حتفالات بهيجة
وقبل وصولنا بوقت قليل جرت في الكويت احتفالات بهيجة وصاخبة بانتصار عبدالعزيز على ابن رشيد.. وفي يوم مغادرة الطراد كان ينبغي لعبدالعزيز القيام بحملة جديدة بعد أن تلقى تعزيزا كبيرا من 1400 محارب ومؤونة من مبارك.
'بعد قيامنا بهذه الزيارة ومشاهدتنا المدينة والسوق اللتين تمثلان لوحة جميلة جدا، ولاسيما الساحة التي تؤمها القوافل المقبلة من الصحراء وتنطلق منها القوافل عائدة، رجعنا إلى مبارك، وبعد احتساء الشاي والقهوة مرة أخرى، دعينا إلى تناول الفطور. لم يجلس مبارك أحدا معنا من المقربين إليه، وجلس هو وحيدا. إن العادة، التي عرفناها في أثناء مجيء 'غيلياك' قد تغيرت آنذاك كان صاحب الدار يختار بيده أفضل قطعة من الكبش المشوي ويغمسه في صلصة الكاري، وبعد أن يمرغها في الرز يضعها بيديه في فم ضيف الشرف. أما الآن فلم يعد ذلك متبعا، فإن الشيخ يكتفي باقتطاع قطعة من الكبش ويضعها على صحن الرز لمن يشاء. قدموا لنا الملاعق والشوكات، أما الشيخ فكان، كعادته، يأكل بيديه، وكان يفعل ذلك بلياقة فائقة، والحق يقال، وحتى ببعض العظمة التقليدية القديمة، فالعرب، بالإجمال، يأكلون قليلا، ولكن إذا كانوا في عيد فهم لا يمانعون في أن يأكلوا جيدا، ولكن من دون شراهة ومن دون مبالغة، فهكذا على أقل تقدير يأكل الشيخ مبارك. والشيء الجديد كان تقديم ماء الشرب، وهو ماء مطري بالطبع، في أثناء المأدبة، ففي الآونة الأخيرة هطلت أمطار غزيرة في الكويت وامتلأت الآبار. بعد المأدبة ودع القنصل وأنا مع ضباطي الشيخ، وكذلك فعل قائد انفيرنى مع ضباطه. ورافقنا حتى عتبة غرفة استقباله، وعدنا كلنا إلى السفينة. قبل المغادرة أبلغني الشيخ عبر أوفسيينكو أنه يتشرف اليوم باستقبال القائد الفرنسي، باعتباره أعلى رتبة، وأنه يطلب مني المجيء غدا لتناول طعام الفطور عنده باعتباري صديقا قديما.
فاضطررت للاعتذار لأنني كنت أزمع إرسال معاوني لالتقاط صور فوتوغرافية، وإتاحة الفرصة لسائر الضباط أيضا لمشاهدة الكويت، لذلك طلبت من الشيخ أن يستقبل معاوني بالنيابة عني لكي يتمكن هو الآخر من التعرف عليه، وإذا ما قدر له وأصبح قبطانا فسوف يكون معروفا لدى الشيخ شخصيا لدى مجيئه إلى الخليج مرة أخرى. فوافق الشيخ بطبيعة الحال، واقترح الشيء نفسه على القائد الفرنسي، كما اقترح على الضباط أن يسافروا قبل مأدبة الفطور إلى الصحراء على ظهور الخيل أو الجمال، ومن ثم يتناولون طعام الفطور بعده. وتنبغي الإشارة إلى الشيء الجديد الذي حدث إبان الزمن الذي مر على مجيء السفينة الحربية الروسية، أعني 'غيلياك'، إلى هنا وهو الخندق غير العميق، الشبيه بمربض رماية، حول المدينة. وقد حفر هذا الخندق لحماية المدينة من ابن رشيد والأتراك. ويمتد هذا الخندق من إحدى ضفتي الخليج حول المدينة إلى الضفة الأخرى. وفي بعض أماكنه يمكن للمرء إطلاق النار وهو جاث على ركبتيه، وفي أماكن أخرى وهو واقف على رجليه. لقد جرى فعل ذلك بناء على نصيحة وتعليمات ضباط بريطانيين.
في صباح اليوم التالي، وعند حوالي الساعة التاسعة، نزلت إلى الشاطئ. وسافر معاوني مع آلة تصوير ومع السادة الضباط، وكذلك مع ضباط من إنفيرني، على ظهور الجياد إلى الصحراء وتناولوا طعام الفطور عند الشيخ، وبعد ذلك التقطوا صورا فوتوغرافية. كما قاموا بزيارة للشيخ عبدالعزيز بن سعود. وفي الساعة الثانية وصلت إلى المرفأ أول سفينة حربية بريطانية صادفتها طوال هذا الوقت هي السفينة 'سفنكس' التي أرسلت إليها ضابطا لتقديم التهنئة بالوصول، وفعل الشيء نفسه الطراد 'انفيرني'.
في اليوم نفسه جاء إلى الطراد مع الحاشية بادئ الأمر حفيد مبارك، ابن وريثه وقائد جيشه الشيخ جابر بن مبارك، أحمد بن جابر، كما جاء في زيارة جوابية وللتوديع قبل القيام بحملة جديدة، وبتكليف من شقيقه الأكبر عبدالعزيز آل سعود، محمد مع شقيقه سعد مع حاشية مسلحة تسليحا غنيا وجيدا، وشاهد الجميع السفينة باهتمام شديد وكانوا مسرورين جدا بالاستقبال، لدى مغادرتهم، ورغم أن العلم كان منزلا، أديت لهم تحية من خمس طلقات وأضيئت لهم الطريق بالمصابيح الكاشفة فأثار ذلك في نفوسهم ارتياحا عظيما.
في 23 شباط من العام الجاري، الساعة الواحدة بعد الظهر، رفعت المرساة في أعقاب 'إنفيرني' وواكبتها لمواصلة الإبحار نحو لنغة'.
* * *
ولا نريد من العرض السابق أن نستوفي تفصيلات العلاقة الكويتية الروسية، ولكن المقصود هو محاولة الربط بين المصادر المختلفة والمقارنة بينها من أجل بيان موقع المعلومات التي أوردها علي بن غلوم في تقاريره بالنسبة للمصادر الأخرى. وقد اعتمدنا في هذا على مصدرين روسيين هما: كتاب 'الكويت وعلاقاتها الدولية، لبونداريفسكي'، وكتاب 'سفن روسية في الخليج العربي، لريزفان'، وهناك مصادر أخرى يمكن للباحث عن مزيد من المعلومات الرجوع إليها.
خامسا ..
|