عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 22-09-2011, 11:05 AM
الصورة الرمزية bo3azeez
bo3azeez bo3azeez غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: ديرة بو سالم
المشاركات: 461
افتراضي

السدرة (15)
أمزجة الرؤساء مختلفة.. ويتفقون على كره الصحافة والمعلومة
تختلف أمزجة الرؤساء من واحد إلى آخر، إلا أن المزاج الأكثر شيوعاً هو أنك تجدهم يستشيطون غضبا حين يتجرأ الصحافي على مقاربة ما يعتبرونه من المحرمات، لكنهم يكبتون غضبهم، ويصطنعون هدوءاً وثقة بالنفس، بينما تشعر من نظراتهم الجامدة أو ضحكاتهم المفتعلة أنهم يغلون من الداخل. هؤلاء يتعاملون مع الإعلام بسطوتهم نفسها التي اعتادوا عليها مع شعوبهم، وربما بالخوف ذاته الذي يشعرون به في أعماقهم أحياناً. إلا أن أعجبهم ذاك الذي تشعر أنه سجين أوهام خاصة به، فلا تجد عنده سوى نفي كل واقعة أو معلومة تذكرها لأنها لا تلائم تصوراته.

نموذج صدام

يحضرني هنا نموذج صدام حسين حين التقيت به مع زملائي وإخواني رؤساء تحرير الصحف الكويتية في مدينة فاس حين احتضنت أحد مؤتمرات القمم العربية في عام 1982.
من عادتي في هكذا لقاءات، بصفتي رئيساً لمجلس إدارة كونا، أن لا أكون أول المتحدثين، بل أترك الحديث أولا لرؤساء التحرير، ثم يأتي دوري بعد ذلك.
ناقش رؤساء التحرير صدام في كل شيء، وفي العديد من القضايا، وغطوا جوانب كثيرة بحضور آخرين معه، طه ياسين رمضان وسعدون حمادي وطارق عزيز، هؤلاء الذين يحضرون في أغلب هذه المناسبات، إما للمصادقة على ما يقول، وإما لتزويده بما يجهله من معلومات كما تبين في ما بعد.
بعد أن اكتفى رؤساء التحرير، تقدمت للسؤال.
قلت له: «سيدي الرئيس.. أود أن أسألك سؤالا صريحاً. ومع أنك قد تتأثر منه قليلا، فإنني أود طرحه عليك؛ أريد أن أسأل، لماذا كل الصحف العراقية ووسائل الإعلام العراقي، تعتبر أنه لا يوجد في العراق سوى صدام حسين؟ أي أن الشعب العراقي لا دور له.. أريد أن أفهم لماذا؟».
أزعجه هذا السؤال بالطبع، ولكن إنزعاجه ظل في داخله، فمن طبيعته ألا ينفعل أبداً.. هادئ الأعصاب ولكنه يغلي من الداخل.
وجاء جوابه على سؤالي هكذا: «والله أنا في الحقيقة حين كنت نائباً للرئيس أحمد حسن البكر، كنت أتجول في المحافظات، وعندما أعود إلى بغداد تخرج تظاهرات ترحيب.. وكنت أقول، لا تقيموا تظاهرات لاستقبالي..».
وتابع موجها حديثه إلى طارق عزيز.. وسأله: «ألم أكن أقول لكم لا يوجد داع لهذه الجماهير، لا يوجد داع لهذه التظاهرات؟».
فرد طارق بجواب جاهز: «نعم سيدي».
لا أحد يستطيع أن يقول لا.. وإلا طار رأسه.

