويت والانسان.
وكان دوره مهماً في مقاومة الاحتلال العراقي بالكلمة والفعل، وحمل في صدره غياب بكره نواف، الذي أسره الغزاة اثناء الاحتلال بعدما وجدوا في سيارته منشورات تدعو للصمود والمقاومة.
• القبس التي آلمها المصاب تتقدم من آل الفقيد ومحبيه وأصدقائه بأحر التعازي، سائلة له الرحمة ولهم الصبر والسلوان.
«إنا لله وإنا إليه راجعون»

«البقية الباقية من الأسرى والمفقودين الذين لم يتم العثور على رفاتهم.. أما آن أوان إعلان استشهادهم؟».. كانت إجابة هذا السؤال، الذي دونه كتغريدة في حسابه على موقع تويتر قبل أيام قليلة، هي الحسرة الأخيرة في قلب معلمي الكبير الأستاذ سليمان الفهد، الذي أسر ابنه البكر نواف أثناء الاحتلال العراقي للكويت، وهو يوزع منشورا سريا ضد الاحتلال على شكل جريدة بعنوان «الصرخة».. كان قد أصدرها بابا سليمان الفهد منذ الأيام الأولى للاحتلال، وكنا نساعده في تحريرها، ويقوم نواف بمهمة همزة الوصل بين العاملين فيها..
كان نواف يقوم بمهمته تلك عندما اعتقل، ومن يومها لم يعد أبدا.. لا حيا ولا رفاتا. لم يأخذ والده عزاءه فيه، وكان يحتار عندما يتحدث عنه؛ هل يقول الأسير أم الشهيد؟، ويختار في النهاية أن يقول؛ نواف، ويردف: رحمة الله عليه حيا وميتا.

نواف.. جرحه الأعمق
لم يكن على أية حال يتحدث عنه كثيرا، فقد كان نواف جرحا عميقا جدا في وجدان والده، لم تستطع الأيام أن تسهم في التئامه أبدا، لكن كان يطيب له سماع من يتحدث عنه، وكان يستدرجني في كل مرة يزورني فيها في القبس للحديث عن فترة زمالتي وعملي مع نواف أثناء الغزو في توزيع منشور «صرخة»، ورغم أنني أعيد الحكايات القليلة مرة تلو المرة بصيغ مختلفة على مدى ما يقرب من 23 عاما، فانه في كل مرة كان يبدو وكأنه يستمع إليها للمرة الاولى.. ينصت ويتعجب أحيانا ويضحك أحيانا أخرى.. وعندما تداهمه تلك الدمعة العصية المعلقة بين أهدابه الشائبة.. يغير مجرى الحديث فجأة ليسألني عن آخر أخبار ابن أخي الصغير «نواف».
قبل أيام قليلة كنت أحدثه عن الفقرة الخاصة بأسر الشهيد نواف في كتابه، وتعمدت لحظتها أن أستخدم عبارة «الشهيد نواف»، فتجاهل حديثي واختار هو أن يتحدث عن شهيد آخر.. هو شقيقه علي صالح الفهد، الذي استشهد على الجبهة المصرية أثناء حرب السادس من أكتوبر 1973 ودفن هناك. قال بابا سليمان الفهد إن قرار دفن الشهيد علي الفهد مع زملائه من الشهداء المصريين وبعض الشهداء الكويتيين في مصر، كان افضل قرار اتخذه والده يومها، وربما نتيجة له أوصاه والده أن يدفن هو أيضا في مصر، وهذا ما حدث، فقد توفاه الله وهو في القاهرة فدفن فيها كما كان يتمنى.. ولذلك لم أستغرب أبدا عندما أخبرني بابا سليمان أن أمنيته هو أيضا أن يموت ويدفن في القاهرة.. المدينة التي لا أعرف إنسانا أحبها كما أحبها هو.
القاهرة.. عشقه المعتق
وعشق «العبد لله» للقاهرة بدأ مع ايام دراسته في جامعة «عين شمس» في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، لكنه لم ينته أبدا، فقد استمر حتى عندما أُبعد منها لأسباب سياسية في فترة من الفترات.
وربما لا أحد يعرف تفاصيل ذلك العشق القاهري كما يعرفها رفاق عمره فيها، ومنهم الشاعر احمد فؤاد نجم، والفنان الشيخ إمام، والكاتب محمد مستجاب، والكاتبة صافي ناز كاظم، ورسام الكاريكاتير بهجت عثمان، والشاعر أمل دنقل.. وغيرهم من «شلة حوش قدم» كما كان يسميهم نسبة لموقع الشقة التي كان يسكنها نجم وإمام في منطقة حوش قدم القاهرية الشعبية العتيقة، والتي استبدل بها، بعد أن رحل معظم أهلها، شلة قاهرية أخرى هي «شلة ميريت» نسبة لدار ميريت للنشر التي تقع في وسط البلد، وكان يلتقي فيها مجموعة من أصدقائه في السنوات الأخيرة.

