عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25-10-2009, 12:15 PM
الصورة الرمزية الجامع
الجامع الجامع غير متواجد حالياً
مراقب قسم الوثائق والصور التاريخية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: الكويت
المشاركات: 560
افتراضي

وجه في الأحداث
أيوب.. معجون بطين الكويـت


يكتبها حمزة عليان:



لم يشأ أن يترك مرض السكري الذي داهمه في آخر سنوات عمره دون أن يهجوه مع أنه ليس من «الهجائين» بل من أولئك المحافظين على التراث الشعبي وقصصه التي حولها إلى لوحات فنية ويبدو أن السكري حرمه من متع الدنيا، خصوصا الحلويات، فقال فيه شعرا مطلعه:
وداعاً يا بني حلوى
وداعا يا لقيماتي
وداعا يا بني رهش
وداعا يا كنافاتي
وأنهاها بالبيتين التاليين:
خذوا حباتكم هذي
وقولوا للطبيبات
إذا أيوب طاوعكم
أذيع بالوفيات
أيوب حسين أهميته أن لوحاته التي قاربت الـ 600 لوحة انتقلت إلى البيوت وصارت جزءا من المقتنيات الشعبية، ما ان تشاهدها حتى تقول ان هذه اللوحة لأيوب، حيث تفرّد برسم البيئة الكويتية ونقلها بأمانة، وتخال نفسك أمام مشهد طبيعي تماما مثلما تزور بيته الذي حوله إلى متحف وفيه كل الأشياء القديمة من الرحى والمحداق والملمص والملا لة والمحالة والصندوق المبيت وهو البيت الذي انتقل إليه من جدته فاطمة بنت حمدان.