مع مبارك

النموذج الآخر الذي التقيت بـه، وايضاً وجدته يستاء من انتقاد قناعاته، ويسقط كأس الماء من يده، حتى لو كان النقد مجرد ملاحظات ننقلها إليه نيابة عن الناس، كان الرئيس حسني مبارك.
كان قد التقيت به مرتين، مرة خلال مؤتمر القمة في مسقط العمانية، ومرة وهو يلعب الاسكواش في ملعب في الكويت.
في مسقط، ألحّ عليّ وكيل وزارة الإعلام الشيخ ناصر المحمد، وكان موجودا هناك، على أن أجري مقابلة مع مبارك، فطلبت موعداً، وذهبت إليه. وجاء سؤالي الأول مستمداً من موضوع كامب ديفيد الذي كان أخطر تحول في الصف العربي من مقاومة المحتل الصهيوني إلى عقد المعاهدات معه: «أريد أن أسألك حول موضوع كامب ديفيد، وهو موضوع وضع في يد العرب قيوداً؛ الاعتراف بإسرائيل.. هذا وضع يضرّ بالعرب».
قال:
«وايه كمان؟».
قلت: «هذه العملية مسيئة للأمة العربية».
قال: «ما فيش حاجة تانية؟».
قلت: «نعم.. ووضعوا قوات دولية في سيناء حتى يضمنوا عدم تحرك مصر ضد اسرائيل».
قال: «خلصت؟ الكلام كله دا مالوش معنى! وانت يا ابني بتقول كلام كله غلط. كامب ديفيد خدمت مصر، وحترجع سينا لمصر، كل الأراضي اللي سلبتها اسرائيل رجعناها.. أين الخطأ في الاتفاقية؟».
قلت: «لم أقرأ نص الاتفاقية، ولكن الناس مستاؤون من الاتفاقية».
قال: «هذا الكلام غير صحيح، واستغرب كيف أن الناس تفكر هكذا!».
وأشارت ملامح مبارك وحركة عينيه الى أنه استاء من هذا الحديث، وسقط كأس الماء من يده على الأرض، فأشار الى رجال المباحث اليقظين حوله أن يبتعدوا قليلا.
وزدت من استيائه كما يبدو حين أضفت:
«هذه الاتفاقية مصيبة على العرب».
فسكت، وبدا أنه يدير فكرة ما في رأسه، ثم هتف وكأنه وجدها:
«اسمع.. أنا أعرف من الذي قال لك هذا الكلام، هذا كلام بتاع خالد محيي الدين الذي يشتري له القذافي الورق لصحيفته».
قلت: «أنا لا علاقة لي بخالد محيي الدين ولا على اتصال به، أنا التقيت به في وكالة كونا، ولكننا لم نناقش هذا الموضوع».
وعاد الى فكرته: «هل تعرف أن ورق صحيفة الأهالي من القذافي؟».
قلت: «هذا لا يعني لي شيئا سيدي الرئيس، ولا علاقـــة له بما أقول.. أرجوك اعذرني اذا أسأت!».
لم أخرج من اللقاء معه بشيء. بدأنا بالحديث عن اتفاقية كامب ديفيد، وانتهينا بأن ورق صحيفة الأهالي يأتي من القذافي.
أما حين جاء إلى الكويت، فلأنه أصبح يعرفني جيداً، فضلت ألا أوجه إليه السؤال مباشرة، واعطيت سؤالي إلى مندوب الوكالة، وطرحه عليه، وكان أيضا عن كامب ديفيد. فانتبه وسأله:
من أعطاك هذا السؤال؟
«قال المندوب: أنا من وكالة كونا».
لم يعلق، ولكنه أجاب باقتضاب وجفاف مكررا الكلام نفسه الذي سمعته منه في مسقط.
كان برفقته د. عبد الرحمن العوضي، وذهب بعدها إلى فندق الشيراتون لممارسة لعبة الإسكواش، وهناك رأيته، وسلمت عليه. قال كأنه فوجئ: هو أنت هنا!
وعقبَ بلهجة من يعيد عبارات ألقيت على سمعه: أنت توجهاتك يسارية.
قلت له وقد غلبتني روح الدعابة:
«ماركس لا أعرفه ولا يعرفني، ومات الله يرحمه»!
فالتفت إلى عبد الرحمن العوضي مبتسماً كأنه يستكمل حديثا دار بينهما:
«اسمع.. عاوز الله يرحمه كمان!»

