في يوم 17 مارس 1901(1) التقى كل من عبدالعزيز ابن رشيد والشيخ مبارك، ونشبت الحرب بينهما بعد مضي خمس ساعات من النهار في منطقة بين حائل وبريدة، واستمرت الحرب إلى ما قبل الغروب بنصف ساعة، وفي أثناء القتال خانت الشيخ مبارك عشائر عتيبة ومرة وبني هاجر، وساعدوا ابن رشيد، وكذلك أهل نجد خانوه ولم يبق معه إلا أهل الكويت وبعض العشائر. واشتدت الحرب بينهم، وصار قتال شديد بين الطرفين إلى أن دخل الليل على شدة الحرب، ثم تفرق الجيشان دون نظام لا يعلم أحد أين صاحبه. وحينما أصبح الصباح وجد الشيخ مبارك نفسه بمفرده ليس معه سوى أربعة أشخاص(2)، ولا يعلم أين تفرق جماعته، فلما رأى هذا الأمر غادر مكانه قاصدا الكويت خوفا على نفسه.
- وفي 13 مارس 1901 وصل الشيخ مبارك الكويت مع أربعة من رجاله وقد دخل البلد وهو مكسور الخاطر ولا يعلم عن جماعته مقتولين أم سالمين، وجميع أهل الكويت مغمومين الآن لهذا الأمر العجيب. (1 /4/ 1901)
- في3 أبريل /1901 ( 13 من ذي الحجة)(1) وصل إلى الكويت الشيخ سعدون مع أبنائه وأبناء أخيه في مائة شخص من جماعته ونحو مائتي شخص من جماعة الشيخ مبارك سالمين. وقبل وصولهم البلد بمسافة ساعتين أمر الشيخ مبارك نحو أربعة آلاف نفر مسلحين من رعاياه لاستقبال الشيخ سعدون ويعرضون (يرقصون العرضة)، أمامه إلى أن دخل البلد، وعند دخوله البلد استقبله الشيخ مبارك مع نحو سبعة آلاف شخص تلقوه يعرضون أمامه. وبعد الشيخ سعدون جاء خبر من سلطان الدويش بأنني مقبل عليكم (على الكويت) ومعي نحو ثلاثمائة نفر من رعاياكم. وكذلك في كل يوم يجيء نحو عشرة أشخاص أو عشرين شخصا من أهل البلد متفرقين سالمين.(4 /4/ 1901).
قتل في الصريف الشيخ حمود الصباح والشيخ خليفة بن عبدالله الصباح وصباح ولد حمود الصباح وجابر الفاضل ومحمد بن سالم الجراح وسلمان بن حمود السلمان ولم يعرف عدد من قتل من أهل الكويت، ففي كل يوم تتوافد فلول الجيش حيث يصل الكويت عشرة أنفار أو خمسة أو أقل من ذلك. (6، /4/8 1901).
سرت إشاعة مضمونها أن عبدالعزيز ابن رشيد(1)، قد قتل في الحرب، وتم تنصيب ماجد بن حمود، وقيل طلال ابن عمه أميرا على حائل. وذكرت الأخبار أيضا أن أربعة من أبناء عم عبدالعزيز ابن رشيد واثنان من أبناء سبهان قد قتلوا في الحرب إضافة إلى نحو ثمانين شخصا من غلمانه ورجاله، هؤلاء هم المعروفون غير عسكره (1، 6، /4/8 1900).
شهود عيان
وقد أورد الوكيل الإخباري علي بن غلوم تقريرين لشهود عيان عن معركة الصريف أثبتناهما في مكانهما من رسائل الوكيل المذكور، ويقدم التقريران صورة دقيقة للمعركة، وأن الفريقين قد فقدا الشيء الكثير، ويعزو التقرير الثاني سبب هزيمة جيش مبارك إلى أن عمل أهل الكويت لم يكن منظما وقد أخذهم الزهو بقوتهم وكثرتهم ولم يحسبوا بدقة حسابات الحرب، ومن بينها خيانة بعض القبائل وجانب من أهل نجد الذين خرجوا مع الشيخ مبارك، ويؤكد التقرير أن حضر أهل الكويت هم الذين صمدوا في الحرب إلى الليل وحينما عادوا إلى مخيمهم وجدوه منهوبا.
ما بعد الصريف
ذكرنا أن الرسالة التي كتبها الوكيل الإخباري في الكويت بتاريخ 4 أبريل 1901 تفيد أن الشيخ مبارك أمر نحو أربعة آلاف شخص مسلحين من رعاياه أن يستقبلوا الشيخ سعدون ومن معه قبل وصولهم البلد بمسافة ساعتين، وعند دخوله البلد استقبله الشيخ مبارك مع نحو سبعة آلاف شخص تلقوه يعرضون أمامه.
وقد أراد الشيخ مبارك الصباح من خلال هذه التظاهرة رفع الروح المعنوية لشعبه، وليبين أمام الآخرين أن قدراته القتالية وعزيمته لم تنكسر نتيجة هزيمة الصريف. ولابد أن الشيخ مبارك كان ينوي الأخذ بالثأر من ابن رشيد لكن نصائح المقيم السياسي البريطاني في الخليج فرضت عليه عدم القيام بشيء من ذلك، وأن يقتصر عمله على حماية حدوده.
