في 16 من شهر أكتوبر جاء بشير إلى جناب الشيخ مبارك الصباح من قبل عبدالعزيز بن عبدالرحمن (آل سعود) وأخبره أنهم استولوا على أموال اثنتي عشرة عشيرة من عشائر ابن رشيد، وقد تمت مهاجمتهم في نواحي نجد بالقرب من بلدة المجمعة. وقد سر الشيخ مبارك لما وصله هذا الخبر لأن قوة ابن رشيد معتمدة على هذه القبائل التي انتصر عليها عبدالعزيز بن عبدالرحمن (آل سعود) وأن ابن رشيد حينما يسمع بهذا الخبر سيغتم كثيرا لهذا الأمر الذي جرى لعشائره (/10/18 1901).
أرسل الشيخ مبارك جميع عساكره إلى عشائره على حدوده حتى يرعوا جمالهم وأغنامهم، لأن عشائره هناك بدون بيرق (علم) أي حماية رسمية، والشيخ مبارك ليس غافلا عن تحرشات ابن رشيد، ولهذا فهو يسعى دائما لحفظ حدوده وحماية عشائره وفق الأصول. علما بأن ابن رشيد لم تعد له القدرة على الوصول إلى حدود الشيخ مبارك، وإذا ما فعلها وحضر فسوف يحارب (/10/18 1901).
بخصوص ابن رشيد فهو مقيم هذه المدة في الحفر، وقد أرسل رجاله إلى البصرة لإحضار علف لدوابه وليجلبوا طعاما لعساكره فبلاده خالية من الطعام. وقد اكتال رجاله من البصرة في 17 من شهر رجب وخرجوا قاصدين ابن رشيد، وقد وصلت تلك القافلة إليه في يوم 3 نوفمبر، وفي اليوم التالي غادر الحفر لمسافة يومين قاصدا بلاده على التدريج. وحتى الآن لم يتحرش بعشائر الشيخ مبارك. وعشائر الشيخ مبارك وعساكره مقيمون على حدوده يحفظونها ولن يقوموا بأي اعتداء دون إذن المقيم السياسي.
وقد خرج نحو سبعة آلاف شخص من العسكر تحت بيرق الشيخ مبارك، أرسلهم الأخير لكي تطمئن العشائر حين يقيمون على موارد الماء ويرعون أنعامهم في خير وأمان.
أما عن عبدالعزيز آل سعود فقد وصل في 1 من شهر نوفمبر إلى الأحساء مع عسكره الذي يقدر بعشرة آلاف شخص من أهل نجد وعشائرها، وكان وصوله الأحساء بغرض الاكتيال منها علفا لدوابه وطعاما لعسكره. ولما وصل إلى نواحي الأحساء وخيم قريبا منها تخوف منه باشا الأحساء وأرسل إليه رسولا، يقول له إننا مع تقديرنا لك فإننا سنرسل إليك كل ما تحتاج إليه من أرز وتمر موجود عندنا. وكان عبدالعزيز ينوي بعد أن يكتال من الأحساء التوجه إلى الكويت في 20 من شهر نوفمبر ليقيم عند الشيخ مبارك ومعه الأموال الكثيرة التي أخذها من عشائر ابن رشيد إضافة إلى الخيل والغنم والجمال. (/11/6 1901).
ابن رشيد غادر أرض "الحفر" مسافة يومين قاصدا بلاده، وحتى هذا التاريخ لم يحدث أي تحرش من ابن رشيد مع عشائر الشيخ مبارك. كما أن عساكر الشيخ مبارك جميعهم موجودون عند عشائره وعلى حدوده آمنين في خير وعافية (/11/10 1901).
بخصوص يوسف بن إبراهيم جاء خبر إلى الشيخ مبارك يفيد أنه موجود في البصرة وأنه يجهز (يسلف) الرجال ليبعثهم إلى ابن رشيد.
بعد أن غادر ابن رشيد "الحفر" نزل على "العكية" على مسافة سبعة أيام عن الكويت، وحتى الآن لم تصدر عنه حركة. ولابد من الإشارة إلى أن المشير (مشير بغداد) والوالي هما اللذين يساعدان سرا يوسف الإبراهيم وابن رشيد ضد الشيخ مبارك. (/12/151901).