الجزائر ليست هي

بعض الأحداث تمر بها الذاكرة مروراً عابراً، وبعضها تتعلق به أو يتعلق بها، وفي كلا الحالين وجدت أن طبيعة حياتك العملية هي التي تقرر ما الذي يبقى حاداً ولامعاً، وما الذي يبهت مع مرور الزمن. وتضيف حياة مثل الحياة الإعلامية التي عشتها في وكالة «كونا» لمدة خمسة عشر عاماً زحاما لا نظير له، فهي ليست حياة ساكنة على شاطئ بل هي حركة متواصلة في خضم أكثر قضايا العصر سخونة، ومعايشة للجغرافيا بكل تنوعاتها. وأضيف أيضا ان طبيعة الجغرافيا التي تزورها في زمن معين والشخصيات التي تلتقي بها قد تتغير أيضاً، وتتغير معها الألوان ووزن المكان والشخصيات، تبعاً لذلك.
حين ذهبنا إلى الجزائر عشية الاستقلال مع البعثة الطبية كان كل شيء مثيراً، أشبه بمغامرة اختلطت فيها المشاعر، مشاعر أن فجراً جديدا يبزغ، ليس على الجزائر بالذات كبلد عربي، بل علينا جميعا، نحن أصحاب المصير المشترك. واحتلت شخصيات تلك السنوات مكانة متميزة في الذاكرة.
لكن زيارتي خلال عملي في «كونا»، ورافقني فيها حسن الصايغ الذي عمل معنا في الكويت وهو حالياً في مكتب سمو رئيس مجلس الوزراء، جاءت في ظروف مختلفة.
ذهبنا هذه المرة، لا لنلتقي بثوار لوحت وجوههم الشموس في طريقهم إلى عاصمة بلدهم بعد تحريرها، بل برئيس مستقر في سدة الحكم طيلة ما يقارب عشر سنوات. كان الرئيس هو الشاذلي بن جديد، وكان الظرف باهت الملامح، فلا شيء يوحي بأنه يتقدم ويبشر بما كان يحلم به اولئك الثوار الذين شاهدناهم خلال زيارتنا لمقابر الشهداء، أو التقينا بهم وهم يضعون مسدساتهم أمامنا على الطاولة بدل الأقلام والأوراق.

مع الشاذلي بن جديد

ذهبنا للقاء الرئيس الذي لا أذكر أني لمحته آنذاك في زيارتي الأولى، فتعرفت عليه، وتناقشنا حول الأوضاع في الجزائر، وحول الحركات والقوى العمالية، وكان واضحا أن الرئيس العسكري النشأة لا يعيرها أي اهتمام. ومع ذلك استمع إلى ما طرحناه وتجاوب مع اقتراحاتنا وذكرياتنا عن جزائر واعدة قبل سبعة عشر عاماً. وجدنا لديه طموحات كثيرة. ولكنه لم يتحدث عن المجموعة التي تنشط ضده في قلب النظام. ولم يتضح الأمر إلا بعد هذا اللقاء، ومع متابعتنا للأخبار. لم يتقدم شيء، وبدأت الانقلابات، وبرزت الأحزاب الدينية رغم وجود حركات عمالية تعتبر من أقوى الحركات.
في هذا الوقت بالذات، كانت الاتهامات بالشيوعية هي الرائجة، ويتلقطها الرؤساء كما يتلقطها صغار الصحافيين، وكما يتلقطها موظفون طامعون في وظيفتك وإزاحتك، ويهمسون بها في آذان المسؤولين كما حدث معي منذ أن كنت وكيلا لوزارة الصحة.
في الجزائر، كانت الشيوعية تهمة توجه إلى رئيسة الحركة العمالية لويزة بن حنون، تلك الشخصية القيادية التي قرأت عنها كثيراً رغم أنني لم ألتق بها. وهي ذاتها التي رشحت نفسها أخيراً لرئاسة الجمهورية في مواجهة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة.

