![]() |
رسائل علي بن غلوم رضا
رسائل علي بن غلوم رضا: الوكيل الإخباري لبريطانيا في الكويت (1899 - 1904)
القبس 29/05/2007 تحرير وتقديم: أ. د. عبدالله يوسف الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية بعد توقيع اتفاقية الحماية بين بريطانيا والكويت في يناير عام 1899 لم يكن بالإمكان آنذاك تعيين ممثل بريطاني رسمي في الكويت، وذلك رغبة من الحكومة البريطانية في أن يظل هذا الاتفاق سريا بين الطرفين، خشية إثارة الدولة العثمانية التي كانت لها أطماعها في الكويت. ومن ثم كان تعيين مندوب موثوق به في الكويت من قبل السلطات البريطانية من جنسية أخرى وبشكل سري أمرا مطلوبا لتزويد المقيم السياسي البريطاني في بوشهر بأخبار الكويت، بالإضافة إلى متابعة نشاطات الشيخ مبارك الصباح والاطلاع على خططه وصلاته بالآخرين. وفي يونيو عام 1899 تم تعيين السيد علي بن غلوم رضا مندوبا إخباريا في الكويت، وقد قام بعمله هذا تحت ستار النشاط التجاري، وكانت أول رسالة بعثها هذا المندوب الإخباري في 4 من شهر سبتمبر 1899 واستمر في إرسال رسائله وتقاريره حتى 4 من مايو ،1904 وقد أرسل خلال هذه الفترة ما يقرب من تسعين رسالة تضمنت الكثير من الأحداث والأخبار والمعلومات عن الكويت في تلك الحقبة. معلومات جديدة وهذا الكتاب يقدم من خلال هذه الرسائل مادة وثائقية أولية للباحثين في تاريخ الكويت. وقد حرصنا على أن تعرض على نحو يعين على البحث والاطلاع، وقد تم تصديرها بدراسة موضوعية تلقي الأضواء على التفصيلات الدقيقة التي تناولتها الوثائق حتى يمكن من خلالها الإلمام بالأحداث التي مرت بها الكويت ومنطقة الجزيرة العربية خلال الفترة المذكورة، وهي معلومات لم تطلها أو تصل إليها جهود المؤلفين المعاصرين، فضلا عن أنها تعتمد على النقل المباشر عن أصحاب الشأن والقرار دون تحريف أو تحوير. صلات مبارك وتغطي الرسائل والوثائق المذكورة للمندوب الإخباري علي بن غلوم موضوعات عدة حول علاقة الشيخ مبارك الصباح بكل من بريطانيا والدولة العثمانية، وكذلك أمراء شبه الجزيرة العربية، وبخاصة الأمير عبدالعزيز آل رشيد حاكم حائل، إضافة إلى صلة الشيخ مبارك الصباح بروسيا، حيث تحدثت الوثائق عن زيارات قام بها عدد من القناصل والمبعوثين الروس إلى الكويت إبان هذه الفترة. كما تضمنت الرسائل كذلك مجموعة من الأحداث المحلية والقضايا العامة لتكون التغطية شاملة لكل ما يحدث في الكويت ومحيطها الإقليمي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وقد حاولنا في الدراسة التي وضعناها بين يدي هذه الوثائق والرسائل أن نصنف الوقائع وفقا لموضوعاتها التي تعددت في أكثر من وثيقة، وذلك وفقا لمنهج رأيناه مناسبا للدارسين والباحثين، ثم أوردنا صورا للوثائق نفسها مرتبة ترتيبا تاريخيا لتسهل متابعتها، وفي مقابل كل وثيقة وضعنا ملخصا لأهم ما ورد فيها، مع بيان التاريخ الميلادي المقابل للتاريخ الهجري الذي سارت عليه الوثائق المذكورة . أما مصدر هذه الوثائق والرسائل فهو مكتب الهند Indian Office الذي ضمت مقتنياته في الوقت الحاضر إلى المكتبة البريطانية في لندن، وتوجد الرسائل المذكورة في الملفات التالية: I0R R/15/1/471- I0R R/15/1/472- I0R R/15/1/474 - I0R R/15/1/475 - I0R R/15/1/476 رسائل مفقودة ولابد من الإشارة هنا إلى أننا حاولنا بقدر الإمكان أن نجمع رسائل علي بن غلوم رضا من الوثائق البريطانية، إلا أننا نعتقد أن هناك رسائل قد فقدت أو لم تتضمنها الملفات التي اطلعنا عليها. فليس من المنطقي أن يكتب الوكيل الإخباري في بعض الأحيان ثلاث رسائل مؤرخة بتاريخ واحد ثم ينقطع نحو شهر أو أكثر، ومن أمثلة انقطاعه عن الكتابة شهر ديسمبر 1900 ويناير 1901 ويناير ومارس 1902 والفترة من مايو إلى أكتوبر 1902 والفترة من أبريل 1903 إلى أبريل 1904. والأمل كبير في العثور على رسائل تلك الفترات، وعندها ستعاد طباعة هذا الكتاب، وستكتمل حلقات أخبار الكويت والأحداث التي مرت بها. وتحتاج هذه الرسائل من الباحثين المعنيين إلى مزيد من الاستقراء والتدقيق، فنحن نقدم كل تلك الرسائل كوثائق تحتمل النقد والتحليل، وقد أشرنا إلى جانب من ذلك في موقعه من التمهيد، ومن ذلك أن الوكيل الإخباري قد سجل تاريخ وصول السفينتين 'بويارين' الروسية و'انفيرني' الفرنسية في 5 من مارس ،1903 بينما سجلات السفينة الروسية قد حددت يوم 20 من فبراير 1903 تاريخا لوصولهما. وتختلف بعض الوقائع الأخرى الواردة في رسائله عما جاء في المصادر المكتوبة وهذا كله يحتاج إلى بحث متتبع يربط بين ما جاء في الرسائل من أخبار وما جاء في الوثائق البريطانية ورسائل الشيخ مبارك في تلك الفترة من أمور ذات صلة بالموضوع. وقد حاولنا في التمهيد أن نقدم أنموذجا مختصرا لما ينبغي أن يتم في هذا الشأن، راجين أن تتاح الفرصة لمزيد من البحث والمعرفة في هذا الجانب من تاريخ الحياة السياسية والاجتماعية في الكويت، وأن تثري التفصيلات التي اشتملت عليها هذه الرسائل موضوعات وقضايا مختلفة في تاريخ الكويت إذا اجتمعت إلى جانبها أو ضمت إليها، فالكلمة إلى الكلمة، والمعلومة إلى المعلومة يؤكدان الحقيقة، ويصلان بها إلى قيمة عالية ومهمة في مجال البحث والدراسة بالنسبة للأجيال المعاصرة واللاحقة من أبناء وطننا الكويت ومنطقة الخليج العربي بأسرها. والله يهدي من يشاء إلى ما ينتفع به من علم نافع وقول سديد. كانت الظروف السياسية المحيطة بالكويت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حافلة بالصراعات على المستويين الدولي والإقليمي، فقد كانت الدولة العثمانية تحاول المرة تلو الأخرى السيطرة على الكويت، غير أن تنبه حكامها وحرصهم وحكمتهم في التصدي لتلك المحاولات كانت تحول دون ذلك. وكانت الدول الكبرى الأخرى مثل بريطانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا تحاول أيضا أن يكون لها موقع قدم في هذا المكان الاستراتيجي. أما على المستوى الإقليمي فقد كان آل رشيد حكام حائل قد استولوا على نجد، وأدركوا قيمة موقع الكويت التي يصلهم عن طريقها مختلف أنواع مواد التجارة والبضائع، ومن الطبيعي أن يثير آل رشيد على الكويت لجوء عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، وحماية الشيخ مبارك له ولأبنائه ومعاونتهم في استعادة ملكهم في نجد، فتواترت غارات أمراء حائل على أراضي الكويت وأحداث نهبهم للعشائر التابعة لها. يضاف إلى ذلك الشيخ سعدون أمير المنتفك الذي كان يريد أن يكون له مكان على خارطة العراق السياسية، كان يرى من أجل ذلك أهمية الدخول في إطار هذه الصراعات الإقليمية. التحالف مع أقوى الأطراف في ظل هذه الظروف السياسية الصعبة والمتشابكة وجدت الكويت أن التحالف مع أقوى الأطراف هو السبيل الأمثل لحماية استقلالها وصيانة كيانها السياسي، ففي يناير من عام 1899 وقعت الكويت ممثلة في أميرها الشيخ مبارك الصباح اتفاقية مع الحكومة البريطانية، تضمن الأخيرة بموجبها حماية الكويت من التعديات الأجنبية كما تضمن استقلالها واستقرار النظام السياسي بها. وكان من ضمن الاتفاق بين الطرفين أن تظل تلك الاتفاقية سرية إلى أن تسنح الظروف السياسية المناسبة لإعلانها. المندوب الإخباري وبناء على هذه الاتفاقية كان من المفترض أن يتم تعيين ممثل بريطاني في الكويت، لكن حكومة الهند البريطانية خشيت أن يوفر ذلك الذريعة للدول الأخرى لتعيين وكلاء أو ممثلين لها في الكويت، كما أن ذلك قد يؤدي إلى إثارة شكوك العثمانيين أو النيل من العلاقات الودية معهم، خاصة أن الدولة العثمانية ليس لها ممثل في الكويت ولم يسمح لها بذلك من قبل. وبعد مشاورات طويلة تم الاتفاق على أن تكون شؤون الكويت من مسؤولية المقيم السياسي البريطاني في بوشهر. وأن يتم تعيين مندوب موثوق به من قبل السلطات البريطانية من جنسية أخرى وبشكل سري في الكويت لتزويد المقيم السياسي البريطاني في بوشهر بأخبار الكويت، ومتابعة نشاطات الشيخ مبارك الصباح السياسية والتعرف على خططه وتزويده بالنصائح التي من شأنها الحد من توريط السلطات البريطانية في إشكالات مع الدولة العثمانية على وجه الخصوص، أو في صراعات الشيخ مبارك مع ابن رشيد أمير حائل، لاسيما أن الشيخ مبارك قد وجد في اتفاقية الحماية سندا قويا له في مواجهة الأطماع المحيطة به. وبناء على ما تقدم تم تعيين السيد علي بن غلوم رضا مندوبا إخباريا في الكويت للمقيمية السياسية البريطانية في بوشهر، ويبدو أن لعائلة هذا الشخص سابق خدمة للحكومة البريطانية، فهو يذكر في رسالته المؤرخة في 2 من شهر إبريل 1900 أنه: 'لن يخالف وصية الآباء في حق دولة باليوز(1) (بريطانيا) وكذلك وصية المرحوم أغا'. وكان أسلوب بريطانيا في اختيار ممثليهم أن يكونوا من عائلة معروفة بخدمتها للحكومة البريطانية(2). ومن المؤكد أن ذلك التعيين كان بتوصية من محمد رحيم بن عبدالنبي صفر المندوب البريطاني في البحرين (انظر الوثيقة رقم 1)(3) وبمباركة من الشيخ مبارك الصباح، بدليل تعاونه معه ودعوته إليه لينقل المعلومات التي يريدها إلى المقيم السياسي، وإبلاغه بالأخبار التي تصل إلى الكويت سواء ما يتعلق منها بالدولة العثمانية أو بأخبار ابن رشيد والسعدون وابن سعود. ويبلغه أيضا بأخبار لقاءاته الخاصة مع مختلف الزوار الذين يزورون الكويت مثل لقاءاته بقناصل روسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من ممثلي الدول، وكان الشيخ مبارك يقدر أهمية المعلومة التي يريد إيصالها إلى السلطات البريطانية وبالطريقة التي تتفق مع مصالح بلاده. وكانت الرسائل التي يبعث بها علي غلوم تكشف عن ذلك، وقد تكرر فيها ولدرجة المبالغة مدح الشيخ مبارك لبريطانيا وانحيازه إليها، ونبذه للدولة العثمانية. ويكشف أسلوب تلك الرسائل أيضا عن أن الشيخ مبارك الصباح قد احتوى الحاج علي بن غلوم وحوله إلى مجرد كاتب عنده. |
وتشير الوثائق البريطانية إلى أن الشيخ مبارك الصباح كان يرسل علي بن غلوم إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر في بعض الأمور التي لا تحتمل التأخير أو لضمان السرية المطلوبة، إذ تشير الرسالة المؤرخة في 2 من شعبان 1318ه (25 نوفمبر 1900) المرسلة من الشيخ مبارك الصباح إلى المقيم السياسي إلى أنه قد أرسل 'بهذه الدفعة (أي هذه المرة) حجي علي بن غلوم مخصوصا لصوبكم العالي كما هو لازم علينا العرض لحضرتكم بما يقتضي ويحدث'. وفي رسالة أخرى مؤرخة في 1 من جمادى الثانية 1320ه (5 سبتمبر 1902) يذكر الشيخ مبارك '.. والمكتوب المذكور سيرناه بيد حجي علي بن غلوم أيضا يفصل ما جرى من حركات ودسائس الترك تعلمونها من رأس حجي علي..' (الوثيقتان ،2 3).
والجدير بالذكر أن الشيخ مبارك الصباح كان لديه أيضا عدد من المعتمدين الثقات من أبناء الكويت الذين يبعث بهم أىضا في بعض المهام السياسية ولديه وسائله المختلفة للوصول إلى المعلومات من خصومه أو من حلفائه على حد سواء. ومن بين أولئك الأمناء المعتمدين الذين أشارت إليهم الوثائق المرتبطة بالفترة التي نتكلم عنها كل من عبداللطيف الهارون وعبدالله بن إبراهيم السمكة (انظر الوثيقتين ،4 5 بتاريخ 29 مارس 1899 و9 أبريل 1899). ولما كانت مهمة كل منهما سرية، لم يذكر المندوب البريطاني في البحرين محمد رحيم بن عبدالنبي صفر في رسالته للمقيم السياسي البريطاني في بوشهر اسم الشيخ مبارك الصباح بل عبر عنه باسم 'الصديق' أو 'الصديق المعهود' (الوثيقتان 4 أ، 4 ب). وقد عمل الحاج علي بن غلوم رضا في الكويت تحت ستار النشاط التجاري، وكان يمارس هذا العمل بالفعل ولم يكن له مكتب رسمي، بل كان عمله الحقيقي لا يعرفه سوى الشيخ مبارك وأبناؤه. وقد كانت بداية تعيينه (تحت التجربة) في شهر يونيو من عام 1899 بمرتب شهري لايزيد على خمسين روبية. ثم صدر قرار من المقيم السياسي في الخليج بتاريخ 26 من نوفمبر 1900 بأن يستمر هذا الوكيل في عمله في الوقت الراهن(4). وكانت أول رسالة كتبها الحاج علي بن غلوم بتاريخ 4 من سبتمبر 1899، وباللغة الفارسية التي كتب بها مجموعة من الرسائل في بداية عمله وفي نهايته، وكان أحيانا يكتب الرسالة الواحدة باللغتين العربية والفارسية، لكن بوجه عام كانت كتابته باللغة العربية هي الأغلب، وآخر رسالة كتبها علي بن غلوم كانت مؤرخة في 10 مايو ،1904 أي قبل وصول الوكيل السياسي البريطاني الرسمي بأقل من شهر، ويبلغ مجموع الرسائل نحو تسعين رسالة، بعضها موجه إلى الممثل البريطاني في البحرين، ومنها تنقل إلى بوشهر، والبعض الآخر وبخاصة الرسائل الأخيرة كانت توجه مباشرة إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر. وقد ظل عمل الحاج علي بن غلوم سريا إلى منتصف عام 1901، إذ يذكر في رسالته المؤرخة في 29 يونيو من ذلك العام: 'أن خدمتنا للدولة (البريطانية) كانت في البداية سرية، أما الآن، وبعد ذهابنا إلى الفاو والإبراق لكم بشأن ورود المراكب البريطانية إلى الكويت بناء على أمر الشيخ مبارك الصباح، وما تلا ذلك من مباشرته لتلك المراكب عند وصولها للكويت، وقضاء ما تحتاج إليه من لوازم وحاجات، فقد صار مشهورا لدى أهل الكويت أنني (الحاج علي) وكيل المقيم السياسي لخدمة المراكب'. وهنا لابد من تسجيل ملاحظة ذكرها قائد الطراد الروسي 'فارياغ' الذي زار الكويت في 21 ديسمبر 1901، فقد أشار إلى وجود عميل تجاري لشركة الملاحة البريطانية الهندية التي تقوم برحلات منتظمة كل أسبوعين، وبحسب المعلومات التي جمعها القنصل الروسي أوسنيكو نصب عميل الشركة المذكورة 'سارية' في فناء الوكالة لإجراء الاتصالات مع السفن القادمة التابعة لهذه الشركة، ولكن السارية قطعت - كما لو كان ذلك بأمر الشيخ مبارك، رغم أنه لم يعترف بذلك فيما بعد للإنكليز، وألقى الذنب على البدو الرحل، ومع ذلك فقد أعيد نصب السارية، ولكن في فناء دار الشيخ هذه المرة لكي تجري المباحثات تحت إشرافه(5). وظل هذا الوكيل الإخباري أو العميل السري مستمرا في عمله إلى أن تم تعيين الكابتن نوكس في أغسطس من عام ،1904 وقد تضمنت برقية وزارة الخارجية البريطانية رقم 2457 المؤرخة في 3 من أغسطس من ذلك العام مجموعة من الإرشادات للوكيل السياسي (البريطاني) الجديد، فعليه أن يتصرف على نحو لا يلفت إليه الأنظار، وأن يقيم علاقات ودية مع الشيخ مبارك الصباح والبارزين من الشخصيات الكويتية، والعمل على حماية المصالح التجارية البريطانية. واليقظة التامة لتحركات الأتراك على حدود الكويت، أو تدخل أي جهة في الوضع القائم في الكويت، وإرسال معلومات دقيقة عن كل ما يجري في نجد بين أسرتي آل سعود وآل رشيد، وغير ذلك من المعلومات التي كانت في واقع الأمر من الموضوعات التي كان الكثير منها يتابعها الحاج علي بن غلوم ويبعث بها إلى المقيم السياسي. وقد استقبل الشيخ مبارك تعيين الوكيل السياسي الجديد بسرور بالغ، لأنه اعتبر هذا التعيين ضمانا للحماية البريطانية للكويت(1). وبتعيين الكابتن نوكس بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الكويتية البريطانية، فقد كانت الفترة السابقة التي سجل أحداثها علي بن غلوم فترة مليئة بالأحداث واشتملت على تفصيلات أغفلتها كتب التاريخ المتعلقة بهذه المنطقة.لكن الفترة الجديدة تميزت بأسلوب جديد في رصد الأحداث يعتمد على المعرفة والتحليل السياسي، فلم تكن مجرد معلومات (خام) تفتقر في بعض الأحيان إلى الدقة، وتتلون في كثير من الأحيان بآراء الحاكم الخاصة. ولا نعرف على وجه التحديد متى ترك علي بن غلوم عمله مع الوكيل السياسي الجديد، مع أن أول رسالة اشتملت عليها تقارير الممثلية السياسية البريطانية في الكويت كانت بتاريخ 5 من يناير 1905، كانت تشتمل على طلب من علي بن غلوم لزيادة مرتبه، ذكر فيها أنه يتقاضى خمسة وثلاثين روبية، وأن هذا المبلغ هو مصرف القند (السكر) والشاي في كل شهر، وأنه صاحب عيال عددهم عشرون شخصا نفقتهم في ذمته. ويشير فيها أيضا إلى أنه قد ترك معاملاته التجارية في سبيل خدمة الدولة(6). ولا يوجد بعد هذه الرسالة أية إشارة إلى هذا الشخص، وربما لم يرق له العمل بعد ذلك مع نوكس وانصرف إلى أعماله الحرة. هوامش (1) كان يطلق لقب (باليوز) على قناصل الدول الاجنبية، وهو يقابل اللفظ الاجنبي (بايلوز) وهو لفظ إيطالي شاع بين اهالي البصرة حتى باتوا يطلقونه على جميع القناصل. ونجد في جميع مراسلات الشيخ مبارك او شيوخ وامراء الخليج ان هذا هو اللفظ الذي يخاطب به المقيم السياسي البريطاني في الخليج. انظر: حامد البازي: البصرة في الفترة المظلمة، دار منشورات البصري، بغداد 1969. (2) مثال ذلك ان محمد رحيم بن عبدالنبي بن محمد علي بن صفر المندوب البريطاني في البحرين ينحدر من اسرة عربية كانت تسكن في الحلة بالعراق، وقد وفد جده حاجي صفر الى بوشهر في اواخر حياته، وأنجب حاجي محمد علي الذي ولد وتزوج في بوشهر. وقد عمل محمد علي هذا عميلا للحكومة البريطانية نحو عشرين سنة في ميناء المخا باليمن، وأنجب أربعة من الأبناء، تابع اثنان منهم عمل أبيهما: أولهما حاجي عبدالرسول الذي خدم الحكومة البريطانية في المخا وعدن، والثاني حاجي عبدالنبي الذي ولد في بوشهر وعمل مندوبا إخباريا سريا في البحرين، وخلف عبدالنبي في البحرين احمد ابن اخيه عبدالرسول، ثم خلف أحمد في هذا العمل في البحرين أغا محمد رحيم، وهو الذي كان أحد الشهود على اتفاقية الحماية البريطانية الكويتية التي تمت في يناير ،1899 ولا يستبعد أن يكون علي بن غلوم رضا يرتبط بصلة قرابة بالعائلة المذكورة. - Record of Bahrain, Primary Documents 1820 - 1960 vol.3 (1892 - 1923). Archive Editions, london 1993, p.87. (3) تنص الوثيقة المرسلة من محمد رحيم إلى المقيم السياسي على ما يلي: 'واصلا لسعادتكم لفا الكتاب الواصل إلينا من الكويت من الحاج علي بن غلوم الشخص الذي عيناه لرفع الحوادث الصادرة والاخبار في الكويت' وهو دليل على دور محمد رحيم في تعيينه. (4) Saldanda,J.A (1986): The Persian Gulf (PR CIS) Volume 5, p82, Archive Edituons, london. وبحسب الوثيقة رقم 6 كان مرتب علي بن غلوم خمسة وثلاثين روبية. (5)يزفان. ي: سفن روسية في الخليج العربي (1899 - 1903) ترجمة سليم توما. دار التقدم، موسكو 1990م، ص92 - 93. (6) saldanha,J.A:The Persian Gulf, P.85- 86. (1) Kuwait Political Agency, Arabic Documents (1899 - 1949), Arcive Editions, London, p3. الدولة العثمانية حاولت عدة مرات السيطرة على الكويت علي بن غلوم رضا 'مندوب إخباري' لبريطانيا في الكويت 90 رسالة من بن غلوم إلى المقيم البريطاني في بوشهر وثيقة (2) مبارك حول بن غلوم إلى كاتب عنده وهو اختار ما يرسله إلى البريطانيين وثيقة (3) بريطانيا لم تعين ممثلا رسميا لها في الكويت حتى لا تثير الدولة العثمانية وثيقة (4 أ) وثيقة (4 ب) الرسائل تغطي علاقات مبارك الكبير مع بريطانيا والدولة العثمانية وثيقة (1) وهي من المندوب البريطاني في البحرين محمد رحيم توصي بتعيين علي غلوم في الكويت |