بخصوص الأمير عبدالرحمن بن فيصل عرفناكم أخباره عن طريق كاسكن ممثلكم بالبحرين، وأنه ينوي الذهاب إلى ولده الأمير عبدالعزيز في بلد الرياض. وقد اجتمع عنده نحو أربعمائة شخص مسلحين من جماعته كانوا مقيمين في الكويت وسوف يغادر الكويت في 30 من شهر أبريل ،1902 وعندما يصل إلى هناك فسوف يقوى ولده ويصعب أمره على ابن رشيد. (/4/19 1902).
لايزال وكلاء عبدالعزيز ابن رشيد يواصلون حشد الرجال المسلحين في الزبير ويغيرون على بادية الكويت وعلى عشائرالشيخ مبارك. ومنذ يومين أغار نحو 200 مسلح على العشائر الموجودة في سفوان. (/11/201902).
حدثت معركة بين ابن رشيد وابن سعود في منطقة الدلم القريبة من الخرج، فقد خيم عبدالعزيز آل رشيد عند مدخل بلدة الدلم ، وأحاطت بها قواته لمهاجمتها، فأرسل عبدالرحمن بن فيصل ابنه عبدالعزيز من الرياض في قوات تقدر بخمسة آلاف رجل حيث دخل البلدة ليلا دون علم ابن رشيد، ثم جاءته قوات رديفة قوامها ثلاثة آلاف، وفي الصباح الباكر دارت معركة عنيفة استمرت نحو ست ساعات انهزم بعدها ابن رشيد حيث طاردته قوات الأمير عبدالعزيز آل سعود لمدة ثلاثة أيام إلى أن لجأ إلى القصيم.
في 20 من نوفمبر أرسل الأمير عبدالرحمن بن فيصل رسالة إلى الشيخ مبارك الصباح يبشره فيها بما تم لهم من النصر، الذي جعل الكثير من قبائل نجد تنحاز إلى الأمير عبدالعزيز بن فيصل وتتحول عن ابن رشيد. (/11/24 1901).
في 8 من شهر ديسمبر قام يوسف الإبراهيم ومعه خالد بن عون شيخ الزبير ومعهما مائتا مقاتل بمهاجمة عشائر الشيخ في نواحي الجهراء، وقد تعقبهم رجال مبارك وهزموهم.
قام عبدالعزيز ابن رشيد في 22 من شهر ديسمبر 1902 بمغافلة عشائر الشيخ مبارك ليلا، ودخول أراضي الكويت، وكان ذلك على مسافة ساعة من الجهراء. وقد نهب نحو سبعين منزلا، وعندما سمع بقية العشائر بذلك الهجوم هبوا لمساعدة جماعتهم، وطاردوا ابن رشيد إلى خارج الحدود.
لما أخبر الشيخ مبارك بهذا الهجوم أبرق إلى الباب العالي بتعديات ابن رشيد ويوسف الإبراهيم. فصدر أمر إلى والي البصرة بأن يبعد يوسف الإبراهيم إلى دمشق أو إلى جدة للعيش هناك، وأن ينقل أولاد الشيخ محمد الصباح إلى بغداد للإقامة فيها. وقد سر الشيخ مبارك لهذه الأخبار. (/12/22 1902).
في 4 من شهر يناير 1903 وصلت السفينة الحربية (المنور) البريطانية آسي، وزار قبطانها الشيخ مبارك حيث طلب منه أن يكتب قائمة بالأشياء التي نهبها ابن رشيد حتى يحملها إلى المقيم السياسي في بوشهر. وقد أوضح الشيخ مبارك للمقيم السياسي أن ابن رشيد قد أغار على حدوده ونهب العشائر التابعة له. وقال إن مسؤولية هذا الأمر تقع على عاتق الحكومة البريطانية التي طلبت مني ألا أتجاوز حدودي، ولو لم أحافظ على عهودي مع الحكومة البريطانية لقمت بمطاردة ابن رشيد داخل الصحراء واستعدت ما نهبه من عشائري وحافظت على حقوقهم. وابن رشيد الآن ضعيف فبعد قتاله مع ابن سعود هجرته جميع العشائر التي كانت معه، وحينما اقترب من الجهراء لم يكن معه سوى 700 رجل.
ألقى رجال الشيخ مبارك القبض على رسول ابن رشيد الذي كان يحمل خطابا إلى يوسف بن إبراهيم وخالد العون حاكم الزبير، وقد أحضروا هذا الخطاب للشيخ مبارك الصباح الذي قرأه وأخبرني أن ابن رشيد طلب منهما (يوسف وخالد) أن يساعداه ضده (أي مبارك). (1/5 1903/).