ومع كرايسكي

ليس لدي ما أتذكره من هذا اللقاء سوى هذه الصفحة العابرة. لكن بعض الشخصيات لاتسمح لك بأن تخرج خالي الوفاض من اللقاء بها. وقد تترك فيك عبارة مرت أثراً لا ينسى. وسيكون من المناسب أن نرى على أرضية ما سبق من قصص رؤساء مثل ضياء الحق ونميري وصدام ومبارك، كيف تبرز شخصية مغايرة، صريحة وواضحة تحاور الآخر، سواء التقى معها أو اختلف. تلك هي شخصية المستشار النمساوي برونو كرايسكي الذي كنت أجده الأكثر تفهماً للوضع العربي بين السياسيين الأوروبيين.
توثقت علاقتي الشخصية بكرايسكي إلى درجة كبيرة منذ أن بدأت معرفتي به خلال الندوة الأولى للحوار بين وكالات الأنباء الأوروبية والعربية في فيينا في نوفمبر 1977. كانت هذه الندوة حلقة في سلسلة بدأتها بعد أن انتخبت رئيساً لاتحاد وكالات الأنباء العربية، وحرصت خلال ثماني سنوات من رئاستي على الحوار والتعاون المثمر بين وكالات الأنباء العربية والأوروبية، لخلق حوار اعلامي عربي- اوروبي، هذا الحوار الجاد لتطوير الاعلام العربي بالاستفادة من خبرات الاعلام الأوروبي الذي لم يستمر مع الأسف حين تركت «كونا» في عام 1992.
اثناء هذه الندوة الأولى جاءت زيارة السادات للقدس وبدأ قلب مفاهيم الصراع مع عدونا التاريخي، واتخذت كل قضايانا مسارات متشعبة، تتباعد فيها أهداف ووسائل كل الأطراف العربية بعضها عن بعض، ولكنها تكاد تلتقي حول أمر واحد، هو الانحراف باتجاه العجز عن مواجهة الهيمنة الصهيونية.
في اليوم التالي على هذا الحدث أقام كرايسكي مأدبة غداء تكريماً للوفود المشاركة في الحوار. وهنا دار بيني وبينه حديث طويل عن الزيارة، عن دوافعها وأهدافها والآثار التي ستتركها في العالم العربي. وكان مما قلته أنه لا يمكن أن تقام أي جسور بين اسرائيل وأي دولة عربية لأن الشعب العربي بشكل عام، والمصري بشكل خاص، يرفض هذا بقوة. وتابعت:
«قد تنجح اسرائيل في عقد معاهدة صلح رسمية بينها وبين أي حكومة عربية، وهو ما حدث لاحقاً بينها وبين مصر، ولكنها ستلاقي الفشل الذريع في كافة محاولاتها جعل العرب يقبلون بوجودها أو تطبيع العلاقات على الصعيد الشعبي معها».
قبل ذلك، وحين التقيت بكرايسكي في الكويت، وزرته في قصر السلام وتناقشنا في موضوع اسرائيل اتضح لي من كلامه أنه ضد اسرائيل، والآن وجدته يصغي لحديثي بجدية تامة، ولم تغير وجهة نظره حتى الانقلابات العربية على طريق هذا الصراع.
اللافت للنظر أنني حين رأيته بعد ذلك بسنوات، في عام 1985، اثناء مشاركتي في ندوة الصداقة العربية في بادن، وجدته يتحدث عن العلاقات العربية - الاسرائيلية، ويشرح للحضور ما يراه ممارسات خاطئة للأحزاب الاسرائيلية، ثم يفاجئ الحضور بالقول:
«لدي معلومات أظنها لا تخفى عليكم، بأن لدى اسرائيل قنبلة ذرية».
واثارت هذه المعلومة ضجة بين الحاضرين. وطلبت التعقيب على كلمته، فقلت:
«ان لدينا نحن العرب امكانية صناعة قنبلة ذرية، ولكننا غير متفقين للأسف الشديد».
فقال كرايسكي:
«ولكن هذا السلاح غير انساني».
قلت:
«لا أقصد القنبلة الذرية التي تنتجها المصانع العسكرية، بل امكانية أقوى تأثيراً من تلك الاسرائيلية، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ».
وبدت الدهشة على وجوه الحاضرين، فتابعت موضحاً:
«القنبلة التي ستفجر العالم العربي يوماً، وسيغطي تأثيرها على القنبلة الإسرائيلية هي غياب الديموقراطية عن عالمنا العربي. الديموقراطية هي ذلك السلاح الذي لو مارسه العرب في إطاره الصحيح، لأخذت كل الشعوب العربية دورها الرائد في المنطقة، الدور الكفيل بإرجاع إسرائيل وكل من يدعمها إلى حجمهم الطبيعي».
وعلق كرايسكي: «إذا كان هذا القصد بالقنبلة فأنا أتفق معكم».

