دكاكين السوق
كما ذكرنا سابقا عن المرحوم عيسى علي باش بأن لديه دكان في سوق ابن نصار لبيع مستلزمات السفن - كتب علي المتروك - في جريدة الوطن 11/5/2008كتاب الوطن
لقاء غير متوقع
من العادات الحميدة التي تمسك بها الكويتيون منذ القدم، وجودهم بالافراح والاتراح، وكأنهم عائلة واحدة، وتلك عادة مستمدة مما جبل عليه اهل الكويت منذ نشأتها، وهي مازالت سائدة تلازم مسيرة المجتمع.
في الاسبوع الماضي ذهبت الى ديوان المعجل، لتأدية واجب العزاء، وكانت الديوانية مكتظة بالمعزين، وصادف ان جلست قرب شخص لم اعرفه، فالتفت اليَّ بعد السلام قائلا: ألا تعرفني؟ فأجبت بخجل مع الاسف لا اعرفك، فقال: انني اتابع مقالاتك الاسبوعية، واحدث اهل الديوانية عنك، حين كنت تأتي من المدرسة الى دكان والدي وانت صغير، فتعجبت من قوله، وقلت: بالله عليك من انت فقال: عبدالله السمكة ابن المرحوم عبدالعزيز السمكة، فدار بي المكان من شدة العجب، وحسن الصدف، وقلت له انني ابحث عنك ولم اجد من يدلني عليك فقال: انني غيرت اسم عائلتي من السمكة الى المعجل، لاننا في الاصل من عائلة المعجل.
رجع بي هذا الرجل الفاضل الدمث الخلق، الى نصف قرن من الزمن او يزيد، رجع بي الى سوق ابن نصار وسوق الحدادة، والى تلك الثلة المميزة من الرجال الذين ضمهم ذلك السوق رحمهم الله جميعا، وقد سمي السوق بسوق ابن نصار نسبة الى المرحوم حسن وعيد بن نصار، حيث يملكان دكانا في ذلك السوق وبجانب دكانهما يقع دكان المرحوم عبدالعزيز الحمر، ويقابل هذا الدكان دكان المرحوم محمد زمان معرفي، وبجانبه دكان المرحوم عيسى علي باش، وبجانبه دكان المرحوم خالي محمد حسن المهنا والد اللواء ثابت المهنا، وعلى مسافة قصيرة منه دكان المرحوم عبدالعزيز السمكة وبجانبه دكان المرحوم الحاج جمال.
وفي الجانب الآخر مما يلي السوق يقع دكان والدي المرحوم يوسف المتروك، وبجانبه دكان المرحوم الحاج حسين موسى الحداد، وبجانب دكان المرحوم حسين موسى الحداد يقع دكان المرحوم عبدالرزاق الهندي وبجانبه يقع دكان والده المرحوم احمد الهندي، الذي يقوم عادة بمهنة ختان الذكور، وقد مر عليه الكثير الكثير من اطفال الكويت في تلك الايام.
كان ذلك السوق كخلية نحل، مكتظا بالناس، ومعظم هذه الدكاكين تبيع اصنافا متشابهة من مستلزمات السفن، ويقوم الحدادة ببيع انتاجهم على اصحاب تلك الدكاكين، من المسامير بمختلف الاحجام ليبيعها أصحاب الدكاكين الى ربابنة السفن (النواخذة) الذين يأتون بدورهم من ايران الى الكويت محملين بشتى انواع البضائع والخضار والفواكه وينتهزونها فرصة لاعادة تأهيل سفنهم، فيشترون من اصحاب تلك الدكاكين الاشرعة والفتائل، وهي عبارة عن حبال قطنية تستعمل بين الواح السفن، إضافة الى الدامر 1 والطاري 2 والاصباغ والحبال وغيرها من المستلزمات.
وما ان تترك ذلك السوق متجها الى البحر حتى تواجهك مخازن التمور والدبس بكميات هائلة، تفرغ بواسطة الشاحنات، تمهيدا لبيعها او نقلها الى اماكن اخرى.
كان الناس يعملون بالاعمال كافة، وكانت اعمالهم تكمل بعضها بعضا، فمن لا يعمل لا يعيش، ولا يستنكف احد من تأدية اي عمل يصون وجهه من مذلة السؤال فالنفوس عزيزة، والناس تحسبهم اغنياء من التعفف وثيابهم نظيفة رغم قلة المياه، وضآلة المداخيل، ولمن لا يعرف موقع هذا السوق الان، فهو يقع بعد مسجد السوق بخطوات، وتقوم على انقاضه البلوكات التجارية القديمة.
ما اجمل ان ينقلك صديق تراه صدفة وبلا ميعاد الى ايام الصبا والشباب فتختزل الزمن باسرع من البرق، لتعود بك الى ماض جميل مفعم بشتى الصور الجميلة، وما صاحبها من ذكريات مخزونة، تريد فقط من يكبس على الزر لترجع ماثلة للعيان.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لا اخاف عليكم كافرا ولا مؤمنا لان الكافر يدفعه الله والمؤمن يمنعه ايمانه ولكن اخاف عليكم منافقا عليم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون. حديث شريف.
ـ1 الدامر: نوع من المواد اللزجة يذاب بالنار ويستعمل ايضا في طلاء السفن.
ـ2 الطاري: سائل اسود من نوع القار يستعمل لطلاء السفن.
تاريخ النشر: الاحد 11/5/2008
|