عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 19-03-2009, 09:11 PM
الصورة الرمزية الأديب
الأديب الأديب غير متواجد حالياً
عضـو متميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 448
افتراضي

يعد الشيخ جابر العيش بن عبد الله الصباح حاكم الكويت الثالث واحداً من أبرز الشخصيات السياسية التي عرفتها المنطقة في القرن التاسع عشر الميلادي ، فبحكمته وعلاقاته الطيبة بمعظم القوى الإقليمية والدولية في ذلك الوقت استطاع أن يمنح بلاده دفعة قوية لتتحول تلك البلدة الصغيرة إلى دولة مستقلة تتمتع باحترام الجميع ، وهو بذلك يكون قد وضع لبنة أساسية في ما أكمله حفيده أسد الجزيرة الشيخ مبارك الصباح بعد ذلك .


واليوم نكمل حديثنا عن سيرة الشيخ جابر العيش في الحلقة الثالثة والأخيرة من هذا الموضوع، ونتم حديثنا عن أشهر الحوادث في زمنه:


< ( الطاعون ) - سنة 1247هـ :
وقع هذا الوباء الرهيب بين عامي 1246 هـ و 1247هـ ، وعم العراق والكويت ، وكان من الشدة كما وصفه ابن بشر، فقال : ( انقطع منه حمائل وقبائل، وخلت من أهلها المنازل ، وإذا دخل في بيت لم يخرج منه حتى لم يبق فيه عين تطرف ، وجثا الناس في بيوتهم لا يجدون من يدفنهم، وأموالهم عندهم ليس عندها حارس ولا والي، وأنتنت البلدان من جيف الإنسان ، وبقيت الدواب والأغنام تائهة في البلدان ليس عندها من يعلفها ويسقيها ).

وممن مات في الكويت بسبب ذلك الطاعون الشاعر النبطي المعروف محمد بن لعبون، وكان قد استقر في الكويت قبل وفاته بفترة قصيرة ، وله في جابر العيش أبيات مدح في معرض هجائه للشاعر عبد الله بن ربيعة منها قوله:

وان طعتني عن ذا السباع المظاهير
عندك ( أخو مريم ) تصلفط بداره
أبو صباحٍ ريف ركبٍ معابير
هو زبن مضيومٍ جلا عن دياره
جابر لكم سدرة وأنتم عصافير
لى ضيم عصفورٍ لجا في جواره
يستاهل البيضا بروس المقاصير
واولاده اللي كل منهم نعارة



< ( المشاركة في حصار الزبير - سنة 1249 هـ :
وقع هذا الحصار في أواخر سنة 1248هـ ( 1833 ) ، ورغم اجتهاد المؤرخين في تعداد أسبابه الكثيرة فإن من الواضح أنه تم بإيعاز من الدولة العثمانية لموقف مناوئ سابق من شيخ الزبير عبد الرزاق بن يوسف الزهير ، وقاد المنتفق في ذلك الحصار شيخهم عيسى بن محمد بن ثامر السعدون ، وكان داخل الزبير عمه راشد بن ثامر السعدون الذي كان على خلاف مع ابن أخيه مما ضاعف حماسة عيسى السعدون لإحكام الحصار .

وعندما اشتد الحصار وطال جاء الشيخ جابر العيش على رأس قوة كويتية لمساعدة عيسى ، ويبدو أن ذلك تم بدعوة من العثمانيين بالإضافة إلى عامل داخلي آخر هو أن عبد الرزاق الزهير كان قد أجلى في وقت سابق بعضاً من أهالي الزبير من آل الثاقب ومن شايعهم، فلجئوا إلى جابر العيش في الكويت ، وصاهرهم الشيخ جابر بزواج ابنه صباح من لولوة بنت محمد بن إبراهيم الثاقب (أم الشيوخ محمد وجراح ومبارك الصباح).

