عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 22-03-2008, 09:17 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,663
افتراضي

وأورد هنا قصيدة للمرحوم الشاعر الأستاذ عبد الله سنان نظمها في قصر بيان بعدما هجر وتهدم وبقي أطلالاً دارسة (لا بل وأزيل من موقعه نهائياً عام 1960م) وحل محله (مستشفى مبارك الذي افتتح عام 1982م).

والقصيدة مكونة من ثلاثة وثلاثين بيتاً جاءت في كتابه البديع (البواكير) وهو الجزء الأول من (نفحات الخليج).

أقتطف منها ما يلي:

يا سائق السيارة السوداء بيضاء الملازم

تجري كما تجري على الغبراء رقطاء الأراقم

هذا بيان قد بدا يبكي (ابن جابر) وهو واجم

ثم يقول :

وهناك دار السينما أكرم بهاتيك المعالم

وعلى يمينك مسجد لا زال رغم البين قائم

ويقول أيضاً :

قد كان مأوى القاصدين إذا أتى تاج المواسم

فصل يتوج كل خضراء بتيجان الكمائم

وترى خيام الشعر تضرب حوله سود العمائم

وترى القبائل من (رشائدة) هناك ومن (عوازم)

ما مر يوم فيه إلا وهو محضور الولائم

كانت تصافحه الصبا رغم الهواجر والسمائم

واليوم تلفحه السمائم رغم أنفاس النسائم

هذا وأنه بعد وفاة حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح في يوم الأحد المصادف 29/1/1950م ظل هذا القصر مهجوراً من قبل أهله حيث سكنته عائلة (الجعيلان) كما أخبرني عن هذا السيد إبراهيم محمد البداح.

جادة حولي وذكرياتي حولها

بما أن الجادة التي تكلمنا عنها في موضوع سابق تؤدي إلى (قصر بيان) وهو قصر المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت آنذاك فإن دائرة البلدية توليها بشيء من العناية والتسوية سنوياً خاصة عندما يعزم سموه رحمه الله على الخروج إلى البر للسكن في قصره أثناء الربيع.

فحينها تقوم إدارة البلدية بارسال ما نسميه سابقاً (كلكتر) لتسوية ذلك الطريق وإزالة ما تراكم عليه من أتربة بفعل العواصف ولا شك أنها تعيق مرور السيارات عليه وخاصة سيارته رحمه الله.

ويالها من لحظات سعيدة لدى صبيان القرية حينما تمر عليهم هذه (الكلكتر) تلك الآلة العجيبة بشكلها واسمها الغريبين بين رائحة وآتية.

والسعادة كل السعادة حينما يغض سائقها طرفه عنهم ويسكت عن تصرفاتهم لأن سكوته دليل على رضاه، فيتعلقون بها بل ويمتطون عليها وهي تجري بهم بطيئة لا يثنيها شيء عن أداء مهامها والانهماك في مزاولة أعمالها، جارفة معها الأتربة الزائدة عن حاجة الطريق مخلفة وراءها غباراً يسد عنان السماء، والصبيان مسرورون على ظهرها، وفي ذلك تعويض لهم عن ركوب السيارات التي يتشوقون لركوبها وهي شحيحة عليهم في ذلك الزمان.

وما هي إلا دقائق معدودات حتى تكاد تبتعد بهم عن بيوت القرية شيئاً فشيئاً حينها يشعر الصبية أنهم ابتعدوا كثيراً عن أحيائهم وأهليهم فيقذفون بأنفسهم منها عائدين وهم في أوج فرحهم ونهاية سعادتهم.

ولكم انتظروها وترصدوا لها في اليوم التالي والذي يليه والأيام القادمة فإن مرت بهم فهذا مرادهم وما يبغون وإلا فقد خاب أملهم بها وباءت محاولاتهم بالفشل.

وعدا عن ذلك فإن هذه الجادة تعتبر متنفساً لجميع أهالي القرية يخرجون إليها مساء فيلتقون بمعارفهم ويجلسون سوياً على جوانبها الرملية المخضرة للتعارف وتجاذب أطراف الحديث حتى المغيب.

كما وللصغار مرحهم ولهوهم على هذه الجادة فيمارسون ألعابهم المختلفة. وعند هبوب الرياح يلعبون بما يسمونه (جليب الدَّوْ) الذي نوهت عنه في كتابي (مع الأطفال في الماضي). وهو عبارة عن ريشة من جناح حمامة يربط معها عودان بطولها فيتكون لهذا الشكل ثلاث قوائم يوضع على الأرض فتدفعه الرياح فينقاد لها وتراه يقفز ويهرول وكأنه مخلوق حي ولذا أطلق عليه هذا الاسم.

ومما قيل عن جليب الدَّوْ:

جلاب الدَّوْ راحوا ما ردوا

الطريق إلى حولي

تبعد قرية (حولي) عن (بوابة البريعصي) (بوابة الشعب حالياً) بمسافة خمسة (كيلو مترات)، كما تبعد البوابة عن ساحل الجون بمسافة اثنان وربع كيلو مترات.



وبما أن الناس قديماً لا يمتلكون سيارات توصلهم إلى أماكن سكناهم أو نزهاتهم في القرى فقد تواجد عدد قليل من أصحاب سيارات النقل والأجرة (العبرية) مثل (اللوري والبكس الخشبي) أخذوا على عاتقهم العمل على إيصال الناس بالأجرة إلى قراهم القريبة منها والبعيدة.

وأما قرية (حولي) فقد كان لها سيارات نقل وأصحابها مشهورون بسياراتهم وهم من سكان القرية مثل (موتر يمعه، وموتر شهاب، وموتر محمد بداح) وغيرهم أمثال (عواد وعوض المنير وسعد الباتل ومحمد المسبحي وسند الجويدان).

كان هؤلاء الرواد يقفون بجانب سياراتهم في صفاة الكويت.

ويصيحون بأعلى أصواتهم (حولي حولي.. يا الله حولي) فيتوافد عليهم أصحاب السكن هناك وضيوفهم وزائروهم وخاصة في أشهر الربيع.

وحالما تمتلئ السيارة بهؤلاء الركاب الذين يطلق عليهم يومها (عبريه والمفرد عبري) وقد علوا سقفها تنطلق بهم تختال في طريقها الترابي ويسمى (ياده) أي جاده (وهي كلمة عربية بمعنى طريق) مخترقة بيوت المدينة. فإذا ما قاربت إحدى بوابات سور الكويت المؤدية إلى قرية (حولي) إما "دروازة نايف" أو "دروازة البريعصي" -وهي الأنسب إلى طريق حولي- عملت على التخفيف من سرعتها استعداداً لولوجها من البوابة وفي بعض الأحيان تقف ليتقدم منها مسئول (الدروازة) فيتعرف على من بها من ركاب ثم يأذن لها بالانصراف فتنصرف مخلفة وراءها الأتربة والغبار المتطاير الممتزج بالدخان فتأخذ جادتها في البر محاذية لأراضي الدسمة ثم الدعية والسد مخترقة أرض النقرة ثم تشرع في الدخول بطريق (حولي) ترمي بركابها قريباً من منازلهم وهي مثقلة بهم وبما حملته معها من حوائج وأمتعة تخص الركاب. وحينما يهم الراكب بالنزول يصيح قائلاً (بس عندك) أو (نازل نازل) أو (طك عليه).


وقد لا تسلم هذه السيارات من (تغريزة أو بنشر) إذا لم يظهر سائقها مهارته ودرايته بالطرق وتجنب الحفر والرمال.

وقديماً يسمى الخروج من المدينة إلى القرى (طلعه) والعودة من القرى إلى المدينة (حدره) ولذا فإن سكان القرى يمضون أيامهم كلها بين (طالع وحادر) كما ويطلق على من يسكن في القرى أنه (سكن الخارج) أو (طلع الخارج) وأحياناً يوصف بأنه راح (ياكل هوا).

وبما أن معظم ساكني قرية حولي في فترة الربيع من ذوي الأعمال الحرة والدكاكين فإنهم لا ينزلون إلى المدينة إلا مرة واحدة في اليوم، حينها يبقون في منازلهم الأصلية خلال فترة الظهيرة استعداداً لممارسة أعمالهم في دكاكينهم بعد صلاة العصر على أن يعودوا مشتاقين إلى أهليهم قبيل أذان المغرب وهم محملون بالمواد الغذائية واللوازم المنزلية بعد أن كان أهلوهم قد استعدوا لهم بغسل الثياب وتبخيرها وترتيب (الكبارة) من فرش وتنظيف ومسح للسُّرج ثم طبخ وجبة عشاء شهية من الرز على نار الأخشاب وغيره من الوقود المستعمل في ذلك الزمان بواسطة التنور مثل (السعف والكرب والقرم واليلة والعرفج.. الخ).

وغالباً ما تكون الوجبة سمينة لأنها هي الوجبة الرئيسية في اليوم فيلتمون عليها -بعد أداء صلاة المغرب- في ذلك (الكبر) المخصص ثم يشربون عليها الشاي ويتسامرون على ضوء السراج الخافت، ورائحة (الكاز) تملأ جو (الكبر) ممتزجة مع روائح الفحم والأكل فتضفي على الجلسة جواً ريفياً صادقاً بعيداً عن مظاهر المدينة المصطنعة والمعيشة المفتعلة. وكثير من الناس من يقنع بالعشاء الجاهز (كالحلوى والرهش أو الجراد المجفف والتمر مع الخبز) والشاي والحليب الطازج المستخرج مما يقتنونه من بقر وأغنام.

وعند الصباح يخرج الرجال من منازلهم متأهبين (للحدرة) كما (طلعوا) بالأمس فينطلقون إلى أماكن مرور السيارات فيترصدون لها لأخذ مواضعهم بها لتنطلق بهم (حادرة) إلى مواقفها الأصلية في الصفاة، ليتفرقوا من هناك، كل يغدو إلى عمله على أن يلتقوا بها مرة ثانية عند المساء. وهكذا دواليك.

وأما قبل توفر السيارات فكان للناس دواب يركبون عليها في المجيء والذهاب وأغلبها من الحمير أو الجمال مخصصة للتنقل عليها فقط دون تحميلها بأحمال مرهقة.

وكثير من الناس ممن لا يملكون حماراً أو أجوراً للسيارات (يطلعون ويحدرون) مشياً على الأقدام فيستغرق معهم الطريق إلى (حولي) ثلاث ساعات تقريباً. وكثير من محبي النزهات (الكشاتة) يفضلون المشي على الأقدام في رواحهم ومجيئهم. حيث قال شاعرهم في قصيدة غزلية له مطلعها:

يوم الخميس الذي فات رحنا انتمشى حولي

ولقرب قرية (حولي) النسبي من المدينة صارت محط أنظار الصبية أيام الأعياد حيث يشحنون إليها بالجملة في سيارات النقل مثل (اللوري) مقابل أجور زهيدة تحددها صيحات تلك السيارات في الصفاة مثل (حولي أربع آنات) (والآنة = 5 فلوس تقريباً في وقتنا الحاضر).

وعند عودتهم يغنون الأهزوجة المعروفة لديهم (حوللي خله برالي).

ولكن إذا حدث وتوجهت وتوجهت سيارة إلى (حولي) ليلاً فإن باب السور سيكون موصداً أمامها حفاظاً على الأمن من ناحية ولعدم توقع خروج أحد من المدينة في ساعات متأخرة من الليل من ناحية أخرى.

وما على سائق السيارة إلا أن يزمر ببوق سيارته لحارس الباب الذي سيستجيب له فيخرج إليه متلثماً وقد غالبه النعاس فيتفقد السيارة وما بها من ركاب ويستمع إلى الأسباب التي دعتهم للقدوم في مثل هذا الوقت المتأخر. ولا يفتح لهم البوابة إلا إذا عرفهم أو اقتنع بما لديهم من أسباب.

ولما كانت بوابة سور (البريعصي) هي أقرب البوابات إلى قرية (حولي) من غيرها، لذا فقد أطلق عليها فيما بعد اسم (بوابة الشعب) لأن قصر الشعب يقع في (حولي) أو قريباً منها.

وللعلم فإن بوابة سور (البريعصي) كانت فيما مضى لا تحتوي إلا على باب واحد فقط يستعمل للدخول والخروج معاً وكانت ترفع عليه إشارة لمعرفة الرياح كالتي تستعملها المطارات لأنه يوجد قريباً من هذه البوابة خارج السور مطار صغير جداً لطائرات الشركات كالتي تنقل النفط من عبادان إلى الكويت وما إلى ذلك من المهام السياسية وغيرها.

والمطار هو عبارة عن أرض ترابية تقبع بها (شبرة) حديدية حمراء اللون تقع شرق (باب البريعصي) من جهة خارج السور.

وكان المسئول يومها عن باب (البريعصي) شخص يدعي (بن حجي) وله سكن قريب من باب السور وهو عبارة عن أرض فسيحة محاطة بسور قليل الارتفاع من الطين وفيها عدد من الأكواخ (الكبارة) ويسكن معه رجاله الذين يساعدونه على الحراسة وضبط الأمن وهم جميعاً مسلحون.

وكأني بهم حينما يؤذن مؤذنهم للصلاة حتى يلتقوا جميعاً فيؤدوا الصلاة جماعة في الخلاء على التراب قريباً من باب السور وهم يرتدون (الزبنة) المزركشة والمفرد زبون وهو نوع من الألبسة القديمة يشبه الجبة أو القفطان.

وما أقيمت البوابة الثانية إلا بعد عام 1945م على وجه التقريب.

برور حولي ونباتاتها

يحيط بقرية (حولي) بر جميل يزخر بالنباتات والأعشاب الرعوية عند حلول فصل الربيع ولا يزدان إلا بعد هطول الأمطار في مواسمها المحددة.

فمن الأعشاب يظهر (الحنبزان) وهو نبات له رؤوس بيضاء كرؤوس الفجل أو الجزر حلوة المذاق يقبل عليها الناس يتذوقون شيئاً منها بشهية، وتوجد هذه الرؤوس مدفونة تحت الأرض ولا يظهر من هذه النبتة إلا أوراقها الخضراء المغرية.

وهناك نبات له رؤوس صغيرة كرؤوس البصل بيضاء اللون صافية مدفونة تحت الأرض يقتلعها الأطفال ويقبلون على أكلها لطيب مذاقها وتسمى (مصيلمو) وأعتقد أنها محرفة من كلمة (بصيلمو) أي بمعنى بصل الماء.

ومن النباتات العشبية التي لا يمتنع الإنسان عن تذوقها إن وجدها ملائمة نديه (الحوه) و(أصابيع العروس) و (البسباس) و (التولة أو الخبيز) وتسمى بذورها (كريص البابا) و (بذور السعيدان).

وجميع تلك النباتات صالحة لرعي الأغنام إذا أضفنا إليها: (الربلة) و (الحوذان) و (شوارب التيس) و (خواتم العروس) وغيرها من أنواع الأعشاب التي لا تعد ولا تحصى مثل (حوة جلاب) و (الصميخ) و (الصمعة).. الخ.

وأما الزهور فمعظم النباتات البرية تزهر ولكن أشهرها (النوير) ذو اللون البنفسجي والرائحة الشذية وما إلى ذلك من أنواع الزهور والورود البيضاء والصفراء.

- البر الشمالي:

فالبر الشمالي لقرية (حولي) تكثر فيه (اليواد) جمع جاده أي الطرق الترابية المؤدية إلى مدينة الكويت نتيجة مرور السيارات.

كما ويلاحظ فيه أرض رملية منخفضة المستوى قليلاً تسمى (بحره) وهي مجرى واسع لسيول الأمطار التي تنحدر إليها من الجنوب، حيث ارتفاع الأرض، مخترقة (الشعب) لتصب في البحر بين أثل الخالد وقصر الشعب. (ويقع نادي القادسية الرياضي الحالي على الضفة الشمالية من هذه البحره).

- وعن الجنوب الشرقي من القرية يتواجد تل صغير يسمى (بالصيهد) ويطلق عليه البعض (ضلع وضحه) وهو من أحد منتزهات القرية يأتيه الأهالي والصبيان أفواجاً وفرادى يستريحون عليه ويستأنسون بتسلقه واستكشافه البراري المحيطة به.

- وعن شمال هذا التل تقع (المطينة) وهي عبارة عن أرض طينها صالح للبناء يقوم أصحاب المهنة بحفرها ونقل الطين منها على ظهور حميرهم إلى أصحاب الأراضي المراد بنائها. ولهذا فقد نتجت عن ذلك حفراً قليله العمق منتشرة على أرض واسعة نسبياً صارت بهذا الحكم مجمعاً صالحاً لمياه الأمطار عند انهمارها فتتكون من جراء ذلك مستنقعات تساعد أهل القرية على الارتواء منها والتنزه حول ضفافها.

وبما أن هذه (المطاين) تتواجد فيها طيور الربيع بكثرة فقد صارت مأوى طيباً ومقصداً صالحاً لعشاق الصيد (الحبال) يرتادها أصحاب الهواية يومياً مع فخاخهم ليصطادوا ما تيسر لهم منها.

- البر الشرقي وبحر الشعب:

وأما البر الشرقي وموقعه (ميدان حولي) في وقتنا الحاضر وهو بر واسع ينتهي ببعض الكثبان الرملية المترامية قبيل ساحل البحر ومن ورائها يأتي البحر مباشرة ويسمى (بحر شعب الخالد).

وفي منحدر هذه الكثبان نحو البحر هناك يوجد عدد من أشجار الأثل اشتهرت باسم (أثل الخالد).

وإلى ساحل هذا البحر الجميل تخرج نسوة القرية مع أطفالهن حاملات صرات الملابس لغسلها في مياهه الزرقاء الصافية التي لم يلوثها أدنى شيء.

فيقطعن المسافات الطويلة مشياً على الأقدام بين الخضرة النضرة والزهور العطرة فيهوى الصبية بين حين وآخر إلى الأرض لاقتلاع نبات (المصيلمو) الذي تكلمنا عنه آنفاً مع جمع باقات جميلة من الزهور والنوير، وهم يحثون الخطى للوصول إلى ما يتوقون إليه -إلى البحر- تلك الفرصة التي طالما تمنوها وجعلوها نصب أعينهم وفي مقدمة آمالهم.

وما أن يقترب موكب النسوة وأبنائهن من ساحل البحر حتى يسمع حفيف أشجار الأثل الباسقات -أثل الخالد- بظلها الظليل وهو موقعها العليل، فترى ما على أغصانها من طيور الربيع المشهورة بتغاريدها الصداحة مما يغري الأطفال إلى استعمال ما معهم من أدوات الصيد التي جلبوها معهم لمثل هذه المناسبة (كالنباطة والفخ) فيستبقون إليها، كلٌ يمارس هوايته، فمنهم من يبادر بتسلق الأثل ويعلو عن زملائه بضع أمتار يخلو بها مع نفسه فترة من الزمن. ومنهم من يتوجه لجمع ما يقذف به الموج من قواقع ومخلفات بحرية ومنهم من يصطاد الطيور.

وعندما تحط النسوه عن كواهلهن ما حملنه من صرات الملابس وعدة الشاي، يجرين مهرولات مع أبنائهن وبناتهن إلى المياه الصافية فيغسلن وقد يغتسلن حسب ملاءمة الطقس، ثم ينشرن ثيابهن على الرمال النظيفة والصخور الساحلية كي تجففها الشمس الساطعة. بعدها يتجهن ثانية تحت ظلال الأثل ليسترحن ويوقدن النار ويأكلن ويشربن ما جلبنه وإياهن من شاي ومأكولات.

وأخيراً يتأهبن للعودة إلى منازلهن من حيث آتين بعدما استمتعن بهذه الأجواء الشاعرية الساحرة، وقد درج البعض على اقتلاع ما تيسر لهن في الطريق من الحشائش كهدية منهن لأغنامهن.

وعن شمال (أثل الخالد) فيقع (بيت الخالد) المهجور وتليه بعض التلال الرملية ثم يقبع بعدها (قصر الشعب) الذي اشتهر أيضاً (بقصر موضي المبارك) وهو قصر جميل مبني على الطراز الشرقي يقع على أرض منخفضه ويطل على ساحل البحر مباشرة تحف به الأشجار والنخيل من كل جانب.

ولحسن موقعه فقد اتخذه المرحوم الشيخ عبد الله السالم الصباح حاكم الكويت الكويت الحادي عشر مقراً لسكناه إلى أن توفاه الله عام 1965م ومن قبله والده الشيخ سالم مبارك الصباح. وحتى وقتنا الحاضر فإن للشيخ سعد العبد الله السالم الصباح قصراً بناه بجانب القصر القديم.

وعن غربي القصر فتوجد شجرة سدر ضخمة وهي قريبة نسبياً من (حولي) يأوي إليها عشاق الراحة والنزهات من أهالي القرية وغيرهم للاستمتاع عندها والتسلق على أغصانها لقطف ثمرها من (الكنار) والاستراحة في ظلها الظليل.

- البر الجنوبي:

وفي البر الجنوبي للقرية هناك مرتفع رحب أسس عليه (قصر بيان) وله منحدر فسيح تكثر فيه الأعشاب. ومن بعده جنوباً تأتي أرض (السرة) و (السريرات) وبها بعض التلال التي شيدت فوقها بعض القصور مثل (قصر مشرف) للشيخ عبد الله المبارك الصباح وقصر الشيخ عبد الله الجابر الصباح. وكثيراً ما كان الناس يومها يحصلون على الفقع في تلك البراري وعلى هاتيك التلال.

وعند منحدر السرة شرقاً فهناك أرض الرميثية وتحتوي على كثير من أشجار السدر والأثل وبعض المزارع ولكنها تخلو من المساكن.

كما ويؤدي البر الجنوبي الشرقي لقرية (حولي) إلى منعطف قريتي (الدمنه والرأس) الساحليتين.

العواصف وأكوام الرمال

عندما تهب العواصف الشديدة والرياح العاتية على الكويت خاصة في أيام البوارح صيفاً يكون تأثيرها أشد على المناطق الصحراوية أو المكشوفة ومن بينها قرية (حولي) التي ينالها ما ينالها من ضرر وخراب، فتندفع إليها الأتربة والرمال بما يسمى (الذاري) ولا يوقفها إلا تلك الجدران الطينية المتواضعة فتتراكم حولها مكونة كثباناً من الرمل الناعم الأبيض الذي يمتاز بنظافته ونقاوته. وتارة تعلو الأتربة على الجدران لتنساب داخل البيوت فتخلق معها منظراً جميلاً لا يستقبحه ويتضرر منه إلا صاحب ذلك البيت المنكوب الذي قد يصاب بخسارة مالية فادحة إذا ما فكر بالتخلص من هذه الأتربة التي غزته في عقر داره دونما إذن مسبق، فيتكلف بنقلها على ظهور الحمير التي يستأجرها لهذا الغرض وإلا سيصبح منزله عرضة للكشف من قبل الأطفال والمتطفلين الذين يفرحون جداً بتلك الأكوام من الرمال لنظافتها ونعومتها فيقصدونها ليقضوا عندها أحلى ساعات عمرهم بالتسلق عليها للعب والاستكشاف.



ناهيك عن أن الصبيان في الكويت يحبون اللعب فوق أكوام الطين والأتربة التي يقذف بها الأهالي إلى خارج منازلهم من جراء حفر بركة أو قليب أو (بالوعة) ويفضلون قضاء وقتهم عليها.

فما أحسنها من لحظات تلك التي نقضيها ونحن صغار فوق أكوام الرمال العالية التي نحاكي بها الجبال الشاهقة.

ففي ذلك تعويض لنا عن الجبال والتلال والهضاب التي لم تتوفر في طبيعة بلدنا ولا نراها حقيقة أو نسمع عنها إلا من خلال الأناشيد المدرسية أو القصص والحكايات المصورة.

هذا ولا يستغني الرجال أيضاً ومن بينهم كبار السن عن الجلوس عند سفوح هذه الكثبان أثناء الأمسيات الجميلة في (حولي) يروون القصص والأحاديث الشيقة ويتجاذبون فيما بينهم تاريخ القرية وما لهم فيها من ذكريات ويخوضون في شتى المواضيع.

وحتى النساء في (حولي) فإنهن يتجمعن ويجلسن على (هاتيك الربى) فيقضين حولها أحلى الأوقات وأمتعها. ولا تحلو جلساتهن إلا بعد صلاة المغرب.

مشاهدة خاصة: ومما كان يشدني ويلفت انتباهي في (حولي) أنه متى ما قامت زوبعة رملية أو عصفت رياح أو هب هواء شديد، انمحت معه جميع الآثار والمعالم التي خلفها الناس والدواب والأغنام من جراء مشيهم على سطح الأرض وحتى آثار عجلات السيارات إن وجدت، فتصبح الأرض بعد ذلك قاعاً صفصفاً وكأنها مهجورة لم يمر عليها مار ولم تشهد أن مشى عليها أحد منذ زمن طويل.وما أن تهدأ العواصف وتتوقف الرياح فحينئذ يخرج
__________________
رد مع اقتباس