- وصول الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن (آل سعود) في 3 من شهر مارس 1903 إلى الكويت ونزوله وعسكره في منطقة عريفجان التي تبعد خمس ساعات عن الكويت. وفي 5 من الشهر اصطحب أخاه محمدا مع مائة من أتباعه لزيارة الشيخ مبارك الصباح، وقد قرر قضاء العيد في الكويت، ثم يتوجه بعده لمحاربة ابن رشيد الموجود حاليا في ضواحي القصيم. ومما يذكر أن ابن رشيد الآن في حالة من الضعف وقد هجرته قبائله. أما الأمير عبدالرحمن بن فيصل والد عبدالعزيز فقد استقر في الرياض مع قواته. وقد أصبح موقف ابن رشيد صعبا جدا.
في 20 مايو 1903 وصلت إلى الشيخ مبارك أخبار من البصرة تفيد أن عبدالعزيز ابن رشيد قد وصل مع عشائره إلى السماوة. ثم توجه إلى بغداد حيث قابل الوالي التركي وطلب منه مساعدة القوات التركية العثمانية له ضد عبدالعزيز بن عبدالرحمن. وذكر أنه إذا لم يتلق هذه المساعدة فإن عبدالعزيز سيستولى على الحجاز بأكمله، بما فيه مكة والمدينة، وبعد ذلك سوف يأخذ منكم القطيف والأحساء. وتذكر الأخبار أن السلطات العثمانية قد استجابت لمطالب ابن رشيد الذي بدأ في تعبئة قواته لقتال عبدالعزيز بن فيصل (آل سعود). وقد عبر الشيخ مبارك عن استيائه لهذا الأمر، ولكنه قال إن الأتراك إذا ساعدوا ابن رشيد، فمن المؤكد أن عبدالعزيز بن فيصل سوف يطلب المساعدة من الحكومة البريطانية.
* * *
ومن واقع الأحداث التي سجلها الوكيل الإخباري علي بن غلوم ورسائله المتتالية إلى المقيم السياسي البريطاني يمكن استخلاص الكثير من الوقائع التي تتعلق بفترة تاريخية مهمة أعيد فيها بناء الهيكل السياسي لشبه الجزيرة العربية، وتحتوي تفصيلات تلك الرسائل التي سنقدم ملخصا عن كل منها على مجموعة من المعلومات والتواريخ التي تصحح ما جاء في كثير من كتب التاريخ المتعلقة بهذه الحقبة من الزمن. ولا نريد أن نخوض في هذا الجانب أو نقدم تحليلا للأحداث. فالهدف هو تقديم الوثيقة مجردة دون تدخل منا، ونترك ما وراء ذلك للباحثين من المؤرخين الذين ينبغي عليهم مقارنة الأحداث مع المصادر الأخرى وبيان ما تضيفه وثائق علي بن غلوم ورسائله من جديد إلى تاريخ الكويت.
(1) هذا هو التاريخ المسجل في معظم المصادر التي تكلمت عن اليوم الذي وقعت فيه المعركة. وقد ذكر علي بن غلوم في رسالته المؤرخة في 1 ابريل 1901 ان المعركة حدثت يوم الثلاثاء الموافق 25 من شهر ذي القعدة، وهذا اليوم لا يوافق الثلاثاء بل السبت. وفي تقريره الذي استقاه من فلاح بن جنهم بتاريخ 7 ابريل 1901 يقول ان المعركة وقعت يوم 27 من ذي القعدة الموافق 18 مارس وهذا يتفق مع ما اورده عبدالله بن محمد البسام في كتابه: تحفة المشتاق في اخبار نجد والحجاز والعراق تحقيق ابراهيم الخالدي، الكويت ،2000 ص384.
(2) في تقرير لاحق مؤرخ في 1901/4/8 يذكر علي بن غلوم ان الذين بقوا مع الشيخ مبارك مائة شخص لا غير.
(1) في الرسالة المؤرخة في 1901/4/8 يذكر ان تاريخ وصول الشيخ سعدون وعبدالرحمن الفيصل في 15 من ذي الحجة، ويبدو ان الكاتب يقصد عبدالرحمن الفيصل فقط لكونه مر في الرياض قبل رجوعه الى الكويت.
(1) قتل عبدالعزيز ابن رشيد في روضة مهنا في 17 من شهر صفر 1324ه (12 من ابريل 1906).
|