وبعد سبعة أشهر من الحصار أي بعد حلول سنة 1249 هـ ( 1833م ) دخل المنتفق الزبير، وقبضوا على عبد الرزاق وأخوته، وقاموا بإعدامهم بسبب مقتل علي بن ثامر السعدون ( أحد أعمام عيسى الثمانية ) أثناء الحصار ، وتولى حكم الزبير محمد بن إبراهيم الثاقب، وعاد من كان جالياً من أهالي الزبير إلى بلدهم .

< ( المشاركة في غزو المحمرة ) - سنة 1253 هـ :
أغضب بروز ميناء المحمرة على الساحل الشرقي لشط العرب السلطات العثمانية خشية منها أن يؤدي إلى سحب الحركة التجارية من البصرة ، فأزمع والي بغداد علي رضا باشا القضاء عليه، فسار في سنة 1253 هـ (1837م ) بجيش نظامي وعشائري، وكاتب الشيخ جابر العيش طالباً منه القدوم إليه بسفنه ورجاله .
وقد جاء الشيخ جابر العيش رغبة منه في إبقاء علاقاته الجيدة بالدولة ، والتحق بالقوة البحرية للحملة العسكرية التي استطاعت في 20 رجب 1253 هـ ( الجمعة 20 أكتوبر 1837م ) دخول المحمرة وتدميرها ، وبعد هذا النصر رافق والي بغداد علي رضا باشا الشيخ جابر العيش في طريق العودة حيث زار الكويت .

ويذكر حسين الشيخ خزعل أن غرض الوالي من زيارة الكويت كان محاولة الاستفادة من الخلاف الواقع في تلك الأيام بين الأميرين السعوديين عبد الله بن ثنيان وخالد بن سعود ظاناً أن وجوده في الكويت سيشجع أحدهما لطلب مساعدته مما يسهل على الأتراك دخول نجد، والسيطرة عليها سيطرة مباشرة بدلاً من الوجود المصري الذي كانت فوائده الرئيسة تعود على مصر لا الباب العالي، ولكن ظن الوالي خاب وعاد إلى ولايته دون تحقيق المراد .
ولشاعر الوالي عبد الباقي العمري قصيدة طويلة في وصف تدمير المحمرة، والثناء على المشاركين في تلك الحملة ، وقد ذكر جيش الكويت في بيتين هما :

جابر في حصن الكويت قد التجا
إلينا، وقاد الصافنات المضمّرة
وقد شملته من عليٍّ مراحمٌ
وخلعة فخرٍ فيه كمّل مفخر

< (المراسلات مع خورشيد باشا ) - سنة 1255 هـ:
بعد انتهاء حملة خورشيد باشا من تحقيق أهدافها في نجد تطلع قائدها نحو الخليج العربي والعراق ، فأرسل سنة 1255هـ (1839م ) مبعوثاً إلى الكويت يدعى ( محمد أفندي ) ليكون وكيلاً لشراء الإمدادات اللازمة لقوات خورشيد المقيمة في نجد من أسواق الكويت والبصرة والساحل الإيراني بالإضافة إلى مهمات سياسية من أهمها جمع الأخبار الأمر الذي أقلق السلطات البريطانية بعد أن أبدى الشيخ جابر العيش تعاوناً ملحوظاً مع مهمات محمد أفندي في التموين خاصة وأنه سبق لسفينة كويتية أن حملت شحنة من الذخيرة والعتاد من ميناء الحديدة اليمني إلى القطيف لصالح حملة خورشيد باشا .
ولا نغفل أن استجلاب غضب خورشيد باشا لم يكن في مصلحة الكويت خاصة وأن نية حقيقية له بالزحف إلى البصرة، والسيطرة على العراق كانت شبه معلنة .

