عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 14-05-2011, 07:24 PM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,663
افتراضي عمار بيت ولا سفر بنغاله

في عام 1976 وأثناء عملي في سفارتنا في جدة في بداية مشواري الدبلوماسي تشرفت باستقبال المغفور له بإذن الله تعالى العم عبدالعزيز الصقر والذي جاء لأداء العمرة وللأسف لا أتذكر أحداً من المرافقين له آنذاك، وربما يرجع السبب ليس إلى تقدم السن ولكن لبعد المسافة منذ ذلك التاريخ. جلسنا في بهو الفندق نتجاذب أطراف الحديث الممتع الذي اتحفنا به العم «بو حمد» رحمه الله تعالى وكانت الكويت يومها في قمة عطائها ونهضتها وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتجارية والسياسية والفنية والرياضية، فكانت بحق عروس الخليج ودرته، وكان هذا محور الحديث، وفجأة بادرني «بو حمد» رحمه الله تعالى بقوله «الأخ يوسف هل تعرف قصة المثل الشعبي الذي يقول «عمار بيت ولا سفر بنغاله»، فأجبته بالنفي، فاسهب لشرحه وروايته بقوله

«يحكى أن رجلاً كان يعيش مع والدته في منزل صغير متواضع في أحد أحياء مدينة الكويت القديمة، وكان من عادة الرجل في كل عام الذهاب إلى السفر للتجارة، كعادة أهل الكويت في رحلة تأخذهم إلى شرق أفريقيا وآسيا والهند، وكان من عادة السفارة والغواصين أن يقوموا بالاقتراض من النوخذة أو صاحب التجارة مبلغاً من المال يعطى إلى أهل البيت والعائلة لتصريف أمورهم المعيشية، أثناء فترة قيام رب الأسرة وبعد العودة تتم المحاسبة، ويقوم كل مقترض بتسديد ما عليه، ويأخذ ما يزيد على ذلك كالعادة دراهم معدودة». كان الرجل عازف عن الزواج خوفاً من أن يأتي بامرأة تؤذي والدته التي يحبها، ولكن الأم كانت تلح عليه بالزواج، لذا فقد رضخ لها وتزوج، وحان وقت السفر، فأخذ الرجل القرض المستحق له، وأعطاه إلى زوجته التي كان ينقصها القدرة على التدبر والتدبير. بعد رحلة المعاناة والشقاء عاد الرجل إلى بيته وعندما سأل زوجته عن أحوالهم، أجابت بأن الفلوس ما بقي منها شيء، وأن عليهم ديوناً للقصاب والسماك والخباز والبقال، وهكذا، شعر الرجل بحسرة وألم، خصوصاً أنه أحس أن والدته لم تكن على وئام مع زوجته، فقام بتطليقها، وعاد مرة أخرى إلى حياة العزوبية، ولكن والدته لم تتركه، فضغطت عليه ليتزوج مرة أخرى فوافق، وحان وقت السفر، فاحضر كالعادة المبلغ الذي اقترضه وسلمه إلى زوجته. بعد رحلة السفر المضنية عاد الرجل إلى منزله وبادر زوجته بقوله كم علينا من الديون ردت الزوجة بكل ثقة «الحمدلله ليس علينا ديون والبيت متروس ما جله وشريت فراش جديد حق عمتي وصلحت غرفة الجلوس وصبغت الأبواب والشبابيك»، نظر الرجل حوله فإذا الأمور غير ما كانت عليه، فالبيت نظيف والأثاث البسيط في حالة جيدة، ومواد التموين متوافرة، نظر إلى والدته فرآها تبتسم، فقد بدأت الراحة ظاهرة على وجهها الطيب، فأخذ الرجل تنهيدة عميقة من القلب وصاح صج لي قالوا: «عمار بيت ولا سفر بنغاله».

السفير يوسف عبدالله العنيزي
06/05/2011
__________________
رد مع اقتباس