|
أولا العلاقات الكويتية البريطانية:
كانت العلاقات بين بريطانيا والكويت تمر بفترة حرجة خلال الفترة التي تلت عقد اتفاقية الحماية في يناير ،1899 فبريطانيا لا تريد أن تعلن للعالم ما توصلت إليه من اتفاق، خوفا من حدوث مواجهة قد لا تحمد مع الدولة العثمانية. وفي الوقت نفسه فإن إبقاء الاتفاقية سرية سوف يشجع الدول الكبرى الأخرى مثل روسيا وألمانيا وفرنسا على محاولة التفاهم مع الشيخ مبارك وتقديم عروض أفضل، وكانت هذه الشكوك في محلها فقد أصبحت للشيخ مبارك صداقة متينة مع الروس الذين تكررت زيارات قناصلهم إليه، كما كانت له قنوات مفتوحة مع فرنسا من خلال المستشرق وتاجر السلاح الفرنسي 'كوكي'(1) وتدلنا المراسلات، التي بين الشيخ مبارك وهذين الطرفين، على نوعية الحوارات التي كانت تدور بينه وبين زواره من الأجانب. بل إن الشيخ مبارك صرح للكولونيل جاسكين نائب المقيم السياسي البريطاني في الخليج في أثناء زيارته لتوقيع الاتفاقية بأنه قد تلقى عروضا فرنسية(2). وأن هذا جعله يضيف نصا إلى الاتفاقية لم يرد في تعليمات الحكومة البريطانية وهو عدم استقبال الشيخ لممثلين من دول أخرى. ضغوط عثمانية في الوقت نفسه، الذي كانت فيه بريطانيا تبذل جهدها في إبقاء اتفاقيتها مع الكويت سرية، كان الشيخ مبارك يريد أن يتم الإعلان عن الاتفاقية وتفعيلها وذلك بسبب الضغوط التركية المتزايدة والأخطار التي تتعرض لها قبائله من آن لآخر من قبل ابن رشيد، كما كان الشيخ مبارك يريد التأكد من صدق نوايا الحكومة البريطانية. ولم تكن محاولة إبقاء تلك الاتفاقية سرية تحول دون شعور الأتراك بأن هناك شيئا ما بين الكويت وبريطانيا، ومن هنا بدأت تركيا في محاولات لممارسة حقوق السيادة على الكويت، فبعد أن أنشأ الشيخ مبارك في مايو 1899 إدارة للجمارك في الكويت وفرض رسما قدره 5% على البضائع الواردة للميناء، قام حمدي باشا والي البصرة وبتعليمات من الباب العالي بتعيين مدير ميناء البصرة مديرا لميناء الكويت ومشرفا على الجمارك، وهو الأمر الذي رفضه الشيخ مبارك حيث أعاد ذلك المبعوث فورا ورفض الحديث معه (الرسالة المؤرخة في 5 سبتمبر 1899). وقد فعل الشيخ مبارك ذلك لأمرين أولهما أنه لم يسبق أن تدخلت الدولة العثمانية بهذه الصورة السافرة في شؤون الكويت، والأمر الثاني هو رغبة الشيخ مبارك أن يؤدي ذلك بالإنكليز إلى الإعلان عن الحماية من أجل أن يقطع دابر الأطماع التي تدور حول بلده(1). سر تداوله الكويتيون ويشير المندوب الإخباري علي بن غلوم في رسالته المؤرخة في 18 ديسمبر 1899 إلى أنه منذ وصول سفينة المقيم السياسي البريطاني إلى الكويت فإن أهالي الكويت يتداولون بينهم سر نبأ اتفاق تم بين الشيخ مبارك والمقيم السياسي، يكون فيه الشيخ مبارك مع بريطانيا متى ما حدث خلاف بينها وبين الدولة العثمانية بل إن بعضهم كان يذكر أن علي بن غلوم سوف يقوم بمراسلة المقيم السياسي من طرف الشيخ. الرسالة الأولى لقد كانت التعليمات التي يعمل بموجبها المندوب الإخباري علي بن غلوم واضحة ومحددة، حيث تلقى تلك التعليمات في البحرين، وقد أشار إلى ذلك في أول رسالة له إلى المقيم السياسي البريطاني بقوله 'إن ما تفضلتم به لي في البحرين عرضته على جناب الشيخ مبارك الصباح فأمر بكتابته على الورق بكامله. وسوف أطيع وأنفذ أوامره، ونعمل بما ترونه وتريدونه، وقد أكدت للشيخ مبارك أن الإجراءات التي تقومون بها هي لمصلحته وسوف يرى ثمارها. وطلبت منه إخباري عن تاريخ نشأة الكويت - كما أمرتم - ووعد بأنه سوف يبين لكم هذا الأمر بالتفصيل'. وقد سجل الوكيل الإخباري بنشاط واضح تفصيلات مهمة ومتنوعة عن أخبار الكويت منذ أن بدأ عمله في سبتمبر 1899 إلى أن تم تعيين الكابتن نوكس معتمدا بريطانيا رسميا لدى الكويت في عام 1904. وتقدم البنود التالية، المتضمنة علاقات الكويت والشيخ مبارك الصباح بكل من الدولة العثمانية وإمارة آل رشيد في حائل والحكومة الروسية، سجلا واضحا وموثقا عن تلك الفترة التي خدم فيها علي بن غلوم. وقد استعرضنا من خلال الرسائل التي بعث بها الوكيل الإخباري ردود الفعل البريطانية، والحضور المتواصل المتمثل بتردد السفن الحربية البريطانية على ميناء الكويت مثل السفينة لورنس وسفنكس وبيرسي وردبرست وغيرها. من يدخل ويخرج كان يهم البريطانيين معرفة المتغيرات السياسية المختلفة في هذه المنطقة الاستراتيجية من الخليج. كما يهمهم معرفة من يدخل الكويت ومن يخرج منها، وبخاصة من مواطني الدول الكبرى، بالإضافة إلى موضوع تجارة السلاح باعتباره أحد العناصر المهمة التي تتحكم في توازن القوى المتصارعة في هذه المنطقة. ويتجلى اهتمام علي بن غلوم بتسجيل الداخلين للكويت في عدد من الحالات، وينص في كل حالة منها بأنه سيتابع هذا الأمر ولن يغفل عنه. ومن أمثلة ذلك قوله عن الحاج حسن الحكيم (الطبيب) الذي وصل إلى الكويت في 25 من ذي القعدة 1317ه (27 مارس 1900) ومعه ابنه ميرزا علي وزوجة ابنه وخادمهم كريم، وأنهم حين وصلوا إلى الكويت استأجروا لهم بيتا ليعالج فيه الناس. ويقول علي بن غلوم: 'وإن شاء الله لن أغفل عن أفعاله، وسأعرفكم بما يستجد عنه وعن غيره من المعلومات والأخبار بناء على وصيتكم، وسأهتم في حال خروجه من الكويت إلى أي بلد يذهب ولن أغفل عن ذلك أبدا'. وفي رسالة تالية مؤرخة في 20 من أبريل 1900 يذكر أن الحاج حسن الحكيم منذ أن جاء إلى الكويت لم يتشاف على يده أحد من المرضى، والمترددون عليه قليلون، ويقول إنه ينوي الذهاب إلى البصرة وأن أهل البصرة قد أرسلوا إليه بضرورة القدوم اليهم. وتضيف الرسالة أن الحاج حسن يثرثر ويتكلم مع بعض العوام بأن دولة المسقوف (روسيا) طلبت من بريطانيا أن ترفع في (أبوشهر) علما واحدا بدلا من اثنين، وهذا من ثرثرته'. والمتابع لرسائل الوكيل الإخباري يجد الكثير من الأمثلة عن أولئك الذين دخلوا الكويت في تلك الفترة من التجار ورؤساء القبائل والأطباء وغيرهم. ولما كانت جوانب عديدة خاصة بعلاقات بريطانيا بالكويت قد نوقشت ضمن حديثنا عن علاقة الكويت ممثلة بالشيخ مبارك مع العثمانيين وآل رشيد والروس كما أشرنا قبل قليل، فإننا سنقف وقفة قصيرة عند موضوع من أهم الموضوعات التي كانت تقلق بريطانيا وهو موضوع تجارة السلاح وتهريبه إلى الكويت. تجارة الأسلحة وتهريبها ففي 24 من شهر مايو سنة 1900 تعهد الشيخ مبارك الصباح لبريطانيا بمنع دخول الأسلحة إلى الكويت والخروج منها، وأصدر إعلانا بهذا إلى المباشرين لهذا الأمر كافة ينص على 'أن مناور الدولة البهية القيصرية الإنكليس ومناور الدولة العلية الإيرانية لهم إجازة أن يفتشوا السفن التي عليها بيرق الدولتين الفخيمتين المذكورتين وبيرقنا في البحر (المتعنق) على الكويت وأن يقبضوا بطريق بيت المال جميع التفقان (البنادق) وسائر الأسلحة الحربية الموجودة فيها..' ونص إعلان آخر في التاريخ نفسه على أن 'دخول التفق (البنادق) والفشق (الطلقات) وسائر الأسلحة وخروجها مطلقا ممنوع في الكويت وتوابعه وجميع التفقان (البنادق) وسائر الأسلحة التي تجلب في المستقبل إلى الكويت أو تخرج منه ستقبض بطريق بيت المال' (الوثيقة رقم 7). |
وقد بعث الشيخ مبارك الصباح برسالة مؤرخة في 29 يونيو 1900 إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر يبلغه فيها 'أنه بناء على رغبتكم فقد منعنا الأسلحة وزيادة على ذلك فقد عينا محسوبكم حجي علي بن غلوم رضا ومعه أربعة أشخاص للكشف على كل سفينة ترد إلى الكويت من مسقط أو البحرين أو غيرهما من البلدان والقصد من ذلك هو التقيد بهذا الأمر، علما بأن رعيتنا ممتثلين له ولا يقدمون على فعل يخالف ما اتفقنا عليه' (الوثيقة رقم 8).
وقد أكد الوكيل الإخباري علي بن غلوم تنفيذ الشيخ مبارك لهذا القرار فذكر في رسالته المؤرخة في 14 يوليو 1900 أن جميع السفن الكويتية القادمة من مسقط يتم تفتيشها بمعرفة أربعة من رجال الشيخ مبارك بالإضافة إلى علي بن غلوم، وذكر الأخير أنهم 'يذهبون إلى السفينة القادمة إلى الكويت سواء كان الوقت ليلا أو نهارا ويفحصون حمولتها فإذا وجدوا شيئا من الأسلحة يأخذونها إلى بيت المال، حيث إن المقيم السياسي صرح للشيخ مبارك بذلك، والشيخ مجتهد في تفتيش السفن وأنا أساعده في ذلك'. وذكر أيضا أن بعض ربابنة السفن من أهل الكويت جاؤوا إلى الشيخ مبارك يلتمسون منه أن يسمح لهم إذا حصلوا على حمولة من مسقط إلى الباطنة أو صحار. فقال لهم 'إنه لا مانع بشرط أن يكتب لكم السيد برغش 'سلطان عمان' ورقة يرخص لكم فيها بذلك، وأن تقوموا بذلك علانية لا سرا، وبغير هذا الشرط سوف تتعرضون للعقاب إذا ما خالفتم أمري'. والجدير بالذكر أن مسقط كانت أحد مراكز تسويق الأسلحة المهمة في المنطقة. وقد تبدو الإجراءات التي اتخذها الشيخ مبارك الصباح نحو وقف تجارة السلاح مخيبة لآمال تجار الكويت لما تدره هذه التجارة من أرباح كبيرة، لكن الواقع يخالف ذلك، فقد استمرت تلك التجارة، وبمعرفة الشيخ مبارك نفسه الذي استغل هذا الاتفاق، فأصبح يتحكم في كمية السلاح التي تصل إلى داخل الجزيرة العربية، وكذلك في منع السلاح من الوصول إلى أعدائه. ومثال ذلك ما جاء في الرسالة التي بعث بها الشيخ مبارك إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج في 9 من جمادى الأولى 1321ه (3 من أغسطس 1903) يذكر فيها أنه تم القبض على أحد السعاة المغادرين لمدينة البصرة إلى حائل، وقد وجد بحوزته مجموعة رسائل إلى عبدالعزيز آل رشيد تفيد أنه قد طلب من عبدالله المحمد البسام شراء أسلحة له من مسقط، حيث طلب منه شراء ثمانمائة بندقية ماركة مارتين، وأنهم الآن يفكرون في طريقة إخراج الأسلحة المذكورة من مسقط (وثيقة رقم 9). وفيما عدا الخبر الذي أشرنا إليه قبل قليل عن دور علي بن غلوم في تفتيش السفن، لا نجد خبرا آخر له عن موضوع الأسلحة إلا في عام 1904 أي بعد نحو أربعة أعوام. فقد ذكر الوكيل الإخباري في رسالته المؤرخة في 6 من شهر مايو 1904 أنه في 13أبريل 1904 وصل إلى الكويت الحاج علي ذهبة ومعه شخص فرنسي يدعى 'كوكي' الذي أهدى الشيخ مبارك بندقية من نوع الشوزن، وقد عين لهما الأخير بيتا خاصا ليسكنا فيه. بينما توجه 'كوكي' إلى مسقط بعد أن عقد مع الشيخ صفقة أسلحة، بقي الحاج علي ذهبة في الكويت. وفي 13 من شهر صفر 1322ه (29 أبريل 1904) وصلت الأسلحة بكاملها وهي 2000 بندقية محمولة في ثلاث سفن كل سفينة كانت تحمل 750 بندقية وبقية البنادق تم توزيعها في سفن أخرى تم تفريغها في الكويت. ويقول الوكيل الإخباري إنه قد سأل أحد البحارة سرا عن كيفية شحن كل هذه الكمية من الأسلحة من مسقط وعدم خشيتهم من عواقب ذلك، فأجاب النوخذة أن 'كوكي' استدعانا إلى بيته وسألنا لماذا لا توافقون على شحن أسلحتي إلى الكويت قلنا نخاف من المندوب البريطاني والمندوب البلجيكي، ومن الممكن أن يعترضا طريقنا وتكون أرواحنا وأموالنا في خطر. فأجابهم 'كوكي' بأنه لا خوف عليكم مطلقا، فسوف أعطي النوخذة ورقة يحملها معه، ومتى ما واجه المندوب البريطاني أو البلجيكي في الطريق يمكن إبراز الورقة وسوف يمتنع عن تفتيشكم تماما، وإذا اعترض وحصل لكم ما تكرهونه فإنني أتعهد وألتزم بتعويضكم وإطلاق سراحكم وأدفع لكم ثمن السفن نقدا في مسقط، وإن جميع سفنكم في ذمتي وبعهدتي، فهل من شيء تخافون منه بعد ذلك؟ وهكذا أزال الخوف من نفوسنا وقمنا بشحن الأسلحة وحملنا الأوراق التي زودنا بها 'كوكي'، وحينما علم نواخذة بقية سفن الكويت بذلك والضمان الذي قدمه 'كوكي' اشتروا الأسلحة وشحنوها إلى الكويت. ويضيف الوكيل الإخباري أن الحاج علي ذهبة أقام في المنزل الذي خصصه الشيخ مبارك في 17 صفر (3 مايو 1904) وبدأ بالتعامل بصفقات الأسلحة، وكان قد جلب ثلاثة أنواع من الأسلحة للبيع (200 مسدس و200 بندقية شوزن بأنبوبتين و350 بندقية مارتين والمجموع 750). و'كوكي' المذكور في هذه الرسالة هو مستشرق وتاجر سلاح فرنسي مشهور (Antonin Goguyer) تعلم العربية في وقت كان الاستشراق الفرنسي في ذروة نشاطه، ثم بدأ حياته العملية مترجما في المحاكم التونسية، وكان يكتب في الصحف العربية التي تصدر في تونس، التي كانت تتعارض مع السياسة الفرنسية الاستعمارية هناك، فاضطرت السلطات الفرنسية إلى إبعاده، ونشط بعد ذلك في الصومال وإثيوبيا، وكان يمد المواطنين بالسلاح ضد البريطانيين مما أدى إلى إلقاء القبض عليه وسجنه ثم إبعاده عن البلاد. وقد انتقل نشاطه بعد ذلك إلى البحرين التي جاء إليها بصفته وكيلا لشركة مجوهرات فرنسية. وكان ذلك غطاء لمهمتين أساسيتين الأولى تجارة السلاح والأخرى عمله مراسلا للسلطات الفرنسية وعميلا لها. وربما كانت تجارة السلاح أيضا جزءا من المهمة الثانية. ومن خلال تجارة السلاح ارتبط 'كوكي' بصلة وثيقة مع الشيخ مبارك الصباح الذي كان يعتبرهذه التجارة مصدرا من مصادر نفوذه في داخل الجزيرة العربية، فضلا عما تدره من أرباح لخزينة الكويت. وتشير المصادر إلى أن 'كوكي' قد انتقل بعد البحرين إلى مسقط، وأصبح من أنشط تجار السلاح الفرنسيين حيث كان يجري نقله في سفن تحمل العلم الفرنسي مما جعل تجارته في مأمن من الخضوع لتفتيش السفن البريطانية، وحظي 'كوكي' بنفوذ كبير لدى سلطان مسقط من جهة والعديد من الوزراء الفرنسيين من جهة أخرى. وقد تمكن 'كوكي' من تكوين ثروة قدرت بأربعين ألف جنيه استرليني، ولدى وفاته عثر في مستودعه على 100 ألف قطعة سلاح من مختلف الأشكال وما لا يقل عن 10 ملايين قطعة من الذخائر اللازمة لاستعمال تلك الأسلحة(1). أما عن العلاقة التي ربطت بين 'كوكي' والشيخ مبارك، فتقدمها الوثائق الفرنسية بصورة مختلفة عما ذكره الوكيل الأخباري، فقد ذكرت أن 'كوكي' قد جاء إلى الكويت عام 1904 متنكرا في هيئة رجل عربي، وأطلق على نفسه اسم 'عبدالله المغربي'، وقد استضافه الشيخ مبارك - الذي لم تكن تخفى عليه حقيقته - في قصره حيث مكث نحو ثلاثة أشهر غادر بعدها إلى مسقط. وقد حاول الاثنان أن تكون هذه الإقامة الطويلة بعيدا عن أنظار الإنكليز الذين كان 'كوكي' من أشد المناهضين لهم، وعمله في تجارة السلاح كان ضد رغبتهم وسياستهم في منطقة الخليج العربي. واستطاع الشيخ مبارك أن يستفيد من 'كوكي' في معرفة توجهات القوى الكبرى التي كانت تتصارع على تثبيت أقدامها في منطقة الخليج العربي، وقد استطاع مبارك بسلوكه السياسي أن يوظف هذه المعلومات توظيفا جيدا لمصلحة الكويت. وخلال تلك الإقامة كذلك تم الاتفاق بين مبارك وكوكي - سرا - على ترتيبات شحن الأسلحة إلى الكويت بسفن محلية. وقد ظلت علاقة الشيخ مبارك الصباح بكوكي مستمرة تعكسها المقالات المتعددة التي كتبها كوكي، والتي وصف فيها الشيخ مبارك بأنه 'رجل يقر بالجميل، وأنه واسع الاطلاع، ولا يدفع للبريطانيين أكثر مما هو ضروري للخدمات التي يؤدونها، كما أن رغبته في المحافظة على الاستقلال كانت وراء استعداده الدائم للوقوف أمام المؤامرات الغادرة التي تحيط به..' ولعل من أبرز ما تكشف عنه تلك العلاقة الوطيدة التي ربطت بين الشيخ مبارك وهذه الشخصية الفرنسية المهمة تلك الرسالة التي بعث بها كوكي إلى الشيخ مبارك للموافقة على إجراء مساع حميدة بتوسيط روسيا وفرنسا للتصالح بينه وبين الباب العالي في تركيا بعد أن تأزمت العلاقة بينهما نتيجة إعلان الحماية البريطانية(1). هوامش (1) كتب هذا الاسم في المصادر الحديثة بأكثر من رسم مثل 'غوغيه' و'غوغي' و'غوغييه' و'جوجيه' وقد أثبتنا الرسم الذي اعتمده هو لنفسه فقد كان يوقع رسائله العربية على هذا النحو. انظر كتاب 'بحوث مختارة من تاريخ الكويت' إصدار مركز البحوث والدراسات الكويتية، الكويت 2005م، ص68. (2) Saldanah: p.21. (1) انظر تفصيل ذلك في أثناء الحديث عن علاقة الشيخ مبارك بالدولة العثمانية. (1) الخصوصي، بدر الدين: دراسات في تاريخ الخليج العربي، الكويت ،1988 ص147 |
|
|
|
ونخلص من استقراء رسائل الوكيل الإخباري في الكويت إلى أن موقف بريطانيا من الكويت والشيخ مبارك مر في مرحلتين: الأولى مرحلة المراقبة وتسجيل ما يجري في الكويت وما يجري في داخل الجزيرة العربية من أحداث وتغيرات، وبيان علاقات الشيخ مبارك مع الدول الكبرى مثل الدولة العثمانية وروسيا وألمانيا، ومعرفة الأغراب الذين يزورون الكويت وبيان أهدافهم وكانت زيارة السفن البريطانية محدودة نسبيا. وهذا لا يمنع من الاتصالات السرية المباشرة التي كانت تتم بين الشيخ مبارك والمقيم السياسي البريطاني التي توثق وتفصل وتزيد من مساحة المعلومات التي قدمها الوكيل الإخباري علي بن غلوم.
