عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-03-2008, 06:28 PM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,658
افتراضي

في الصفحات التالية سوف نرى كيف كان يعاني الحميدي الأمرين وهو يتنقل من منزله الى عمله في المكتب المعروف بكشك البريد والتليفون وعندما يسمع بقطع التليفون يتوجه الى هذه الصحراء، ويروي لنا كيف جازف بحياته عندما جاءت سيارة يسوقها شخص في هذه الصحراء الواسعة عمي أعمى قلب قبل أن يكون أعمى بصر فصدم العمود التليفوني والحميدي فوقه فسقط واصيب برأسه، وكانت هذه السقطة الاخيرة، والتي بعدها لم يستطع العودة الى العمل، وأترك السيد جمال يروي لنا القصة كما نقلها:
وقد بقي السيد حمد الحميدي يعمل في هذا القسم وحيدا ولمدة طويلة دون أن يكون له مساعد، نظرا لصعوبة ذلك النوع من العمل، وعدم رغبة أحد في التوجه الى الصحراء في أي وقت ودون سابق انذار لاصلاح الأعطال تحت رحمة مختلف أنواع الظروف سواء كانت جوية او غير ذلك.
وينقل السيد عبدالله الحميدي عن المرحوم والده بانه وأثناء حرب الجهرة وقع عطل في خط البرق مما أدى الى توقف العمل فيه، فطلب من السيد حمد الحميدي التوجه الى مكان العطل لاصلاحه. لكن الظروف في تلك الفترة لم تكن سهلة ولم تكن الطريق مأمونة، ولم يتمكن المرحوم حمد الحميدي من الحصول على مرافقين ليساعدوه في عمله. فتوجه الى المرحوم الشيخ سالم المبارك الصباح طالبا منه ان يرسل معه بعض المرافقين بسبب خطورة الوضع في الصحراء، فوافق على طلبه وأرسل معه عددا من الأفراد. وكان يقع خلف المطلاع. وعند اتمام عملية الاصلاح دعا المرحوم حمد الحميدي مرافقيه لتناول الطعام الذي أعدته لهم (ام عبدالله) قبل ان يكروا راجعين إلى الكويت. لكن المرافقين رفضوا تناول أي طعام وأصروا على العودة حالا مؤكدين انهم لن يهدأ لهم بال ولن تنزل اللقمة في بطونهم قبل العودة الى أهاليهم. وكان هاجسهم الوحيد في تلك الظروف بالطبع تجنب الوقوع في أيدي قوات الدويش التي كانت تتمركز في المناطق الشمالية من الكويت قرب الجهرة. وقد عاد المرحوم حمد الحميدي ومرافقوه الى الكويت ومعهم الغداء دون أن يمسه أحد.
وقد بقي المرحوم حمد الحميدي يعمل لوحده في قسم تصليح أعمدة البرق أكثر من عشرين سنة الى ان تم تعيين المرحوم سالم عبدالله الوطيان مساعدا له في حوالي عام .1941 وقد عمل المرحوم سالم الوطيان في ذلك القسم مساعدا للمرحوم حمد الحميدي لمدة عشر سنوات الى ان توفي عام .1951
وبالرغم من قساوة العمل في ذلك المجال والمشاكل الكثيرة التي لا تكاد تنتهي فيه الا انه كانت تمر في بعض الأحيان فترات لا تشهد اي مشاكل أو أعطال مما كان يعطي السيد حمد الحميدي متنفسا من الوقت يستعيد فيه راحته ويعود لحياته العادية. وكان في بعض الأحيان يمكث أياما طويلة جالسا في الكشك مع زملائه من العاملين هناك دون ان تنكد عليه قسوة العمل بالصحراء. وكان المرحوم حمد الحميدي في تلك الفترات يقضي أوقات الدوام بالكشك مسترخيا على كرسي وهو ينظر من خلال الشباك الخشبي المطل على احد المقاهي المجاورة، يراقب حركة الناس في الصباح وهم ذاهبون الى السوق اما لشراء حاجياتهم او لفتح متاجرهم. بينما يراهم ظهرا وهم عائدون الى منازلهم وقد حمل كل منهم من المتاع ما كان ينتظره منهم الابناء. اما مساعده المرحوم سالم الوطيان فكان يجلس قبالة الشباك الآخر للكشك والمطل على السوق الذي كان يشكل العمود الفقري للبلاد آنذاك بالنسبة للمواد الغذائية. وقد انقضت السنون ومرت الأيام الى ان توفي المرحوم سالم الوطيان عام 1951 بسبب المرض. اما المرحوم حمد الحميدي فقد استمر بالعمل الى ان صادف تواجده في احد الايام من عام 1952 فوق احد أعمدة البرق في منطقة الروضتين وهو يقوم باصلاحه. فكان ان مرت احدى السيارات وكانت مسرعة فاصطدمت بالعمود مما ادى الى سقوط المرحوم حمد الحميدي على الأرض واصابته في رأسه. وقد بقي لفترة طويلة يعاني من اثر الحادث الى ان شفي منه لكنه لم يستطع العودة الى العمل.
وأخيرا فهذه هي الحلقة الثالثة من حياة هذا الرجل الشجاع الذي عاش في فترة يقل فيها الرجال امثال الحميدي في مثل هذا العمل الشاق، وسنأتي في الحلقة الرابعة الاخيرة من قصة هذه الاسرة وكيف انتقلت من نجد الى الكويت حيث تربى السيد حمد الحميدي رحمه الله.

جريدة الوطن 4/8/2003
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
رد مع اقتباس