في مواجهة الإعلام الأميركي

لا يكتمل هذا الفصل من المواجهات واللقاءات والجولات الإعلامية في الجغرافية السياسية من دون ذكر مواجهاتي مع الأميركيين، وبخاصة الإعلام الأميركي، خلال إدارتي للوكالة. وفي هذا السياق هناك قصص وقصص تختفي وراءها الكثير من الالتباسات.
لقد دعيت عدة مرات للقيام بزيارة للولايات المتحدة، إلا انني كنت أتردد في القبول وأضع يدي على قلبي، لأن الصورة التي تكونت لدي عن تلك الدولة آنذاك هي أنها عالم قائم بذاته ولا تربطه بعالمنا أي صلة، وأنها مجتمع ليس بوسع الإنسان أن يعيش فيه عيشة طبيعية وبراحة نفسية. كما كانت تتملكني في كل مرة أتلقى فيها دعوة مشاعر تخوف بسبب الممارسات الأميركية ضد شعبنا العربي، وعلى وجه الخصوص موقفها المؤيد بشكل دائم للكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
في عام 1980، وقبل موعد افتتاح مكتب «كونا» في واشنطن، زارني مسؤولون من السفارة الأميركية وجددوا لمرة ثالثة دعوتي لزيارة بلادهم ضيفاً على وزارة الخارجية.
قبلت الدعوة من ناحية المبدأ، إلا انني اشترطت أن لا تكون على نفقة وزارة الخارجية. واتصلت بالشيخ جابر العلي، وزير الإعلام، المشرف على عمل الوكالة، وأخبرته بقبول الدعوة مشروطة بما ذكرت، فلم يعارض، وقال: «اذهب على حساب الحكومة».