المرحلة الثانية أما المرحلة الثانية فقد كانت مرحلة التدخل المباشر للحماية، وقد بدأت هذه المرحلة على وجه الخصوص بعد معركة الصريف في مايو ،1901 فقد أرادت الدولة العثمانية استغلال مرحلة ما بعد الصريف للتدخل في شؤون الكويت، ظنا منها أن الشيخ مبارك لم يعد في القوة التي تمكنه من مواجهة الأتراك. وقد تحركت عناصر من الجيش السادس من بغداد إلى البصرة بهدف الوصول إلى الكويت، كما قامت الدولة العثمانية بتشجيع ابن رشيد على تشديد هجماته على الكويت. ولم تقف بريطانيا مكتوفة الأيدي إزاء هذا الأمر، ورأت أنه من الواجب القيام بعمل مباشر لتفعيل الاتفاق الذي بينها وبين الكويت وتقرر إرسال سفينة حربية وتبعتها ثانية وتم إعداد ثالثة لتكون جاهزة، وقد رابطت السفينة الأولى (سفنكس) في ميناء الكويت. محسن باشا في الكويت وفي هذه الأثناء زار الكويت والي البصرة محسن باشا في 29 من محرم 1319ه (الموافق 18 مايو 1901). وقد زعم أنه جاء للسلام على الشيخ مبارك وليعرف أسباب موقفه من الدولة العثمانية وميله إلى بريطانيا في الوقت الذي كانت فيه الخطط العسكرية التركية لاحتلال الكويت جارية. وقد واجه الشيخ مبارك هذا الموقف بعدة إجراءات. أولها أنه قد أرسل ابنه الشيخ جابر لاستقباله عند الجهراء وكان معه أربعمائة فارس، وكان قصد الشيخ مبارك أن يعرف الوالي قدره من خلال استعراض لقوته. والثاني أنه طلب من قائد السفينة البريطانية أن يحضر اللقاء الأول معهم. أما الإجراء الثالث فهو تحديد مدة الزيارة بثلاثة أيام فقط وقد عاد محسن باشا إلى البصرة بعد أن تأكد تماما من ميل الشيخ مبارك إلى البريطانيين على لسانه وعلى لسان الشيخ جابر المبارك الذي أجاب بمنتهى الوضوح عن استفسار الوالي بأننا 'لنا عزم على اتباع دولة الإنكليز على ما نراه منها من الشفقة والحمية أما دولة الترك فلم نر منها سوى الأذى والمشقة' وأشار إلى الحشود التركية لغزو الكويت، وذكر أن الكويت بفضل الله قوية وقادرة على المحافظة على حدودها برا وبحرا. ورفض الشيخ مبارك كل العروض والإغراءات التي قدمها محسن باشا، وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد. (انظر رسائل الوكيل الإخباري في ،12 ،21 24 مايو و7 يونيو 1901). ويذكر سلوت في كتابه عن الشيخ مبارك الصباح أن القوات العثمانية تحت قيادة محمد باشا الداغستاني قد صدرت لها الأوامر بالعودة إلى العمارة لأسباب ثلاثة أولهما أن مباركا قد دفع سبعة آلاف ليرة تركية إلى قائد الجيش وخمسة آلاف إلى محسن باشا والي البصرة، وثانيهما وجود السفن الحربية البريطانية بالقرب من الكويت، أما الثالث وهو الأرجح انتشار مرض الطاعون في البصرة، فقد أجبر هذا الوباء الخطير الأتراك على إيقاف تحركهم إلى البصرة. إعلان الاتفاقية وبعيدا عن تفصيلات هذه الفترة التاريخية التي أفرد لها كل من بونداريفسكي وسلوت صفحات عديدة فإننا سوف نقتصر، فيما يلي، على ما ذكره الوكيل الإخباري من أحداث: - في 24 من أغسطس 1901 وصلت إلى الكويت السفينة العثمانية زحاف. وقبل نزول قائدها إلى البر أنذره بيرس Pers قائد السفينة الحربية البريطانية برسيوس Perseus التي كانت آنذاك راسية في ميناء الكويت بعدم السماح بنزول عسكري تركي إلى البر، وأن عليه النزول وحده إذا ما أراد لقاء الشيخ مبارك. وقد رضخ القائد لأوامر القائد البريطاني، ثم كان لقاؤه الساخن مع الشيخ مبارك وابنه الشيخ جابر الذي انتهى بطرد القائد التركي بعد أن هدد بغزو الكويت برا وبحرا كما جاء في رسالة الوكيل الإخباري بتاريخ 24 أغسطس 1901. وكان هذا أول انكشاف لسرية الحماية البريطانية. - في 7 نوفمبر 1901 زار الكويت السيد رجب النقيب وحاول أن يبقي على علاقة الشيخ مبارك بالدولة العثمانية إلا أن الشيخ مبارك أصر على موقفه وذكر أن 'ليس للترك حق علينا، بل نحن لنا الحق عليهم وقد استرجعنا لهم بلد القطيف وبلد الأحساء بالسيف، ولم يكن رئيسنا من دولة الترك' وأكد أنه قد جعل نفسه ورعاياه وجميع عشائره في حماية الدولة الإنكليزية. - ذكر الوكيل الإخباري في رسالته المؤرخة في 1 ديسمبر 1901 وصول تلغراف من الباب العالي إلى والي البصرة يفيد بأن على الشيخ مبارك أن يحضر إلى أسطنبول ليتم تعيينه عضوا في مجلس الشورى أو أن يترك الكويت ويسكن في أي مكان خارجها وإلا أرسلنا عليه جيشا لإجباره على الخروج من الكويت. وأنه في 20 من شهر شعبان 1319ه أي في 2 من ديسمبر 1901 سوف يصل الكويت السيد رجب النقيب ومعه مصطفى نوري باشا أخو والي البصرة ومعهما تلغراف الوالي. وواضح من رسائل الوكيل الإخباري أن هذا الأمر وضع اتفاقية الحماية البريطانية على المحك فقد أرسل الشيخ مبارك إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر رسالتين مستعجلتين بتاريخ ،17 19 من شعبان 1319ه (29 نوفمبر، 1 ديسمبر 1901)، يطلب فيهما إجابة واضحة وصريحة من بريطانيا تفيد التقيد بمعاهدة الحماية المبرمة في عام 1899 يستند إليها في رده على الدولة العثمانية، وإلا فإنه سوف يعمل على تسوية أموره مع الدولة العثمانية بالطريقة التي يراها مناسبة. مؤكدا أنه إذا لم تبين بريطانيا موقفها في هذا الظرف فمتى يمكن عليها إظهاره؟ (الوثيقتان رقم ،10 11). وقد وصله الرد في 23 شعبان 1319ه (5 ديسمبر 1901) أي في اليوم الثالث من زيارة النقيب بالإعلان الرسمي للحماية البريطانية. وقد جاء رد المقيم السياسي البريطاني في رسالتين بتاريخ ،23 24 من شعبان 1319ه (،5 6 ديسمبر 1901) ذكرت الرسالة الأولى أن المقيم السياسي قد أرسل إلى السلطات البريطانية يستطلع أوامرها في هذا الشأن، وأن على الشيخ مبارك أن يطلب من النقيب - الذي وصل بالفعل إلى الكويت - إمهاله للرد عليه، وأن للشيخ الحق الكامل في الامتناع عن الرد الفوري في مثل هذا الأمر الخطير. وفي اليوم الثاني وصلت الرسالة الثانية من المقيم السياسي والتي يؤكد فيها التزام بريطانيا بالدفاع عن الكويت والطلب من الشيخ مبارك برفض المطالب العثمانية. وهكذا غادرت السفينة 'زحاف' ومعها رجب النقيب ومصطفى نوري باشا دون تحقيق الهدف من زيارتهما (الوثيقتان ،12 13). وقد جمع الشيخ مبارك في اليوم التالي تجار الكويت ووجهاءها وأعلن لهم الاتفاق الذي تم مع الحكومة البريطانية، وقد باركوا له حسن تصرفه في إقدامه على هذا الأمر. |
وكان من نتيجة إعلان الحماية أن بدأ تحرش العثمانيين بالكويت، ففي 14 فبراير ،1902 حيث أقام الترك خمس خيام لعساكرهم في جزيرة بوبيان، وقد أبلغ الشيخ مبارك البريطانيين، فأرسلوا السفينة سفنكس إلى هناك لاستكشاف الأمر.
وعند هذه الأخبار تنتهي أهم القضايا التي تمس العلاقات الكويتية البريطانية وفق ما وردت في أوراق الوكيل الإخباري ويجد القارئ تفاصيل أخرى حول هذا الموضوع (في الفصل الثاني) عند الحديث عن علاقات الشيخ مبارك بكل من الدولة العثمانية وإمارة آل رشيد. إضافة إلى ما جاء في نصوص الرسائل. ثانيا - الشيخ مبارك الصباح والدولة العثمانية يكشف ترتيب الأحداث حول علاقات الشيخ مبارك بالدولة العثمانية في رسائل علي بن غلوم عن كثير من المعلومات. ولا نريد الادعاء بأن تلك المعلومات جديدة بالنسبة إلى ما كتب في تاريخ هذه الحقبة أو أنها أحداث مكتملة السياق، ولكنها تقدم تفصيلات أولية لم تنلها أقلام المصنفين بالتعديل والتحرير، ولم تطلها أيادي المؤلفين المعاصرين. فمن الواضح أن اللقاءات التي تمت في الغرف المغلقة قد نقلت بحذافيرها - ومن أصحاب الشأن أنفسهم- بكل ما تحمله ألفاظهم من بساطة وبعد عن الرياء. وتسجل رسائل علي بن غلوم مراحل الأطماع العثمانية في الكويت منذ أن بدأت تظهر الإشاعات حول اتفاقية الحماية التي عقدها الشيخ مبارك الصباح مع الحكومة البريطانية في يناير عام 1899 وتشير أول رسالتين مؤرختين في 4 و5 سبتمبر 1899 بعث بهما علي بن غلوم إلى ممثل المقيم السياسي البريطاني في البحرين محمد رحيم بن عبدالنبي إلى بداية المضايقات العثمانية. فقد تحدث في الرسالتين عن وصول أميرال بحري عثماني من البصرة إلى الكويت بتاريخ 2 سبتمبر ،1899 وكان معه خمسة عساكر. وقد نزلوا في تلك الليلة في بيت الشيخ مبارك. وبعد سؤال هذا الشخص عن دوافع قدومه إلى الكويت، ومن الذي أوفده إليها، ذكر أنه مأمور من الباب العالي وبتكليف من حمدي باشا والي البصرة ليكون قائدا بحريا في الكويت. فقال له الشيخ مبارك إن بلده لا تحتاج إلى قائد بحري وأن عليه أن يعود من حيث أتى وألا يتم تنزيل شيء من حمولته وأن يسافر في الليلة نفسها. فأجاب القائد البحري بأنه لم يكن يتوقع معاملته بهذه الطريقة وإعادته بهذه السرعة، وأن في ذلك إهانة للدولة العثمانية، وأن الوالي سوف يستاء من هذا الأمر. فرد عليه الشيخ مبارك بأنه لا يريد سماع أي حديث في هذا الأمر وعليه العودة فورا إلى البصرة. وقد عاد بالفعل في الليلة نفسها بحال من الذل والهوان بحسب تعبير علي بن غلوم. ولم يكتف الشيخ مبارك بهذا الأمر بل أمر الوكيل الإخباري علي بن غلوم أن يكتب على لسانه رسالة منه إلى السيد محمد رحيم ممثل الوكيل السياسي البريطاني في البحرين يصف فيها ما حدث، ويؤكد أن وراء كل ذلك والي البصرة حمدي باشا الذي يضمر له العداء منذ العام الماضي. ويبين أن ذلك العداء بدأ منذ مجيئ المندوب البريطاني إلى الكويت بصحبة محمد رحيم في وقت توقيع المعاهدة بين الكويت وبريطانيا، وبين الشيخ مبارك أيضا أنه لن يعير حمدي باشا أي أهمية التزاما بالاتفاق. وذكر الشيخ مبارك أن تصرف حمدي باشا نابع من حسده وغيرته، فنحن نحكم الكويت منذ ثلاثمائة سنة، وحكومة الكويت تحت تصرفنا ندير زمام الأمور بها، فقد كانت الكويت أرضا قفراء جاءها جدنا الشيخ صباح مع جماعة من أقاربه وأنصاره فقطنوا بها وبدؤوا بعمارة أرضها وقد كان بداية ذلك الأمر عام 1017ه(1). وقد أرسل الشيخ مبارك إلى المقيم السياسي نسخة من الرسالة التي بعثها حمدي باشا وهي مؤرخة في 17 ربيع الآخر عام 1317ه الموافق 25 أغسطس 1899م والتي يذكر فيها أنه من اللازم 'وجود رئيس ليمان (ميناء) بطرف الكويت للنظارة (الإشراف) على السفن المترددة لذلك الطرف.. وأنه قد تم تعيين رئيس ليمان البصرة حسن أفندي رئيسا على ليمان الكويت'. كما أرسل رد الشيخ مبارك على حمدي باشا والي البصرة وهو مؤرخ في نفس يوم ورود المبعوث التركي حسن أفندي أي في يوم 25 ربيع الآخر 1317ه الموافق 2 سبتمبر ،1899 وفيها يذكر الشيخ مبارك أن الكويت لا تستقبل سفنا أجنبية وأن هذا المحل أهله وحشيين(1) (أي أحرار) ولسفنهم تراجع إدارة ليمان البصرة فلا معنى لتغيير ما جرت عليه العادة من قبل (الوثيقة رقم 14). كما أرسل الشيخ مبارك توضيحا مع الرسالتين المذكورتين يذكر فيه أن الإدارة العثمانية منذ مجيئكم مع المقيم السياسي البريطاني في رمضان الماضي (أي زمن توقيع المعاهدة) وهم مستطيرون، رغم أن معاملتنا معهم كانت على جاري العادة، وقد بعثنا إليكم بصورة الرسالة التي وصلتنا منهم أخيرا وبصورة ردنا عليها. ونفيدكم أن حمدي باشا (والي البصرة) يتربص بنا منذ ولايته السابقة، وهو رجل غشوم وسماع وليس له استقامة حال، ولا هو قدر ولاية ومع أن رسائلنا إليه كلها كانت بالملاطفة فإنه باق على حقده وعداوته وتشبثه بأملاكنا. وذكر أن الكويت أنشأها جده صباح منذ ثلاثمائة سنة أي منذ عام 1017ه وما لأحد فيها مدخل غير آل الصباح، ولا لأحد تمسك بها ولا دليل له على ذلك (الوثيقة رقم 15). والجدير بالذكر، أن حمدي باشا كان واليا على البصرة حينما تولى الشيخ مبارك زمام السلطة في الكويت، وقد أراد ذلك الوالي أن يستغل أحداث مايو عام 1896 في الكويت ليفرض سلطة الدولة العثمانية عليها. وقد استطاع الشيخ مبارك بنفوذه وصلاته السياسية مع أصحاب القرار في الآستانة أن يطيح بحمدي باشا ويبعده عن ولاية البصرة. ولما علمت الآستانة في يناير سنة 1899 بأخبار الاتفاقية السرية بين الشيخ مبارك وإنكلترا، وتوقعت أن يكون ذلك بداية مرحلة من التوسع الإنكليزي في حوض الخليج العربي، قرر السلطان عبدالحميد الثاني وأعوانه المقربون تغيير سياستهم تجاه الكويت بهدف تعزيز النفوذ العثماني فيها، ومن ثم أعادوا حمدي باشا مرة ثانية إلى ولاية البصرة لما عرف عنه من رغبة في تنفيذ تلك السياسة. وكان من أول أعمال حمدي باشا بعد عودته إلى الولاية أن قام بإبعاد من له علاقة بالشيخ مبارك من أعيان البصرة، وأمر بتغيير موظفي البريد والتلغراف الذين كانوا يطلعون مبارك والإنكليز على البريد والتقارير المتبادلة بين الوالي والباب العالي. وبدأ في تشجيع الباب العالي على اتخاذ تدبيرات حاسمة تجاه الشيخ مبارك مدعيا أن ضم هذه الإمارة إلى الامبراطورية العثمانية سيعود على خزينة الدولة بمبلغ إضافي يقدر بأكثر من خمسين ألف ليرة سنويا، وكان من التدبيرات التي قررها حمدي باشا إرسال رئيس ميناء البصرة ليكون مسؤولا عن ميناء الكويت وهو الذي كان من أمره مع الشيخ مبارك ما كان بحسب ما فصلناه أعلاه. وقد بدأ الشيخ مبارك حملة جديدة لدفع أذى حمدي باشا، ولم تقف تلك الحملة عند الشكوى التي بعث بها إلى المقيم السياسي البريطاني ليحيطه علما بما حصل بل كانت له وسائله الخاصة في تأليب أصحاب القرار في الآستانة على حمدي باشا، وقد أسفرت تلك الحملة عن إقالة حمدي باشا من منصب والي البصرة وإحلال محسن باشا -صديق الشيخ مبارك - محله. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل حصل الشيخ مبارك على اعتراف من الباب العالي باستقلاله التام عن ولايتي البصرة وبغداد. فذكر المندوب الإخباري علي بن غلوم في رسالته المؤرخة في 26 نوفمبر 1899 أن الشيخ مبارك قد تسلم تلغرافا من الباب العالي في الآستانة يفيد أن اتصالاته ينبغي أن تكون مباشرة مع الباب العالي وألا يكون ذلك من خلال والي البصرة أو بغداد. وهذا الأمر يجعل وضع الكويت (في نظر الدولة العثمانية) أشبه ما يكون بوضع مصر وهو اعتراف بكيان سياسي مستقل لا تربطه بولايات العراق العثماني رابطة. ثم تتابعت الأحداث بين الطرفين، فالدولة العثمانية كانت تسعى بالترغيب أو الترهيب إلى السيطرة على الكويت، والشيخ مبارك كان دائما في وضع الحاكم الذي يعمل على المحافظة على استقلال بلده ويرفض أي تدخل من الدولة العثمانية. (1) في خطاب الشيخ مبارك يبين فيه حدود الكويت يذكر فيه ان تاريخ نزول الصباح في الكويت هو 1022 هجرية، أي 1613 ميلادية. والتاريخان متقاربان. (1) هكذا وردت في الأصل |
|
|
|
|
صدر فرمان من الباب العالي يمنح بموجبه الشيخ مبارك لقب باشا ميرميران مع وسام ومرتب سنوي، وسوف يصل الوسام في 10 مايو 1900، وحتى 1 يونيو من العام المذكور لم يصل شيء من ذلك (2 مايو، 1 يونيو 1900).
- ابرق الباب العالي إلى والي البصرة للتوسط بين الشيخ مبارك وابن رشيد، لإتمام الصلح بينهما (19 نوفمبر 1900)، وكان سبب ذلك أن ابن رشيد بعث إلى الباب العالي يشكو الشيخ مبارك ويطلب تدخل الدولة العثمانية، وقد عقد لقاء في منطقة الرافضية قرب الزبير بين الشيخ مبارك ووالي البصرة وسيد أحمد النقيب وبعض أعيان البصرة أكد فيه الشيخ مبارك أنه لا علاقة له بمحاربة ابن رشيد، وأبرق إلى الباب العالي منكرا ما نسب إليه. وقد جاء رد من الباب العالي بإكرام الشيخ مبارك ومنحه أربعة أوسمة (نياشين). وحينما وصل الشيخ مبارك إلى الكويت بعد مغادرته البصرة لم تكن عليه خلعة الباب العالي ولا الأوسمة التي أعطيت له (25 نوفمبر 1900). - في 22 فبراير 1901 وصل إلى الكويت من البصرة عبدالعزيز بن سالم البدر وكيل الشيخ مبارك في البصرة ومعه صورة تلغراف من الباب العالي يطلب فيها من الشيخ مبارك أن يصطلح مع عبدالعزيز ابن رشيد، ولما كان الشيخ مبارك خارج الكويت فقد قرئ التلغراف على نائبه الشيخ جابر المبارك الذي قال: فات أوان الصلح الآن ولا نقبل ذلك مع ابن رشيد (26 فبراير، 3 مارس 1901). وصل رؤوف بيك وهو مبعوث عسكري من والي البصرة محسن باشا إلى الشيخ مبارك للتأكد من سلامته بعد عودته من موقعة الصريف، وكان وصوله الكويت في 2 أبريل 1901 (8 أبريل 1901). - ورد خطاب من كل من مشير بغداد ووالي البصرة محسن باشا يرغبان فيه زيارة الكويت بناء على أمر من الباب العالي. غير أن المرض المنتشر في البصرة يمنعهم من ذلك (5 مايو 1901). - والي البصرة محسن باشا ينوي زيارة الكويت في 16 مايو 1901 ويرافق الوالي خمسة أشخاص، وقد طلب الشيخ مبارك من القبطان البريطاني إبلاغ الوالي ألا تزيد إقامته على ثلاثة أيام (12 مايو 1901). - وصل محسن باشا والي البصرة في 18 مايو 1901 واستقبله الشيخ جابر بن مبارك في الجهراء ومعه أربعمائة خيال (فارس) وكان قصد الشيخ مبارك أن يعرف الوالي قدر الشيخ مبارك ومنزلته، وقد أقام بمنزل الشيخ مبارك لمدة يومين وكان معه عبدالعزيز سالم البدر وكيل الشيخ مبارك في البصرة، ونحو سبعين عسكريا عثمانيا. وقد نزل القبطان الإنكليزي من مركبه كالعادة وزار الشيخ مبارك بحضور والي البصرة وتبادلا الأحاديث الودية، وبعد ساعة غادر المجلس (21 مايو 1901). لا استجابة وقد تحاور الوالي مع الشيخ مبارك في جلستهما الخاصة كثيرا، عاتبا عليه ميله إلى الإنكليز، وكان الوالي يريد أن يأخذ بخاطر الشيخ مبارك ويعرف رغباته لتنفيذها. ولم يجد الوالي من الشيخ مبارك الاستجابة المرجوة. فقد أثار الوالي مسألة تردد المراكب الحربية البريطانية على ميناء الكويت، فقال له الشيخ مبارك إن هذا أمر غير مستنكر، فقد كانت لنا صداقة معهم منذ زمان أجدادنا ونحن نقدر لهم ذلك. وقد تساءل عما إذا كان لدى الكويت رغبة في التحالف مع الإنكليز، فأجابه الشيخ جابر - وكان حاضرا - بالإيجاب، وقال إننا لم نر منهم سوى المناصرة والحمية، أما دولة الترك فلم نر منها سوى الأذى والمشقة. وبالأمس قام كل من مشير بغداد وكاظم باشا ومحمد باشا بحشد العساكر لغزو بلادنا برا وبحرا، دون وجه حق، ومع ذلك فنحن بفضل الله أقوياء وقادرون على المحافظة على بلادنا ورعايانا، وقد حاول الوالي أن يلطف من حدة الحديث بقوله: إنني صديقكم ومحبكم، ثم استفسر عن إمكانية الموافقة على تعيين مجموعة من العساكر العثمانية ليكونوا في خدمة البلد، وأن يصدر فرمان منصب من الباب العالي للشيخ مبارك الصباح، فأجابه الأخير بأننا لسنا في حاجة إلى عساكركم ولا إلى فرمانكم (7 يونيو 1901). وفي اليوم الثالث غادر عساكر الوالي الكويت عن طريق البر إلى البصرة، أما الوالي ومعه الشيخ مبارك ومائة شخص من رجاله فقد سافروا عن طريق البحر حيث ودعه الشيخ مبارك عند الفاو (24 مايو 1901). زحاف في الكويت وصل المركب التركي (زحاف) في 24 أغسطس 1901 إلى الكويت، حيث قابل القبطان الشيخ مبارك الصباح ومعه الشيخ جابر المبارك على انفراد، وذكر لهما أن قبطان المركب (المنور) الإنكليزي أبلغنا بمنع أي عسكري تركي ينزل بلد الكويت، وأننا سنعاقب إذا ما حدث ذلك لأن الشيخ مبارك في حمايتنا، فهل أنت راض عن هذا الكلام وأنت رجل مسلم تشمت بنا الكفار؟ فقال له الشيخ مبارك: نعم أنا راض عما يقولون، وأنا بريء منكم، فأنتم أهل الرشاوى وليس لكم حق عندي. ونحن نقدر لبريطانيا حمايتها لنا وعنايتها ببلادنا. فقال له قبطان (زحاف): إذن صار مؤكدا تبعيتك لبريطانيا وميلك إلى دولة الإنكليز، وسوف أغادر الآن إلى قطر ولن أمكث عندكم. فقال له الشيخ مبارك البحر واسع إن شئت أن تذهب أو أن تبقى، لكن إذا صدر منكم أي اعتداء علينا فسوف نطلب من المركب البريطاني أن يخرجكم من عندنا. فقال له قبطان زحاف: إذن سوف أذهب إلى الفاو، وأبعث بتلغراف إلى المشير ليبعث إليكم بعسكر من البر والبحر لمعاقبتكم ولن تفيدكم بريطانيا، فطرده الشيخ مبارك والشيخ جابر من المجلس بقولهما "قم ولا تفاخر علينا بدولتكم فنحن نعلم أنه ليست لكم قدرة على دولة الإنكليز". وقد غادر القبطان الكويت في طريقه إلى الفاو. وتم إبلاغ قبطان المركب البريطاني بما حدث، حيث أكد عزمه على التصدي لأي اعتداء على الكويت (24 أغسطس 1901). بعد مغادرة مركب (زحاف) من الكويت إلى الفاو، والقبطان غاضب على الشيخ مبارك لم تبد أي مبادرة من جانب العثمانيين، لكن الناس تناقلوا أخبارا عن تجميع عساكر الترك في منطقة السماوة تمهيدا لغزو الكويت. غير أن هذه الأخبار لم تثبت صحتها. والشيخ مبارك كان متيقنا من حماية بريطانيا له من الدولة العثمانية (2 سبتمبر 1901). أمير المنتفك استمالت الدولة العثمانية الشيخ سعدون أمير المنتفك، فقد استدعاه المشير ووالي البصرة وقدموا له خلعة وجعلوا له راتبا خمسين ليرة وأكرموه غاية الإكرام، وطلبوا منه حماية جميع نواحي العراق، وقد قبل منهم ذلك، لكنه ذكر أن عداوته لابن رشيد وعشائره ستظل قائمة لأنه قد قتل أخاه الشيخ عبدالله (2 سبتمبر 1901). (وربما كان هذا التوجه من الدولة العثمانية رغبة في تحييد الشيخ سعدون الذي كان صديقا للشيخ مبارك الصباح). - كتب مشير البصرة رسالة إلى الشيخ مبارك يذكر فيها أن الباب العالي طلب جمع مساعدة من أهل البصرة ومن غيرها نحو خمسة عشر ألف ليرة. وذكر أنه يريد قرضا مقداره ثلاثة آلاف ليرة يتم تسديدها من ضريبة الفاو في السنة الجديدة. فرد عليه الشيخ مبارك بأنه لن يقدم الضريبة قبل أوانها (12 أكتوبر 1901). - في 7 نوفمبر 1901 وصل رجب النقيب ومعه عدد من الرجال إلى الكويت عن طريق البحر، وزار الشيخ مبارك في اليوم الثاني حيث التقاه في جلسة سرية. وقال السيد رجب للشيخ مبارك إنني جئت من البصرة لأقدم لكم النصيحة، فأنت رجل مسلم وكيف تقبل نفسك بأن تصير في حماية الإنكليز ولا تقبل حماية الترك المسلمين؟ وأن دولة الإنكليز لن تحميك من دولة الترك. فرد عليه الشيخ مبارك بأنني قد جعلت نفسي ورعاياي وجميع عشائري في حماية الدولة الإنكليزية، ولست خائفا من الدولة العثمانية ولا من غيرها. والكويت هي بلد آبائي وأجدادي من قديم وليس للعثمانيين حق فيها. بل نحن لنا الحق عليهم فقد استرجعنا لهم القطيف وبلد الأحساء بالسيف، ولم يكن رئيسنا من دولة الترك. ومع هذه الخدمات تقوم الدولة العثمانية بمساعدة ابن رشيد علينا، ويريد مشير بغداد غزو بلدنا بعسكره.. هل هذا تصرف دولة الترك المسلمين؟ إنني متمسك بالحماية البريطانية، ولن أقبل من الدولة العثمانية شيئا. وحينما سمع رجب النقيب مقالة الشيخ مبارك علم أن نصيحته لا فائدة منها فسكت وعاد إلى البصرة (10 نوفمبر 1901). ورد تلغراف من الباب العالي إلى والي البصرة ليطلب من الشيخ مبارك أن يحضر إلى اسطنبول لتعيينه عضوا في مجلس (الدولة)، وأنه بناء على ذلك ينبغي أن يترك الكويت ويسكن في اسطنبول، وإن لم ينفذ ذلك فسوف يتم إرسال جيش عن طريق البر والبحر ويتم إخراجه بالقوة. وقد بعث عبدالعزيز سالم البدر صورة هذا التلغراف (التيل) إلى الشيخ مبارك الذي بادر فورا بإخبار قبطان المركب البريطاني (ريت بريس) الموجود في المياه الكويتية، وبعد ساعات وصلت السفينة سفنكس حيث ذهب إليها الشيخ جابر وأخبر قائدها بطلبات الدولة العثمانية من الشيخ مبارك وأنه في 2 ديسمبر 1901 سوف يأتي إلى الكويت السيد رجب النقيب بنفسه ومعه تلغراف الباب العالي. وطلب الشيخ جابر عن أمر أبيه ردا محددا من بريطانيا، وهو التفعيل الفوري لاتفاقية الحماية المعقودة بين بريطانيا والكويت في يناير 1899 أما إذا أرادت بريطانيا أن تتخلى عنا في هذا الوقت فإننا نريد معرفة ذلك لكي نتصرف مع دولة الترك (1901/12/1). في 5 ديسمبر 1901 وصل خطاب رسمي من المقيم السياسي في بوشهر إلى الشيخ مبارك يؤكد فيه حقه في الحماية البريطانية، وقد سر الشيخ مبارك كثيرا لما جاء فيه، وفي اليوم الثاني جمع جميع تجار البلد في مجلسه وقرأ عليهم ما جاء في الخطاب المذكور، وأن الكويت قد أصبحت تحت الحماية البريطانية، فقالوا جميعا إننا في طاعتك ولا نخالف ما تقول وقاموا مسرورين من عنده. ومنذ مغادرة رجب النقيب ومعه أخو الوالي الكويت في مركب (زحاف) لم تصلنا أي أخبار جديدة (1901/12/15). |
خيام في بوبيان
في 14 فبراير 1902 أقام الترك خمس خيام لعساكرهم في جزيرة بوبيان وقد تم إبلاغ الإنكليز بذلك حيث أرسلوا إليهم المنور سفنكس الذي أبحر إلى بوبيان في 15 من الشهر المذكور ليستكشف هذا الأمر وليعرف سبب إقامتهم في هذا المكان الذي هو تابع للكويت، وفي الوقت نفسه أرسل الشيخ مبارك مجموعة من الخيل عن طريق البر إلى بوبيان ليستخدمها قبطان سفنكس في نزوله وركوبه (16 فبراير 1901). - وفي 16 فبراير 1902 جاء إلى الكويت محمود بيك من البصرة ومعه 12 عسكريا تركيا، وقد وصلوا عن طريق الجهراء. وتفيد الأخبار أن الغرض من مجيئه هو أنه يحمل رسالة من الباب العالي في اسطنبول فيها شيء من الملاطفة والترغيب للدولة العثمانية. ويذكر الوكيل الإخباري أن من المعلوم أن الشيخ مبارك لن يغير موقفه من تلك الدولة ولن يتصرف دون مراجعة بريطانيا. - يتحدث التقرير المؤرخ في 20 نوفمبر 1902 عن المضايقات التي تتعرض لها أملاك الشيخ مبارك من بساتين النخيل في منطقة الفاو والمتاعب التي واجهها أتباعه من الفلاحين من قبل السلطات العثمانية، وقد تسبب ذلك في خسارة مقدارها 2000 ليرة عثمانية. ويذكر الشيخ مبارك أن ما حدث كان بتحريض من يوسف الإبراهيم، ويطلب من الحكومة البريطانية أن تقوم بواجبها لحماية مصالحه. إغفال أحداث ويلاحظ على هذه التقارير أن علي بن غلوم قد أغفل عددا من الأحداث ولعل أهمها محاولة الدولة العثمانية احتلال الكويت بعد هزيمة الشيخ مبارك في موقعة الصريف وقد بدأ ذلك بوصول رؤوف بيك، وهو مبعوث عسكري تركي إلى الكويت في 2 أبريل ،1901 بغرض التأكد من سلامة الشيخ مبارك بعد أن أشيع نبأ مقتله في موقعة الصريف. وقد أشار بونداريفسكي إلى وصول هذا المبعوث الذي حددت المصادر الروسية وقت وصوله في 31 مارس 1901 (وخبر علي بن غلوم يصحح ذلك). وقد ذكر ذلك المبعوث وهو ياور الوالي محسن باشا أنه لم يتمكن من معرفة الموقف في المدينة، لأن مباركا لم يسمح له بالبقاء فيها فعاد أدراجه. وفي الأيام الأولى من شهر أبريل 1901 وافق السلطان عبدالحميد على خطة المشير أحمد فوزي باشا التي تهدف إلى استغلال ضعف مبارك ووجود قوات ابن رشيد على مقربة من حدود الكويت من أجل توجيه ضربة حاسمة إلى الكويت تقوم بها وحدات الفوج السادس، وفي نهاية أبريل كان قد احتشد في البصرة 2300 جندي من القوات التركية النظامية، ونقلت عشرات المدافع الراجمة الحديثة من الآستانة إلى البصرة عبر البحر، كما وصل اللواء محمد باشا الداغستاني إلى البصرة، وهو الذي أنيط به القيام بمهمة احتلال الكويت. إن هذه الأحداث رغم قربها من الكويت وسهولة التعرف على ما يجري في داخل البصرة من قبل أعوان مبارك وعيونه هناك لكننا لا نجد لها انعكاسا في رسائل علي بن غلوم الذي اجتاز هذه الأحداث ليتكلم عن رغبة مشير بغداد ووالي البصرة محسن باشا بزيارة الكويت (بناء على أمر من الباب العالي) غير أن المرض المنتشر في البصرة يمنعهم من ذلك (5 مايو 1901)، ثم تحدث علي بن غلوم عن وصول محسن باشا والي البصرة إلى الكويت في 18 مايو 1901 حيث استقبله الشيخ جابر بن مبارك في الجهراء ومعه أربعمائة فارس، في تظاهرة واضحة لبيان مكانة الشيخ مبارك وقوته. وقد أقام محسن باشا في ضيافة الشيخ مبارك يومين وفي اليوم الثالث غادر الكويت إلى البصرة بعد أن قوبلت بالرفض جميع العروض التي عرضها على الشيخ مبارك ومن بينها صدور فرمان بمنصب للشيخ مبارك من الباب العالي، وترتيب تعيين حامية عثمانية في الكويت، حيث بين له الشيخ مبارك بوضوح أننا لسنا في حاجة إلى عساكركم ولا إلى فرمانكم. وأوضح أن الكويت ترغب في التحالف مع بريطانيا لأنها لم تر من الدولة العثمانية سوى الأذى والمشقة، وأشار إلى الحشود التي حشدتها الدولة العثمانية لغزو الكويت برا وبحرا. وقد تتابعت بعد ذلك رسائل علي بن غلوم تبين ردود الفعل العثمانية، كان أولها استمالة الدولة العثمانية للشيخ سعدون أمير المنتفك وصديق الشيخ مبارك من أجل تحييده فيما سيحدث مستقبلا، ثم ورود تلغراف من الباب العالي إلى والي البصرة ليطلب من الشيخ مبارك الحضور إلى اسطنبول لتعيينه عضوا في مجلس الدولة، وأنه إذا لم ينفذ لك سوف يتم إخراجه بالقوة من الكويت، وكان رد فعل الشيخ مبارك هو الطلب من بريطانيا بالتفعيل الفوري لاتفاقية الحماية. وفي 14 فبراير 1902 تذكر رسائل علي بن غلوم نزول الجيش التركي في جزيرة بوبيان حيث أقيمت خمس خيام للعساكر هناك. كما بدأت السلطات العثمانية في التعرض لأملاك الشيخ مبارك في منطقة الفاو والعمل على مضايقة الفلاحين في بساتين النخيل، مما تسبب في خسائر كبيرة في موارد الشيخ مبارك المالية |
|
تدور رسائل المندوب الاخباري بالكويت - في معظمها- حول علاقة الشيخ مبارك بعبدالعزيز ابن رشيد امير حائل. ومن خلالها تكشف الرسائل تلك الصلة القوية التي تربط الشيخ مبارك بآل سعود، كما تكشف عن تفصيلات دقيقة حول بداية تحركهم من الكويت لاستعادة ملكهم في نجد وما قدمه الشيخ مبارك من دعم ومساندة في هذا السبيل، وكذلك عن علاقة الشيخ مبارك بالشيخ سعدون باشا امير المنتفق. وتقدم الرسائل المذكورة مجموعة من الحقائق والوقائع التي سجلت في يوم حدوثها او من خلال شهود عيان اخبروا بها المندوب المذكور، ويمكن ان يكون كل ذلك اساسا لعدد من الدراسات التحليلية المعنية بتاريخ شبه الجزيرة العربية في اوائل القرن العشرين.
ويعود توتر العلاقات بين الكويت وحائل الى عام 1897 نتيجة لاتصالات يوسف الابراهيم مع امير حائل محمد بن عبدالله آل رشيد يدعوه فيها لنصرته ضد الشيخ مبارك. وقد وجد يوسف الابراهيم استجابة من الامير محمد الا ان وفاة الاخير في ذلك العام حالت دون ذهابه اليه، وثمة عامل آخر في توتر العلاقات مبعثه لجوء عبدالرحمن بن فيصل آل سعود واسرته الى الكويت بعد استيلاء آل رشيد على الرياض، ويضاف الى ذلك طمع آل رشيد في الكويت، ذلك الميناء التجاري المزدهر، الذي يعتبر سوق الصحراء ومصدر الاغذية والاسلحة. كما كان لتشجيع الدولة العثمانية بن رشيد اثره ايضا في تازيم العلاقات، وبخاصة في تلك الفترات التي تسوء فيها علاقة الشيخ مبارك بالدولة العثمانية. متى بدأ الصراع؟ ولا يعرف على وجه التحديد متى بدأ الصراع بين الشيخ مبارك وابن رشيد، غير ان رسائل المندوب الاخباري علي بن غلوم تشير الى ان بداية ذلك كانت عبارة عن مجموعة من المواجهات بين عبدالعزيز ابن رشيد وحليف الشيخ مبارك في تلك الآونة الشيخ سعدون باشا المنصور رئيس قبائل المنتفق التي كانت تبسط نفوذها على قسم كبير من جنوب العراق. وتبين الرسائل المؤرخة في شهري اكتوبر ونوفمبر من عام 1899 اشتداد الصراع بين الشيخ سعدون وعبدالعزيز ابن رشيد، وتذكر الرسالة المؤرخة في 25 نوفمبر من ذلك العام ان الشيخ سعدون قد وصل الى اطراف حائل وقام بمحاصرة عربان ابن رشيد وجرى قتال عنيف بينهما، وفي الرسالة التالية المؤرخة في 27 نوفمبر 1899 يذكر علي بن غلوم ان هناك اتفاقا سريا بين الشيخ مبارك والشيخ سعدون للعمل معا ضد ابن رشيد، وان الشيخ مبارك ارسل الف رجل من عربانه لمساعدة الشيخ سعدون، وان الانتصارات اليومية للشيخ سعدون سببها دعم الشيخ مبارك له، حيث يوافى بالبشرى بعد كل انتصار. وهذا الدعم غير المباشر لسعدون ضد ابن رشيد لم يخف على كثير من المراقبين ولا على ابن رشيد نفسه، ومع ذلك فقد كان التواصل موجودا بين الشيخ مبارك وعبدالعزيز بن رشيد ففي العاشر من نوفمبر 1899 وصل مبعوث من عبدالعزيز ابن رشيد الى الشيخ مبارك يطلب اليه ان يبعث اليه بطبيب لعلاجه، وقد اعتذر الاخير بعدم وجود طبيب حاذق ليبعثه اليه. وبغض النظر عن مدى صحة هذه الرواية التي بعث بها علي بن غلوم في 12 نوفمبر الى المقيم السياسي البريطاني فان الامر لا يخلو من اتصال حول موضوع ما بين الطرفين. وابتداء من شهر مارس 1900 بدأت الامور تتعقد بشكل مباشر بين الشيخ مبارك وابن رشيد. ففي 17 مارس 1900 لجأ الى الكويت اثنان من ابناء حسن المهنا وثلاثة من ابناء عمهم، وهم من امراء عنيزة، بعد ان هربوا من سجن عبدالعزيز بن رشيد وقد دخلوا في حماية الشيخ مبارك. ومع ان علي بن غلوم قد ذكر ان عبدالعزيز بن رشيد لم يكن على علم بوصولهم الى الكويت الا ان ذلك لم يكن خافيا عليه الى الابد. وفي 28 ابريل 1900 جاء رجل من حائل الى الشيخ مبارك الصباح واخبره ان يوسف بن ابراهيم وصل الى حائل وهو مقيم عند عبدالعزيز بن رشيد. وفي اواخر شهر يوليو 1900 وصل الى الكويت كل من احمد النقيب وعبدالعزيز بن سالم البدر وكيل الشيخ مبارك في البصرة. وكان السبب في مجيئهما انه مع وصول حجاج الكويت اخبروا الشيخ مبارك ان يوسف بن ابراهيم ومعه اولاد الشيخ محمد قد لجأوا الى الامير عبدالعزيز بن رشيد لينصرهم عليك، وان ابن رشيد قد كتب الى الباب العالي رسالة ومعها عشرة رؤوس من الخيل وارسلها مع رجاله على طريق جدة، وقد ضمن الرسالة طلبه من الباب العالي ان يأخذ بحق اولاد محمد بن صباح من الشيخ مبارك او يعطي الموافقة ليقوم هو بهذا الامر. وحين وصول هذا الخبر الى الشيخ مبارك ابرق الى الباب العالي مبينا مغبة وجود يوسف الابراهيم عند ابن رشيد وما سيسببه ذلك من مشكلات، وقد وصلت برقية الشيخ مبارك قبل وصول رسالة ابن رشيد وهداياه الى الباب العالي، الذي ابرق الى السيد احمد النقيب، طالبا منه فور وصول التلغراف الذهاب الى الكويت عند الشيخ مبارك الصباح وكتابة رسالة نيابة عن الباب العالي الى الامير عبدالعزيز بن رشيد بانه حين وصول كتابنا اليك ينبغي ان تخرج يوسف بن ابراهيم ومن معه من عندك، واذا الجاهم احد عنده فان عقوبة الله عليه. وينص الوكيل الاخباري على ان الامر الاهم في اثارة العداوة بين الطرفين هو تحرك عبدالرحمن الفيصل من الكويت في 18 اغسطس عام 1900 قاصدا نجد بعد ان جاءته رسائل من جماعته المقيمين في نجد تطلب اليه العودة وانهم سيحمونه من آل رشيد. ويذكر الوكيل الاخباري ان تشجيع مبارك ودعمه الكبير لعبدالرحمن الفيصل قد جعل العداوة بين مبارك وآل رشيد ظاهرة بعد ان كانت باطنة. وتتابعت تقارير الوكيل الاخباري عن انتصارات عبدالرحمن الفيصل وطلب الاخير المدد من الشيخ مبارك. وفي 23 سبتمبر 1900 وصلت الى الشيخ مبارك رسالة من الامير عبدالعزيز بن رشيد يقول فيها اننا علمنا بخروج عبدالرحمن الفيصل من الكويت بعسكره واخذه اهل البادية من جماعتنا، وكان هذا بتدبيرك، وسوف اسير اليه فورا بعسكري، وبعد ذلك ستعلم ماذا سيكون بيننا وبينكم. وكانت هذه الرسالة بمثابة اعلان حرب على الكويت. فحينما اطلع الشيخ مبارك على رسالة ابن رشيد امر فورا بالاستعداد وتجميع الجيش، حيث احتشد له عسكر كثير من حاضرة الكويت ومن اهل البادية. وفي 28 اكتوبر 1900 وصل عبدالعزيز بن رشيد مع جيشه الى منطقة الخميسية في العراق، مفضلا ان يكون صدامه الاول مع سعدون ليحمي خطوط مواصلات مراكز تموينه في العراق بعد ان ساءت العلاقات بين الكويت وحائل. وقد اشتبك ابن رشيد مع جيش سعدون على مدى يومين، وكان القتلى من الطرفين، وفي اليوم الثالث سار ابن رشيد بعسكره قاصدا بلد السماوة يريد الاكتيال لعسكره. ثم سارت الامور على النحو التالي وفقا لتقارير علي بن غلوم: - في 30 اكتوبر 1900 ارسل الشيخ سعدون رسولا الى الشيخ مبارك بما جرى بينه وبين ابن رشيد. وحالما وصلت الرسالة تحرك الشيخ مبارك بعسكره من الجهرة في 2 من نوفمبر قاصدا الشيخ سعدون. وفي 10 من نوفمبر وصل بعسكره اليه، وفي 12 نوفمبر سار الاثنان بعسكريهما قاصدين محاربة ابن رشيد عند السماوة. - في 14 من نوفمبر جاء تلغراف من الباب العالي الى والي البصرة يطلب الصلح ما بين مبارك وابن رشيد وان يتوقفا عن محاربة احدهما الآخر، فكتب الوالي كتابا الى الشيخ مبارك وهو في مكانه في الصحراء (البر) مع عسكره يطلب منه ضرورة لقائه في الزبير هو وسيد احمد النقيب وبعض الاشخاص وبين له ان المقصود هو ان يتم الصلح بينه وبين ابن رشيد بموجب تلغراف من الباب العالي. ولما وصل الكتاب الى الشيخ مبارك لم يعره اي اهتمام، بل حرك عسكره فورا هو والشيخ سعدون وحمود الصباح قاصدين ابن رشيد في السماوة لحربه ولمنعه من الاكتيال. وفي 16 من شهر نوفمبر مشى جميع عسكر الشيخ مبارك قاصدين ابن رشيد. وكتب الشيخ مبارك الى الوالي بانني لن اقابلكم في الزبير بل اريد لقاءكم في سفوان بين الزبير والجهرة. وبقي الشيخ مبارك مع بعض عسكره مقابل بلد الخميسية يمنع الطريق لكي لا يرسل احد علفا الى ابن رشيد، ولكي يكشف اخبار الوالي. |