أكثر من خمسين سنة وهو يرسم، حفظ البيئة الكويتية ومنذ صغره وهو يهوى الرسم، مغرم إلى حد الثمالة في عشق حولي والسالمية (عندما كانت تسمى الدمنة) أيام الأربعينات والخمسينات فقد كانت بمنزلة البر والنزهة لأهل الكويت يذهبون إليها للتمتع بالربيع، ومن شدة عشقه لحولي استأجر بيتا فيها مع انه كان يسكن في حي «شرق» فريج الجناعات.
ابن بيئته، لم ينسلخ عنها، ارتبط بها وجسدها في مختلف مناحي حياته اليومية، في ملبسه وفي مأكله وفي جلسته وفي أحاديثه، بقي وفيا للأرض وللأدوات القديمة التي تفتحت عيناه عليها وللأم التي برع في تقديمها من خلال الحوش والبحر والمدرسة التي عمل فيها وشاء ان يعقد قرانه بقاعاتها عام 1953 في مدرسة الصباح الابتدائية، (جنب مخفر شرق) قبل أن تهدم.
(فيه عرج من المطوع) هكذا وصفه أحد اقربائه، لأنه شديد الولع بالحلو، محب له، يحرص على ألا يخلو بيته من الرهش والزلابيات والقيمات وان بات في المدة الأخيرة يعيش يتيما من السكريات والدهنيات مثلما صارت متعة صيد العصافير من الذكريات، فقد عرف عنه شغفه بصيد الطيور وكان «حبَّال» ماهرا يعرف أسماء الطيور وطرق صيدها خاصة في الأربعينات والخمسينات حيث كان معظم هذا الجيل يهوى الصيد
وقف قبل أشهر في قاعة أحمد العدواني ليلقي كلمة باسم الفنانين التشكيليين متحدثا عن تاريخ معرض الربيع الذي أقيم لأول مرة عام 1959، وسط مجموعة من الفنانين المؤسسين والشباب في مشهد له رمزيته ودلالته من حيث تواصل أصحاب المدرسة الأولى مع جيل الشباب. وهذا المعرض الذي لازمه منذ عام 1958 عندما شارك فيه نحو 81 فنانا من مختلف الجنسيات وقدموا 142 لوحة بثانوية الشويخ ثم توالت المعارض في المباركية ليعزو ذلك الى وضع اللبنة الأولى للفن التشكيلي في الكويت وهو خميس شحاتة.
معارضه عبارة عن جولة في أعماق الكويت القديمة، كويت الفريج، وان كان عدد من النقاد يأخذون عليه تقوقعه في «فريجه» الذي ترعرع فيه والبراحة التي كان يلعب فيها ليتمثلها في لوحاته دون ان يخرج الى الفرجان والبراحات الأخرى كما كتب الزميل فيصل العلي في «الوطن» وفي كل الاحوال تبقى رسالته من خلال لوحاته «محاكاة الكويت القديمة التي أحنَّ إليها»، ليوصل رسالة للأجيال الشبابية بأن الكويت هكذا كانت في الماضي.
أعلن عن هويته الفنية بكل وضوح وبساطة «لوحاتي تنتمي للمدرسة الواقعية ولست الوحيد في تلك المدرسة لكنني الاحظ ان هناك الكثير من الفنانين الشباب الذين كانت بداياتهم عبر المدرسة الواقعية ثم تركوها نحو مدارس أخرى، بينما أجد نفسي في ذلك ولن أحيد عن تلك المدرسة التي تتميز بأنها مرتبطة بالبيئة وبالأصالة، ناهيك بكونها تحمل هوية بلدي وهي نقطة الانطلاق نحو العالمية».
جمع مركز البحوث والدراسات الكويتية الإرث الفني لأيوب حسين في كتاب «التراث الكويتي»الصادرعام2005 شاملا لكل ما خطه بريشته عن البيئة المحلية خلال خمسين عاما من حياته الفنية «امتزجت فيها البيئة بالمشاعر والأحاسيس الفنية، كما امتزج فيها الفن بحب الوطن» فجاءت اللوحات تعبيرا صادقا عن التراث خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين كما قال عنها د. عبدالله الغنيم «لتظهر معظم اللوحات» في كتاب واحد، لم شملها من بعد تفرق وشتات، كما افصح عن ذلك ايوب حسين نفسه أودعها في هذا الكتاب مرتبة ترتيبا زمنيا، توضح بداياته وتجاربه مع رسم البيئة الكويتية القديمة بدءا من عام 1958 في ثانوية الشويخ.
بعض محطات سيرته الأولى فيها صورة عن علاقة أيوب بالطين والبيئة كما يرويها هو للزميل منصور الهاجري في «الرأي العام».
«بدأت العمل بالمتحف الوطني وكان معي العيناني واول عمل عملت نماذج للكويت القديمة جهزت الباسجيل والجندل والطين وعملت نماذج لأهل البحر. وبنيت بيتا طوله متران وعرضه ستين سنتيمترا.
وضعت فيه جميع مواد البناء كذلك بنيت مدرسة أهلية قديمة واحضرت ادوات التدريس، وفي السرداب عملت سفن الغوص والغاصة والسيوب عملتها من الورق وعلقتها بالخيوط، والعيناني يرسم على الجدران.. بقيت في المتحف لمدة سنة واحدة وفي العطلة الصيفية قررت العودة للتدريس، ولكن خميس شحادة رفض وقال نعينك مديرا للمتحف، ولكني رفضت وقلت: لا بد من العودة إلى التدريس (أنا رجل صاحب طنقوره).».
وبعد التقاعد عمل في البناء لحسابه الخاص يبني البيوت ويبيعها وعندما شعر بالتعب ترك البناء وتفرغ للرسم وكان ذلك في عام 1979 بعد ان خدم في التدريس من الخمسينيات ليصبح ناظرا.
في كتابه الثاني «مع ذكرياتنا الكويتية» حرص ان يبرز نوع من المشاهد والحالات المتأصلة في نفسية اهل الكويت، بعضها قد اندثر والبعض الآخر يطارده الزمن فيهلكه، اجتهد بسرد وتصوير ملامح «خفية» من صميم البيئة يراها البعض انها تافهة لم يتطرق اليها احد فضلا عن تعارف الناس عليها واندماجه بها فأصبحت جزءا من حياتهم التي عاشوها كلها ذهبت ولم يبق منها سوى الذكرى، لذلك جاء هذا الكتاب، ليقف الجيل الحالي على حياة آبائهم الاقدمين الذين كافحوا كفاح المستميت وتعرضوا للمخاطر والاهوال في سبيل لقمة العيش.
عمل على احياء التراث الشعبي القديم وركز اهتمامه على عادات الاطفال والفتيان قديما وتقاليدهم الاجتماعية بماضيها الحافل، تاركا لنفسه التعبيرعنها باسلوب سهل ولغة بسيطة يفهمها الجميع، قام بحصر انواب ألعاب الصبيان والبنات ومصنوعاتهم واغانيهم واهازيجهم شارحا نظمها وطرق تأديتها، موضحا بالرسم المبسط النوعية التي يتم بها ذلك مع ذكر اسم المناسبة التي قيلت فيها وبعض لوحاته الزيتية في كتابه المعنون «مع الاطفال في الماضي».
عام 1982 أصدر كتاب «مختارات شعبية في اللهجة الكويتية» بعدما لاحظ ان الغالبية من الناشئة تنتابهم حالة من السرور عندما يتذكرون شيئا منها ويتبارون في كيفية نطقها، لذلك عمل على ان يحتوي الكتاب جملا واوصافا وتعابير ومفردات متآلفة ومتجانسة ليعطي فكرة ان معظم كلمات اللهجة الكويتية نابعة من «اصل عربي»!
رحلته مع الفن التشكيلي امتدت لاكثر من 50 عاما بدأها بقلم الرصاص ومارا بالاقلام الملونة والالوان المائية ومنتهيا باستخدام الالوان الزيتية، وطوال تلك الرحلة عمل على ابراز معالم البيئة القديمة وهي هواية استقرت في نفسه بعهد الشباب ولم يتخل عنها، بل بقي ممارسا لها ومحبا، لكن ما هو فيها من تفاصيل، تلك هي الجذور التي نشأ فيها ومنها ولولاها لما وصلت الكويت الى ما هي عليه، «والعيب ان يتنكر البعض لذلك الماضي السعيد» كما كتب يوما عند افتتاح معرضه الفني الخامس للبيئة الكويتية.

السيرة الذاتية:

أيوب حسين الأيوب
مواليد الكويت 1932.
تخرج في صف المعلمين بالمدرسة المباركية عام 1949.
عمل مدرساً في وزارة التربية عام 1949-1950 ثم وكيلاً ثم ناظراً بمدرسة ابن زيدون في حولي وتقاعد مع بداية العام الدراسي 1979-1980 فكانت خدمته ثلاثين عاماً.
أنتج ما يقارب ستمائة لوحة، وجميع لوحاته تمثل البيئة الكويتية القديمة.
شارك في معرض البطولة العربية عام 1958 وفي جميع معارض الربيع التي أقامتها وزارة التربية، كما شارك في معظم المعارض التي أقامتها الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية سواء داخل الكويت أو خارجها، وشارك أيضاً في المعارض التي أقامتها كل من جمعية المعلمين وجمعية الخريجين والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ومتحف الكويت الوطني.
أقام ستة معارض خاصة منفردة ومعرضين خاصين بمشاركة زميله المرحوم الفنان أمير عبدالرضا.
أول من عمل بمتحف الكويت عام 1956 وأشرف على تأسيسه حيث صمم وبنى بيده نماذج متعددة للبيت الكويتي القديم والمدرسة القديمة وجهز المتحف بالألوان الشعبية القديمة وذلك في عهد الأستاذ خميس شحادة مفتش التربية الفنية سابقاً، ثم في عهد السيد أحمد العثمان المدير المالي للمتحف آنذاك.
حاز على درع الريادة من الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية كما حصل على تكريم من سمو ولي العهد الشيخ سعد العبدالله الصباح وشهادات تقدير كثيرة، وبعدها حاز على جائزة تقدير وتكريم من اللجنة المنظمة للمعرض الدوري الثالث لفناني دول مجلس التعاون الخليجي الذي أقيم في الشارقة في الفترة من 27-11 الى 4-12-1949.
له مؤلفات شعبية تراثية مثل: «مع الأطفال في الماضي» خاص بالألعاب الشعبية، كتاب: «ذكريات الكويتية»، «حولي قرية الأنس والتسلي»، «مختارات شعبية من اللهجة الكويتية»، «من كلمات أهل الديرة».
نال جائزة الدولة التشجيعية في الحفل المقام بهذه المناسبة مساء الثلاثاء 2-12-1997 عن أعماله التصويرية وجائزة الدولة التقديرية عام 2001 في مجال الفنون التشكيلية.
جميع أعماله الفنية صارت من مقتنيات الأهالي والمؤسسات وشارك بعدد من لوحاته في افتتاح متحف الكويت الوطني عام 1957.
بعض النقود الورقية الكويتية الحالية تحمل بعضا من لوحاته أو أجزاء منها.
أقام العديد من المعارض في اليابان وفنلندا وشارك في معارض متنقلة في أوروبا والعالم العربي وأميركا.
استدعي للتحكيم في عدد من معارض التصوير والفنون التشكيلة.
متزوج وله ثلاثة أولاد وثلاث بنات وجميعهم أتموا تعليمهم الجامعي
.

القبس 25/10/2009
__________________
www.flickr.com/photos/aljamea
رد مع اقتباس