أحداث أخرى
اشتملت تقارير ورسائل الوكيل الاخباري على مجموعة من الموضوعات المتفرقة الاخرى التي سجلت بعض الاحداث المحلية والاقليمية، لكنها لا يمكن تصنيفها ضمن الامور التي تطرقنا اليها في النقاط السابقة. واثباتنا هنا لتلك الاحداث - رغم قلتها - ربما يفيد بعض الباحثين في التعرف على جوانب من صورة المجتمع الكويتي واحوال المجتمعات المجاورة، وفيما يلي جانب من تلك الاحداث اوردناها بحسب تسلسل ورودها في الرسائل:
- في 24 اكتوبر 1899 حصلت ضجة في مدينة الكويت، فقد توفي عدد من الاطفال والكبار بلغ عددهم نحو 20 شخصا، وذلك نتيجة تناولهم قطعا من الحلوى او مكعبات السكر او سكر النبات. وقد بعث الشيخ مبارك اشخاصا الى ارجاء المدينة للبحث عن اي رجل غريب واعتقاله.
- في الخامس من شهر رجب 1317 ه الموافق 9 نوفمبر 1899 هطلت الامطار بشدة في الكويت وتراكمت المياه في الصحراء لمدة ستة ايام، وفي اليوم السادس من شهر رجب ذهب الشيخ مبارك للتنزه وصيد الحباري مع خمسين فارسا مسلحا كانوا يرافقونه.
ويبدو ان هذه الحادثة - رغم كونها حدثت في شهر رجب - فإنها تختلف عن الامطار التي اطلق عليها الكويتيون اسم الرجيبة والتي وصفها المرحوم حمد السعيدان في موسوعته بأنها 'مطر عظيم انهمر على الكويت في شهر رجب عام 1289 ه الموافق سبتمبر 1872 وهدم الكثير من المنازل ولجسامة ذلك الحادث اخذ الكويتيون يؤرخون به، اذ عرفت تلك السنة بالرجيبة'.
في 20 ابريل 1900 جاء الى الكويت عبدالرحمن بن سلامة، وهو رجل يسكن في نواحي الاحساء، وهو شيخ عشائره. وسبب مجيئه ان باشا الاحساء قد غضب عليه، فالتجأ الى الشيخ مبارك الصباح راجيا ان يتشفع له عند والي البصرة على والي الاحساء. وقد تشفع له الشيخ مبارك عند والي البصرة. وقد غادر عبدالرحمن بن سلامة الكويت في 2 من شهر محمر (1 مايو 1900) قاصدا جماعته.
وهذا الخبر يدل على مكانة الشيخ مبارك ودالته على والي البصرة.
يخبرنا التقرير المؤرخ في 1900/6/3 عن نزاع نشب بين أهل تاروت مع غواصين من أهل الكويت، هذا الذي قتل فيه عدد من غواصي أهل الكويت، فقد جاء تعريف من محمد بن عبدالوهاب الى الشيخ مبارك في 2 محرم 1318 ه 2 مايو ،1900 مفاده ان أهل تاروت جاؤوا ملتجئين اليه، بحضور حسين بن علي وإبراهيم بن مضف وهما من أهل الكويت، وطلب أهل تاروت الفصل في هذه القضية حتى يستطيعوا الغوص في تلك السنة، والا فإن الكويتيين لن يمكنوهم من ذلك، وقد تم تقدير فصل القضية بمبلغ ثلاثة آلاف ريال، يتعهد محمد بن عبدالوهاب بتسليمه خلال ثلاثة أشهر فقط. وقد قبل الشيخ مبارك بهذا.
في 30 سبتمبر 1900 وصل الى الكويت من البصرة عشرة من العساكر معهم آلات موسيقية وقد أصبحوا يعزفون عند مقر الشيخ مبارك الصباح في وقتين أولهما اذا مضى من النهار سبع ساعات وجلس الشيخ مبارك في مجلسه مع جماعته، والثاني بعد جلوسه بعد زمن الغروب بساعة. وهؤلاء العسكر لا يتبعون الحكومة العثمانية، بل يعملون لحسابهم الخاص يطوفون على المشايخ للتكسب (1900/10/4).
وصلت الى الشيخ مبارك اخبار عن نشاط العصابات والسراق في البصرة. فهم في كل ليلة يسرقون بيتا من بيوت تجارة البصرة ولا يبالون.. ففي 3 من شهر رجب 1319ه (16 اكتوبر 1900) اغار الحرامية على بيت عبدالرزاق بن منصور وهو احد تجار البصرة المعروفين، فقد كسروا بابه ودخلوا البيت واخذوا جميع امواله من جملتها نحو اربعة آلاف ليرة كانت امانة عنده للبونيان (تجار من الهنود). وقد اشتكى التاجر عبدالرزاق الى مشير البصرة فلم يصنع شيئا (1901/10/18).
ويفيد تقرير لاحق مؤرخ في (1901/11/10) ان شط البصرة مخوف هذه الايام ففي 25 من شهر رجب 1319ه (7 نوفمبر 1901) اخذ البلشتية (القراصنة) سفينة من اهل الديلم واخرى من اهل الكويت وثالثة من اهل الجسم (جزيرة على الساحل الفارسي).
