راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية

 
 
        

اخر المواضيع

 
 

 
 
العودة   تاريخ الكويت > منتدى تاريخ الكويت > التاريـــخ البحـــري
 
 

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-03-2010, 02:39 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي رحلة الغزير.. من الهند إلى الكويت - د. يعقوب الحجي

د.يعقوب الحجي


لحظة إنزال الغزير في كاليكوت



هذه كاليكوت، ذلك الميناء البحري الشهير عند ملاحي الخليج، الى هنا أبحر الكثير من السفن الكويتية والخليجية وعادت محملة بخيرات النيبار ساحل الهند الغربي، بعد ان احضرت معها تمور العراق الشهيرة، هنا عاش التاجر الكويتي المعروف يوسف الصقر والوكيل العام لتجار الكويت في تلك المدينة، هنا استقبل في منزله الكبير على ساحل البحر العديد من نواخذة (قباطنة السفن) الكويت وتجارها وساعدهم على تصريف بضائعهم وشراء أخشاب الهند الثمينة. لقد قضى معظم حياته هنا حتى انه أصبح وكأنه واحد من أهلها، الى ان اضطر في النهاية الى تركها والعودة الى الكويت. هنا في كاليكوت صنعت أكبر سفينة شراعية كويتية من نوع «البوم» والتي سميت بـ«نور البر والبحر»، وهنا صنعت السفينة المشهورة «المحمدي» لعائلة معرفي، ولقد صنعتا بواسطة مصمم كويتي جاء من الكويت، حيث الأخشاب متوافرة هنا والسعر مناسب. ولكن كاليكوت هذه الأيام تبدو شاحبة ساكنة بعد ان فقدت اهميتها التجارية ورونقها. فقد انقطع عنها ملاحو الخليج وجنوب الجزيرة العربية ولم يعد يبحر إليها سنويا سوى القليل من السفن. ولم يبق لها من أثر الا في منطقة «بيفور» حيث يقف الغزير بعد ان تم بناؤه.

طافت بنا سيارة الأجرة في شوارع كاليكوت الضيقة وقطعت مسافة الأحد عشر ميلا في ساعة تقريبا، ولما وصلنا آخر الأمر الى بيفور وقفنا عند مصنع عائلة بارامي، وهناك لمحنا من بُعد السفينة الغزير واقفة بانتظار إنزالها للبحر لأول مرة.
وفي العاشر من ابريل 1983 وقد اصطف جمع من اخوتنا الهنود على الرصيف ملقين نظرة اخيرة على الغزير واهله، وكان المنجمون الهنود قد أبلغوا حسين معرفي بضرورة الابحار بعد العاشرة صباحا والا تعرض الغزير للخطر.

وبالفعل فقد ابحرنا بعد الساعة العاشرة ليس لاننا صدقنا النبوءة ولكن لان المخرج توفيق ورجاله وصلوا متأخرين الى الغزير مما اخر موعد الاقلاع.
بدأت الرحلة بتلاوة بعض الآيات القرآنية بواسطة شريط مسجل ثم اصدر النوخذة ابو مبارك اوامره بالاقلاع، في البدء سحبت الحبال التي كانت تقيد الغزير بالرصيف، وبدأ في التحرك ببطء بعيدا عنه بينما اخذ افراد الطاقم يرمون الحشد من الهنود بعقود منا الياسمين ويلوحون لهم بالايادي مودعين وشاكرين لهم حسن ضيافتهم طوال هذه المدة، كنت انا والمصور صادق البلوشي ونواف الشمري قد ابحرنا قبل ذلك بقليل على سطح سفينة اخرى للنوخذة ابو مبارك سنقوم بجرها وراءنا خلال الرحلة، لذا فقد كانت الفرصة متاحة للاخ صادق كي يقوم بتصوير الغزير وهو يترك ميناء بيفور لاول مرة اما انا فقد كان في استطاعتي رؤيته وهو يشق طريقه عبر الامواج فأستطيع ان أتنبأ بخصاله الملاحية.