إقبال.. صديقته الأغلى
وقد نجح بابا سليمان في نقل عشقه الموروث والمعتق للقاهرة الى أسرته، فلأنه كان يقضي في القاهرة من أيامه أكثر مما يقضي في الكويت، قلت له ذات يوم مازحة «الله يعين أم فواز.. عليك يا بابا من كثرة سفرياتك للقاهرة وطول إقامتك فيها»، فرد علي مبتسما «لا تخافين.. إقبال صارت تحب القاهرة أكثر مني».. في إشارة منه الى السيدة الفاضلة إقبال الدعيج رفيقة دربه التي كانت له السند الأكبر في الحياة، والتي أصبحت صديقته الأغلى التي يتكئ على صبرها الجميل كما كان يقول في كل ملمات حياته المتقلبة، مقدرا لها تحملها لطريقته «المختلفة» في العيش ونزقه المستمر، بل و«طفولته» التي لم تفارقه يوما، فكان يقول عن نفسه في أواخر أيامه انه طفل.. مجرد طفل في السبعينات من عمره.

{صرخة}.. نضاله الأجمل
كان سليمان الفهد أول رئيس لي عندما عملت في الصحافة بعد تخرجي في الجامعة مباشرة، ورغم أن معظم الزملاء والزميلات في جريدة الوطن يومها كانوا يسمونه بـ «بو نواف» لكنه اختار لي أن اسميه «بابا سليمان» فلم أُسمّهِ بغيرها بعد ذلك أبدا، وعندما كان يحدثني في الهاتف أول أيام الاحتلال عن بعض الأمور المتعلقة بجريدة «صرخة» كنا نستخدم شيفرة لغوية معينة متفق عليها بين كل أفراد المجموعة التي كانت تعمل في تلك الجريدة السرية، لكنني أنسى فأكلمه باللقب الأحب فيضحك وهو يقول «إذا العراقيين بيكتشفوننا يا بنتي فبسبّة هالبابا سليمان هذي».
لم يكتشفنا العراقيون يومها لأن نواف (الشهيد الذي لم تعلن شهادته للآن) تحمّل كل أصناف التعذيب في المعتقل ولم يعترف على أحد منّا ولم ينطق بأي اسم من أسمائنا كما وصلنا لاحقا. وقد سجل بابا سليمان تفاصيل ذلك كله وغيره في كتابه الشهير «شاهد على زمان الاحتلال» والذي صدر بُعيد التحرير بجزأين أهدى الأول الى «نواف.. جرحنا الأعمق حيّا أو شهيدا»، وأهدى الجزء الثاني إلى والدتي.. «إلى الجهراوية أم سعد.. الكويتية بالفعل والانتماء... لا بالجنسية». وكان ذلك الإهداء من دواعي اعتزاز والدتي- رحمها الله- الكبير حتى أنها كانت تحتفظ بنسخة من الكتاب مع أغلى ما تملك من أشياء وأوراق في درجها الخاص.