في 5 يوليو ،1901 وصل الى الكويت اغا جعفر بن اغا عبدالنبي ومعه حمد المنيس فقط في مركب هندي ونزل في بيت الشيخ مبارك حيث اقام يومين وفي اليوم الثالث عزم على السفر، وحمل لنفسه نحو ثلاثين بوما (سفينة) من الصخر الى المركب، لانه قد اشترى ارضا جديدة في البصرة ويريد تعميرها.
وقد طلب اغا جعفر من الشيخ مبارك ان يسمح لمراكب العجم (الايرانيين) المسابلة (المتاجرة) مع الكويت بحمل الخيل من الكويت فهو اسهل على اهل الخيل من البصرة او من المحمرة واقل تكلفة، ورجاه ان يوافق على ذلك حتى يخبر اهل الخيل الذين يأتون من الشام والموصل وحلب ونجد وأهل الزبير جميعا بحيث يأتون عن طريق الزبير ومنها إلى الكويت (في وجه الله ثم في حمايتكم). وقد قبل الشيخ مبارك هذا العرض بشرط أن يجعل على كل رأس من الخيل رسما (ضريبة) ريالين، وفي اليوم الثالث سافر أغا جعفر إلى البصرة وكان معه حمد المنيس، والأخير هو من أهل الكويت لكنه مقيم في البصرة منذ سنتين.
وتشتمل رسالة علي بن غلوم هذه على أمرين: أولهما مسألة تصدير الصخر ونقله من الكويت إلى البصرة لاستخدامه في بناء البيوت وتعميرها. وهذه معلومة جديدة لم تكن معروفة من قبل. وقد كانت الصخور التي تقلع من ساحل البحر في منطقة عشيرج في الكويت مادة البناء الأساسية في بيوت الكويت، وعرفت بقوتها ومتانتها.
أما الأمر الثاني وهو طلب أغا جعفر من الشيخ مبارك أن يسمح لمراكب الإيرانيين بحمل الخيل على سفنهم من الكويت إلى الهند للمتاجرة بها. فهو أيضا من المعلومات التي يمكن أن تضاف إلى تاريخ تجارة الخيول في الكويت. فقد نشطت هذه التجارة منذ أواخر القرن التاسع عشر، إذ كانت الخيول العربية الأصيلة ذات السلالات الجيدة التي كانت تجمع لتجار الكويت من بوادي الجزيرة العربية في بداية موسم السفر من كل عام من السلع المرغوب فيها في حكومة الهند الإنكليزية، وكان الحصان الجيد يشترى ويباع في بومبي بمبلغ كبير. وكانت الضرائب العالية التي كانت تؤخذ على تصدير الخيول في مواني العراق وإيران من الأسباب التي دعت إلى أن تكون الكويت هي الميناء الأفضل للتصدير، حيث تنقل في سفن الكويت الشراعية إلى الهند. ولم تتوقف تجارة الخيول ونقلها من الكويت إلى الهند إلا في منتصف الاربعينات من القرن العشرين.
في رسالة الوكيل الإخباري المؤرخة في 10 من محرم 1320ه (19 من أبريل 1902) يخبرنا علي بن غلوم أن الشيخ مبارك قد بعث بولده الشيخ فهد ومعه الحاج حسن بن علي بن غلوم وعدد من الرجال إلى بوشهر بالسفينة منور، وذلك لعلاج الشيخ فهد عند الطبيب هناك. وأنه يعاني من جرح في رقبته منذ مدة ومن ثم أمر الشيخ مبارك أن يذهب ابن علي بن غلوم معه الى بوشهر للعناية به.
وقد كتب الشيخ مبارك الصباح بتاريخ 10 من محرم 1320ه (الموافق 19 من أبريل 1902) رسالة الى الكولونيل كمبيل المقيم السياسي البريطاني في بوشهر يذكر فيه ان ابنه فهد البالغ من العمر عشر سنوات به قرحة في رقبته وذلك منذ خمسة أشهر ويرجو أن يعرض على الأطباء هناك. وقد جاء رد المقيم السياسي البريطاني بعد تسعة أيام أي في 19 من محرم 1320ه (الموافق 28 من شهر أبريل 1902) بأنه قد عرضه على الدكتور الكبير الميجر هود وقد فحصه بدقة، وذكر ان الجرح صعب العلاج وتطول المدة لإبرائه، والأصلح أن يعود الولد الى الكويت ويتداوى هناك بحسب العلاج الذي وصفه الدكتور هود، فإذا استمر على الدواء بموجب دستور العمل الذي طلب إليه فسيبرأ الجرح بإذن الله.
وقد توفي الشيخ فهد بعد أربع سنوات من تلك المسألة، وقد عرفنا ذلك من رسالة وجهها المقيم السياسي البريطاني الى الشيخ مبارك يعزيه فيه بوفاة نجليه فهد وصباح. ويقترح عليه ايضا ان يرسل تلغرافا يعزي فيه اللورد كيرزون بوفاة زوجته لعلمه بالصداقة التي ربطت بينهما.
|