بدأ الغزير يقترب نحو مخرج الميناء، وقد لحقته بعض المراكب الصغيرة وعليها بعض الاصدقاء وافراد عائلة بارامي مودعين الغزير، وما ان خرج من الميناء الى البحر الواسع حتى وقف قليلا حتى نتمكن انا وصادق ونواف ان ننضم اليه ومع ان البحر لم يكن هائجا ذلك اليوم فاننا وجدنا من الصعوبة ترك المركب الصغير والتسلق الى سطح الغزير، خاصة الاخ صادق، الذي كان عليه المحافظة على كاميرته علاوة على نفسه، وتم ذلك والقينا نظرة اخيرة على ميناء بيفور الذي بدأ يغيب عن الانظار، كان الهواء منعشا والبحر ذا لون ازرق مائل للاخضرار وبعد حوالي نصف ساعة كنا في طريقنا شمالا في محاذاة الساحل الهندي.
بدأ الرفاق في اخذ مواضعهم على سطح الغزير والتعرف على ما فيه من اماكن ومعدات. بعضهم نزل الى السطح السفلي وجلس يتفحص الغرفة التي تحت السطح، في حين اكتفى البعض الآخر بالجلوس على السطح العلوي قرب مكان النوخذة والتفكير في هذه الرحلة التي ستستمر اسابيع عديدة واستمر الغزير في السير ولم نأخذ الوقت الكثير كي نلاحظ انه يسير بسرعة «4 ميل / الساعة» ولكننا توقعنا ان تتحسن سرعتنا مع مرور الوقت، وجلسنا نترقب موعد الغداء وقد كان لا بأس به، فأكل الجميع وعادوا الى اماكنهم. ثم اقبل الليل، ولم تتحسن سرعة الغزير، الا ان الهواء هب بشدة وكان من جهة الشمال، وهاج البحر وعلت الامواج وابطأ الغزير واصبح يصارع الامواج التي كانت تضربه بقوة في مقدمته، فيعلو رافعا جسده مرة، ليعود فيهوي بقوة محدثا دويا ليس من السهل تقبله او التعود عليه. كنت ارقبه على هذه الحال وكلي اهتمام وفضول، ترى هل سيصمد لتلك الامواج طوال الليل؟

واستمرت الحال على ما هي عليه، فلا الرياح هدأت ولا الامواج خففت من قسوتها، ولا الغزير استسلم لها. وبعد مدة اقبل علي الدكتور شكري وجلس بجانبي، وعلى وجهه كثير من التساؤلات. ثم همس في اذني قائلا:
«اذا كانت هذه هي الحال ونحن نرى ساحل الهند إلى جانبنا، فكيف بنا وسط المحيط؟».
وظل الجميع في صمت وهم يرقبون «الغزير» يرفع مقدمته ببسالة ليعود فيهوي مرسلا اصواتا مخيفة، وجاعلا الصواري تهتز وكأنها تستغيث، واستمرت الحال على ما هي، وتقدمنا قليلا وساحل الهند على يميننا آملين ان يتحسن الطقس وتهدأ الرياح. ولكن الحال بقيت على ما هي عليه، مما جعل ليلتنا الاولى وكأنها كابوس خيم على الجميع، بعضنا بقي صامتا لا يشارك الآخرين في افكاره، والبعض الآخر بدأ في تقييم الرحلة وابداء التحفظات حول امكانات الغزير في الصمود في عرض المحيط، كما بدأ البعض في الصلاة لاول مرة.. اما النوخذة ابو مبارك، فقد ظل ساهرا طوال الليل وعينه على الموج والغزير والرياح. اما مساعده المعلم جو فقد نام ساعة واحدة قام بعدها بأداء بعض الحسابات عن سرعتنا والمسافة التي قطعناها.

وطلع علينا نهار اليوم التالي، ونحن قرب احدى القرى الساحلية الهندية والطقس على ما هو عليه من غضب وقسوة، فأمر النوخذة ابو مبارك ان نعد العدة كي نقف بالقرب من احدى القرى الساحلية، وهو مكان يسمى جبل دلهي عسى ان يتحسن الطقس ونعاود المسير. وبالفعل فقد امر المجدمي او رئيس البحارة جمعة شهاب (ابو حسين) البحارة بالاستعداد ووقف بنفسه بالقرب من مقدمة «الغزير» ممسكا بالحبال، وادار صاحب السكان الدفة، واذا بالغزير يغير من اتجاهه جهة الشرق قاصدا الساحل، فلقي ذلك ترحيب جميع الرفاق. وما ان وصلنا بالقرب من الساحل حتى نزلت المرساة بسرعة ممسكة بالغزير في ذلك البحر المتلاطم. واخذ الجميع يراجع افكاره ومشاعره وجيء بالعشاء الذي تكون من الارز ومرق العدس وخبز الهند «الجباتي». واكل الجميع وعادوا الى اماكنهم في محاولة للنوم، ولو ساعة واحدة ريثما يتحسن الطقس ونعاود الابحار.