وأمام هذا القلق تم إرسال المقيم البريطاني المساعد في الخليج المستر آدمونز إلى الكويت لمقابلة الشيخ جابر العيش، فوصلها في 12 رجب 1255هـ ( الجمعة 30 سبتمبر 1839م ) إلا أنه لم يلق استقبالاً لائقاً به في حين أن خصمه محمد أفندي كان يلقى تسهيلات واضحة مكّنته مثلاً من شراء كمية من الشعير ( الغلال ) حملها في عدة قوارب إلى القطيف في رمضان 1255هـ ( نوفمبر 1839م ).
ويذكر محمود آغا المورودي أحد قادة العساكر الأتراك الموجودين في البصرة ممن فروا من العراق، وتوجهوا إلى الكويت خلال الأيام التي تواجد فيها محمد أفندي حسن استقبال الشيخ جابر له، وحمايته له إذ يقول هذا القائد في مذكرة له : ( بينما كان محمد أفندي ناوياً الإقامة في الكويت بضعة أيام جاء خطاب مع رجل مخصوص من البصرة لابن صباح - أمير الكويت - يطلب القبض علينا، وإعادتنا إلى البصرة، فلم يعبأ ابن صباح بذلك الكتاب، وأجاب بأنه غير قادر على القبض علينا، وإرسالنا بالإجبار . ثم أن الأمير المرقوم أركبني أنا ومحمد أفندي والعسكر الذي معنا سفينة، فوصلنا إلى الأحساء ).
ومعروف أن خطط خورشيد باشا للتوسع شرقاً لم تفلح في نهاية الأمر ، ولكن تعاون الشيخ جابر العيش معها ظل دليلاً على ما كان يتمتع به كحاكم من شبكة واسعة من العلاقات مع مختلف القوى الإقليمية، وقدرة على التعامل المتوازن والمستقل مع مختلف التحديات .


< ( دخول الكويت في المهادنة البحرية ) - سنة 1257هـ:
كانت الاعتداءات العربية على السفن البريطانية المبحرة في الخليج العربي أو ما كان الإنكليز يسمونه بالقرصنة البحرية مصدر قلق لهم مما دعا القبطان هنل ( باليوز الخليج ) لعقد اتفاقية مع مشايخ الخليج للالتزام بعدم التعرض للملاحة في الخليج ، وقد وقع الاتفاقية عن الكويت الشيخ صباح بن جابر نيابة عن أبيه يوم السبت 7 رمضان سنة 1257هـ (23 إبريل 1841 م ) ، وفيها تعهد بمنع رعاياه من التعرض لسفن الموقعين على الاتفاقية، ومعاقبة من يتجاوز ذلك وإبلاغ السلطات البريطانية بذلك .


< ( الوساطة في نزاع آل خليفة ) - سنة 1259هـ (1843م) :
ظلت الكويت ترتبط بالبحرين بعلاقات ودية على مر القرون ساعد على توطيدها علاقة القربى التي تجمع أسرتي آل صباح وآل خليفة ، وهذا ما دعا الشيخ جابر العيش للقيام برحلة بحرية يقود ثمانية سفن في رجب 1259هـ ( أغسطس 1843م ) للوساطة بين الشيخين محمد بن خليفة وعبد الله بن أحمد في الخلاف الدائر بينهما ص ، ولكن تلك الوساطة لم يكتب لها النجاح بعد أن رفض الشيخ عبد الله الالتقاء بخصمه في جلسة صلح ، وتوجه إلى بوشهر لطلب مساعدة فارسية .
وقد تطور الخلاف بين الشيخين البحرينيين لصالح الشيخ محمد بن خليفة فيما بعد مما دعا الشيخ عبد الله بن أحمد للجوء إلى الكويت سنة 1260هـ (1844 م ) ، وغادرها إلى بوشهر ثم عاد للكويت في السنة التالية، وتركها سنة 1262 هـ (1846 م ).


< ( غزوة بندر السعدون ) سنة 1260هـ :
يفصل عبد العزيز الرشيد بين محاولتين لبندر السعدون شيخ المنتفق غزو الكويت دون ذكر تواريخ لهما ، ولكن المنطق يجمع بين الحادثتين إذ أن فترة تولي بندر لمشيخة المنتفق لا تتعدى الخمس سنوات (1259 - 1264هـ ) ناهيك عن مشكلاته الكثيرة مع الدولة العثمانية خاصة في السنتين الأخيرتين من مشيخته، وبالتالي فمن الصعب أن يقوم بمحاولتين منفصلتين باتجاه الكويت كما أن سياق الحادثتين كما ذكره الرشيد يمكن وصله بسهولة كما فعل الشملان في تاريخه .
وملخص الحادثة بعد جمعها أن بندر السعدون استغل فرصة تهدم سور الكويت سنة 1260هـ (1844 م ) للهجوم عليها ، ولكن الكويتيين حال سماعهم بذلك قاموا بإصلاح السور، ونصبوا المدافع، وهم ينشدون :