ممنوع من الدخول

وعندما اقترب موعد افتتاح مكتب «كونا»، قررت أن الوقت مناسب للقيام بهذه الزيارة، وأبلغت السفارة الأميركية انني سأتوجه إلى واشنطن بعد اسبوع فطلبوا جواز سفري لوضع تأشيرة الدخول. فأرسلته مع مندوب، وذهب المندوب وغاب طويلا، وظل جالساً كما علمت حتى أغلقت السفارة أبوابها من دون أن يحصل على جواز السفر، وعاد ليبلغني أن سبب التأخير هو جهاز الكمبيوتر، أو هكذا فهم من مسؤول السفارة.
لم اقتنع، وتضايقت، واتصلت بالسفارة أسأل عن حقيقة الأمر، فقالوا بصراحة ان اسمي وارد ضمن قائمة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة!
لم أفاجأ، وابتسمت، وأخذت الموضوع بنية حسنة، وقلت لنفسي، هذه سفارة تعمل في خدمة مصلحة بلدها. ولكن ما أثار استغرابي وتساؤلاتي هو أنني لم أفعل شيئا بامكاناتي المتواضعة يهدد المصالح الأميركية. وتبادر الى ذهني أن هناك، حتى بالنسبة للولايات المتحدة من ينقل اليها معلومات مشوهة.
قلت للمندوب:
«عد واحضر جوازسفري، ولاتخرج من السفارة من دونه»
ماطلت القنصلية في ارجاع جواز سفري، فقلت لهم ، لم أعد راغباً في الذهاب الى أميركا.
بعد يومين تسلمت رسالة من السفير الأميركي يعتذر فيها عما أسماه سوء فهم؛ لقد تم وضع اسمي على قائمة الممنوعين عن طريق الخطأ، وعمم الأمر على سفاراتهم في كل أنحاء العالم. وقال السفير إن اسمي رفع من القائمة، ويمكنني الحصول على تأشيرة دخول في أي وقت. بالطبع لم تعد الدعوة الأميركية الرسمية قائمة، فسافرت بصفتي رئيس مجلس ادارة كونا الى واشنطن لحضور حفل افتتاح مكتبنا هناك.
في تلك الزيارة تأكدت نظرتي الى أميركا؛ رغم أنني قابلت العديد من الأميركيين، لكنني لم أستطع حينها القول ان لي صديقاً بينهم. كان صديقي الوحيد خلال تلك الزيارة هو ابني الذي يدرس هناك.
بعض الأصدقاء الذين علموا بقصتي مع السفارة الأميركية، سألوني:
»هل عانيت المشكلة نفسها مع الاتحاد السوفيتي الذي زرته عدة مرات»؟
أجبت بالنفي، وفسرت السبب على شكل دعابة:
»قد يكون السبب أن السوفيت يعانون من تخلف في تقانة الكمبيوتر، ولذا هم يؤمنون بقيمة التعامل الانساني بعيداً عن التعامل بالوسائط الصناعية»!
ولكن هذا التفسير لم يكن دقيقا في ما يتعلق بالجانب الأميركي على الأقل. وقد برهن تدفق الصحافيين الأميركيين على الكويت في عام 1983، عندما وقعت تفجيرات ضد السفارتين الأميركية والفرنسية، وفي المقهيين الشعبيين، على أن ما يبدو تقانة صناعية، تقف وراءه أجهزة يعمل وراءها بشر بوجوه وملامح، لامجرد روبوتات صناعية. القليل من هؤلاء الصحافيين جاء لتغطية الانفجارات في المنشآت الكويتية، وانصرفت الأغلبية الى جمع معلومات لأجهزة معينة يعملون لديها، ولم يكن الهدف تزويد الرأي العام الأميركي بالمعلومات الدقيقة.
وحدث في وسائط الاعلام الغربية في تلك الأيام تشويش مقصود. من جهة تضخيم ما جرى في الكويت، رغم أنه تكاد تكون أمثاله أحداثا يومية في أميركا نفسها وفي معظم دول أوروبا، ومن جهة ثانية إبعاد المشاهد الأميركي عن معرفة أن التفجيرات التي تعرضت لها الكويت كانت موجهة ضد سياساتها المتوازنة والمستقلة، والى نظامها الديموقراطي ودستورها وبرلمانها المنتخب، ولتعطيل دورها في مجموعة دول عدم الانحياز.
والعجيب أن شبكة سي. بي. اس التي أجرى فريقها مقابلة معي في يوليو 1985، ورغــــم علمها أنها تستضيف رئيس مجلس ادارة وكالـــــة أنبــــاء كويتيـــــة، بثت من المقابلـــــة الجـــــزء الذي قلت فيـــــه ان الكويت لن تساوم على أمنها ولن تخضع للارهاب، وربطت فيه بين حرية الرهائن الأميركيين في لبنــــان وبـــين 17 سجيناً أدينــــوا بجرائم تفجيرات في الكويت في عــــام 1983. ولم تبث معظم مـــا قلتـــه حــــين حملت الولايات المتحــــدة مسؤولية مــــا يحصل لمواطنيها ومؤسساتها في المنطقة العربية. وأن الـرأي العربي يعتبر مـــا يحصل للرعـايا الأميركيين نتيجـة طبيعيــة لسياسات الحكومـة الأميركيـة.
لم تكن أجهزة الاعلام الأميركية تتحمل حتى توصيل حقيقة أن الغزو الاسرائيلي للبنان، وقتـل وتهجير الالاف من المدنيين اللبنانيـين الأبرياء، لم يكن ليتم لولا دعم الولايات المتحـدة المتواصل والكامل لاسرائيـل.
__________________
تهدى الامور بأهل الرأي ماصلحت
*****************
فان تولوا فبالاشرار تنقاد
رد مع اقتباس