ألقيت نظرة على ساحل الهند من حولي، وقد حجب عني الظلام اشجار جوز الهند الممتدة على طوله، وكذلك بيوت القرية، وسمعت بعد مدة صوتا ينبعث من ذلك الظلام ويضع حدا لذلك السكون، لقد كان صوتا جميلا، وكان هادئا، لقد كان صوت المؤذن وهو ينادي لصلاة العشاء، لم أعجب بالطبع فساحل النيبار الهندي يسكنه الكثير من الهنود المسلمين. قمت من مكاني وذهبت الى السطح العلوي وهناك سمعت النوخذة يتكلم عن امكانية ذهابنا الى ميناء منغلور شمالا حتى نتمكن من اصلاح خلل حدث للمحرك والا اصبح عبورنا من الهند الى مسقط من الامور العسيرة. فرحت بذلك وتطلعت الى رؤية ذلك الميناء الهندي الذي طالما سمعت النواخذة الكويتيين يتحدثون عنه باعجاب. انه المكان الذي يصنع فيه حجر القرميد الذي يستعمل لتغطية اسقف البيوت في العديد من المناطق الهندية ومدن الساحل الشرقي الافريقي، والمكان الذي استقبل العديد من سفن الكويت وودعها بعد ان شحنت بمئات الاطنان من القرميد في طريقها مباشرة الى مدن الساحل الافريقي الشرقي، الى لامو وممباسا وزنجبار.

هدأت الرياح وهدأ الموج. وامر النوخذة بالاستعداد للاقلاع، فرفعت المرساة وبدأ مسيرنا شمالا الى ميناء منغلور. كان الطقس جميلا ولا شيء يدعو للشكوى باستثناء السفينة التي نجرها وراءنا والتي جعلت مسيرنا اكثر بطئا مما توقعناه. وبدت السماء صافية جميلة، وكأن هناك من امسك في يده النجوم ونثرها في السماء. ارسلت نظرة تأملية في هذا الفضاء الرحب من حولنا ارقب نجومه وتشكيلاتها المعروفة. ثم اقبل علي الاخ احمد معرفي المسؤول عن جهاز الاتصال في الغزير، وحلقة الوصل بيننا وبين العالم. ثم اخذ يتعرف على بعض هذه التشكيلات. اما باقي الرفاق فقد بدوا اكثر طمأنينة بعد ليلة البارحة وما فيها من اهوال، بعضهم اكتفى بالتحدث مع الآخرين بينما غط البعض الاخر في تفكير طويل، بعدها بدأ الجميع في البحث عن مكان يريحون فيه اجسادهم التعبة، اما انا فلم اجد مكانا للنوم الا فوق صندوق الطبخ في مقدمة السفينة، فالبحر هادئ على الاقل ولن اتعرض لماء البحر. ففرشت فراشي واستسلمت للنوم.