قل لبندر قل له
لا يغرّه ماله
الاطواب جرت له
والسور يبنى له


وتجدر الإشارة إلى أن المدافع التي نصبت على السور قام بإرسالها إلى الكويت الشيخ عبد الرسول بن نصر آل مذكور أمير بوشهر الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية بالشيخ جابر العيش تعود إلى أيام إقامة الأخير في البحرين قبل توليه حكم الكويت ، ويذكر حسين الشيخ خزعل أن عبد الرسول عرض أيضاً إرسال مقاتلين وسفن وأسلحة إلى الكويت، ولكن جابر العيش شكره، واكتفى بطلب الأسلحة الثقيلة، ومن بينها المدافع ، وعبد الرسول في ذلك يرد جميلاً سابقاً لجابر العيش عندما أرسل إلى بوشهر سنة 1257هـ (1841 م ) سفينتين مملوءتين بالرجال والسلاح حفظاً للمدينة من قيام ثورة مضادة لحكم الشيخ عبد الرسول أثناء غيابه لأداء فريضة الحج .

وإضافة إلى التحصينات الكويتية فقد أرسل أهل الكويت إلى بندر السعدون عند وصوله بجيشه إلى ( ملح ) على مقربة من الكويت واحداً من زعمائهم هو ( عبد الرحمن الدويرج ) الذي كان صديقاً مخلصاً لبندر السعدون في ذات الوقت ليعاتبه ويعلمه بصعوبة ما يريد،فقال له :
( مالك ولحرب أهل الكويت ، فإنهم تعاهدوا على مناجزتك،وعلى أن يقاتلوك قتال المستميت ، وقد أودعوا أموالهم ونساءهم والعزيز لديهم في سفن شراعية ، فإذا ما خذلوا في الميدان امتطوا غواربها إلى حيث لا تنالهم قوتك، ولا ترهبهم سطوتك . ثم ما الذي يدفعك إلى هذا المضيق، وجابر لا يرى بينك وبينه ما يقتضي خوض غمار الحرب، وسفك الدماء البريئة ، وهو مع هذا كله مستعد لأن يقدم لك ما أنت في حاجة إليه من ذخيرة وطعام ).

ويذكر الرشيد أن بندر السعدون فت في عضده هذا الكلام ، وكسا الدويرج كسوة فاخرة ، وأرجعه مزوداً بالتحية لجابر وأهل الكويت، وعاد إلى دياره .



< علاقاته الخارجية
يذكر بيلي المقيم البريطاني في الخليج في تقرير كتبه سنة 1863م أن حاكم الكويت الشيخ صباح بن جابر العيش أخبره أن والده أوصاه قائلاً : ( يا بنيّ . سوف أموت قريباً ، ولم أترك لك ثروة ، ولكنني أترك لك الكثير من الأصدقاء الحقيقيين، فتمسك بهم ، ولاحظ أن دول الخليج حولنا تعاني من المشاكل الداخلية وسوء الإدارة بينما التزمت أنا بطريقتي، واتبعت أسلوبي الخاص. لهذا ورغم أنك محاط بالصحراء، ومهدد بقبائل البدو فأنه سيأتيك يوم تحقق فيه لبلدك الازدهار والرفاه ).
هذه الوصية تبيّن لنا طبيعة السياسة التي اتبعها الشيخ جابر العيش للمرور بسفينة بلاده إلى بر الأمان في ظل الصراعات الإقليمية والدولية التي كانت تعج بها المنطقة في أيامه ، وسنلاحظ تطبيقات عملية لهذه السياسة في المحاور الآتية لعلاقات الكويت الخارجية في عهد جابر العيش :


