أحد رموز العمل المالي الإسلامي المصرفي محليا وإقليميا
تشييع جنازة الفقيد في الصليبيخات اليوم
تشيع اليوم جنازة المغفور له الشيخ احمد بزيع الياسين الساعة التاسعة صباحا في الصليبيخات وقد وصل الجثمان من سويسرا مساء امس، وقد توفي الفقيد عن عمر يناهز الـ83 عاما، حيث وافته المنية في جنيف اول امس و«الوطن» تتقدم من آل الياسين الكرام بأحر التعازي داعية الله عز وجل ان يشمل الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم اهله وذويه الصبر والسلوان.
{إنا لله وإنا إليه راجعون}
==========
أحمد بزيع الياسين.. الأشجار تموت واقفة وتبقى جذورها حية
حمل عبء الدفاع عن تجربة العمل المالي الإسلامي
أول رئيس لـ«بيتك» خلال الفترة من 1977 حتى 1993
دعا لإلغاء الفوائد الربوية في جميع البنوك بوصفها ضرورة شرعية
من أهم أقواله: «أتمنى تصدير الخير للعالم لا أن نستورد الشر»
إعداد هشام البدري وشوقي زيدان:
انتقل إلى رحمة الله تعالى أول أمس احد رجالات الكويت الأبرار واحد رعاة نهضتها الاقتصادية وابرز خبرائها في مجال الاقتصاد الاسلامي العم أحمد بزيع الياسين (ابو مجبل) عن عمر يناهز الـ83 عاما والذي يعد بحق احد رموز العمل المالي الاسلامي المصرفي ليس على المستوى المحلي وحسب بل على المستويين العربي بعامة والخليجي بخاصة.
ينادونه بالعم بو مجبل ويخاطبونه في المكاتبات الرسمية باسم «الشيخ» وهي صفة اكتسبها منذ شبابه لتدينه وتقواه وحبه للعلوم الشرعية.
كانت له اسهاماته الواضحة في توجيه التجربة نحو الطريق الصحيح، وظل مع اقرانه من العلماء والمعنيين بصناعة المال الاسلامية في جهد مستمر، لتوفيق الأدوات المالية المصرفية مع أحكام الشريعة الاسلامية، وارساء قواعد التجربة وغرس جذورها حتى وافته المنية.
حمل عبء الدفاع عن تجربة العمل المالي الاسلامي في وجه منتقديه، كما انه صاحب آراء معتدلة في معالجة قضايا وأوجه الاختلاف، فعندما نتحدث عن المصارف الاسلامية والهيئات الشرعية، لابد لنا من تذكر (أبو مجبل) لتعدد اسهاماته وبروز بصماته الواضحة في مسيرتها.
كان مدرسة يتعلم منها الجميع مفاهيم الصيرفة الاسلامية بل ومفاهيم الاقتصاد السليم التي تنطلق من أسس شرعية متينة، أسس من خلالها مؤسسات مالية ومصرفية قوية خدمت الاقتصاد الكويتي واسهمت في تكريس الدور المحوري للاقتصاد الاسلامي في الكويت.
دعا الى الغاء الفائدة الربوية في جميع المصارف باعتباره ضرورة شرعية لكونها من اسباب تخلف الامة الاسلامية ووصولها الى هذا الدرك الاسفل من الذل والهوان، ودائما كان يربط نجاح بيتك بالالتزام بتطبيق الشريعة الاسلامية في جميع الاعمال والعقود وطالب بضرورة التفريق بين الاستثمار المشروع وبين القمار.