في الزبير والبصرة
- وكان عدد عسكر الشيخ مبارك الصباح نحو خمسة عشر الف خيال ونحو اربعين الف ركايب ذلول (جمال). وعسكر الشيخ سعدون نحو خمسة آلاف خيال ونحو عشرين الف ركايب ذلول. اما عسكر عبدالعزيز بن رشيد فيقدر بالفي خيال ونحو عشرة آلاف ركايب ذلول، وهذا كل ما عنده من العسكر، والسبب ان اكثر عسكر ابن رشيد من البادية خانوه ولم يغزوا معه. - في 20 نوفمبر وصل خطاب من الشيخ مبارك الى ولده الشيخ جابر مضمونه ان الوالي وسيد احمد النقيب وبعض اعيان البصرة جاؤوا جميعا الى مكان يقال له الرافضية قرب الزبير بنحو ساعتين، وقد ارسلوا علينا لنحضر عندهم، وقد اجبناهم وذهبنا اليهم في الرافضية، فقال لي الوالي ان ابن رشيد قدم شكوى الى الباب العالي يرجو فيها منع الشيخ مبارك عنا، وذكر الوالي انه قد وصله تلغراف (تيل) من الباب العالي لكي نصلح بينكما. فقال الشيخ مبارك ان محاربة ابن رشيد ليست من شاني وانا الآن موجود بينكم، فالذين يقصدون حربه هم عبدالرحمن بن فيصل الذي يطالب بملك ابيه والثاني الشيخ سعدون. قال الوالي: صدقت فيما قلت، ونرجو من جنابكم تشرفنا بالحضور الى البصرة وتبعث بنفسك بتلغراف الى الباب العالي يتضمن قولك هذا. وقد وافق الشيخ مبارك على ذلك ومشى الجميع اولا الى الزبير حيث اقاموا فيها يوما مع الوالي. وقد حضر جميع اكابر الزبير الى الشيخ مبارك وقبلوا يده، ثم مشى الجميع الى البصرة، حيث قام الشيخ مبارك بنفسه بارسال التلغراف الى الباب العالي بموجب ما تم الاتفاق عليه. وقد جاء رد من الباب العالي الى الوالي بان يتم اكرام الشيخ مبارك غاية الاكرام وان يمنح اربعة نياشين (اوسمة)، وامر الوالي عسكر الحكومة (العثمانية) ان يعزفوا موسيقى خلال اليومين اللذين قضاهما مبارك في البصرة. وبخصوص عسكر الشيخ مبارك، فقد ساروا مع حمود الصباح وولده سالم وولد اخيه خليفة وولد اخيه صباح بن حمود وجابر بن فاضل وعبدالرحمن بن فيصل والشيخ سعدون، كلهم قاصدين حرب ابن رشيد، وهم غير مبالين برغبات الدولة العثمانية. في السماوة - وفي 22 نوفمبر جاء كتاب من حمود الصباح الى اخيه مبارك الصباح في الجهرة قبل وصوله الى الكويت ومضمون الكتاب انهم قد وصلوا الى قريب السماوة، ولم يروا اثرا لابن رشيد في المكان الذي ينزل فيه، وانه انهزم قاصدا بلاده، واننا ننتظر امركم. فكتب اليه الشيخ مبارك انه حينما يصلك كتابي تحرك بعسكرك نحو ابن رشيد وعربانه انت والشيخ سعدون وعبدالرحمن بن فيصل من الضروري متابعته، وسوف اسير اليكم بعد عشرة ايام. - وفي 24 نوفمبر وصل الشيخ مبارك الى مدينة الكويت ومعه خمسون خيالا، وحينما دخل البلد لم يكن عليه خلعة الباب العالي ولا الاوسمة، وليس عليه سوى لباسه المعتاد. - في 21 فبراير 1901 استكمل الشيخ مبارك جمع عشائره ثم سار ومعه عبدالرحمن بن فيصل وخيم على مسافة يوم من نجد (القصيم)، وفي اليوم الثاني جاء اكابر اهل عنيزة واكابر اهل القصيم الى الشيخ مبارك وبايعوه وسلموا الامر اليه من غير دعوى، وقد اكرمهم الشيخ مبارك غاية الاكرام. ولم يبق عاصيا من بلدان نجد سوى بلد الرياض الذي هو عين نجد، فمازال رجال ابن رشيد محافظين عليه. وعزم مبارك الصباح المسير الى هناك، واذا فتح الشيخ مبارك بلد الرياض يكون قد فتح بلدان نجد جميعا، ويقدر العسكر الذين مع الشيخ مبارك بنحو سبعين الفا. - في 17 فبراير وصل الشيخ سعدون الى الشيخ مبارك ومعه عشائره التي تقدر بنحو عشرة آلاف شخص. والى هذا الوقت لم يعرف مكان عبدالعزيز بن رشيد فمرة يقولون انه في العيينة ومرة اخرى انه فيما بين مشهد علي والسماوة يكتال اعلافا لعساكره. - في 30 يناير 1900 كتب عبدالعزيز بن رشيد رسالة الى ابن ثاني حاكم قطر يطلب منه المجيء للمساعدة على حرب الشيخ مبارك وقد تم القبض على الاشخاص الثلاثة الذين كانوا يحملون الرسالة المذكورة الى ابن ثاني واحضروهم الى الشيخ مبارك حيث اخذ الرسالة منهم وقراها واطلع على احوال ابن رشيد وافعاله. وقد امر بحبس رجال ابن رشيد ثم ارسلهم بعد ذلك الى ولده الشيخ جابر في الكويت مع الرسالة المكتوبة الى ابن ثاني. - بخصوص الكويت ونواحيها يبذل الشيخ جابر جهدا كبيرا في المحافظة على البلد، ففي كل ليلة يطوف بنواحي البلد نحو اربعة آلاف نفر مسلحين احتياطا من الاعداء. - في 18 فبراير 1900 جاء خبر من الشيخ مبارك الى ولده الشيخ جابر بان اولاد حمود الذين هم اولاد عم عبدالعزيز بن رشيد اتوا الينا يلتمسون الصلح ويعتذرون الينا من افعال عبدالعزيز بن رشيد، وانهم مختلفون معه، وانهم غير راضين عن عمله، ولهذا فنحن نخلعه من الامارة وجئنا اليكم وتحت طاعتكم في كل ما تقول، فانت اليوم اميرنا، ونرفض عبدالعزيز ابن رشيد الذي لا يسمع النصيحة ولا يرجع لنا في مشورة، بخاصة واننا اولاد عمه، وكانت المشيخة (الامارة) لنا بعد محمد بن رشيد لكننا من تلقاء انفسنا سامحنا. وليس مقبولا للرئاسة ذلك الذي يريد ان يثير الفتنة بيننا وبينكم وما يتبع ذلك من قاتل ومقتول. ونحن اليوم في طاعتك فانت بمثابة الاب لنا ولا نعترف بعبدالعزيز بن رشيد. وقد قبل منهم الشيخ مبارك عذرهم واكرمهم. - في 22 فبراير 1901 وصل الكويت عبدالعزيز سالم البدر، وكيل الشيخ مبارك الصباح في البصرة ومعه صورة تلغراف من الباب العالي يطلب من الشيخ مبارك ان يصطلح مع عبدالعزيز بن رشيد، فقال له الشيخ جابر المبارك لقد فات اوان الصلح الآن، وقد عاد الى البصرة في 4 من شهر مارس 1901. - في 24 فبراير ، جاء كتاب من الشيخ مبارك الى ولده الشيخ جابر ذكر فيه ان بلدان نجد جميعها قد اجابتنا من غير حرب، وقد اصبح عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل حاكما على بلد الرياض، وباقي البلاد رتبنا فيها رجالا من طرفنا حكاما عليها. اما بالنسبة لي فانا الآن مخيم مقابل بلد القصيم في انتظار وصول الشيخ سعدون، فبعد وصوله سنسير الى بلد حائل نقتفي اثر عبدالعزيز بن رشيد. وقد عرفنا الآن اين مقره، فهو بعيد عن بلد حائل مسافة ثلاثة ايام ونفسه نافرة عنا (اي لا يريد المناجزة) فما بقي له من العرب (العشائر) سوى شمر الذين هم عشائره لاغير. وان شاء الله عن قريب سنتصرف ببلد حائل ونكفيكم شره. ومن طرف اولاد حمود (اولاد عم عبدالعزيز بن رشيد) الذين جاؤوا الينا وطلبوا الصلح منا لم نجبهم الى ذلك والسبب انهم لم يوافقوا على الشروط التي نريدها منهم، ولا عاتبناهم بشيء الى الآن. ولولا الوعد الذي واعدناه الشيخ سعدون وهو ان ياتينا عند القصيم لسرت بنفسي مع عسكري الى بلد حائل. وكان اتفاقنا معه ان يصل في 2 من شهر ذي القعدة، وفي اليوم الثاني من وصوله سوف نتحرك نحو بلد حائل وعلى عبدالعزيز بن رشيد. ومن فضل الله ليس عندنا قصور في شيء لا من العسكر ولا من الربيع وهذا من كرم الله علينا، وقد تصرفنا في بلدان نجد دون حرب ومقاتلة تماما. وان شاء الله عن قريب نبشركم في الاستيلاء على حائل والتخلص من عبدالعزيز بن رشيد. (1901/2/26). - في 8 مارس وصل الشيخ سعدون بكامل عسكره الى نجد عند الشيخ مبارك. وفي 10 مارس تحرك الشيخ مبارك والشيخ سعدون والشيخ عبدالرحمن بن فيصل مع جميع العشائر قاصدين عبدالعزيز بن رشيد، الذي يخيم بعسكره على مسافة يوم من حائل. وكانوا موقنين من النصر لانه ليس مع ابن رشيد من العشائر سوى عرب شمر، واكثر العشائر مع الشيخ مبارك، ويقدرون بسبعين الفا جميعهم في حمايته. وكان قصد الشيخ مبارك ان يزيل حكم ابن رشيد في هذه النواحي ولا يبقي فيها بيرق سوى بيرق الشيخ مبارك. - وفي هذه السنة امتنع حجاج البصرة والزبير من الحج نتيجة هذه الاحداث، ولان ابن رشيد لم تكن له قدرة على حمايتهم، وجميع الحجاج سافروا عن طريق البحر. |
|
في يوم 17 مارس 1901(1) التقى كل من عبدالعزيز ابن رشيد والشيخ مبارك، ونشبت الحرب بينهما بعد مضي خمس ساعات من النهار في منطقة بين حائل وبريدة، واستمرت الحرب إلى ما قبل الغروب بنصف ساعة، وفي أثناء القتال خانت الشيخ مبارك عشائر عتيبة ومرة وبني هاجر، وساعدوا ابن رشيد، وكذلك أهل نجد خانوه ولم يبق معه إلا أهل الكويت وبعض العشائر. واشتدت الحرب بينهم، وصار قتال شديد بين الطرفين إلى أن دخل الليل على شدة الحرب، ثم تفرق الجيشان دون نظام لا يعلم أحد أين صاحبه. وحينما أصبح الصباح وجد الشيخ مبارك نفسه بمفرده ليس معه سوى أربعة أشخاص(2)، ولا يعلم أين تفرق جماعته، فلما رأى هذا الأمر غادر مكانه قاصدا الكويت خوفا على نفسه.
- وفي 13 مارس 1901 وصل الشيخ مبارك الكويت مع أربعة من رجاله وقد دخل البلد وهو مكسور الخاطر ولا يعلم عن جماعته مقتولين أم سالمين، وجميع أهل الكويت مغمومين الآن لهذا الأمر العجيب. (1 /4/ 1901) - في3 أبريل /1901 ( 13 من ذي الحجة)(1) وصل إلى الكويت الشيخ سعدون مع أبنائه وأبناء أخيه في مائة شخص من جماعته ونحو مائتي شخص من جماعة الشيخ مبارك سالمين. وقبل وصولهم البلد بمسافة ساعتين أمر الشيخ مبارك نحو أربعة آلاف نفر مسلحين من رعاياه لاستقبال الشيخ سعدون ويعرضون (يرقصون العرضة)، أمامه إلى أن دخل البلد، وعند دخوله البلد استقبله الشيخ مبارك مع نحو سبعة آلاف شخص تلقوه يعرضون أمامه. وبعد الشيخ سعدون جاء خبر من سلطان الدويش بأنني مقبل عليكم (على الكويت) ومعي نحو ثلاثمائة نفر من رعاياكم. وكذلك في كل يوم يجيء نحو عشرة أشخاص أو عشرين شخصا من أهل البلد متفرقين سالمين.(4 /4/ 1901). قتل في الصريف الشيخ حمود الصباح والشيخ خليفة بن عبدالله الصباح وصباح ولد حمود الصباح وجابر الفاضل ومحمد بن سالم الجراح وسلمان بن حمود السلمان ولم يعرف عدد من قتل من أهل الكويت، ففي كل يوم تتوافد فلول الجيش حيث يصل الكويت عشرة أنفار أو خمسة أو أقل من ذلك. (6، /4/8 1901). سرت إشاعة مضمونها أن عبدالعزيز ابن رشيد(1)، قد قتل في الحرب، وتم تنصيب ماجد بن حمود، وقيل طلال ابن عمه أميرا على حائل. وذكرت الأخبار أيضا أن أربعة من أبناء عم عبدالعزيز ابن رشيد واثنان من أبناء سبهان قد قتلوا في الحرب إضافة إلى نحو ثمانين شخصا من غلمانه ورجاله، هؤلاء هم المعروفون غير عسكره (1، 6، /4/8 1900). شهود عيان وقد أورد الوكيل الإخباري علي بن غلوم تقريرين لشهود عيان عن معركة الصريف أثبتناهما في مكانهما من رسائل الوكيل المذكور، ويقدم التقريران صورة دقيقة للمعركة، وأن الفريقين قد فقدا الشيء الكثير، ويعزو التقرير الثاني سبب هزيمة جيش مبارك إلى أن عمل أهل الكويت لم يكن منظما وقد أخذهم الزهو بقوتهم وكثرتهم ولم يحسبوا بدقة حسابات الحرب، ومن بينها خيانة بعض القبائل وجانب من أهل نجد الذين خرجوا مع الشيخ مبارك، ويؤكد التقرير أن حضر أهل الكويت هم الذين صمدوا في الحرب إلى الليل وحينما عادوا إلى مخيمهم وجدوه منهوبا. ما بعد الصريف ذكرنا أن الرسالة التي كتبها الوكيل الإخباري في الكويت بتاريخ 4 أبريل 1901 تفيد أن الشيخ مبارك أمر نحو أربعة آلاف شخص مسلحين من رعاياه أن يستقبلوا الشيخ سعدون ومن معه قبل وصولهم البلد بمسافة ساعتين، وعند دخوله البلد استقبله الشيخ مبارك مع نحو سبعة آلاف شخص تلقوه يعرضون أمامه. وقد أراد الشيخ مبارك الصباح من خلال هذه التظاهرة رفع الروح المعنوية لشعبه، وليبين أمام الآخرين أن قدراته القتالية وعزيمته لم تنكسر نتيجة هزيمة الصريف. ولابد أن الشيخ مبارك كان ينوي الأخذ بالثأر من ابن رشيد لكن نصائح المقيم السياسي البريطاني في الخليج فرضت عليه عدم القيام بشيء من ذلك، وأن يقتصر عمله على حماية حدوده. ويؤكد ذلك أن ابن رشيد حينما غافل عشائر مبارك ليلا في 22 ديسمبر 1902 ووصل إلى مسافة قريبة من الجهراء، ونهب نحو سبعين منزلا من منازل العشائر التابعة للكويت طلب الشيخ مبارك من المقيم السياسي تعويضا عن تلك الأعمال، وذكر أن مسؤولية ذلك الأمر تقع على عاتق الحكومة البريطانية التي طلبت مني ألا أتجاوز حدودي، ولو لم أحافظ على عهودي مع الحكومة البريطانية لقمت بمطاردة ابن رشيد داخل الصحراء واستعدت ما نهبه من عشائري وحافظت على حقوقهم. وتبين الوثيقة رقم 16 جانبا من مراسلات الشيخ مبارك مع المقيم السياسي بهذا الشأن. وبناء على ما تقدم قام الشيخ مبارك الصباح -بالتنسيق مع كل من الشيخ سعدون والأمير عبدالرحمن الفيصل- بفرض حصار على حائل لمنع وصول الأغذية والسلاح إليها. فبعد أن غادر الشيخ سعدون الكويت إلى العراق انتشرت عشائره في المنطقة الممتدة من الخميسية إلى مشهد قاطعين الطريق على عشائر عبدالعزيز ابن رشيد وقوافل تجارتهم. أما عشائر الشيخ مبارك وأتباع آل سعود فقد انتشروا ما بين الكويت والأحساء لمنع عشائر ابن رشيد من الوصول إلى هناك. وأصبح تجار البصرة والزبير لا يستطيعون المتاجرة مع الكويت خوفا من الشيخ مبارك والشيخ سعدون اللذين قطعا الطريق عليهم. وتواترت رسائل الوكيل الإخباري حول هذا الحصار، والانتصارات التي حققها كل من الشيخ سعدون وآل سعود على عشائر ابن رشيد وقوافله. وكان أكثر من تضرر من هذا الحصار بلاد نجد الذين منعهم ابن رشيد من المسابلة (المتاجرة) مع الكويت والزبير التي كان موقفها في مناصرة يوسف بن إبراهيم وعبدالعزيز ابن رشيد سببا في محاصرتها وقطع المتاجرة معها. ففي 5 من شهر يوليو 1901 جاءت رسائل من أكابر أهل نجد إلى الشيخ مبارك تفيد أنه بعد حربكم لابن رشيد أرسل عماله علينا وأخذ من التجار نقودا كثيرة، كل شخص أربعة آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال أو خمسة آلاف ريال. ولم يكتف بذلك بل إنه سوف يأخذ وقت ثمرة التمر نصف المال. ونحن الآن في حال قحط ينقصنا الأرز والقمح والسكر والقهوة وجميع الحاجات، ولا يوجد لنا حل إلا مسابلة الكويت التي منعها ابن رشيد. وليس لنا طريق إلا أن نحاربه على فعله فينا، وقد كتب إليهم الشيخ مبارك بأنني لن أغفل عن مساعدتكم بما يطيب خاطركم. وأننا سنرسل إليكم أولاد عبدالرحمن بن فيصل مع بيرق لمساعدتكم. وفي 16 من شهر يوليو وفد إلى الكويت عن طريق البر العصيمي بن محمد العصيمي، صديق الشيخ مبارك، وهو تاجر يقطن الزبير، وقد أسكنه الشيخ مبارك في منزله وأكرمه غاية الإكرام، وكان مع العصيمي ثلاثة أشخاص من أهل الزبير واثنان من رجاله. وفي اليوم الثاني من وصوله انفرد بالشيخ مبارك وتكلم معه بخصوص أهل الزبير، وطلب من الشيخ مبارك أن يعفو عنهم إكراما له حتى يسابلوا إلى الكويت (يتاجرون معها) (في وجه الله ثم في وجهكم). فقال له الشيخ مبارك في الحقيقة إنني لم أفعل إلا المعروف على أهل الزبير، لكنهم عاقبوني وعاندوا على غير تقصير وظلموا أنفسهم، وهم في حاجة إلينا، بينما نحن لا حاجة لنا عندهم، ومع ذلك كرامة لكم يصير خير. ولم يعط الشيخ مبارك جوابا صريحا. ثم سارت الوقائع بين الحلف الذي كان يقوده الشيخ مبارك الصباح وبين آل رشيد على النحو التالي: - في 3 من شهر سبتمبر وصل بشير من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى الشيخ مبارك بأنهم قد أخذوا من عشائر ابن رشيد أموالا كثيرة إضافة إلى الجمال والغنم، وقتلوا منهم نحو مائتين، وذكر أنهم مقيمون الآن في أطراف نجد، وأنهم سينالون من عشائر ابن رشيد. وقد خلع الشيخ مبارك خلعتين على البشير وسر غاية السرور للفتح الذي ناله عبدالعزيز بن عبدالرحمن (آل سعود). (/9/3 1900). - عبدالعزيز ابن رشيد في "الحفر" وهو مكان يبعد عن الكويت مسافة أربعة أيام. وقد أرسل ابن رشيد مائة جمل إلى السماوة ليحضروا له علفا لدوابه وطعاما لعسكره وإلى الآن لم يعودوا إليه. والشيخ مبارك متنبه لحركات ابن رشيد، وجميع عشائر مبارك مجتمعون على حدوده على موارد المياه، وعند أي اعتداء من ابن رشيد فسوف يرد عليه ويحاربه والشيخ مبارك سيرسل عساكره من البلد إلى عشائره ليساعدهم عند أي طارئ. (/10/12 1901). |
في 16 من شهر أكتوبر جاء بشير إلى جناب الشيخ مبارك الصباح من قبل عبدالعزيز بن عبدالرحمن (آل سعود) وأخبره أنهم استولوا على أموال اثنتي عشرة عشيرة من عشائر ابن رشيد، وقد تمت مهاجمتهم في نواحي نجد بالقرب من بلدة المجمعة. وقد سر الشيخ مبارك لما وصله هذا الخبر لأن قوة ابن رشيد معتمدة على هذه القبائل التي انتصر عليها عبدالعزيز بن عبدالرحمن (آل سعود) وأن ابن رشيد حينما يسمع بهذا الخبر سيغتم كثيرا لهذا الأمر الذي جرى لعشائره (/10/18 1901).