1- الأتراك :
تظهر الحوادث التاريخية أن علاقة الكويت بالدولة العثمانية إبان حكم الشيخ جابر العيش كانت تسير بوتيرة حسنة خاصة وأن العراق في السنوات العشرين الأولى من حكمه كان خارج نطاق السيطرة المباشرة للعثمانيين بسبب حكم الولاة المماليك المستقلين نسبياً عن الباب العالي ، وكان جابر العيش على علاقة حسنة بهؤلاء، فنجده يلبي طلب متسلم البصرة عزيز آغا بالمشاركة في الدفاع عنها ضد هجوم قام به أبناء حمود بن ثامر السعدون سنة 1242 هـ (1826 م ).

ويذكر تقرير بريطاني سنة 1829م أن حاكم الكويت يتلقى سنوياً خلعة شرفية من العثمانيين ( لعله يعني ولاية بغداد ) مقابل دفعه ضريبة هي عبارة عن أربعين كيساً من الأرز، وأربعمائة سباطة من التمور ، ومعروف أن تلك السنة التي فيها ذلك التقرير هي التي بدأ فيها الشيخ جابر العيش برفع العلم العثماني على السفن الكويتية .

وبعد عودة الحكم العثماني المباشر بسقوط داود باشا والي بغداد سنة 1246هـ، وحكم علي رضا باشا استمرت العلاقة الحسنة بين العثمانيين والشيخ جابر العيش ، ويشهد لذلك إسهام جابر العيش بقواته في حصار المنتفق للزبير سنة 1249هـ الذي تم بإيعاز من الأتراك ، ومشاركته في استيلاء الأتراك على المحمرة سنة 1255هـ (1839 م ).

وفي سنة 1253هـ (1837 م ) وصلت الأخبار للمنطقة أن خورشيد باشا قائد الحملة المصرية الجديدة على نجد يزمع احتلال الأحساء والزحف شمالاً باتجاه العراق ، ولدينا رسالة أشار إليها خورشيد باشا من تاجر كويتي هو ( عبد الله الفداغ ) موجهة للإمام فيصل بن تركي آل سعود اعتبرها خورشيد باشا دليلاً على وجود تحريض من ولاة الترك في بغداد للإمام فيصل لمقاومة المصريين .
ويبدو أن هذه الرسالة لم تؤثر على العلاقات الرسمية بين الكويت وخورشيد باشا إذ تذكر الوثائق المصرية أيضاً أن الأخير اعتمد على أسواق الكويت في تموين حملته بالعلف والمؤن ونقله لجيوشه في الأحساء ونجد .


2- الإنكليز :
كانت العلاقات بين الشيخ جابر العيش والإنكليز في بداية حكمه جيدة كما يبدو من انتقال مقر الوكالة الإنكليزية من البصرة إلى الكويت في الفترة من (15 ديسمبر 1821 م ) إلى (19 إبريل 1822 م ) - أي من 20 ربيع الأول سنة 1237 هـ إلى 27 رجب من نفس السنة - خلال خلافها مع سلطات الأتراك في البصرة .
ورغم قصر الفترة التي أمضتها الوكالة في الكويت التي لم تمتد لأكثر من أربعة أشهر إلا أنها تعطينا دلالة قوية على الاستقلالية التي كانت تمتع بها الكويت منذ تأسيسها رغم رفع سفنها للعلم العثماني لسبب اقتصادي بحت، وهو تسهيل مرورها في الموانئ خاصة البصرة .
إلا أن طموحات الإنكليز تجاه الكويت تطورت فيما بعد لتصبح أطماعاً استعمارية حيث يذكر الرشيد أن مجموعة من الإنكليز حاولوا إقناع جابر العيش بحمل السفن الكويتية للعلم الإنكليزي بدلاً من العلم العثماني، فرفض جابر قائلاً : ( أن الحكومة العثمانية جارتنا، وجل ما نحتاجه يأتينا من بلدها البصرة التي لها فيها الأمر والنهي ) ، فحاولوا إقناعه بالحجة قائلين : ( أن الكويتيون أيضاً محتاجون إلى الهند، وسفنهم تصل إليها، وهي من مستعمرات إنكلترا ).