ومن اقواله «اتمنى ان نصدر الخير للعالم لا ان نستورد الشر»، كلمة بليغة قالها الفقيد الراحل تعبر عن مدى حبه للخير وفعله وعن النهج الذي سار عليه طوال سنوات عمره التي حفلت بالانجازات العظيمة والتي كان لها ابلغ الاثر في نمو وتطبيق الاقتصاد الاسلامي والرؤية الاسلامية الاقتصادية الشرعية في العمل المالي، اذ يقول الفقيد الراحل عن الاقتصاد الاسلامي في الكويت ان المنهج الاسلامي الرباني منهج تعبدي ولابد ان ينطلق من اساسيات وثوابت اهمها الايمان بالله، فلا عجب ان تجد الناس يطلبون الحلال فرارا بانفسهم من النار وخوفا من عقاب الله والمصارف الاسلامية لا تريد الهيمنة وانما تريد تصحيح المسار على النهج الاسلامي.
والعم أبو مجبل هو مؤسس بيت التمويل الكويتي كما انه ترأس العديد من الهيئات الشرعية في مختلف البنوك والمؤسسات الاسلامية في دولة الكويت وخارجها.
والفقيد كان عضوا بمجلس ادارة بنك الكويت المركزي، ورئيس مجلس ادارة بيت التمويل الكويتي 1993/1977 ورئيس مجلس ادارة بيت التمويل التركي 1993/1981، وعضو مجلس ادارة الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، وعضو مجلس ادارة جمعية النجاة الخيرية، وعضو مجلس ادارة جمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية، ورئيس هئية الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي منذ عام 1994م، وأمين سر جمعية الاصلاح الاجتماعي سابقاً، وعضو مجلس ادارة غرفة تجارة وصناعة الكويت، كما ان له أبحاثاً ومحاضرات في مجال الاقتصاد بما فيه الاقتصاد الاسلامي.
حياته
العم ابو مجبل من مواليد الكويت عام 1928م - 1346 هـ – يقول عن نفسه في حلقات نشرت على الموقع الاقتصادي العالمي الاسلامي: «دخلت الكتاتيب وعمري أربع سنوات، وتخرجت في التاسعة من عمري».
المدرسة المباركية
ويتابع قائلا: دخلت المدرسة المباركية عام 1937م حيث كان لدي حصيلة جيدة من التعليم الابتدائي استقيتها من مدرسة الكُتَّاب وعندما أختبرني ناظر المدرسة الاستاذ: أحمد أفندي –رحمه الله – نقلني الى الصف الرابع متوسط مباشرة، حيث بدأت الدراسة في المدرسة المباركية في ذلك الصف واستمريت فيها الى عام 1942م حين تخرجت من الصف الثاني الثانوي، ولم يكن لدى المدرسة المباركية صف للثالث الثانوي آنذاك، وقد كان معظم زملائي من الذين خدموا وطنهم خدمات جليلة ولله الحمد، وكان صاحب السمو المغفور له – باذن الله – الشيخ جابر الأحمد الصباح من تلاميذ المباركية وشاب من الأسرة الكريمة أسرة الصباح.
وقد درسنا أساتذة كثيرون كويتيون وعرب، وكان الشيخ عبدالله النوري يدرسنا مسك الدفاتر (المحاسبة) مساءً، وكنت أتطلع الى أمة عربية اسلامية موحدة وما زلت - وما ذلك على الله بعزيز - وعلى الرغم من النكبات والنكسات والكوارث فاني لم ولن أيأس من رحمة الله تعالى فانه على كل شيء قدير حيث لدينا القيم الفاضلة التي ترتفع فيها الأمم لو تمسكت بها.
وبعد تخرجي من المدرسة المباركية عام 1942م، عملت كاتب حسابات عند أحد الأعمام من التجار واستفدت منه خبرة واسعة في التجارة والادارة، وهو العم المرحوم سلميان ابراهيم المسلم، واكتسبت منه كيفية المراسلات التجارية حيث عملت لديه مدة 4 سنوات حتى عام 1946م، وفي ذلك العام كان سفري الأول الى الحج وعمري 18 عاما كانت رحلتنا على الابل واستغرقت الرحلة شهراً ونصف أكثر ذهاباً ومثل ذلك الاياب.
اتجهنا الى مكة المكرمة أولاً ثم الى المدينة المنورة، وكنت مع علي بن خريص الرشيدي ومحمد بن وطيان العجمي، وكان لهما مع والدي أخوة ومحبة، وكانا نعم الرفيقين - رحم الله الجميع - وقد كنا في تلك الرحلة نسير منفردين عن الحجيج أحيانا ونراقبهم أحيانا أخرى، وفي الجملة كانت رحلتي الأولى الى الحج متعة كبيرة حيث أكسبتني خبرة واسعة في الصبر وتحمل المشقة، وتعلمت الكثير من الرفقة الماجدة، خرجنا من الجهراء في الخريف وعدنا اليها في الشتاء.
العودة من الحج
ويضيف: عملت في التجارة لحسابي الخاص متتقلاً ما بين الكويت والهند لمدة سنتين، ثم عملت في عام 1948م مع العم عبدالعزيز علي المطوع رحمه الله حتى عام 1972م متنقلاً في الوظيفة حتى صرت مديراً لاعماله في الكويت والمملكة العربية السعودية، وكان يعمل في التجارة العامة، فاكتسبت منه المزيد من الخبرة التجارية والادارية بالاضافة الى الخبرة السابقة التي نهلتها من العم سليمان المسلم.
وكان من أجمل أيام عمري السنوات الست التي قضيتها في الخُبَر – منطقة سعودية - من سنة 1950م الى 1956م وقبلها سنتان بين لبنان وجده.
بعد ذلك قابلني العم يوسف عبدالعزيز الفليج متعه الله بالصحة والعافية عند مسجد السوق وقال لي: الآن عليك خدمة وطنك بعد هذه الغيبة خارج الكويت وكان عمري 28 عاماً حينذاك.
وقد كلفني ذات مرة بحمل التبرع الشعبي الكويتي الى مصر العزيزة وكنت انضممت الى غرفة التجارة والصناعة عام 1970م كما أصبحت عضواً في مجلس ادارة بنك الكويتي المركزي منذ تأسيسة حيث لم تكن الفائدة البنكية من اختصاصه في ذلك الوقت، وعندما أسند اليه تحديد سعر الفائدة البنكية اعتزلت العمل فيه.
عملت في جمعيات النفع العام بعد ذلك وكنت رئيساً في بعضها وعضواً في بعضها الآخر وكنت قد حاولت في فترة السبعينيات تأسيس شركة أو بنك على المنهج الاسلامي، وكان دافعي لهذه الاستجابة لأمر الله تعالى بالابتعاد عن حرمة الربا في الأعمال التجارية وقبل عام 1956م راجعت أحد البنوك الوطنية لحثه على تقديم خدمات خاصة لمن يرغبون في التعامل بالصفة المشروعة، الا أنني لم أجد استجابة لديهم، وحينما كنت عضواً في مجلس ادارة بنك الكويت المركزي طرحت في احدى جلسات مجلس الادارة موضوع ضرورة انشاء مصارف اسلامية في ذلك الوقت، وبعد المناقشة المستفيضة وافقوا على ذلك، الا أنهم أجلوا الموضوع الى الجلسة التالية ولم يذكر في المحضر ما تم بهذا الخصوص.
وفي بداية السبعينيات زار الكويت المرحوم الاستاذ د.عيسى عبده، فطرح فكرة تأسيس بيت تمويل اسلامي مع بعض الأخوة الأفاضل أمثال: عبدالله سليمان العقيل ويوسف جاسم الحجي وغيرهما، فاستحسن الفكرة عبدالرحمن العتيقي وزير المالية آنذالك، فتم تأسيس بيت التمويل الكويتي، وكلفت بالعمل فيه عقب مشاركة بعض الكويتيين ووزارة المالية في تأسيس بنك دبي الاسلامي بالتعاون مع الشيخ سعيد أحمد آل لوتاه.
الأيام الأولى لبيت التمويل الكويتي
تم التأسيس عام 1977م، وبدأنا العمل يوم 28 أغسطس 1978م، وكان رأس مال البيت في ذلك الوقت 10 ملايين دينار بنسبة %49 للموسسات الرسمية و%51 للقطاع الخاص، بدأنا العمل بربع رأس المال اي بمبلغ 2.5 مليون دينار، وقد كانت المباشرة في مكتب مناسب قريب من وزارة المالية مجاور لشركة الاستثمارات الخارجية.
وكان أول الاداريين في ذلك الوقت الاخوة: بدر المخيزيم، وابراهيم الخميس، وحمود الهران، وعبد الوهاب الزبيد، والمرسل رمضان، وكما عملت معنا السيدة نضال والسيدة اقبال صالح شهاب في قسم السيدات، ثم دارت العجلة فكانت أول صفقة لبيت التمويل الكويتي شراء قسائم سكنية ثم بيعها، وربحنا في تلك الصفقة 30 ألف دينار، ثم توسع العمل بعد ذلك فاستدعينا كامل رأس المال وأخذنا نتوسع في القنوات الاستثمارية، وانتقلنا الى مكتب في شارع أحمد الجابر تابع لأملاك الدولة لمقابلة الازدياد في أعداد الموظفين والموظفات والمراجعين.
تثقيف موظفي البيت بالثقافة الشرعية
كان على بيت التمويل الكويتي في مرحلة التأسيس تثقيف الموظفين بالثقافة الاقتصادية الاسلامية لأن عليهم بدورهم تثقيف المتعاملين معهم بهذه الثقافة لهذا كان على بيت التمويل الكويتي التوسع في هذا وفي الناحية الاعلامية العملية علاوة على النظرية فبعد ان دارت الأعمال بنجاح ولله الحمد اضطر البيت الى استئجار مبنى أكبر من مبنى أملاك الدولة الذي جرى فيه التأسيس فاستاجرنا المقر الرئيسي السابق في مركز عماد التجاري وهناك أيضاً شهد البيت توسعاً جديداً في الأعمال التجارية والعقارية حتى ضاق بشاغلية فقمنا ببناء المنى الرئيسي الحالي.
هيئة الفتوى والرقابة
كان لزاماً على بيت التمويل الكويتي انشاء هيئة رقابة شرعية لتثقيف موظفيه في كافة الجوانب الشرعية للبيوع والمعاملات وتيسير الدرب لهم فيما يستجد من أعمال في مسيرة البيت فكان المستشار لبيت التمويل الكويتي فضيلة الشيخ بدر المتولي عبد الباسط نعم المعين ونعم المستشار في هذا الصدد فقد وضع فضيلة الشيخ بدر القواعد والأسس التي أصبحت مرجعاً فيما بعد لكل من يريد تأسيس مصرف اسلامي وتم اصدار مئات الفتاوي في عدة مجلدات في متناول جميع المهتمين والمتعاملين.
كما أقام بيت التمويل الكويتي دورات تدريبية في المجال الاقتصادي الاسلامي وعقد عدة ندوات فقهية ومؤتمرات تصبح في صالح الثقافة والاقتصاد الاسلاميين.
المؤسسات المالية الاسلامية
وتابع: «بعد ان ترسخت المعرفة والخبرة في مجال العمل المصرفي والمالي الاسلامي، أصبح في ميسور الشباب العاملين في بيت التمويل الكويتي ان يؤسسوا بأنفسهم شركات أو مصارف اسلامية لقد كنت أخاطب أولئك الشباب من أبناء بيت التمويل الكويتي منذ البدايات قائلاً (آمل ان يأتي اليوم الذي يستطيع فيه كل واحد منكم ان يقود مؤسسة أو بنكاً اسلامياً)، وقد تحقق هذا والحمد لله».
رئاسة مجلس الإدارة
في حدود عام 1993 وهو تاريخ انتهاء ولاية الشيخ احمد بزيع الياسين لرئاسة مجلس الادارة كان بيت التمويل الكويتي يقدم خدماته المصرفية لاكثر من 300 الف حساب بما يعادل مليارا و300 مليون دينار.
==========
الفقيد.. سيرة عطرة وإنجازات حافلة
< رئيس مجلس ادارة بيت التمويل الكويتي منذ انشائه وحتى عام 1993.
< رئيس جلسات هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي منذ تأسيسها وحتى عام 1996، ورئيس الهيئة منذ عام 1997 وحتى الآن.
< يمتاز بخبرة تجارية واستثمارية ومصرفية تمتد لفترة طويلة بدأت منذ عام 1942، تقلّد خلالها العديد من المناصب القيادية في مؤسسات متعددة، وهو خبير اقتصادي في مجمع الفقه الاسلامي، كما يتولى مناصب قيادية لعدد من الهيئات واللجان الخيرية المحلية والعالمية.
< تلقى تعليمه في الكويت، وقد حضر على كثير من مشايخ العصر وأئمة العلم، لكن أهم ما يميزه هو ما تلقاه من فقه المعاملات على الشيخ العلامة الدكتور بدر المتولي عبدالباسط، حيث جالسه وأخذ عنه على مدى 18 عاماً، مما أكسبه علماً وافراً في هذا الباب، وجمع بين الخبرة الاقتصادية والمعلومة الشرعية.
من مهماته:
< عضو مجلس ادارة البنك المركزي.
< رئيس مجلس ادارة بيت التمويل الكويتي ورئيس مجلس ادارة بيت التمويل التركي.
< عضو مجالس ادارات الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، وجمعية النجاة الخيرية، وجمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية، وأمين سر جمعية الاصلاح الاجتماعي.
< عضو مجلس ادارة الغرفة التجارية.
< رئيس الهيئة الاستشارية التشريعية في بنك الكويت الدولي.
< رئيس هيئات الفتوى والرقابة في بنك بوبيان وشركات: أعيان للاجارة والاستثمار، المستثمر الدولي، ودار الاستثمار.
< عضويات بالتأسيس:
-1 بنك فيصل الاسلامي في السودان.
-2 بنك دبي الاسلامي في دبي.
-3 بنك بنجلاديش الاسلامي.
-4 بنك بيتك تركيا.
-5 بنك التنمية في مصر.
-6 بنك البحرين الاسلامي.
==========
رأى حلمه يتحول إلى واقع من خلال العملاق «بيتك» الذي أصبح بنكاً إسلامياً عالمياً
أبو مجبل.. مؤسس «بيتك» وأكثر الشخصيات تأثيراً في العمل المصرفي الإسلامي
السياسة لم تكن بعيدة عن الفقيد.. خاض انتخابات مجلس الأمة 3 مرات
رثى بيت التمويل الكويتي الفقيد قائلا رحل العم أحمد البزيع الياسين (ابو مجبل) عن دنيانا الفانية، وقد تحول حلمه الذي قضى جل عمره مع مجموعة من رفاق دربه يجتهدون في العمل على تحقيقه، الى واقع ملموس وحقيقة راسخة حيث تحول بيت التمويل الكويتي من مصرف بفرع واحد عند تأسيسه في رمضان 1398 هجري الموافق 1978/8/31م، الى بنك عالمي بأكثر من 250 فرعا في عدد من دول العالم، وأصبح الاقتصاد الاسلامي لغة ومفاهيم عالمية معروفة ومتداولة بين العامة وفي أسواق المال المختلفة بعد ان ظلت عقودا حبيسة الكتب، وأدراج المكتبات، فأصبح العالم يتحدث الآن عن المرابحة والصكوك والاجارة والمشاركة وغيرها من المعاملات المالية الشرعية، بل ويرى في الاقتصاد الاسلامي طوق نجاة من أزمات عاصفة لا تكاد تمر فترة الا وتعصف بمقدرات الشعوب وامكانات الدول كبيرها وصغيرها.
وقد ولد الشيخ أحمد بزيع الياسين في 6 من شوال 1346هـ الموافق الثامن والعشرين من مارس عام 1928م، في حي القناعات وسط الكويت، يوم موقعة الرقعي الشهيرة، ونشأ في أسرة محافظة متدينة، وكان جده ياسين محمد القناعي يمتلك سفينة شراعية – وكان هو ربانها- لنقل الحجاج من الكويت والخليج العربي الى ميناء جدة في المملكة العربية السعودية.
أما والده فقد عمل في تجارة الابل، وكانت لديه حملة للحج حتى عام 1945م، وكان كثير الأسفار بين الكويت والشام والسعودية على ظهور الابل وكان ابنه المغفور له أحمد البزيع قد شارك معه في تلك الرحلات.
وقد التحق العم أحمد بزيع بالمدرسة المباركية عام 1937م، فكان من الأجيال المتقدمة فيها، ساعده في ذلك حصيلة جيدة من التعليم استقاها من الكُتاب، حتى انه حين دخل الابتدائية واختبره ناظر المدرسة الأستاذ أحمد أفندي نقله الى الصف الرابع متوسط مباشرة، وبقي فيها الى عام 1942م، حيث حصل على شهادة الصف الثاني الثانوي، ولم يكن بالمدرسة المباركية صف للثالث الثانوي آنذاك.
وكان من بين زملائه في المدرسة المباركية الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله، وعبدالرحمن سالم العتيقي، ومحمد يوسف العدساني، وعبدالله سلطان الكليب، أحمد الخطيب، خالد عيسى الصالح، ابراهيم آل عبدالرزاق، جاسم القطامي، عبدالعزيز الخالد، يعقوب القطامي، صالح شهاب، سليمان حسين البدر وغيرهم كثيرون من الشخصيات المؤثرة في تاريخ الكويت المعاصر.
الدفاع عن التجربة
عبر تجربته المصرفية حمل ابو مجبل رحمه الله عبء الدفاع عن تجربة العمل المالي الاسلامي في وجه منتقديه، ودفاعه لم يتجلَّ في الدخول في معارك ومنافسات، أو ردود اعلامية بقدر ما تجلى في الاصرار على العمل والنجاح فهو نادراً ما يظهر اعلامياً.
لا يرى رحمه الله بالعمل المصرفي الاسلامي والاستثماري مجالاً للتجربة، بل هو مختبر حقيقي للتنفيذ وادارة ما يزيد اليوم على نحو 400 مليار دولار تدار حالياً حسب الشريعة الاسلامية في الأسواق المحلية والاقليمية والاسلامية والعالمية.
العمل المالي الاسلامي اليوم عند الفقيد الراحل في تقدم لا نظير له، في حين ان البنوك التقليدية تنحسر أو تندمج، وعلى ذلك تسعى البنوك المصرفية الى انماء عملها ضمن المحاور الشرعية وأهمها محور البيع بجميع أنواعه المشروعة والاجارة والشركات المشروعة، مع الوكالة والخدمات والصرف المشروع. ومع ان الياسين يعمل في سوق عنوانها المنافسة الا أنه لا يهاجم من هاجمه ولا يطعن في عمل المؤسسات المصرفية التقليدية بقدر ما يطرح رأياً بها، فهو يرى ان العمل التقليدي في البنوك فيه ما هو حلال وما هو حرام، ومنه الجائز بنظره مثل تحويل العملات الفوري، ومن الممنوع شرعاً بنظره أيضاً الزيادة في الاقراض على رأس المال لفترة معينة، وهو حين يسأل عن الاختلاف في الفتاوى يبين ان الفتوى استنباط للأحكام من الكتاب والسنة، فالمفتي يدلي برأيه حسب فقهه واجتهاده وتصوره للسؤال، فقد يكون السائل لا يأتي بالحقيقة العملية كما ينبغي، لذا العلة ليست بالفتوى وانما في توضيح صورة السؤال، وفي فهم السائل بمنطق الصورة الحقيقية، أما المفتون فتختارهم المؤسسات من الفقهاء المعروفين بعلمهم ونزاهتهم واجتهادهم.
كما كان الفقيد رحمه الله يدافع عن مقولة ارتفاع عمولات البنوك الاسلامية عن غيرها، ويرى ان ذلك «كلام غير صحيح»، ويعتقد أنه «لو كان ذلك حقيقياً لما كثر متعاملو البنوك الاسلامية وزاد اقبالهم عليها».
ويرى ان النظام الاسلامي والمالي بفقه المعاملات ليس فكراً أحادياً، بل عقيدة وتطبيق ذلك عن طريق المعاملة، والاسلام واحد والاجتهادات في فهم النصوص من الكتاب والسنة نابع من بعض الفروقات والاختلافات السطحية التي لا علاقة لها بجوهر الاسلام.
السياسة في حياة الشيخ كان لها دور كبير من خلال خوضه انتخابات مجلس الأمة ثلاث مرات، الأولى كانت عام 1963 حصل فيها على المركز العاشر، والثانية حصل فيها على المركز الرابع عشر عام 1967 بينما كان المركز السادس من نصيبه في المرة الثالثة عام 1975.
الصدق مع الله
في لقاء سابق مع مجلة «المستثمرون» أكد رائد الصناعة المالية الاسلامية الفقيد الراحل ان الصدق مع الله والعدل مع الناس ومحبتهم هو سر النجاح في أي عمل من الأعمال.
وأوضح الياسين ان النجاح ليس سلعة تباع وتشترى وانما هو توفيق من الله يأتي عندما يتوكل الانسان على ربه ويخلص في عمله ويأخذ بالأسباب. معتبرا ان النجاحات المتتالية للمؤسسات المالية الاسلامية وما تحققه من أرباح هو نعمة تستحق منا الشكر لله تعالى.
وأوضح ان البنوك الاسلامية نزعت المحور الربوي من عمل البنوك التقليدية وطرحته جانبا وعملت من خلال الأدوات الشرعية التي قال انها تزيد عن 40 أداة داعيا العلماء والفقهاء الى البحث عن الجديد دائما بما يلبي احتياجات التجار.
وأشار الياسين الى ان البنك الاسلامي خلاياه مثل خلايا الجسم وكل خلية لها وظيفة، موضحا ان جميع الوظائف التنموية ساهمت فيها البنوك الاسلامية بدرجات متنوعة، ولفت الى أنه اذا اتفق التوجه الرسمي للدولة مع توجه البنوك الاسلامية نمت الأعمال وتطورت للأفضل.
وقال ان هناك بعدا أخلاقيا في تعامل البنوك الاسلامية مع عملائها ولم اسمع في حياتي عن بنك اسلامي ضغط على مدين وألجأه الى اعلان افلاسه مثلما تفعل البنوك التقليدية ذلك مؤكدا ان الشريعة لا تقف عقبة أمام أي عمل فيه خير للناس وأنه دائما يوجد مخارج وحلول شرعية لأي عمل تنموي مفيد.
تكريمه
كان واحدا من ثلاثة وجوه اقتصادية تم تكريمهم على هامش المؤتمر الرابع للمصارف والمؤسسات المالية الاسلامية الذي عقد في الكويت 10 ابريل عام 2004 واختير الفقيد وبدر المخيزيم رئيس مجلس ادارة بيت التمويل الكويتي كأكثر الشخصيات المصرفية الاسلامية تأثيرا في مسيرة العمل المالي الاسلامي وذلك لجهودهما المتميزة على مدى اكثر من ربع قرن هي مسيرة العمل المالي والمصرفي الاسلامي في الكويت من خلال تأسيس بيت التمويل الكويتي الذي اصبح رائدا للتجربة المالية والمصرفية الاسلامية في الكويت وتصنفه هيئات ومؤسسات اقتصادية دولية من اكبر البنوك الاسلامية في العالم.
==========
رؤية الشيخ الاقتصادية
كان العم أحمد بزيع الياسين، رحمه الله، وسيظل مدرسة ومرجعية أساسية يتعلم منها الجميع أصول ومفاهيم العمل لمصرفي الاسلامي، وستظل رؤاه وأفكاره في هذا لمجال سراجا منيرا يهتدي بنورها العاملين في الصيرفة الاسلامية، لقد كان المغفور له باذن الله صاحب بصمة بارزة في العمل المصرفي الاسلامي في الكويت والعالم حتى استحق بالفعل ان يلقب بشيخ المصرفيين الاسلاميين أو نقيبهم ورائد الخدمات المصرفية الاسلامية في العصر الحديث. وقد وصفه فضيلة الشيخ الدكتور عجيل النشمي بأنه «الفقيه الاقتصادي الذي لم يتخرج في كلية شريعة ولا كلية اقتصاد..الرجل الذي لم أر أشد عداوة منه للربا وصروحه، ولا أشد حماسة للمنهج الاسلامي».
لقد خاض الشيخ أحمد حربا ضروسا على الربا بجميع أشكاله، ولم تكن تمر مناسبة الا ويعلن رفضه العمل في أي مجال فيه ربا أو يقود اليه، حتى أنه أبى العمل في مجالات كثيرة في مستهل حياته العملية كان يرى فيها مجالا من مجالات الربا.ولم تكن حربه على غير هدى بل ان سعيه المتواصل لتحقيق حلمه في تعبيد الطريق أمام نشأة المصارف الاسلامية جعله يتعمق في دراسة كل ما يمت اليها من علم ديني فأصبح عالم في مجاله.وطالب الشيخ أحمد في معظم المؤتمرات التي شارك فيها بايجاد نظام اقتصادي واجتماعي خال من الربا.
ظل الشيخ أحمد يقول: أنه عندما يتكلم الانسان عن الاقتصاد الاسلامي عليه ان ينطلق من أصلين، هما منهج وشريعة ديننا الاسلامي الحنيف، ويقصد بالتأكيد كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وكان يرى ان في هذين الأصلين المنهج الاقتصادي المتكامل الذي رضي الله به لخلقه فلا يعتريه خلل ولا نقص ولا قصور وهو صالح لكل زمان ومكان.
في نهاية الثمانينات من القرن الماضي وتحديدا في 16 أكتوبر 1987، شهد العالم بدء أزمة اقتصادية هزت البورصة وسائر المؤسسات المالية الأمريكية وبعض دول العالم، ودعي لشيخ في العام نفسه الى محاضرة كان محورها عن الأزمة تلك، ولو ان العالم استمع لما قاله آنذاك الأزمة السابقة لما كانت الأزمة الأخيرة عام 2008.رأي الشيخ أحمد ان الانهيار الذي حدث لسوق الأسهم لايمس الا الظواهر الخارجية في حين ان المطلوب هو التوصل لجوهر المشكلة، وهو ان الانهيار الذي حدث يدل بوضوح على فشل وافلاس النظام الاقتصادي العالمي الحالي الذي يرتكز على محور الربا في كل جوانبه.
وكان الشيخ أحمد يرى ان بيت التمويل الكويتي بدأ العمل في سوق عنوانها المنافسة، لكنه لم يهاجم من هاجمه ولم يطعن في عمل المؤسسات المصرفية التقليدية.
رأي الياسين في «العولمة»
للشيخ رأي معتبر حول العولمة التي يشهدها العالم، حيث يقول: ان في الاندماج المتكافئ قوة، وفي العالمية الاسلامية العدل والتضامن. وكان من أمنيات الشيخ أحمد الكبرى لتحقيق حلمه الكبير بالتحول الكلي الى الاقتصاد الاسلامي مستقبلا، انشاء معهد لتدريس الثقافة الفقهية «لأننا في أمس الحاجة اليه».
|