ربما كان في النصف الاخير من الليل عندما استيقظت على اصوات البحارة وهم يتكلمون بصوت عال مع بحارة السفينة الاخرى، ويتحركون من مكان الى اخر على سطح الغزير، وقفت والقيت نظرة على السطح العلوي للغزير حيث النوخذة ابو مبارك، واذ بي ارى معظم الرفاق وقد قاموا من نومهم ينظرون الى الخلف حيث تقف السفينة الاخرى، واذ بي اسمع احدهم واظن انه مجيد دشتي يصيح قائلا: «الكشاف.. الكشاف.. وجهوا ناحيتهم الكشاف». فقلت في نفسي يبدو ان الامر على درجة من الاهمية، ويجب على اذن ان اتوجه الى حيث وقف الجميع لعلي اعرف الذي حدث.
ركبت على السطح العلوي واذ بي ارى الاخ حسين معرفي والنوخذة وهما يتحدثان مع بحارة السفينة الاخرى، فبدأت بالسؤال واخبرت انها محاولة قرصنة من قبل احد الزوارق الصغيرة الهندية، قراصنة على ساحل الهند.. لم اكد اصدق ذلك وبدأت استوضح الامر فكان اول من اجابني هو الدكتور شكري الذي اكد لي ان قراصنة هنود ومعهم بنادقهم ركبوا على ظهر الغزير وبحثوا في كل مكان فيه، ولكنهم بعد ان فشلوا في العثور على شيء يستحق اعجابهم تركوه. قلت للدكتور: ان «الغزير» يحمل الكثير من الاشياء التي تعجب اخوتنا الهنود، ولكن الدكتور صمم على ان القراصنة لم يجدوا ما يعجبهم على ظهره. أما ابوحسين فقد ظن في بادئ الامر ان احد الخيوط المعدة لصيد الاسماك نشبت في الحبال التي تقوم بوصل السفينة الاخرى بالغزير وسببت بعض المشاكل. وأما القبطان الجوي النرويجي وصديقه، فقد كان لهما رأي آخر. لقد ظنا ان احد الزوارق مر في الليل فوق الحبال التي تقوم بجر السفينة خلفنا وسببت بعض الازعاج. أما الأخ حسين معرفي فقد ظن ان بعض البحارة الهنود على احد الزوارق الصغيرة ارادوا سرقة الغزير في ذلك الوقت من الليل. ولكنهم عندما اقتربوا منه عرفوا انه يحوي عددا لا بأس به من الرجال. لذا فقد ادعوا ان شباكهم قد نشبت بالحبال عن طريق الخطأ، وبعدها اختفوا عن الأنظار، ولكن الحقيقة هي ان بعض صيادي الاسماك الهنود كانوا بالقرب من الغزير فنشبت شباكهم في احد حباله فكان ما كان.

استمر مسيرنا شمالا باتجاه ميناء منغلور. كان الهواء معتدلا وكان يهب من جهة الشرق، وبدا ساحل النيبار وكأنه شريط اخضر من اشجار جوز الهند فوق رمل ابيض. وكان امامنا قرابة الساعتين ونصل إلى الميناء، وفجأة لاحظت ان الماء من حولنا اصبح مغطى بطبقة من الدهن أو ما يشبه الصدأ الأحمر، ولم أحتج إلى الكثير من الوقت كي اعرف انه ماء ملوث من احدى شاحنات البترول الكبيرة. تطلعت حولي ابحث عن صيادي اسماك، ولحسن الحظ لم اجد احدا، وبعد ذلك بدأنا بالاتصال بسلطات الميناء نخبرهم عن عزمنا على دخول الميناء وطلبنا منهم مرشدا لهذا العمل.
كنت قد سألت نفسي: لماذا نحتاج إلى مرشد لدخول الميناء؟ ولكن بعد ان اقتربنا من مدخله الذي يشبه المصيدة، عرفت السبب.. كان المدخل محاطا بالكثبان الرملية وحوله مياه ضحلة، أما الجانبان فهما عبارة عن لسانين من الرمل مرتفعين عن سطح الماء منذرين أي سفينة تحاول ان تقترب منهما.
بدأ المرشد يسير أمامنا باتجاه المدخل على حذر شديد، وقد لمحت احد بحارته يرسل كتلة من الرصاص يقيس بها عمق المياه في اتجاه المدخل.
(يتبع)

في الأسبوع المقبل: 14 يوماً في بحر العرب




رئيس البحارة جمعة شهاب



حسين معرفي



النوخذة (قبطان الغزير) محمد المسكتي


-
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رحلة العمر لعيون الكويت القرين المعلومات العامة 0 09-11-2010 02:37 AM
فلم المبحرون مع الرياح - رحلة الهند بدر اليتيم مقابلات اذاعية وتلفزيونية وصحفية 3 16-05-2010 07:12 PM
رحلة آل الصباح من الهدَّار إلى الكويت.. وإلى بحر المحّار IE تاريــــــخ الكـويت 2 23-03-2010 10:33 AM
رحلة إلى عروس الخليج - يعقوب الغنيم AHMAD المعلومات العامة 0 13-05-2009 03:25 PM
اللهجة الكويتية معاناة لزوار الكويت والمقيمين الجدد - جورج عاطف AHMAD التاريـــخ الأدبي 10 20-02-2009 04:19 AM


الساعة الآن 05:43 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت