
28-10-2010, 09:12 AM
|
 |
عضو مشارك فعال
|
|
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: ديرة بو سالم
المشاركات: 461
|
|
سامي عبداللطيف النصف
التاريخ صندوق أسرار مقفل وما يعلن عنه في العادة هو القليل القليل مما يحتويه كونه يرتبط بأطراف قد لا تجد المبرر الكافي للبوح بما يحدث وعليه لم يكن في واقعة عرض القائدين محمد نجيب وجمال عبدالناصر على الشيخ عبدالله الجابر في ان يصبح ملكا على مصر والسودان ما يدفعهم لاحقا بعد توقف المشروع للبوح به خاصة وقد توجه محمد نجيب سريعا للسجن، كما ان عبدالناصر انتهج خطا ثوريا معاديا للأنظمة المحافظة والوراثية آنذاك، وألغى حتى اسم محمد نجيب كأول رئيس لمصر، لذا لم يكن ممكنا ان يصرح بأنه كان أحد الذين أرادوا إبقاء الملكية في مصر عبر اختيار ملك عربي قادم من الجزيرة العربية، بالمقابل من يعرف الشيخ عبدالله الجابر والنهج الكويتي «التقليدي» بعدم الحديث عن الأحداث الجسام حتى ان تاريخنا محكى لا مكتوب لذا لا يستغرب عدم حديث الشيخ الجليل عن ذلك العرض التاريخي، يتبقى الوسيط وشاهد الحادثة ونعني المرحوم عبدالعزيز المطوع الذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين القريبة من الرئيس محمد نجيب قبل استقالته منها فيما بعد، فهل تحدث المطوع بتلك القضية وقام بطرحها على الملأ ليثبتها كحقيقة تاريخية؟
الجواب هو بالأوراق التي أرسلها لنا بعد كتابة المقال ابنه الصديق الفاضل أحمد عبدالعزيز المطوع.
الكويت
24/3/1990
في ربيع عام 1990 كان الشيخ المغفور له عبدالله الجابر مازال حيا يرزق (انتقل الى رحمة الله في 19/9/1996) ومن ثم لا يمكن لأحد ان يدعي عليه بأمر لم يحدث، كما ان العديد من أعضاء مجلس قيادة الثورة المصري مازالوا أحياء ناشطين إعلاميا وسياسيا كنائب الرئيس السابق حسين الشافعي ورئيس حزب التجمع خالد محيي الدين وغيرهما ممن لا يتجرأ أحد بالتصريح بالصحف لحدث تاريخي كبير يمكن لهم نفيه أو الاعتراض عليه خاصة ان صحفنا الكويتية آنذاك كانت لها الريادة في الوطن العربي وكانت تقرأ ويكتب بها كبار الساسة والإعلاميين في مصر وغيرها من الدول.
في 24/3/1990 نشرت الزميلة «القبس» وكانت لها طبعة دولية آنذاك لقاء ذكريات مع العم عبدالعزيز العلي المطوع أجراه الزميل يوسف شهاب وقد تصدر الصفحة الأولى صورة الضيف ومانشيت نصه «عبدالناصر طلب مني ترشيح شخصية كويتية لحكم مصر» وتكملة اللقاء على صفحتي 6 و7 اللتين تصدرهما عنوان نصه «مبعوث طلب مني ترشيح شخصية كويتية لحكم مصر فاخترت الشيخ عبدالله الجابر» ويمضي العم المطوع لشرح تفاصيل ذلك العرض المثير الذي بدأه مبعوث جمال عبدالناصر ويدعى «الفضيل الورتلاني» بالقول لعبدالعزيز المطوع: «ان جمال عبدالناصر يود ان تأتي شخصية كويتية لحكم مصر وتساعد رجالها حتى تقف الثورة على أقدامها» ويستطرد المطوع في حديث ذكرياته بالقول انه لم يكتف بعرض الوسيط بل ذهب شخصيا لمقر قيادة الثورة حيث كرر أمامه العرض، لذا توجه للكويت وأخبر الشيخ عبدالله الجابر الذي كان مديرا للمعارف في حينها الذي استشار الشيخ عبدالله السالم حاكم البلاد آنذاك.
مصر
21/3/1953
قرر الشيخ عبدالله الجابر التوجه لمصر كنتيجة لذلك العرض وكان خط الرحلة يمر ببغداد، لذا قام العم عبدالعزيز المطوع وفريق معه بالسفر الى بغداد قبل الرحلة التاريخية للشيخ عبدالله الجابر ليخبرهم كما أتى نصا «في اللقاء» بوصول الشيخ عبدالله الجابر من الكويت في طريقه للقاهرة الساعة الواحدة ظهرا بصفته ملكا على مصر كي يتم استقباله بالصورة اللائقة لتلك الصفة.
وصل الشيخ عبدالله الجابر الى مصر في 21/3/1953 وكان للتذكير مديرا للمعارف في دولة صغيرة غير مستقلة لم يكن الثراء الاقتصادي قد بان عليها ومع ذلك تظهر الصورة التي تغني كما يقال عن آلاف الكلمات ان الرئيسين محمد نجيب وعبدالناصر كانا على رأس مستقبليه، إضافة الى وزير الخارجية د.محمود فوزي وجمع غفير من كبار موظفي الدولة وممثلي الهيئات ورجال السلك الديبلوماسي وشيخ الأزهر وزعماء المغرب العربي، فهل هذا الاستحقاق البروتوكولي لدولة ثرية مثل مصر عدد سكانها يفوق 20 مليونا آنذاك لمدير معارف دولة صغيرة فقيرة غير مستقلة لا يزيد عدد سكانها على المائة ألف نسمة؟!
ومما يزيد الواقعة تأكيدا ان برنامج زيارات الشيخ عبدالله الجابر لم يتضمن المنشآت التعليمية كما يفترض بمدير المعارف، بل تظهر الصور ان زيارته شملت المناطق الزراعية والصناعية والاقتصادية والبنوك والكليات والقواعد العسكرية والبحرية ومقابلة سفراء الدول العربية والأجنبية، اضافة ـ وهذا المهم ـ الى قيامه بتوديع الملك ادريس السنوسي ملك ليبيا (1952 ـ 1969) الزائر للمملكة المصرية آنذاك فهل يمكن ان تقبل دولة ان يودع ملكا زائرا لها مدير معارف لدولة اخرى؟!
حقائق تاريخية
إن القراءة الصحيحة لأحداث التاريخ هي عبر النظر لها بمنظار تاريخ حدوثها لا منظار هذه الأيام آخذين في الاعتبار أن دولا عديدة في المنطقة كالمغرب وسورية والعراق والأردن آنذاك ارتضت وجود عائلات حاكمة قادمة من الجزيرة العربية رغم وفرة الساسة والمثقفين في بلدانها (أبناء الأمير عبدالقادر الجزائري كانوا مرشحين في العشرينيات لحكم سورية ولبنان) وهو أمر مشابه للدول الأوروبية الرئيسية التي كانت تحكم من عائلات ألمانية حتى أن مصطلح «برايم منستر» أو رئيس الوزراء ابتدع في بريطانيا لكون ملكها لا يتحدث الإنجليزية فكان يختار أحد الوزراء ليرأس المجلس بدلا منه.
وقد حكم الألباني محمد علي وأسرته مصر، كما رشح الملك فؤاد لحكم دولة أوروبية هي ألبانيا وقد أصبح فؤاد سلطانا على سلطنة مصر وفيما بعد ملكا على مملكة مصر لرفض ولي العهد آنذاك الأمير كمال الدين حسين حكم مصر عام 1917 بعد وفاة والده السلطان حسين كامل كما رفض قبله الخديوي عباس حلمي الثاني العودة من الأستانة لحكم مصر مما أوصل الحكم للسلطان حسين كامل فبهذه السهولة كان الحكم يتداول بين الأسر الحاكمة في دولنا آنذاك.
لماذا قدم العـرض ولماذا رفض؟!
بودنا لو كشفت تلك الحقائق في وقت مبكر لتناقش في حياة أبطالها كالرئيس محمد نجيب بعد إطلاق سراحه في الثمانينيات والشيخ عبدالله الجابر قبل وفاته في التسعينيات، أما وقد رحلوا ورحل معهم أعضاء مجلس قيادة الثورة عدا الصامت الكبير زكريا محيي الدين فلا يبقى إلا القيام بعملية تخمين تاريخية مدروسة لأسباب التقدم بالعرض.
وهي:
1- لم يكن قرار الغاء الملكية في مصر المستمرة منذ 7 آلاف عام قرارا سهلا خاصة وقد ارتبطت الدول الملكية بالديموقراطية والحريات الصحافية والدول الجمهورية بالديكتاتورية وقد نشرت الصحف المصرية إبان الزيارة دراسة مطولة للرئيس علي ماهر باشا بهذا الخصوص.
2- كانت 6 من 8 دول عربية مستقلة تأخذ بالنظام الملكي: مصر، السعودية، العراق، ليبيا، اليمن، والأردن) وهو ما يضيف لصعوبة قرار إلغاء الملكية مما قد يسيء لعلاقة مصر مع الدول العربية في صراعها لإجلاء القوات البريطانية من أرضها.
3- كان من الاستحالة الانتظار 18 عاما حتى يبلغ ولي العهد الرضيع أحمد فؤاد سن الرشد كما أن سمعة العائلة المالكة قد تدنت كثيرا بسبب تصرفات الملك فاروق ووالدته وشقيقاته.
4- بدأت الخلافات تشتد بين أفراد مجلس قيادة الثورة وخاصة بين الرئيس المحبوب محمد نجيب والقوي جمال عبدالناصر ومن ثم فالتحول للنظام الجمهوري يعني اختيار أحدهم للقيادة ضمن أوضاع غير محسومة وهو ما قد يفجر الصراع لذا فإن جلب قيادة من الخارج أمر مبرر.
المعطيات السابقة قد تكون المبرر المنطقي للعرض التاريخي، أما أسباب رفض العرض فقد تكون للأسباب التالية التي تظهرها الصحف المصرية والدولية الصادرة آنذاك والتي اطلعت على جانب منها:
1- تعقيدات الأوضاع السياسية والأمنية في مصر التي كانت تمر بمخاض كبير فهناك العلاقة المتوترة مع الجيش البريطاني المرابط على أرض مصر وإصرار الشعب على الجلاء، وهناك الاستفتاء القادم للسودان فإما البقاء أو الانفصال والاستقلال عن مصر، الأوضاع الساخنة في غزة وعلى الجبهة مع إسرائيل إضافة إلى بدء الصراع على منطقة الشرق الأوسط بين المعسكرين الشرقي والغربي.
2- الأوضاع الأمنية المضطربة بالداخل بعد حل الأحزاب الرئيسية ومحاكمة قادتها (محكمة الغدر 53) وضرب الحركة اليسارية نتيجة لمظاهرات كفر الدوار وإعدام قياداتها (أغسطس 52) وتوتر العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين بعد أن اعتقدت أنها من سيشكل الوزارة ويتولى الحكم بعد حل الأحزاب الأخرى وبدء فرعها في سورية بمهاجمة ما أسماه بالانقلاب الأميركي في مصر.
3- تفجير الصراع ضمن مجلس قيادة الثورة بين بعض قياداته وتشكيلات الأسلحة المختلفة مما جعل الرئيس محمد نجـــيب يعتكف لعــــشرة أيام، ثم الاختلاف حول الديموقراطــــية وعودة الجيش إلى الثكنـــات...إلخ. 4- شخصية الشيخ عبدالله الجابر الدمثة وغير التصادمية وذكاؤه وحكمته في تقدير الأمور ومن يقرأ كتـــــاب فلســـــفة الثورة لعــــبدالناصــــــر يعرف صعوبـــــة الأوضاع في مرحلة ما بعد الانقلاب حيــــث اشتـــــكى منها ناصر مر الشكوى.

|