{26 فبراير}.. حكايته الأوجع
استمرت «زمالتي» الصحفية لوالدي الكبير في شارع الصحافة منذ عام 1988 في جريدة الوطن ثم جريدة القبس مرورا بفترة العمل ضمن فريق «صرخة» اثناء الاحتلال، ثم في جريدة «26 فبراير» التي أصدرها بعد التحرير بايام قليلة، لتكون صوت الصامدين في الكويت الجريء جدا، قبل أن يوقفها قرار من وزير الاعلام آنذاك وهو ما سبب صدمة إضافية لبابا سليمان، لم يتجاوزها بعد ذلك، وظل يتذكر ما حل بمشروعه الصحفي المختلف، كما كان يسمي صحيفة «26 فبراير»، ويرى أن إجهاضها بذلك الشكل التعسفي كان كعنة ليس في صدره وحسب، بل في صدر كل الصامدين أو المرابطين، كما كان يحلو له أن يسميهم، في الكويت أثناء الاحتلال... وتلك حكاية أخرى، ستُرْوى.
وفي كل مراحل عمله الصحفي الذي بدأه على مقاعد الدراسة الثانوية بقي «العبد لله»- وهو اللقب الذي كان يحلو له أن يطلقه على نفسه في معظم مقالاته- قابضا على مبادئه كالقابض على الجمر، حادا في طرحها، ساخرا في معالجاته، مبتسما في وجه المصائب، متفائلا رغما عنها، صادحا بأفكاره، قويا في التعبير عنها، صريحا الى الحد الصادم للجميع، وجريئا للحد الذي لم يكن يتوقعه أحد حتى وهو يكتب عن نفسه.

سيرته,, ورثاؤه
عندما طرحنا فكرة تدوين سيرته الذاتية في كتاب خلال شهر فبراير الماضي طلب مني يومها أن أكتب مقدمة الكتاب، ولأنني أعرف نزقه ومشروعاته الكتابية الكثيرة التي كان يبدأ بها من دون أن يكملها، فقد أجبته وأنا أضحك: يا بابا انت اكتبها بالأول.. وكملها.. وبعدين فكر بالمقدمة»، فرد علي جادا «لا.. هذه المرة سأكتبها فعلا، وسأنتهي منها في شهر مايو أو بالكثير يونيو إن شاء الله».
وها هي سيرته الذاتية كلها، وليس كتابها وحسب، تنتهي في شهر يونيو، وها أنذا أكتب رثاءه بدلا من مقدمة كتابه.
رحم الله بابا سليمان.


مرفأ الذاكرة.. مقاله الأخير الذي لم يراجعه!
«مرفأ الذاكرة.. خواطر شتى في سن الرشد» كان آخر مقال مطول كتبه بابا سليمان الفهد لمجلة «العربي»، وقد أعدته المجلة للنشر في عددها الذي يفترض صدوره في شهر يوليو المقبل، وبالفعل فقد أعد الموضوع الذي تناول فيه المعلم الراحل جزءا كبيرا من سيرة حياته، وكان من المفترض أن يراه ويراجعه قبل طباعة العدد، قد وصلت مسودة المجلة، وفيها المقال الذي استغرق 27 صفحة من المجلة، يوم أمس لجريدة القبس حتى يتسنى له تسلمه في اليوم نفسه كما طلب، لكن الموت كان أسرع.. فرحل قبل أن يتسلم المجلة ويراجع مقاله الأخير فيها.


التغريدة الأخيرة
تغريدة سليمان الفهد الأخيرة في تويتر:
{يقول عمك الشاعر الفذ مظفر النواب {الحب هو ألا تعرف شيئا!}
__________________
للمراسلة البريدية: kuwait@kuwait-history.net
رد مع اقتباس