ويؤكد ذلك أن ابن رشيد حينما غافل عشائر مبارك ليلا في 22 ديسمبر 1902 ووصل إلى مسافة قريبة من الجهراء، ونهب نحو سبعين منزلا من منازل العشائر التابعة للكويت طلب الشيخ مبارك من المقيم السياسي تعويضا عن تلك الأعمال، وذكر أن مسؤولية ذلك الأمر تقع على عاتق الحكومة البريطانية التي طلبت مني ألا أتجاوز حدودي، ولو لم أحافظ على عهودي مع الحكومة البريطانية لقمت بمطاردة ابن رشيد داخل الصحراء واستعدت ما نهبه من عشائري وحافظت على حقوقهم. وتبين الوثيقة رقم 16 جانبا من مراسلات الشيخ مبارك مع المقيم السياسي بهذا الشأن.
وبناء على ما تقدم قام الشيخ مبارك الصباح -بالتنسيق مع كل من الشيخ سعدون والأمير عبدالرحمن الفيصل- بفرض حصار على حائل لمنع وصول الأغذية والسلاح إليها. فبعد أن غادر الشيخ سعدون الكويت إلى العراق انتشرت عشائره في المنطقة الممتدة من الخميسية إلى مشهد قاطعين الطريق على عشائر عبدالعزيز ابن رشيد وقوافل تجارتهم. أما عشائر الشيخ مبارك وأتباع آل سعود فقد انتشروا ما بين الكويت والأحساء لمنع عشائر ابن رشيد من الوصول إلى هناك. وأصبح تجار البصرة والزبير لا يستطيعون المتاجرة مع الكويت خوفا من الشيخ مبارك والشيخ سعدون اللذين قطعا الطريق عليهم. وتواترت رسائل الوكيل الإخباري حول هذا الحصار، والانتصارات التي حققها كل من الشيخ سعدون وآل سعود على عشائر ابن رشيد وقوافله. وكان أكثر من تضرر من هذا الحصار بلاد نجد الذين منعهم ابن رشيد من المسابلة (المتاجرة) مع الكويت والزبير التي كان موقفها في مناصرة يوسف بن إبراهيم وعبدالعزيز ابن رشيد سببا في محاصرتها وقطع المتاجرة معها.
ففي 5 من شهر يوليو 1901 جاءت رسائل من أكابر أهل نجد إلى الشيخ مبارك تفيد أنه بعد حربكم لابن رشيد أرسل عماله علينا وأخذ من التجار نقودا كثيرة، كل شخص أربعة آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال أو خمسة آلاف ريال. ولم يكتف بذلك بل إنه سوف يأخذ وقت ثمرة التمر نصف المال. ونحن الآن في حال قحط ينقصنا الأرز والقمح والسكر والقهوة وجميع الحاجات، ولا يوجد لنا حل إلا مسابلة الكويت التي منعها ابن رشيد. وليس لنا طريق إلا أن نحاربه على فعله فينا، وقد كتب إليهم الشيخ مبارك بأنني لن أغفل عن مساعدتكم بما يطيب خاطركم. وأننا سنرسل إليكم أولاد عبدالرحمن بن فيصل مع بيرق لمساعدتكم.
وفي 16 من شهر يوليو وفد إلى الكويت عن طريق البر العصيمي بن محمد العصيمي، صديق الشيخ مبارك، وهو تاجر يقطن الزبير، وقد أسكنه الشيخ مبارك في منزله وأكرمه غاية الإكرام، وكان مع العصيمي ثلاثة أشخاص من أهل الزبير واثنان من رجاله. وفي اليوم الثاني من وصوله انفرد بالشيخ مبارك وتكلم معه بخصوص أهل الزبير، وطلب من الشيخ مبارك أن يعفو عنهم إكراما له حتى يسابلوا إلى الكويت (يتاجرون معها) (في وجه الله ثم في وجهكم). فقال له الشيخ مبارك في الحقيقة إنني لم أفعل إلا المعروف على أهل الزبير، لكنهم عاقبوني وعاندوا على غير تقصير وظلموا أنفسهم، وهم في حاجة إلينا، بينما نحن لا حاجة لنا عندهم، ومع ذلك كرامة لكم يصير خير. ولم يعط الشيخ مبارك جوابا صريحا.
ثم سارت الوقائع بين الحلف الذي كان يقوده الشيخ مبارك الصباح وبين آل رشيد على النحو التالي:
- في 3 من شهر سبتمبر وصل بشير من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى الشيخ مبارك بأنهم قد أخذوا من عشائر ابن رشيد أموالا كثيرة إضافة إلى الجمال والغنم، وقتلوا منهم نحو مائتين، وذكر أنهم مقيمون الآن في أطراف نجد، وأنهم سينالون من عشائر ابن رشيد. وقد خلع الشيخ مبارك خلعتين على البشير وسر غاية السرور للفتح الذي ناله عبدالعزيز بن عبدالرحمن (آل سعود). (/9/3 1900).
- عبدالعزيز ابن رشيد في "الحفر" وهو مكان يبعد عن الكويت مسافة أربعة أيام. وقد أرسل ابن رشيد مائة جمل إلى السماوة ليحضروا له علفا لدوابه وطعاما لعسكره وإلى الآن لم يعودوا إليه. والشيخ مبارك متنبه لحركات ابن رشيد، وجميع عشائر مبارك مجتمعون على حدوده على موارد المياه، وعند أي اعتداء من ابن رشيد فسوف يرد عليه ويحاربه والشيخ مبارك سيرسل عساكره من البلد إلى عشائره ليساعدهم عند أي طارئ. (/10/12 1901).
|