وانتهى النقاش برفض جابر العيش تلبية ما طلبوه كما رفض طلباً آخر تقدموا به، وهو بناء مقر لهم في الكويت ، ويشير الرشيد إلى أن الإنكليز سألوا جابر : ( أتسمح للحكومة العثمانية في نزول بلدك، والبناء فيها. أم تمنعها كما منعتنا؟ )، فرد عليهم : ( نمنعها من ذلك إذا كان فيه ضرر علينا وعلى بلدنا ) ، فحاولوا أن يأخذوا منه صكاً بذلك، فرفض، وعادوا من حيث أتوا .

ويوضح حسين الشيخ خزعل هذه الحادثة مؤرخاً لها بسنة 1273هـ (1857 م ) أي السنوات الأخيرة من حكم جابر العيش عندما قدم بعض قادة القطع البحرية القادمة للاستيلاء على المحمرة عرضاً بوضع الكويت تحت الحماية البريطانية ، فاعتذر لهم جابر العيش مبيناً أن مصالح بلاده ورعاياه مرتبطة بالدولة العثمانية كما رفض منحهم أرضاً لتموين بواخرهم .

ورغم هذه الحادثة يذكر لوريمر : ( أن العلاقات الإنكليزية مع الشيخ جابر كانت دوماً طيبة ، فقد كان ينظر إليه على أنه صديق للحكومة البريطانية إذ أنه كان دوماً مجاملاً دمثاً في رسائله معها ).
وقد أدت هذه العلاقة الطيبة إلى مرور عدد من الراحلة الأجانب، وخاصة الإنكليز بالكويت في عهد جابر العيش كان من أولهم البريطاني باكنجهام الذي زار الكويت سنة 1231 هـ (1816 م ) أي بعد عامين فقط من حكم جابر العيش، وكتب عنها ثماني صفحات في كتاب رحلته، فقال أنه: ( لا ميناء يلي القطيف شمالاً له أهمية تذكر سوى ميناء القرين ) ذاكراً أن الكويت قد احتفظت باستقلالها حتى في الوقت الذي خضعت فيه هرمز ومسقط والبحرين والإحساء للحكم الأجنبي .

وبعد أربعة أعوام من مرور باكنجهام كتب الميجور كوليبرك في تقرير عن ساحل الخليج العربي بتاريخ 10 سبتمبر 1820م ( الأحد 2 ذي الحجة 1235هـ ) ما يلي : ( إن الكويت هي أول مستوطنة على رأس الخليج العربي ، وتقع في ميناء واسع يصلح لرسوّ السفن ، ويسكنها مجموعة من العرب يخضعون لآل الصباح، وهم فرع من قبيلة العتوب ، وتحميها قلعة مجهزة بعشرين مدفعاً ، وبناء على أكثر التقديرات احتمالاً، فإن السكان المسلحين يتراوح عددهم بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف رجل ، وإن بضع مئات منهم من العتوب أما الباقي فهم عبارة عن خليط ، وأنهم يعملون بالتجارة ويعيشون بسلام ).

أما الرحالة ستوكويلر الذي زار الكويت في سنة الطاعون الرهيبة 1831 م ( 1246هـ )، فقد زعم أنه الأوربي الوحيد الذي زار هذه البقاع منذ أمد بعيد (!) ، وذكر أن مدينة الكويت في زمنه تمتد نحو ميل على الشاطئ ، وسكانها لا يزيدون على أربعة آلاف نسمة ، ولعل هذا التناقص الرهيب في عدد السكان نتيجة لفتك وباء الطاعون بأهل الكويت قبيل زيارة ستوكويلر لها .
ونكمل حديثنا عن سيرة الشيخ جابر العيش في الحلقة القادمة.





جريدة - عالم اليوم
__________________
ومنطقي العذب للألباب مستلبٌ *** ومبسمي نضَّ فيه الدر والنضرُ
لازم منادمتي وافهـم مناظرتي *** واسمع مكالمتي يفشو لك الخبرُ

رد مع اقتباس