أرسل الشيخ مبارك جميع عساكره إلى عشائره على حدوده حتى يرعوا جمالهم وأغنامهم، لأن عشائره هناك بدون بيرق (علم) أي حماية رسمية، والشيخ مبارك ليس غافلا عن تحرشات ابن رشيد، ولهذا فهو يسعى دائما لحفظ حدوده وحماية عشائره وفق الأصول. علما بأن ابن رشيد لم تعد له القدرة على الوصول إلى حدود الشيخ مبارك، وإذا ما فعلها وحضر فسوف يحارب (/10/18 1901). بخصوص ابن رشيد فهو مقيم هذه المدة في الحفر، وقد أرسل رجاله إلى البصرة لإحضار علف لدوابه وليجلبوا طعاما لعساكره فبلاده خالية من الطعام. وقد اكتال رجاله من البصرة في 17 من شهر رجب وخرجوا قاصدين ابن رشيد، وقد وصلت تلك القافلة إليه في يوم 3 نوفمبر، وفي اليوم التالي غادر الحفر لمسافة يومين قاصدا بلاده على التدريج. وحتى الآن لم يتحرش بعشائر الشيخ مبارك. وعشائر الشيخ مبارك وعساكره مقيمون على حدوده يحفظونها ولن يقوموا بأي اعتداء دون إذن المقيم السياسي. وقد خرج نحو سبعة آلاف شخص من العسكر تحت بيرق الشيخ مبارك، أرسلهم الأخير لكي تطمئن العشائر حين يقيمون على موارد الماء ويرعون أنعامهم في خير وأمان. أما عن عبدالعزيز آل سعود فقد وصل في 1 من شهر نوفمبر إلى الأحساء مع عسكره الذي يقدر بعشرة آلاف شخص من أهل نجد وعشائرها، وكان وصوله الأحساء بغرض الاكتيال منها علفا لدوابه وطعاما لعسكره. ولما وصل إلى نواحي الأحساء وخيم قريبا منها تخوف منه باشا الأحساء وأرسل إليه رسولا، يقول له إننا مع تقديرنا لك فإننا سنرسل إليك كل ما تحتاج إليه من أرز وتمر موجود عندنا. وكان عبدالعزيز ينوي بعد أن يكتال من الأحساء التوجه إلى الكويت في 20 من شهر نوفمبر ليقيم عند الشيخ مبارك ومعه الأموال الكثيرة التي أخذها من عشائر ابن رشيد إضافة إلى الخيل والغنم والجمال. (/11/6 1901). ابن رشيد غادر أرض "الحفر" مسافة يومين قاصدا بلاده، وحتى هذا التاريخ لم يحدث أي تحرش من ابن رشيد مع عشائر الشيخ مبارك. كما أن عساكر الشيخ مبارك جميعهم موجودون عند عشائره وعلى حدوده آمنين في خير وعافية (/11/10 1901). بخصوص يوسف بن إبراهيم جاء خبر إلى الشيخ مبارك يفيد أنه موجود في البصرة وأنه يجهز (يسلف) الرجال ليبعثهم إلى ابن رشيد. بعد أن غادر ابن رشيد "الحفر" نزل على "العكية" على مسافة سبعة أيام عن الكويت، وحتى الآن لم تصدر عنه حركة. ولابد من الإشارة إلى أن المشير (مشير بغداد) والوالي هما اللذين يساعدان سرا يوسف الإبراهيم وابن رشيد ضد الشيخ مبارك. (/12/151901). بخصوص الأمير عبدالرحمن بن فيصل عرفناكم أخباره عن طريق كاسكن ممثلكم بالبحرين، وأنه ينوي الذهاب إلى ولده الأمير عبدالعزيز في بلد الرياض. وقد اجتمع عنده نحو أربعمائة شخص مسلحين من جماعته كانوا مقيمين في الكويت وسوف يغادر الكويت في 30 من شهر أبريل ،1902 وعندما يصل إلى هناك فسوف يقوى ولده ويصعب أمره على ابن رشيد. (/4/19 1902). لايزال وكلاء عبدالعزيز ابن رشيد يواصلون حشد الرجال المسلحين في الزبير ويغيرون على بادية الكويت وعلى عشائرالشيخ مبارك. ومنذ يومين أغار نحو 200 مسلح على العشائر الموجودة في سفوان. (/11/201902). حدثت معركة بين ابن رشيد وابن سعود في منطقة الدلم القريبة من الخرج، فقد خيم عبدالعزيز آل رشيد عند مدخل بلدة الدلم ، وأحاطت بها قواته لمهاجمتها، فأرسل عبدالرحمن بن فيصل ابنه عبدالعزيز من الرياض في قوات تقدر بخمسة آلاف رجل حيث دخل البلدة ليلا دون علم ابن رشيد، ثم جاءته قوات رديفة قوامها ثلاثة آلاف، وفي الصباح الباكر دارت معركة عنيفة استمرت نحو ست ساعات انهزم بعدها ابن رشيد حيث طاردته قوات الأمير عبدالعزيز آل سعود لمدة ثلاثة أيام إلى أن لجأ إلى القصيم. في 20 من نوفمبر أرسل الأمير عبدالرحمن بن فيصل رسالة إلى الشيخ مبارك الصباح يبشره فيها بما تم لهم من النصر، الذي جعل الكثير من قبائل نجد تنحاز إلى الأمير عبدالعزيز بن فيصل وتتحول عن ابن رشيد. (/11/24 1901). في 8 من شهر ديسمبر قام يوسف الإبراهيم ومعه خالد بن عون شيخ الزبير ومعهما مائتا مقاتل بمهاجمة عشائر الشيخ في نواحي الجهراء، وقد تعقبهم رجال مبارك وهزموهم. قام عبدالعزيز ابن رشيد في 22 من شهر ديسمبر 1902 بمغافلة عشائر الشيخ مبارك ليلا، ودخول أراضي الكويت، وكان ذلك على مسافة ساعة من الجهراء. وقد نهب نحو سبعين منزلا، وعندما سمع بقية العشائر بذلك الهجوم هبوا لمساعدة جماعتهم، وطاردوا ابن رشيد إلى خارج الحدود. لما أخبر الشيخ مبارك بهذا الهجوم أبرق إلى الباب العالي بتعديات ابن رشيد ويوسف الإبراهيم. فصدر أمر إلى والي البصرة بأن يبعد يوسف الإبراهيم إلى دمشق أو إلى جدة للعيش هناك، وأن ينقل أولاد الشيخ محمد الصباح إلى بغداد للإقامة فيها. وقد سر الشيخ مبارك لهذه الأخبار. (/12/22 1902). في 4 من شهر يناير 1903 وصلت السفينة الحربية (المنور) البريطانية آسي، وزار قبطانها الشيخ مبارك حيث طلب منه أن يكتب قائمة بالأشياء التي نهبها ابن رشيد حتى يحملها إلى المقيم السياسي في بوشهر. وقد أوضح الشيخ مبارك للمقيم السياسي أن ابن رشيد قد أغار على حدوده ونهب العشائر التابعة له. وقال إن مسؤولية هذا الأمر تقع على عاتق الحكومة البريطانية التي طلبت مني ألا أتجاوز حدودي، ولو لم أحافظ على عهودي مع الحكومة البريطانية لقمت بمطاردة ابن رشيد داخل الصحراء واستعدت ما نهبه من عشائري وحافظت على حقوقهم. وابن رشيد الآن ضعيف فبعد قتاله مع ابن سعود هجرته جميع العشائر التي كانت معه، وحينما اقترب من الجهراء لم يكن معه سوى 700 رجل. ألقى رجال الشيخ مبارك القبض على رسول ابن رشيد الذي كان يحمل خطابا إلى يوسف بن إبراهيم وخالد العون حاكم الزبير، وقد أحضروا هذا الخطاب للشيخ مبارك الصباح الذي قرأه وأخبرني أن ابن رشيد طلب منهما (يوسف وخالد) أن يساعداه ضده (أي مبارك). (1/5 1903/). - وصول الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن (آل سعود) في 3 من شهر مارس 1903 إلى الكويت ونزوله وعسكره في منطقة عريفجان التي تبعد خمس ساعات عن الكويت. وفي 5 من الشهر اصطحب أخاه محمدا مع مائة من أتباعه لزيارة الشيخ مبارك الصباح، وقد قرر قضاء العيد في الكويت، ثم يتوجه بعده لمحاربة ابن رشيد الموجود حاليا في ضواحي القصيم. ومما يذكر أن ابن رشيد الآن في حالة من الضعف وقد هجرته قبائله. أما الأمير عبدالرحمن بن فيصل والد عبدالعزيز فقد استقر في الرياض مع قواته. وقد أصبح موقف ابن رشيد صعبا جدا. في 20 مايو 1903 وصلت إلى الشيخ مبارك أخبار من البصرة تفيد أن عبدالعزيز ابن رشيد قد وصل مع عشائره إلى السماوة. ثم توجه إلى بغداد حيث قابل الوالي التركي وطلب منه مساعدة القوات التركية العثمانية له ضد عبدالعزيز بن عبدالرحمن. وذكر أنه إذا لم يتلق هذه المساعدة فإن عبدالعزيز سيستولى على الحجاز بأكمله، بما فيه مكة والمدينة، وبعد ذلك سوف يأخذ منكم القطيف والأحساء. وتذكر الأخبار أن السلطات العثمانية قد استجابت لمطالب ابن رشيد الذي بدأ في تعبئة قواته لقتال عبدالعزيز بن فيصل (آل سعود). وقد عبر الشيخ مبارك عن استيائه لهذا الأمر، ولكنه قال إن الأتراك إذا ساعدوا ابن رشيد، فمن المؤكد أن عبدالعزيز بن فيصل سوف يطلب المساعدة من الحكومة البريطانية. * * * ومن واقع الأحداث التي سجلها الوكيل الإخباري علي بن غلوم ورسائله المتتالية إلى المقيم السياسي البريطاني يمكن استخلاص الكثير من الوقائع التي تتعلق بفترة تاريخية مهمة أعيد فيها بناء الهيكل السياسي لشبه الجزيرة العربية، وتحتوي تفصيلات تلك الرسائل التي سنقدم ملخصا عن كل منها على مجموعة من المعلومات والتواريخ التي تصحح ما جاء في كثير من كتب التاريخ المتعلقة بهذه الحقبة من الزمن. ولا نريد أن نخوض في هذا الجانب أو نقدم تحليلا للأحداث. فالهدف هو تقديم الوثيقة مجردة دون تدخل منا، ونترك ما وراء ذلك للباحثين من المؤرخين الذين ينبغي عليهم مقارنة الأحداث مع المصادر الأخرى وبيان ما تضيفه وثائق علي بن غلوم ورسائله من جديد إلى تاريخ الكويت. (1) هذا هو التاريخ المسجل في معظم المصادر التي تكلمت عن اليوم الذي وقعت فيه المعركة. وقد ذكر علي بن غلوم في رسالته المؤرخة في 1 ابريل 1901 ان المعركة حدثت يوم الثلاثاء الموافق 25 من شهر ذي القعدة، وهذا اليوم لا يوافق الثلاثاء بل السبت. وفي تقريره الذي استقاه من فلاح بن جنهم بتاريخ 7 ابريل 1901 يقول ان المعركة وقعت يوم 27 من ذي القعدة الموافق 18 مارس وهذا يتفق مع ما اورده عبدالله بن محمد البسام في كتابه: تحفة المشتاق في اخبار نجد والحجاز والعراق تحقيق ابراهيم الخالدي، الكويت ،2000 ص384. (2) في تقرير لاحق مؤرخ في 1901/4/8 يذكر علي بن غلوم ان الذين بقوا مع الشيخ مبارك مائة شخص لا غير. (1) في الرسالة المؤرخة في 1901/4/8 يذكر ان تاريخ وصول الشيخ سعدون وعبدالرحمن الفيصل في 15 من ذي الحجة، ويبدو ان الكاتب يقصد عبدالرحمن الفيصل فقط لكونه مر في الرياض قبل رجوعه الى الكويت. (1) قتل عبدالعزيز ابن رشيد في روضة مهنا في 17 من شهر صفر 1324ه (12 من ابريل 1906). |
|
يعود اهتمام الدبلوماسيين والساسة الروس بالكويت ومنطقة الخليج العربي والكويت إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويشتمل أرشيف الدولة المركزي للأسطول البحري الحربي السوفيتي في بطرسبرغ (ليننغراد) على مجموعة من التقارير والوثائق تتضمن زيارات السفن الروسية الحربية لهذه المنطقة في الفترة الممتدة بين عامي 1899 و1903. وكانت السفينة 'غيلياك' من أوائل السفن الروسية التي زارت ميناء الكويت، وكانت سفينة حديثة البناء (1896) في حين أن السفن البريطانية تبدو بالنسبة لها عتيقة باهتة اللون.
في عام 1899، وقبل وصول غيلياك، وصل إلى الكويت التاجران الروسيان أرتين أوفانيسوف وعباس علييف، وكانت لزيارتهما بالإضافة إلى الأهداف التجارية (بصفتهما من تجار جلود الخراف) أهداف سياسية أيضا، فقد طلب منهما كروغلوف، القنصل الروسي في بغداد، استطلاع موقف الشيخ مبارك من الزيارة المرتقبة، والبحث عن الشخصيات المتنفذة في الكويت من أجل تأمين استقبال لائق للسفينة وملاحيها. وقد تمت زيارة أوفانيسوف وعباس علييف في مارس عام 1899، وحظيا بمقابلة الشيخ مبارك الذي استقبلهما استقبالا حسنا وأبدى خلال حديثه مع التاجرين الروسيين اهتماما بالغا بأخبار الوضع الدولي وما يثار عن خطط بناء سكة حديد (برلين - بغداد)، وأسفرت الزيارة عن إقامة علاقة طيبة بين الكويت والقنصلية الروسية في بغداد، تؤكدها مجموعة من الوثائق المتبادلة بين الطرفين. إخفاء المعلومات وبناء على ما تقدم وصلت السفينة غيلياك إلى جون الكويت في 16 مارس 1900، وقد أحسن الشيخ ومعاونوه استقبال البحارة الروس خلال اليوم الوحيد الذي وقفته 'غيلياك' في ميناء الكويت، حيث رجع الشيخ مبارك من الجهراء خصيصا لاستقبالهم، وشاهد البحارة المدينة في جولة حرة ثم تناول الجميع وجبة الغداء عند الشيخ مبارك. وقد لقي ضباط السفينة والقنصل الروسي حفاوة بالغة وأعد قافلة حراسة للقنصل الروسي عند عودته من الكويت إلى البصرة. واللافت للانتباه أن علي بن غلوم حينما كتب عن زيارة القنصل الروسي مع السفينة غيلياك لم يتعرض لذكر السفينة وأهمية هذه الزيارة ولا لما دار بين الشيخ مبارك والقنصل الروسي، مما يشير إلى أن الشيخ مبارك قد أخفى عنه المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع، ويبدو أن السبب في هذا هو ما أشار إليه بونداريفسكي عند حديثه عن تلك الزيارة، فقد ذكر أن الشيخ مبارك قد انتقد بشدة إنكلترا ودبلوماسيتها والضغوط التي يمارسها الإنكليز عليه بل وصل الأمر - بحسب ما ذكره بونداريفسكي - إلى أن يصرح الشيخ مبارك برغبته في الحصول على الحماية الروسية. وكل هذه الأمور لم يكن الشيخ مبارك يرغب في نقلها إلى البريطانيين. ولذلك كان تقرير علي بن غلوم المؤرخ في 12 أبريل 1900 مقتصرا على الأمور الظاهرة، وهي الإفادة عن التاجر الروسي عباس علييف الذي كان يتردد على الكويت منذ ثلاث سنوات لشراء فرو صغار الخراف، وأنه جاء في هذه السنة مع المركب الروسي (المسقوفي)، ونزل مع القنصل الروسي حيث قام بعملية الترجمة بينه وبين الشيخ مبارك. ثم بين أنه بعد سفر المركب غادر القنصل الروسي عن طريق البر وبقي عباس في الكويت يشتري الجلود على عادته، وأنه في 16 من ديسمبر 1900 نزل لصوص على بيته وسرقوا جميع أغراضه، ولم تتم معرفة اللصوص. وكان الشيخ مبارك وقتها في القنص خارج الكويت. وقد كان من نتائج زيارة 'غيلياك' للخليج العربي والكويت أن رأت الحكومة الروسية ضرورة تطوير العلاقات التجارية والسياسية مع هذه المنطقة. وكان أن أوفدت إلى الخليج كلا من الدكتور صيراميا تنيكوف من كلية الحقوق بجامعة بطرسبرغ والضابط بافلوفسكي، وكان الذي رشح صيراميا تنيكوف الأمير ألكسندر ميخايلوفتش صهر القيصر. ويشير بونداريفسكي إلى أن صيراميا تنيكوف قد وصل إلى بغداد في يوليو 1900، ومنها توجه إلى الكويت ليصلها في 12 من أغسطس، وكان يحمل هو ومرافقوه جوازات سفر تثبت أنهم تجار، لأن مهمتهم سرية، وقد انتقد كروغلوف القنصل الروسي في بغداد سلوك صيراميا تنيكوف لأنه زار الكويت دون إخطار وزارة الخارجية الروسية وأن سلوكه هذا كان تحديا لكروغلوف فضلا عن زعمه بأن هذه الزيارة قد أثارت استياء الشيخ مبارك. مصادر المياه ويعطي علي بن غلوم في تقريره المؤرخ في 17 أغسطس 1900 تفصيلات مغايرة لما ذكره بونداريفسكي، ولم يشر إلى استياء الشيخ مبارك من الزيارة المذكورة. ففي التاريخ نفسه الذي وصل فيه صيراميا تنيكوف (1900/8/12) يقول علي بن غلوم: 'جاء إلى الكويت القنصل الروسي ومعه ثلاثة رجال عن طريق البحر في سفينة الشيوخ من الفاو. وفي اليوم الذي وصل فيه كان الشيخ مبارك في جزيرة فيلكا للتنزه فيها، وفي اليوم الثاني رجع الشيخ مبارك والتقى القنصل، وفي اليوم الثالث أخذ القنصل إذنا من الشيخ ليتفرج على موارد المياه في البلد فأذن له. وقد ذهب معه أحد رجال الشيخ للاطلاع على آبار المياه، حيث مكث ساعتين من النهار ثم عاد. وذكر علي بن غلوم أن أول خروج للقنصل الروسي كان من أبو شهر في 29 يونيو 1900، وبصحبته شخص يدعى حاجي أحمد دباغي، ركب معه من أبو شهر إلى البصرة، ثم سافر معه إلى بغداد، ومن هناك أخذ له مترجما اسمه عيسى من أهل بغداد، وعاد إلى البصرة، حيث اصطحب معه عبدا من عبيد آل الزهير، فصار رجاله ثلاثة. وقد عبر من البصرة إلى الفاو حيث استقل مركب الشيخ مبارك إلى الكويت. ويقول علي بن غلوم إن زيارة القنصل كان هدفها الظاهر هو السياحة، ويفيد تقرير آخر لعلي بن غلوم مؤرخ في1900/8/18 'ان القنصل الروسي سافر من الكويت في سفينة الشيخ مبارك إلى الفاو، ومنها يتجه إلى البصرة وبعد ذلك إلى المحمرة ثم أبو شهر، وأن هذا هو الاتجاه الظاهري. وأنه في اليوم الذي أراد فيه السفر قام بتصوير الشيخ مبارك ومعه ولده الصغير حمد وعمره سبع سنوات، وصور أيضا اثنين من رجال الشيخ مبارك الجالسين عنده ثم سافر'. ويتضح من تقرير علي بن غلوم أن شخصية كل من صيراميا تنيكوف وصاحبه الضابط لم تكتشف، وأنهما قد حققا غاياتهما في التعرف إلى البلد وموارده المائية وإمكاناته المختلفة. ولعل رغبتهما في الاطلاع على موارد المياه تدل على أهدافهما العلمية والسياسية. ولم تنقطع الاتصالات الروسية الكويتية، وفي الوقت نفسه لم تكن تفصيلاتها الحقيقية معروفة لدى الوكيل الإخباري البريطاني علي بن غلوم، فتقريره المؤرخ في 16 مارس 1901، يفيد بوصول شخصين من رعايا المسقوف (الروس) لشراء فرو الخرفان الصغيرة. وأنهما كانا مشغولين بشراء الجلود، وذكر أن أولهما (ويقصد عباس علييف) كانت له عادة في موسم الربيع من كل سنة أن يأتي إلى الكويت، أما الثاني فهو يأتي لأول مرة لشراء الجلود أيضا. عودة للتشاور أما بونداريفسكي الذي اعتمد في كتابه على الوثائق الروسية فيذكر أنه في أوج الصراع بين مبارك وابن رشيد انتهز سكرتير السفارة الروسية في بغداد 'أوسينكو' الذي كان في تلك الفترة في البصرة فرصة توجه التاجر الروسي عباس علييف إلى الكويت، وهو الذي سبق أن رافق كروغلوف سنة 1900 إلى الكويت، وكلفه باستيضاح كل الظروف المرتبطة بالعمليات العسكرية في الجزيرة العربية. لكن علييف لم يجد مباركا في الكويت، فقد كان وقتها يخوض الحرب مع ابن رشيد في الصحراء، وقد ترك له رسالة أبلغه فيها تحياته مع إخباره أنه توجه إلى البصرة عقب مغادرته للكويت. وفور عودة الشيخ مبارك مباشرة بعد موقعة الصريف أرسل مبعوثا إلى البصرة لتسليم عباس علييف خطابا، يطلب فيه عودته إلى الكويت لمدة يوم واحد 'للتشاور في بعض الأمور'، لعلمه بأن هذا التاجر كان مقربا من كروغلوف. وأكد مبارك في رسالته أن 'هذا الأمر ضروري جدا'. ولم يلبث أن عاد عباس علييف إلى الكويت وسلم رسالة إلى الشيخ مبارك من أوسينكو تتضمن تحياته وسروره لعودة الشيخ سالما إلى الكويت. وقد عاد عباس إلى البصرة في 12 أبريل 1901، حاملا معه خطابين من مبارك إلى كل من أوسينكو وكروغلوف، وذكر مبارك في رسالتيه أنه كلف عباس بأن ينقل شفهيا إلى كروغلوف كل رغباته التي يمكن إيجازها بأنه يرحب بالحماية الروسية على بلاده. واستعداده لتمكين الروس من اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمن الكويت. وقد بالغ عباس علييف وربما بونداريفسكي في عروض الشيخ مبارك على الروس، مما جعل كروغلوف يطلب من عباس أن يعود إلى الكويت للمرة الثالثة ويطلب من الشيخ مبارك أن يكتب طلباته بصيغة مكتوبة وليست شفهية، وقد ذهب بالفعل إلى الكويت ورجع إلى البصرة في يوم 23 أبريل 1901 ليقص على أوسينكو بأن مبارك قرر أن يلخص رغباته كتابيا غير أنه لم يجرؤ على أن يخط على الورق كل أفكاره لأنه كان يخشى أن تستغل هذه الأوراق في حالة وقوعها بيد الآخرين. وقد أورد بونداريفسكي صورة الرسالة التي بعث بها الشيخ مبارك إلى كروغلوف (ص 467) ولا يوجد في هذه الرسالة المحررة ما يفيد طلب الحماية من قريب أو بعيد، فهي شرح عام لوضع الكويت وما تتعرض له من اعتداءات ودسائس من قبل الأتراك وابن رشيد. ومن ثم فإن مسألة طلب مبارك الحماية الروسية مسألة يكتنفها الشك، بخاصة أن الكويت كانت في ذلك الوقت في معاهدة حماية فعلية مع بريطانيا. وما يهمنا هنا أيضا أن الوكيل الإخباري علي بن غلوم لم يشر إلى الزيارتين الأخيرتين لعباس علييف، ولم تتحرك عنده الشكوك من تردده على الشيخ مبارك. كما أن علي بن غلوم لم يكتب عن زيارة الطراد الروسي 'فارياغ' الذي وصل جون الكويت في 21 ديسمبر 1901، وكان سفينة من الطراز الأول صنع في العام نفسه وتبلغ حمولته 6500طن، ويحمل 34 مدفعا سريع الطلقات، وعدد طاقمه 570 شخصا. وقد حظيت هذه الزيارة باهتمام كبير من الدوائر السياسية البريطانية والصحافة الإنكليزية والهندية. وقد لقي أوسينكو والبحارة الروس استقبالا حارا من الشيخ جابر المبارك نيابة عن والده الذي كان في الجهراء، وقد قرر أوسينكو الذهاب مع وفد من السفينة على ظهور الخيل إلى هناك حيث استقبلهم الشيخ مبارك وأقام عرضا عسكريا خاصا تكريما للضيوف الروس. وأعرب الشيخ مبارك عن تقديره لهذه الزيارة وعن رغبته في أن يرى السفن التجارية الروسية محملة بالبضائع والسلع الروسية في الكويت. وبعد سفر 'فارياغ' أرسل أوسنيكو رسالة إلى الشيخ مبارك الصباح بتاريخ 5 من ذي الحجة 1319ه (15 مارس 1902) يشكره فيها على الاستقبال الطيب الذي استقبل به مع ضباط السفينة، ويطلب الحصول على ثلاثة غزلان أو أربعة بحيث تكون مستأنس وغير متوحشة مع ذكر أو اثنين، وأن ترسل إلى بوشهر مع بيان قيمتها. وطلب إبلاغ تحياته إلى الشيخ جابر وجناب الشيخ عبدالرحمن الفيصل. |
وفي 12 من شهر ذي الحجة 1319ه(2) (22 مارس 1902) أرسل أوسينكو رسالة أخرى يشير فيها إلى رسالة سابقة بعثها إلى الشيخ مبارك. ويذكر أنه قد وفد إليهم من روسيا أستاذ في العلم الطبيعي هو الدكتور بوغوياوتسكي، وأنه قضى عندهم بضعة أيام وتردد على بعض مواني الخليج بهدف جمع عينات من الحيوانات البحرية الصغيرة. وفي هذه المرة يريد التوجه إلى الكويت، ويطلب أوسينكو من الشيخ مبارك أن يخصص له من يقوم بمساعدته من أهل الكويت، وأن يستأجر خلال الأيام التي سيقضيها في الكويت بيتا، حيث سيبقى أربعة أيام أو أكثر. ويرجو الشيخ مبارك أن يعامل هذا الشخص المعاملة الودية التي عاملها أوسينكو.
وقد أرسل الشيخ مبارك صورة الخطابين إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر، وذلك لأن الرسالة الأخيرة كان فيها طلب استئجار بيت لشخص أجنبي وهو ما حظرته اتفاقية الحماية بين بريطانيا والكويت. وقد ذكر الشيخ مبارك في رسالته إلى المقيم السياسي البريطاني، المؤرخة في 10 من محرم 1320ه (19 أبريل 1903) أنه لن يسمح بتأجير بيت للشخص المذكور بل سيجعله يقيم في ضيافته بالديوان (انظر الوثائق ،17 ،18 19). وبعد مرور عام على زيارة 'فارياغ' سجل الوكيل الإخباري علي بن غلوم وصول الطراد الروسي 'أسكولد' الذي ألقى مرساته في ميناء الكويت قبل غروب الشمس بنصف ساعة من يوم الحادي عشر من رمضان الموافق 12 من ديسمبر 1902، وكان على متنه القنصل الروسي في البصرة آدموف الذي لم يتمكن من النزول في اليوم الثاني بسبب سوء الأحوال الجوية، وفي اليوم الثالث نزل وبصحبته اثنان من ضباط السفينة حيث زاروا الشيخ مبارك. ولما كانت السفينة الحربية البريطانية (لورنس) التي كانت تقل نائب القنصل البريطاني في بوشهر راسية في ميناء الكويت قبل وصول (أسكولد) فقد كان أول سؤال سأله القنصل الروسي للشيخ مبارك عما إذا كانت السفن الحربية البريطانية تتردد باستمرار على الكويت؟ وقد استفسر القنصل الروسي من الشيخ مبارك أيضا عن مدى علمه بموافقة بريطانيا على إقامة سكة حديد إلى كاظمة، فأجابه الشيخ مبارك إنه ليس على علم بهذا الموضوع، وقد دار حديث حول هذا الموضوع. ودعا القنصل الشيخ جابر بن مبارك الذي كان حاضرا الاجتماع لزيارة سفينته، فلبى الدعوة مع بعض رجال الكويت، وعند مغادرته للسفينة أهديت إليه بندقية ذات ماسورتين، وقد غادرت ميناء الكويت في 15 ديسمبر 1902. (1) السرقة في عهد الشيخ مبارك من الأمور النادرة للضبط الأمني المحكم في البلد، وأن تتم سرقة شخصية لها علاقة وطيدة بالشيخ مبارك يثير الشكوك حول أهداف اللصوص هل هي مادية أم سياسية؟ (2) كتب التاريخ في الرسالة المذكورة في عام 1320 هجرية ويبدو أنه خطأ من ناقل الرسالة، فالصواب 1319 ه كما اثبتنا وهو الموافق للسياق التاريخي. |
|
في ذروة تدهور العلاقات الإنكليزية الروسية حصل تقارب بين الحليفتين روسيا وفرنسا، وفي استعراض واضح ومحاولة لكسر احتكار بريطانيا لمياه الخليج العربي قام الطرادان الروسي بويارين والفرنسي انفيرني Infernet بجولة مشتركة في موانئ مسقط والخليج العربي. وكان الهدف الذي كتبه قائد الطراد الروسي بويارين في يوميات سفينته هو: أن نبين في الخليج الاتجاه المنسجم والودي لسياستنا والسياسة الفرنسية، خلافا لذلك الرأي الذي تروج له الحكومة البريطانية وعملاؤها وممثلوها في موانئ الخليج وفي أوساط المشايخ والقبائل العربية وفي ساحل الخليج، والقائل ان الخليج بحر مغلق، فوق أنه يوجد فقط تحت نفوذ بريطانيا.
سفينتان روسيتان في الكويت ويسجل القبطان الروسي يوم وصوله مع الطراد الفرنسي 20 فبراير 1903 في الساعة الحادية عشرة وخمس وخمسين دقيقة. في حين أن التقرير الذي كتبه علي بن غلوم يذكر أن تاريخ وصول السفينة كان في 5 من ذي الحجة عام 1320ه الذي يوافق 5 مارس ،1903 يقول الوكيل الإخباري علي بن غلوم: 'وصلت إلى الكويت سفينتان حربيتان إحداهما روسية وأخرى فرنسية، وصلتا بعد 5 ساعات من شروق الشمس في 5 من شهر ذي الحجة، وبعد وصولهما بساعة نزل رجلان من السفينة الحربية الروسية ليزورا الشيخ مبارك، وكان الرجلان من الجنسية الفارسية وهما حاجي عبدالرضا وحاجي أحمد، وقد أبلغا الشيخ مبارك أن القنصل الروسي سوف ينزل من السفينة اليوم التالي، وسيتناول الغذاء معه (مع مبارك)، كما أخبرا الشيخ مبارك كذلك أن القنصل رغب في أن يقوم الشيخ صباح بزيارة السفينة ومشاهدتها وبناء على ذلك فإن الشيخ مبارك والشيخ صباح اصطحبا 10 رجال في هذه الزيارة، وفي يوم 6 من شهر ذي الحجة، نزل القنصل الروسي وفي معيته قائد السفينة، بالإضافة إلى قائد السفينة الفرنسية واثنين من ضباطها نزلوا إلى الشاطئ وزاروا الشيخ مبارك الذي استقبلهم بحفاوة وأدب، وبعد تناول الإفطار ذهبوا لرؤية عبدالعزيز بن فيصل آل سعود ومكثوا معه لمدة ساعتين، وبعد ذلك عادوا جميعا إلى سفينتيهما، وفي يوم 7 من شهر ذي الحجة نزل إلى الشاطئ القنصل الروسي وعشرة من رجال السفينة الروسية، وكذلك قائد السفينة الفرنسية وعشرة من رجالها لزيارة الشيخ مبارك وقدم القنصل إلى الشيخ مبارك ثلاث بنادق ذات ماسورة مزدوجة ومسدسا ذا خمس طلقات، وكذلك بندقية ماركة موزر، وبعد ذلك زاروا عبدالعزيز وأعطاه القنصل بندقية ماركة موزر Mauser، وظلوا هناك مع عبدالعزيز لمدة ساعتين، وعند رحيلهم طلب القنصل إلى عبدالعزيز مرافقتهم إلى السفينة حتى يطلعوه عليها، ولكن عبدالعزيز اعتذر لتعبه، وقد قبل القنصل الاعتذار وطلب من عبدالعزيز أن يرسل شقيقه، ومن ثم وافق عبدالعزيز وأرسل شقيقه وبصحبته عشرة رجال، وقد اتفق على أن تغادر السفن الحربية في 8 من ذي الحجة'. الطراد بويارين وفي الوقت الذي جاء فيه تقرير علي بن غلوم مختصرا، نجد أن سجل الطراد بويارين حافل بالمعلومات عن تلك الزيارة سواء في ما يتعلق بحفاوة الاستقبال أو في وصف المدينة وأحوالها، وفي ما يلي نبذ من ذلك التقرير لأهميتها: 'مساء 19 فبراير وصل إلى الطراد عميد القنصلية الروسية العامة في بوشهر أوفسيينكو للقيام بجولة على متن الطراد في موانئ الخليج. وفي الساعة 8 و 20 دقيقة رفع الطراد المرساة، في أعقاب الطراد infernet ، وسار خلفه باتجاه الكويت'. 'في 20 شباط، الساعة 11 و 55 دقيقة صباحا، رسوت في مرفأ الكويت، بعد infernet ، على عمق 6 ساجنات (قامات) وفي الساعة الواحدة بعد الظهر وصل من الشاطئ قارب من لدن الشيخ مبارك للتهنئة بالوصول ولدى عودته إلى الشاطئ، وبناء على نصيحة القنصل أوفسيينكو، جاء إلى الطراد في الحال صباح بن مبارك، النجل الثاني للشيخ مبارك، بصحبة حفيد الشيخ، ابن نجله الأكبر الشيخ جابر بن مبارك، أحمد بن جابر، لأجل تهنئتنا بالوصول باسم مبارك، والاتفاق على موعد زيارتي للشيخ مع القنصل والضباط ولدى مغادرته أديت له تحية متفق عليها من 5 طلقات، وبعد ذلك قام هؤلاء الأشخاص بزيارة انفيرني وقد اتفقت مع قائد انفيرني على أن نقوم في 21 فبراير صباحا عند الساعة التاسعة، بزيارة جوابية، واتجهنا إلى الشاطئ في الموعد المقرر. كانت المياه ضحلة، فأرسلوا لملاقاة القاربين جيادا أوصلتنا إلى الشاطئ. استقبلنا الشيخ مرتديا أغلى الألبسة تكريما لنا، ورحب بنا أجمل الترحيب وأعلن حسب العادة العربية أن داره دارنا. لقد استقبلنا هذه المرة في دار أخرى، وليس في تلك التي استقبلني فيها أثناء مجيء السفينة 'غيلياك'. فغرفة الاستقبال مؤثثة بشيء من الترف والجدران مزينة بزخارف من الرسم الهندي، وربما المحلي أيضا. وفي هذه الغرفة سجادة اشتراها بنفسه، وأثاث أهداه إياه الإنكليز، وعلى الجدران علقت صور كبيرة زيتية للملكة فيكتوريا والملك إدوارد والملكة الكسندرا. وقدمت لنا حسب العادة القهوة ومن ثم الشاي. وكان طقم الشاي من الفضة الجديدة - من صنع وارسو، وقد علمنا فيما بعد أنه هدية من تاجرين روسيين يتاجران بفراء الحملان ويتمتعان منذ بضع سنوات بحظوة لدى الشيخ، أي بالحق في تصدير الفراء من دون رسوم، وبالحماية. وفي أثناء مجيء 'غيلياك' كان شخص أرمني روسي التبعية يتعاطى هذا العمل المربح جدا لأن ثمن الجلد غير المسلوخ روبلان و 50 كوبيكا في الكويت، وهذا ثمن جيد، ولكن الجلد يباع في روسيا بأغلى من ذلك بكثير. ولكن لم تكن لدى هذا الشخص المبالغ الكافية للصمود في وجه منافسة هذين التاجرين فأصبحا الآن يحتكران هذه التجارة. ومعطف الفرو، الذي ارتداه الشيخ، كان أيضا هدية من التاجرين المذكورين. وتطرق الحديث، طبعا، بصورة عفوية إلى مسألة خط سكة حديد بغداد. إن الشيخ يعارض، بلاشك، السماح بوصول الخط إلى الكويت، ويدرك أن ذلك يشكل نهاية لقوته وسلطته. ولكن عندما طرح عليه سؤال عما سيكون موقفه إذا تم تنفيذ الخطة البريطانية التي تهدف إلى شق طريق من بورسعيد إلى الكويت، أجاب بطريقة دبلوماسية إنه لو جرى بناء هذا الطريق من جانب بريطانيا وروسيا وفرنسا لما كان على الأرجح يعارض ذلك. لم يتغير الشيخ كثيرا خلال السنوات الثلاث المنقضية. فهو يثير في النفوس الانطباع عن شخص يعرف قيمة نفسه ومكانته معرفة جيدة. وأعربت له عن رغبتي في مشاهدة السوق والمدينة بمساعدة السيد أوفسيينكو، وردا على ذلك كرر أن كل ما يملكه موضوع تحت تصرفنا، ثم طلب منا أن نشرفه بتناول طعام الفطور عنده بعد مشاهدة السوق والمدينة. هذه المشاهدة لم تعطنا شيئا جديدا. وسبق للجميع أن وصفوا السوق والمدينة في التقارير السابقة. في السوق الجديد يوجد الكثير من الزجاج النمساوي المنشأ، ولم أشاهد بضائع روسية. وتصدير فراء الحملان يجري بكميات كبيرة، وأعلن التاجران بكل صراحة أن ذلك أمر مربح جدا لهما. وفي أثناء التنزه ذهبنا جميعا، أي قائد انفيرني مع ضباطه وأنا مع ضباطي والقنصل، للقيام بزيارة لعبدالعزيز بن سعود نجل المنتصر على ابن الرشيد، والذي عاد اخيرا من الرياض. |
حتفالات بهيجة
وقبل وصولنا بوقت قليل جرت في الكويت احتفالات بهيجة وصاخبة بانتصار عبدالعزيز على ابن رشيد.. وفي يوم مغادرة الطراد كان ينبغي لعبدالعزيز القيام بحملة جديدة بعد أن تلقى تعزيزا كبيرا من 1400 محارب ومؤونة من مبارك. 'بعد قيامنا بهذه الزيارة ومشاهدتنا المدينة والسوق اللتين تمثلان لوحة جميلة جدا، ولاسيما الساحة التي تؤمها القوافل المقبلة من الصحراء وتنطلق منها القوافل عائدة، رجعنا إلى مبارك، وبعد احتساء الشاي والقهوة مرة أخرى، دعينا إلى تناول الفطور. لم يجلس مبارك أحدا معنا من المقربين إليه، وجلس هو وحيدا. إن العادة، التي عرفناها في أثناء مجيء 'غيلياك' قد تغيرت آنذاك كان صاحب الدار يختار بيده أفضل قطعة من الكبش المشوي ويغمسه في صلصة الكاري، وبعد أن يمرغها في الرز يضعها بيديه في فم ضيف الشرف. أما الآن فلم يعد ذلك متبعا، فإن الشيخ يكتفي باقتطاع قطعة من الكبش ويضعها على صحن الرز لمن يشاء. قدموا لنا الملاعق والشوكات، أما الشيخ فكان، كعادته، يأكل بيديه، وكان يفعل ذلك بلياقة فائقة، والحق يقال، وحتى ببعض العظمة التقليدية القديمة، فالعرب، بالإجمال، يأكلون قليلا، ولكن إذا كانوا في عيد فهم لا يمانعون في أن يأكلوا جيدا، ولكن من دون شراهة ومن دون مبالغة، فهكذا على أقل تقدير يأكل الشيخ مبارك. والشيء الجديد كان تقديم ماء الشرب، وهو ماء مطري بالطبع، في أثناء المأدبة، ففي الآونة الأخيرة هطلت أمطار غزيرة في الكويت وامتلأت الآبار. بعد المأدبة ودع القنصل وأنا مع ضباطي الشيخ، وكذلك فعل قائد انفيرنى مع ضباطه. ورافقنا حتى عتبة غرفة استقباله، وعدنا كلنا إلى السفينة. قبل المغادرة أبلغني الشيخ عبر أوفسيينكو أنه يتشرف اليوم باستقبال القائد الفرنسي، باعتباره أعلى رتبة، وأنه يطلب مني المجيء غدا لتناول طعام الفطور عنده باعتباري صديقا قديما. فاضطررت للاعتذار لأنني كنت أزمع إرسال معاوني لالتقاط صور فوتوغرافية، وإتاحة الفرصة لسائر الضباط أيضا لمشاهدة الكويت، لذلك طلبت من الشيخ أن يستقبل معاوني بالنيابة عني لكي يتمكن هو الآخر من التعرف عليه، وإذا ما قدر له وأصبح قبطانا فسوف يكون معروفا لدى الشيخ شخصيا لدى مجيئه إلى الخليج مرة أخرى. فوافق الشيخ بطبيعة الحال، واقترح الشيء نفسه على القائد الفرنسي، كما اقترح على الضباط أن يسافروا قبل مأدبة الفطور إلى الصحراء على ظهور الخيل أو الجمال، ومن ثم يتناولون طعام الفطور بعده. وتنبغي الإشارة إلى الشيء الجديد الذي حدث إبان الزمن الذي مر على مجيء السفينة الحربية الروسية، أعني 'غيلياك'، إلى هنا وهو الخندق غير العميق، الشبيه بمربض رماية، حول المدينة. وقد حفر هذا الخندق لحماية المدينة من ابن رشيد والأتراك. ويمتد هذا الخندق من إحدى ضفتي الخليج حول المدينة إلى الضفة الأخرى. وفي بعض أماكنه يمكن للمرء إطلاق النار وهو جاث على ركبتيه، وفي أماكن أخرى وهو واقف على رجليه. لقد جرى فعل ذلك بناء على نصيحة وتعليمات ضباط بريطانيين. في صباح اليوم التالي، وعند حوالي الساعة التاسعة، نزلت إلى الشاطئ. وسافر معاوني مع آلة تصوير ومع السادة الضباط، وكذلك مع ضباط من إنفيرني، على ظهور الجياد إلى الصحراء وتناولوا طعام الفطور عند الشيخ، وبعد ذلك التقطوا صورا فوتوغرافية. كما قاموا بزيارة للشيخ عبدالعزيز بن سعود. وفي الساعة الثانية وصلت إلى المرفأ أول سفينة حربية بريطانية صادفتها طوال هذا الوقت هي السفينة 'سفنكس' التي أرسلت إليها ضابطا لتقديم التهنئة بالوصول، وفعل الشيء نفسه الطراد 'انفيرني'. في اليوم نفسه جاء إلى الطراد مع الحاشية بادئ الأمر حفيد مبارك، ابن وريثه وقائد جيشه الشيخ جابر بن مبارك، أحمد بن جابر، كما جاء في زيارة جوابية وللتوديع قبل القيام بحملة جديدة، وبتكليف من شقيقه الأكبر عبدالعزيز آل سعود، محمد مع شقيقه سعد مع حاشية مسلحة تسليحا غنيا وجيدا، وشاهد الجميع السفينة باهتمام شديد وكانوا مسرورين جدا بالاستقبال، لدى مغادرتهم، ورغم أن العلم كان منزلا، أديت لهم تحية من خمس طلقات وأضيئت لهم الطريق بالمصابيح الكاشفة فأثار ذلك في نفوسهم ارتياحا عظيما. في 23 شباط من العام الجاري، الساعة الواحدة بعد الظهر، رفعت المرساة في أعقاب 'إنفيرني' وواكبتها لمواصلة الإبحار نحو لنغة'. * * * ولا نريد من العرض السابق أن نستوفي تفصيلات العلاقة الكويتية الروسية، ولكن المقصود هو محاولة الربط بين المصادر المختلفة والمقارنة بينها من أجل بيان موقع المعلومات التي أوردها علي بن غلوم في تقاريره بالنسبة للمصادر الأخرى. وقد اعتمدنا في هذا على مصدرين روسيين هما: كتاب 'الكويت وعلاقاتها الدولية، لبونداريفسكي'، وكتاب 'سفن روسية في الخليج العربي، لريزفان'، وهناك مصادر أخرى يمكن للباحث عن مزيد من المعلومات الرجوع إليها. خامسا .. |
أحداث أخرى
اشتملت تقارير ورسائل الوكيل الاخباري على مجموعة من الموضوعات المتفرقة الاخرى التي سجلت بعض الاحداث المحلية والاقليمية، لكنها لا يمكن تصنيفها ضمن الامور التي تطرقنا اليها في النقاط السابقة. واثباتنا هنا لتلك الاحداث - رغم قلتها - ربما يفيد بعض الباحثين في التعرف على جوانب من صورة المجتمع الكويتي واحوال المجتمعات المجاورة، وفيما يلي جانب من تلك الاحداث اوردناها بحسب تسلسل ورودها في الرسائل: - في 24 اكتوبر 1899 حصلت ضجة في مدينة الكويت، فقد توفي عدد من الاطفال والكبار بلغ عددهم نحو 20 شخصا، وذلك نتيجة تناولهم قطعا من الحلوى او مكعبات السكر او سكر النبات. وقد بعث الشيخ مبارك اشخاصا الى ارجاء المدينة للبحث عن اي رجل غريب واعتقاله. - في الخامس من شهر رجب 1317 ه الموافق 9 نوفمبر 1899 هطلت الامطار بشدة في الكويت وتراكمت المياه في الصحراء لمدة ستة ايام، وفي اليوم السادس من شهر رجب ذهب الشيخ مبارك للتنزه وصيد الحباري مع خمسين فارسا مسلحا كانوا يرافقونه. ويبدو ان هذه الحادثة - رغم كونها حدثت في شهر رجب - فإنها تختلف عن الامطار التي اطلق عليها الكويتيون اسم الرجيبة والتي وصفها المرحوم حمد السعيدان في موسوعته بأنها 'مطر عظيم انهمر على الكويت في شهر رجب عام 1289 ه الموافق سبتمبر 1872 وهدم الكثير من المنازل ولجسامة ذلك الحادث اخذ الكويتيون يؤرخون به، اذ عرفت تلك السنة بالرجيبة'. في 20 ابريل 1900 جاء الى الكويت عبدالرحمن بن سلامة، وهو رجل يسكن في نواحي الاحساء، وهو شيخ عشائره. وسبب مجيئه ان باشا الاحساء قد غضب عليه، فالتجأ الى الشيخ مبارك الصباح راجيا ان يتشفع له عند والي البصرة على والي الاحساء. وقد تشفع له الشيخ مبارك عند والي البصرة. وقد غادر عبدالرحمن بن سلامة الكويت في 2 من شهر محمر (1 مايو 1900) قاصدا جماعته. وهذا الخبر يدل على مكانة الشيخ مبارك ودالته على والي البصرة. يخبرنا التقرير المؤرخ في 1900/6/3 عن نزاع نشب بين أهل تاروت مع غواصين من أهل الكويت، هذا الذي قتل فيه عدد من غواصي أهل الكويت، فقد جاء تعريف من محمد بن عبدالوهاب الى الشيخ مبارك في 2 محرم 1318 ه 2 مايو ،1900 مفاده ان أهل تاروت جاؤوا ملتجئين اليه، بحضور حسين بن علي وإبراهيم بن مضف وهما من أهل الكويت، وطلب أهل تاروت الفصل في هذه القضية حتى يستطيعوا الغوص في تلك السنة، والا فإن الكويتيين لن يمكنوهم من ذلك، وقد تم تقدير فصل القضية بمبلغ ثلاثة آلاف ريال، يتعهد محمد بن عبدالوهاب بتسليمه خلال ثلاثة أشهر فقط. وقد قبل الشيخ مبارك بهذا. في 30 سبتمبر 1900 وصل الى الكويت من البصرة عشرة من العساكر معهم آلات موسيقية وقد أصبحوا يعزفون عند مقر الشيخ مبارك الصباح في وقتين أولهما اذا مضى من النهار سبع ساعات وجلس الشيخ مبارك في مجلسه مع جماعته، والثاني بعد جلوسه بعد زمن الغروب بساعة. وهؤلاء العسكر لا يتبعون الحكومة العثمانية، بل يعملون لحسابهم الخاص يطوفون على المشايخ للتكسب (1900/10/4). وصلت الى الشيخ مبارك اخبار عن نشاط العصابات والسراق في البصرة. فهم في كل ليلة يسرقون بيتا من بيوت تجارة البصرة ولا يبالون.. ففي 3 من شهر رجب 1319ه (16 اكتوبر 1900) اغار الحرامية على بيت عبدالرزاق بن منصور وهو احد تجار البصرة المعروفين، فقد كسروا بابه ودخلوا البيت واخذوا جميع امواله من جملتها نحو اربعة آلاف ليرة كانت امانة عنده للبونيان (تجار من الهنود). وقد اشتكى التاجر عبدالرزاق الى مشير البصرة فلم يصنع شيئا (1901/10/18). ويفيد تقرير لاحق مؤرخ في (1901/11/10) ان شط البصرة مخوف هذه الايام ففي 25 من شهر رجب 1319ه (7 نوفمبر 1901) اخذ البلشتية (القراصنة) سفينة من اهل الديلم واخرى من اهل الكويت وثالثة من اهل الجسم (جزيرة على الساحل الفارسي). في 5 يوليو ،1901 وصل الى الكويت اغا جعفر بن اغا عبدالنبي ومعه حمد المنيس فقط في مركب هندي ونزل في بيت الشيخ مبارك حيث اقام يومين وفي اليوم الثالث عزم على السفر، وحمل لنفسه نحو ثلاثين بوما (سفينة) من الصخر الى المركب، لانه قد اشترى ارضا جديدة في البصرة ويريد تعميرها. وقد طلب اغا جعفر من الشيخ مبارك ان يسمح لمراكب العجم (الايرانيين) المسابلة (المتاجرة) مع الكويت بحمل الخيل من الكويت فهو اسهل على اهل الخيل من البصرة او من المحمرة واقل تكلفة، ورجاه ان يوافق على ذلك حتى يخبر اهل الخيل الذين يأتون من الشام والموصل وحلب ونجد وأهل الزبير جميعا بحيث يأتون عن طريق الزبير ومنها إلى الكويت (في وجه الله ثم في حمايتكم). وقد قبل الشيخ مبارك هذا العرض بشرط أن يجعل على كل رأس من الخيل رسما (ضريبة) ريالين، وفي اليوم الثالث سافر أغا جعفر إلى البصرة وكان معه حمد المنيس، والأخير هو من أهل الكويت لكنه مقيم في البصرة منذ سنتين. وتشتمل رسالة علي بن غلوم هذه على أمرين: أولهما مسألة تصدير الصخر ونقله من الكويت إلى البصرة لاستخدامه في بناء البيوت وتعميرها. وهذه معلومة جديدة لم تكن معروفة من قبل. وقد كانت الصخور التي تقلع من ساحل البحر في منطقة عشيرج في الكويت مادة البناء الأساسية في بيوت الكويت، وعرفت بقوتها ومتانتها. أما الأمر الثاني وهو طلب أغا جعفر من الشيخ مبارك أن يسمح لمراكب الإيرانيين بحمل الخيل على سفنهم من الكويت إلى الهند للمتاجرة بها. فهو أيضا من المعلومات التي يمكن أن تضاف إلى تاريخ تجارة الخيول في الكويت. فقد نشطت هذه التجارة منذ أواخر القرن التاسع عشر، إذ كانت الخيول العربية الأصيلة ذات السلالات الجيدة التي كانت تجمع لتجار الكويت من بوادي الجزيرة العربية في بداية موسم السفر من كل عام من السلع المرغوب فيها في حكومة الهند الإنكليزية، وكان الحصان الجيد يشترى ويباع في بومبي بمبلغ كبير. وكانت الضرائب العالية التي كانت تؤخذ على تصدير الخيول في مواني العراق وإيران من الأسباب التي دعت إلى أن تكون الكويت هي الميناء الأفضل للتصدير، حيث تنقل في سفن الكويت الشراعية إلى الهند. ولم تتوقف تجارة الخيول ونقلها من الكويت إلى الهند إلا في منتصف الاربعينات من القرن العشرين. في رسالة الوكيل الإخباري المؤرخة في 10 من محرم 1320ه (19 من أبريل 1902) يخبرنا علي بن غلوم أن الشيخ مبارك قد بعث بولده الشيخ فهد ومعه الحاج حسن بن علي بن غلوم وعدد من الرجال إلى بوشهر بالسفينة منور، وذلك لعلاج الشيخ فهد عند الطبيب هناك. وأنه يعاني من جرح في رقبته منذ مدة ومن ثم أمر الشيخ مبارك أن يذهب ابن علي بن غلوم معه الى بوشهر للعناية به. وقد كتب الشيخ مبارك الصباح بتاريخ 10 من محرم 1320ه (الموافق 19 من أبريل 1902) رسالة الى الكولونيل كمبيل المقيم السياسي البريطاني في بوشهر يذكر فيه ان ابنه فهد البالغ من العمر عشر سنوات به قرحة في رقبته وذلك منذ خمسة أشهر ويرجو أن يعرض على الأطباء هناك. وقد جاء رد المقيم السياسي البريطاني بعد تسعة أيام أي في 19 من محرم 1320ه (الموافق 28 من شهر أبريل 1902) بأنه قد عرضه على الدكتور الكبير الميجر هود وقد فحصه بدقة، وذكر ان الجرح صعب العلاج وتطول المدة لإبرائه، والأصلح أن يعود الولد الى الكويت ويتداوى هناك بحسب العلاج الذي وصفه الدكتور هود، فإذا استمر على الدواء بموجب دستور العمل الذي طلب إليه فسيبرأ الجرح بإذن الله. وقد توفي الشيخ فهد بعد أربع سنوات من تلك المسألة، وقد عرفنا ذلك من رسالة وجهها المقيم السياسي البريطاني الى الشيخ مبارك يعزيه فيه بوفاة نجليه فهد وصباح. ويقترح عليه ايضا ان يرسل تلغرافا يعزي فيه اللورد كيرزون بوفاة زوجته لعلمه بالصداقة التي ربطت بينهما. |
http://www.alqabas.com.kw/Final/News...088_240008.jpg
اول صورة لشاطئ الكويت التقطتها سفينة روسية |
|
انتهى الموضوع
كان من تحرير وتقديم: أ. د. عبدالله يوسف الغنيم - (رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية ) تم نشره في جريدة القبس الكويتية في الفترة 29/5 الى 5/6/2007 ويسعدني التواجد معكم والله يحفظكم |
الله يعطيك العافيه اخوي على الموضوع ,
|
اقتباس:
يعافيك يا الحبيب |
يعطيك العافية اخوي على نقل هذا الموضوع...
اعتقد الافضل ان يكون هذا الموضوع في قسم البحوث و المؤلفات و المقالات الصحفية... |
لاهنت أخوي فاعل خير على الجهد الواضح والنقل ,, وعساك على القوة
وأخي الكريم جبلة ,,الموضوع مهم تاريخياً ونراه هنا أفضل رغم أنه منقول من جريدة القبس ,, وشكراَ على حرصك |
اخوي جبلة
يعافيك و يخليك تسلم اخوي بو عبدالرحمن تسلم رايي من رايك و عساكم سالمين |
رسائل علي بن غلوم رضا
بقلم د.عبدالله يوسف الغنيم كتاب أخبار الكويت رسائل علي بن غلوم رضا الوكيل الإخباري لبريطانيا في الكويت (1899 - 1904) بعد توقيع اتفاقية الحماية بين بريطانيا والكويت في يناير عام 1899 لم يكن بالإمكان آنذاك تعيين ممثل بريطاني رسمي في الكويت، وذلك رغبة من الحكومة البريطانية في أن يظل هذا الاتفاق سريا بين الطرفين، خشية إثارة الدولة العثمانية التي كانت لها أطماعها في الكويت. ومن ثم كان تعيين مندوب موثوق به في الكويت من قبل السلطات البريطانية من جنسية أخرى وبشكل سري أمرا مطلوبا لتزويد المقيم السياسي البريطاني في بوشهر بأخبار الكويت، بالإضافة إلى متابعة نشاطات الشيخ مبارك الصباح والاطلاع على خططه وصلاته بالآخرين. وفي يونيو عام 1899 تم تعيين السيد علي بن غلوم رضا مندوبا إخباريا في الكويت، وقد قام بعمله هذا تحت ستار النشاط التجاري، وكانت أول رسالة بعثها هذا المندوب الإخباري في 4 من شهر سبتمبر 1899 واستمر في إرسال رسائله وتقاريره حتى 4 من مايو ،1904 وقد أرسل خلال هذه الفترة ما يقرب من تسعين رسالة تضمنت الكثير من الأحداث والأخبار والمعلومات عن الكويت في تلك الحقبة. معلومات جديدة وهذا الكتاب يقدم من خلال هذه الرسائل مادة وثائقية أولية للباحثين في تاريخ الكويت. وقد حرصنا على أن تعرض على نحو يعين على البحث والاطلاع، وقد تم تصديرها بدراسة موضوعية تلقي الأضواء على التفصيلات الدقيقة التي تناولتها الوثائق حتى يمكن من خلالها الإلمام بالأحداث التي مرت بها الكويت ومنطقة الجزيرة العربية خلال الفترة المذكورة، وهي معلومات لم تطلها أو تصل إليها جهود المؤلفين المعاصرين، فضلا عن أنها تعتمد على النقل المباشر عن أصحاب الشأن والقرار دون تحريف أو تحوير. صلات مبارك وتغطي الرسائل والوثائق المذكورة للمندوب الإخباري علي بن غلوم موضوعات عدة حول علاقة الشيخ مبارك الصباح بكل من بريطانيا والدولة العثمانية، وكذلك أمراء شبه الجزيرة العربية، وبخاصة الأمير عبدالعزيز آل رشيد حاكم حائل، إضافة إلى صلة الشيخ مبارك الصباح بروسيا، حيث تحدثت الوثائق عن زيارات قام بها عدد من القناصل والمبعوثين الروس إلى الكويت إبان هذه الفترة. كما تضمنت الرسائل كذلك مجموعة من الأحداث المحلية والقضايا العامة لتكون التغطية شاملة لكل ما يحدث في الكويت ومحيطها الإقليمي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وقد حاولنا في الدراسة التي وضعناها بين يدي هذه الوثائق والرسائل أن نصنف الوقائع وفقا لموضوعاتها التي تعددت في أكثر من وثيقة، وذلك وفقا لمنهج رأيناه مناسبا للدارسين والباحثين، ثم أوردنا صورا للوثائق نفسها مرتبة ترتيبا تاريخيا لتسهل متابعتها، وفي مقابل كل وثيقة وضعنا ملخصا لأهم ما ورد فيها، مع بيان التاريخ الميلادي المقابل للتاريخ الهجري الذي سارت عليه الوثائق المذكورة . أما مصدر هذه الوثائق والرسائل فهو مكتب الهند Indian Office الذي ضمت مقتنياته في الوقت الحاضر إلى المكتبة البريطانية في لندن، وتوجد الرسائل المذكورة في الملفات التالية: I0R R/15/1/471- I0R R/15/1/472- I0R R/15/1/474 - I0R R/15/1/475 - I0R R/15/1/476 رسائل مفقودة ولابد من الإشارة هنا إلى أننا حاولنا بقدر الإمكان أن نجمع رسائل علي بن غلوم رضا من الوثائق البريطانية، إلا أننا نعتقد أن هناك رسائل قد فقدت أو لم تتضمنها الملفات التي اطلعنا عليها. فليس من المنطقي أن يكتب الوكيل الإخباري في بعض الأحيان ثلاث رسائل مؤرخة بتاريخ واحد ثم ينقطع نحو شهر أو أكثر، ومن أمثلة انقطاعه عن الكتابة شهر ديسمبر 1900 ويناير 1901 ويناير ومارس 1902 والفترة من مايو إلى أكتوبر 1902 والفترة من أبريل 1903 إلى أبريل 1904. والأمل كبير في العثور على رسائل تلك الفترات، وعندها ستعاد طباعة هذا الكتاب، وستكتمل حلقات أخبار الكويت والأحداث التي مرت بها. وتحتاج هذه الرسائل من الباحثين المعنيين إلى مزيد من الاستقراء والتدقيق، فنحن نقدم كل تلك الرسائل كوثائق تحتمل النقد والتحليل، وقد أشرنا إلى جانب من ذلك في موقعه من التمهيد، ومن ذلك أن الوكيل الإخباري قد سجل تاريخ وصول السفينتين 'بويارين' الروسية و'انفيرني' الفرنسية في 5 من مارس1903 بينما سجلات السفينة الروسية قد حددت يوم 20 من فبراير 1903 تاريخا لوصولهما. وتختلف بعض الوقائع الأخرى الواردة في رسائله عما جاء في المصادر المكتوبة وهذا كله يحتاج إلى بحث متتبع يربط بين ما جاء في الرسائل من أخبار وما جاء في الوثائق البريطانية ورسائل الشيخ مبارك في تلك الفترة من أمور ذات صلة بالموضوع. وقد حاولنا في التمهيد أن نقدم أنموذجا مختصرا لما ينبغي أن يتم في هذا الشأن، راجين أن تتاح الفرصة لمزيد من البحث والمعرفة في هذا الجانب من تاريخ الحياة السياسية والاجتماعية في الكويت، وأن تثري التفصيلات التي اشتملت عليها هذه الرسائل موضوعات وقضايا مختلفة في تاريخ الكويت إذا اجتمعت إلى جانبها أو ضمت إليها، فالكلمة إلى الكلمة، والمعلومة إلى المعلومة يؤكدان الحقيقة، ويصلان بها إلى قيمة عالية ومهمة في مجال البحث والدراسة بالنسبة للأجيال المعاصرة واللاحقة من أبناء وطننا الكويت ومنطقة الخليج العربي بأسرها. والله يهدي من يشاء إلى ما ينتفع به من علم نافع وقول سديد. كانت الظروف السياسية المحيطة بالكويت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حافلة بالصراعات على المستويين الدولي والإقليمي، فقد كانت الدولة العثمانية تحاول المرة تلو الأخرى السيطرة على الكويت، غير أن تنبه حكامها وحرصهم وحكمتهم في التصدي لتلك المحاولات كانت تحول دون ذلك. وكانت الدول الكبرى الأخرى مثل بريطانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا تحاول أيضا أن يكون لها موقع قدم في هذا المكان الاستراتيجي. أما على المستوى الإقليمي فقد كان آل رشيد حكام حائل قد استولوا على نجد، وأدركوا قيمة موقع الكويت التي يصلهم عن طريقها مختلف أنواع مواد التجارة والبضائع، ومن الطبيعي أن يثير آل رشيد على الكويت لجوء عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، وحماية الشيخ مبارك له ولأبنائه ومعاونتهم في استعادة ملكهم في نجد، فتواترت غارات أمراء حائل على أراضي الكويت وأحداث نهبهم للعشائر التابعة لها. يضاف إلى ذلك الشيخ سعدون أمير المنتفك الذي كان يريد أن يكون له مكان على خارطة العراق السياسية، كان يرى من أجل ذلك أهمية الدخول في إطار هذه الصراعات الإقليمية. التحالف مع أقوى الأطراف في ظل هذه الظروف السياسية الصعبة والمتشابكة وجدت الكويت أن التحالف مع أقوى الأطراف هو السبيل الأمثل لحماية استقلالها وصيانة كيانها السياسي، ففي يناير من عام 1899 وقعت الكويت ممثلة في أميرها الشيخ مبارك الصباح اتفاقية مع الحكومة البريطانية، تضمن الأخيرة بموجبها حماية الكويت من التعديات الأجنبية كما تضمن استقلالها واستقرار النظام السياسي بها. وكان من ضمن الاتفاق بين الطرفين أن تظل تلك الاتفاقية سرية إلى أن تسنح الظروف السياسية المناسبة لإعلانها. المندوب الإخباري وبناء على هذه الاتفاقية كان من المفترض أن يتم تعيين ممثل بريطاني في الكويت، لكن حكومة الهند البريطانية خشيت أن يوفر ذلك الذريعة للدول الأخرى لتعيين وكلاء أو ممثلين لها في الكويت، كما أن ذلك قد يؤدي إلى إثارة شكوك العثمانيين أو النيل من العلاقات الودية معهم، خاصة أن الدولة العثمانية ليس لها ممثل في الكويت ولم يسمح لها بذلك من قبل. وبعد مشاورات طويلة تم الاتفاق على أن تكون شؤون الكويت من مسؤولية المقيم السياسي البريطاني في بوشهر. وأن يتم تعيين مندوب موثوق به من قبل السلطات البريطانية من جنسية أخرى وبشكل سري في الكويت لتزويد المقيم السياسي البريطاني في بوشهر بأخبار الكويت، ومتابعة نشاطات الشيخ مبارك الصباح السياسية والتعرف على خططه وتزويده بالنصائح التي من شأنها الحد من توريط السلطات البريطانية في إشكالات مع الدولة العثمانية على وجه الخصوص، أو في صراعات الشيخ مبارك مع ابن رشيد أمير حائل، لاسيما أن الشيخ مبارك قد وجد في اتفاقية الحماية سندا قويا له في مواجهة الأطماع المحيطة به. وبناء على ما تقدم تم تعيين السيد علي بن غلوم رضا مندوبا إخباريا في الكويت للمقيمية السياسية البريطانية في بوشهر، ويبدو أن لعائلة هذا الشخص سابق خدمة للحكومة البريطانية، فهو يذكر في رسالته المؤرخة في 2 من شهر إبريل 1900 أنه: 'لن يخالف وصية الآباء في حق دولة باليوز (بريطانيا) وكذلك وصية المرحوم أغا'. وكان أسلوب بريطانيا في اختيار ممثليهم أن يكونوا من عائلة معروفة بخدمتها للحكومة البريطانية. ومن المؤكد أن ذلك التعيين كان بتوصية من محمد رحيم بن عبدالنبي صفر المندوب البريطاني في البحرين وبمباركة من الشيخ مبارك الصباح، بدليل تعاونه معه ودعوته إليه لينقل المعلومات التي يريدها إلى المقيم السياسي، وإبلاغه بالأخبار التي تصل إلى الكويت سواء ما يتعلق منها بالدولة العثمانية أو بأخبار ابن رشيد والسعدون وابن سعود. ويبلغه أيضا بأخبار لقاءاته الخاصة مع مختلف الزوار الذين يزورون الكويت مثل لقاءاته بقناصل روسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من ممثلي الدول، وكان الشيخ مبارك يقدر أهمية المعلومة التي يريد إيصالها إلى السلطات البريطانية وبالطريقة التي تتفق مع مصالح بلاده. وكانت الرسائل التي يبعث بها علي غلوم تكشف عن ذلك، وقد تكرر فيها ولدرجة المبالغة مدح الشيخ مبارك لبريطانيا وانحيازه إليها، ونبذه للدولة العثمانية. ويكشف أسلوب تلك الرسائل أيضا عن أن الشيخ مبارك الصباح قد احتوى الحاج علي بن غلوم وحوله إلى مجرد كاتب عنده. وتشير الوثائق البريطانية إلى أن الشيخ مبارك الصباح كان يرسل علي بن غلوم إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر في بعض الأمور التي لا تحتمل التأخير أو لضمان السرية المطلوبة. إذ تشير الرسالة المؤرخة في 2 من شعبان 1318ه (25 نوفمبر 1900) المرسلة من الشيخ مبارك الصباح إلى المقيم السياسي إلى أنه قد أرسل 'بهذه الدفعة (أي هذه المرة) حجي علي بن غلوم مخصوصا لصوبكم العالي كما هو لازم علينا العرض لحضرتكم بما يقتضي ويحدث'. وفي رسالة أخرى مؤرخة في 1 من جمادى الثانية 1320ه (5 سبتمبر 1902) يذكر الشيخ مبارك والمكتوب المذكور سيرناه بيد حجي علي بن غلوم أيضا يفصل ما جرى من حركات ودسائس الترك تعلمونها من رأس حجي علي (الوثيقتان ،2 3). والجدير بالذكر أن الشيخ مبارك الصباح كان لديه أيضا عدد من المعتمدين الثقات من أبناء الكويت الذين يبعث بهم أىضا في بعض المهام السياسية ولديه وسائله المختلفة للوصول إلى المعلومات من خصومه أو من حلفائه على حد سواء. ومن بين أولئك الأمناء المعتمدين الذين أشارت إليهم الوثائق المرتبطة بالفترة التي نتكلم عنها كل من عبداللطيف الهارون وعبدالله بن إبراهيم السمكة (انظر الوثيقتين ،4 5 بتاريخ 29 مارس 1899 و9 أبريل 1899). ولما كانت مهمة كل منهما سرية، لم يذكر المندوب البريطاني في البحرين محمد رحيم بن عبدالنبي صفر في رسالته للمقيم السياسي البريطاني في بوشهر اسم الشيخ مبارك الصباح بل عبر عنه باسم 'الصديق' أو 'الصديق المعهود' (الوثيقتان 4 أ، 4 ب). وقد عمل الحاج علي بن غلوم رضا في الكويت تحت ستار النشاط التجاري، وكان يمارس هذا العمل بالفعل ولم يكن له مكتب رسمي، بل كان عمله الحقيقي لا يعرفه سوى الشيخ مبارك وأبناؤه. وقد كانت بداية تعيينه (تحت التجربة) في شهر يونيو من عام 1899 بمرتب شهري لايزيد على خمسين روبية. ثم صدر قرار من المقيم السياسي في الخليج بتاريخ 26 من نوفمبر 1900 بأن يستمر هذا الوكيل في عمله في الوقت الراهن. وكانت أول رسالة كتبها الحاج علي بن غلوم بتاريخ 4 من سبتمبر 1899، وباللغة الفارسية التي كتب بها مجموعة من الرسائل في بداية عمله وفي نهايته، وكان أحيانا يكتب الرسالة الواحدة باللغتين العربية والفارسية، لكن بوجه عام كانت كتابته باللغة العربية هي الأغلب، وآخر رسالة كتبها علي بن غلوم كانت مؤرخة في 10 مايو 1904 أي قبل وصول الوكيل السياسي البريطاني الرسمي بأقل من شهر، ويبلغ مجموع الرسائل نحو تسعين رسالة، بعضها موجه إلى الممثل البريطاني في البحرين، ومنها تنقل إلى بوشهر، والبعض الآخر وبخاصة الرسائل الأخيرة كانت توجه مباشرة إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر. وقد ظل عمل الحاج علي بن غلوم سريا إلى منتصف عام 1901، إذ يذكر في رسالته المؤرخة في 29 يونيو من ذلك العام: 'أن خدمتنا للدولة (البريطانية) كانت في البداية سرية، أما الآن وبعد ذهابنا إلى الفاو والإبراق لكم بشأن ورود المراكب البريطانية إلى الكويت بناء على أمر الشيخ مبارك الصباح، وما تلا ذلك من مباشرته لتلك المراكب عند وصولها للكويت، وقضاء ما تحتاج إليه من لوازم وحاجات، فقد صار مشهورا لدى أهل الكويت أنني (الحاج علي) وكيل المقيم السياسي لخدمة المراكب'. وهنا لابد من تسجيل ملاحظة ذكرها قائد الطراد الروسي 'فارياغ' الذي زار الكويت في 21 ديسمبر 1901، فقد أشار إلى وجود عميل تجاري لشركة الملاحة البريطانية الهندية التي تقوم برحلات منتظمة كل أسبوعين وبحسب المعلومات التي جمعها القنصل الروسي أوسنيكو نصب عميل الشركة المذكورة 'سارية' في فناء الوكالة لإجراء الاتصالات مع السفن القادمة التابعة لهذه الشركة. ولكن السارية قطعت - كما لو كان ذلك بأمر الشيخ مبارك، رغم أنه لم يعترف بذلك فيما بعد للإنكليز، وألقى الذنب على البدو الرحل، ومع ذلك فقد أعيد نصب السارية، ولكن في فناء دار الشيخ هذه المرة لكي تجري المباحثات تحت إشرافه. وظل هذا الوكيل الإخباري أو العميل السري مستمرا في عمله إلى أن تم تعيين الكابتن نوكس في أغسطس من عام ،1904 وقد تضمنت برقية وزارة الخارجية البريطانية رقم 2457 المؤرخة في 3 من أغسطس من ذلك العام مجموعة من الإرشادات للوكيل السياسي (البريطاني) الجديد، فعليه أن يتصرف على نحو لا يلفت إليه الأنظار، وأن يقيم علاقات ودية مع الشيخ مبارك الصباح والبارزين من الشخصيات الكويتية، والعمل على حماية المصالح التجارية البريطانية. واليقظة التامة لتحركات الأتراك على حدود الكويت، أو تدخل أي جهة في الوضع القائم في الكويت، وإرسال معلومات دقيقة عن كل ما يجري في نجد بين أسرتي آل سعود وآل رشيد، وغير ذلك من المعلومات التي كانت في واقع الأمر من الموضوعات التي كان الكثير منها يتابعها الحاج علي بن غلوم ويبعث بها إلى المقيم السياسي. وقد استقبل الشيخ مبارك تعيين الوكيل السياسي الجديد بسرور بالغ، لأنه اعتبر هذا التعيين ضمانا للحماية البريطانية للكويت. وبتعيين الكابتن نوكس بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الكويتية البريطانية، فقد كانت الفترة السابقة التي سجل أحداثها علي بن غلوم فترة مليئة بالأحداث واشتملت على تفصيلات أغفلتها كتب التاريخ المتعلقة بهذه المنطقة.لكن الفترة الجديدة تميزت بأسلوب جديد في رصد الأحداث يعتمد على المعرفة والتحليل السياسي، فلم تكن مجرد معلومات (خام) تفتقر في بعض الأحيان إلى الدقة، وتتلون في كثير من الأحيان بآراء الحاكم الخاصة. ولا نعرف على وجه التحديد متى ترك علي بن غلوم عمله مع الوكيل السياسي الجديد، مع أن أول رسالة اشتملت عليها تقارير الممثلية السياسية البريطانية في الكويت كانت بتاريخ 5 من يناير 1905 كانت تشتمل على طلب من علي بن غلوم لزيادة مرتبه، ذكر فيها أنه يتقاضى خمسة وثلاثين روبية، وأن هذا المبلغ هو مصرف القند (السكر) والشاي في كل شهر، وأنه صاحب عيال عددهم عشرون شخصا نفقتهم في ذمته. ويشير فيها أيضا إلى أنه قد ترك معاملاته التجارية في سبيل خدمة الدولة. ولا يوجد بعد هذه الرسالة أية إشارة إلى هذا الشخص وربما لم يرق له العمل بعد ذلك مع نوكس وانصرف إلى أعماله الحرة تحرير وتقديم أ. د. عبدالله يوسف الغنيم من كتاب http://www.kuwait-history.net/vb/up/...0220090401.bmp أخبار الكويت جريدة القبس http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=279982 |
الساعة الآن 12:44 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3, Copyright ©2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت