راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية

 
 
        

اخر المواضيع

 
 

 
 
العودة   تاريخ الكويت > منتدى تاريخ الكويت > تاريــــــخ الكـويت
 
 

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-05-2008, 03:54 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي جولة في الأزمنة والأمكنة الكويتية (عبدالله الغنيم )

هذه جولة سريعة على بعض الأحداث التاريخية التي مرت بالكويت، وحديث عن بعض المواقع التي يحتاج المرء أن يعيد ذكرها بين حين وآخر فإن تغيُّر الأحوال السريع يؤدي إلى نسيان الكثير من أمور الزمان والمكان، ولا ندعي أننا نستطيع أن نُطيف بكل شيء في مقال واحد، ولكننا نقدم اليوم ما يمكن تقديمه، وسوف تكون هناك فرص أخرى لتقديم المزيد.
***
تنقسم هذه العجالة إلى قسمين:
القسم الأول، في الزمان: ويحتوي على ثلاثة موضوعات ندرجها فيما يلي:

ـ1 معركة الرقة

توفي في سنة 1776م الشيخ صباح بن جابر، وتولى الحكم مكانه ابنه الشيخ عبدالله بن صباح، وكان رجلا حازما، اتسعت في عهده تجارة الكويت، وكثرت رحلات سفنها بحيث امتدت إلى الهند وما حولها، وكان هذا الأمر من الأمور المهمة في حياة الكويت والكويتيين إذ صار البحر مورد رزق يُعدُّ له الجميع ما يستوجب الاستفادة من خيراته الكثيرة.
ارتاح الناس في ظل هذا الحاكم الحازم القريب من الحق، و أسفوا لوفاته حين توفي في سنة 1814م.
في عهد الشيخ عبدالله بن صباح حدثت معركة شهيرة في تاريخ البلاد هي معركة الرقة البحرية، ونحن اليوم نرمز اليها بمنطقة من مناطق الكويت الكبيرة هي منطقة الرقة على طريق الفحيحيل.
اشعل هذه المعركة جماعة من بني كعب كانوا يحكمون المحمرة، وكانوا يشاهدون التقدم السريع للكويت في المضمار الاقتصادي، ويرون النشاط المستمر الذي يبدو في تدفق السلع، وتدفق المشترين من البلدان المجاورة فأخذهم الطمع، ورغبوا في الاستيلاء على هذه الدرة الثمينة. لقد تحركت أطماعهم بالكويت، فخرجوا قادمين إليها من أجل احتلالها والقضاء على نظامها والاستفادة من الامكانات المادية المتاحة بها. ولكن أهالي هذا البلد لم يرضخوا لهؤلاء المغيرين، ولم يتيحوا لهم الفرصة لتحقيق مآربهم فخرجوا إلى السفن المعادية القادمة بالشر والهلاك، والتقوا بأعدائهم في منطقة الرقة البحرية وهي منطقة ذات مياه ضحلة بالقرب من جزيرة فيلكا، فاستطاع المدافعون ـبكل سهولةـ القضاء على أغلب سفن الأعداء، ثم رجعوا فائزين.
وكانت خطة الكويتيين قد استندت إلى استدراج سفن بني كعب إلى منطقة الرقة، وهذه الخطة كانت من أهم أسباب النصر، إذ كان المغيرون على غير دراية بطبيعة الموقع، غير عارفين بأن الابحار فيه لا يناسب سفنهم الكبيرة، فوقعوا في كمين لم يستطيعوا الخروج منه.
وعلى النقيض من بني كعب فقد كان أبناء الكويت يعرفون جيدا طبيعة بلادهم برا وبحرا، ولهم خبرتهم الطويلة بها، وهذه المعرفة المتراكمة لديهم عبر تاريخهم في وطنهم دليل على صحة القول بأن تاريخ تأسيس الكويت كان يسبق بكثير الزمن الذي ذكرت بعض كتب التاريخ انه كان في وقت يصل إلى سنة 1715م على حين أن المعركة المذكورة تدل على شيء آخر، فهنا شعب محارب يمتلك السفن والخطط حاكمه الثاني بدأ حكمه في سنة 1776م ومن غير المعقول ان يكون التاريخ الذي ذكروه صحيحا بل ان الاقرب إلى الصحة هو التاريخ الذي أكدناه مرارا وهو سنة 1613م
هذا ولم تترك الكويت مناسبة إلا واغتنمتها من أجل الثأر من هؤلاء الذين هجموا عليها دون أن تتسبب لهم بأذى، ولذا فقد قام الشيخ جابر الأول وهو ابن الشيخ الذي قاد معركة الرقة بعد أن تولى الحكم في سنة 1814م باغتنام الفرصة التي أتيحت له، ففي عهده شاركت الكويت بأول مجهود حربي خارج حدودها إذ أقدمت على إرسال جنودها إلى المحمرة لتأديب بني كعب بناء على التماس من الحكومة العثمانية، عندما طردت قبيلة بني كعب جند الحكومة العثمانية من المحمرة فهب جابر لاستردادها من أيدي الغاصبين.
وقد كان الاهتمام بهذا العمل من أجل تحقيق رجاء تلك الدولة من جهة، ومن أجل الرد على الاعتداء الكعبي الذي تم في عهد الشيخ عبدالله بن صباح على الكويت.
ـ2 الشيخ مبارك الصباح والدولة العثمانية

نمت أطماع الدولة العثمانية في الكويت في زمن الشيخ مبارك الصباح أكثر من أي وقت آخر، ولعل من أهم مادفعها إلى ذلك هو خضوعها للضغوط الالمانية التي كانت تشجع الدولة العثمانية على مضايقة الكويت رغبة في الحصول على موضع قدم لها في منطقة كاظمة.
ولم يحصل العثمانيون من كل محاولاتهم على شيء يؤثر على استقلال وحرية الكويت، ولم تكن هذه البلاد تابعة لهم في يوم من الأيام، وليست جزءا من أي بلد من البلدان التابعة لهم، غير ان هذه الاطماع التي حركتها المانيا أثارت غرائز عدد من الولاة العثمانيين فحاولوا أن يضيقوا على الكويت حتى تستقيم لهم أمورهم، وكانوا يقومون بذلك بعيدا عن توجيهات قياداتهم في العاصمة العثمانية، وهنا ندرج أمرين:
الأول: هو أن الألمان عندما جاؤوا إلى الكويت بغرض بحث الاستفادة من موقع كاظمة مع الشيخ مبارك كانوا يقدمون له مغريات كثيرة مالية واقتصادية وعمرانية، ولو كان الأمر متعلقا بما ظنه بعض الناس لحضر الجيش العثماني، واستولى على المكان دون أن يقدم الألمان أية مغريات.
والثاني: هو أن برقية وصلت إلى الشيخ مبارك في شهر نوفمبر لسنة 1899م من الجانب العثماني (الباب العالي) تفيد بأن أي موضوع يريد بحثه أو حاجة يرغب بها، فإن عليه طلبها من الباب العالي في اسطنبول مباشرة وألا يكون له اتصال مع والي البصرة أو والي بغداد.
وفي هذا دليل قاطع على عدم الربط بين الكويت والعراق في العهد العثماني حين كان العراق محكوما منه.
والعجيب أن المخالفة التي كان الولاة العثمانيون في العراق يرتكبونها بحق الكويت دون ان يكون لهم حق فيها، أو عندهم تفويض بها هي التي كبرت في أذهان العراقيين منذ أيام الملك غازي، وللاسف الشديد أن بعضهم لايزال إلى اليوم يعتقد بما نفته العاصمة العثمانية (اسطنبول) وطلبت من الشيخ مبارك الصباح عدم الاعتداد به، وحتى هذه الرسالة التي أشرنا إليها لم تكن تتضمن شيئا يتعلق بالغض من استقلال الكويت وحريتها، بل كانت تنبئ الشيخ بأن هؤلاء ليس لهم الحق بأن يطلبوا منك أي شيء وأنت إذا أردت شيئا فإنك تستطيع طلبه مباشرة.
وهناك الكثير من الأمور التي تؤيد ذلك من وثائق ومراسلات، وهي كلها تتعلق بالدولة العثمانية قبل انهيارها في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914م)، وكان الشيخ مبارك الصباح قد أعلن إقدامه على خوض الحرب ضد تركيا بسبب الأعمال التي قامت بها ضده، ثم بسبب احتلال أجزاء صغيرة من حدود الكويت وبخاصة في جزيرة بوبيان وما جاورها. وقد لعب الشيخ دورا نشطا في الأعمال الحربية ضد الاتراك في البصرة، وباعتباره شريكا في الحرب فإن له حق المنتصر، وقد تضمنت معاهدة سيفر لسنة 1920م، ومعاهدة لوزان لسنة 1923م، وجهة نظر القانون الدولي حين فرضتا قيوداً محدَّدة توضح الموقف من الدولة العثمانية وممتلكاتها السابقة، ولم يكن وضع الكويت مثل وضع العراق لا من الناحية الواقعية ولا من الناحية القانونية. (أنظر: كتابنا الكويت تواجه الأطماع ص 102).
وما ينبغي أن يقال لدحض الإدعاءات المشبوهة كثير جدا ولكننا نكتفي بما تقدم.
ـ3 الشيخ مبارك الصباح في مؤتمرين:
للشيخ مبارك أهميته في المنطقة المحيطة كلها وليس في الكويت وحدها، فهو دائم الاتصال بالمسؤولين حوله، دائم التعرف على الاخبار والأحداث المحيطة بحيث صار موضع ثقة من يحتاج إلى مشورة إذ يجدها عند هذا الرجل المجرب الذي كفل لنفسه الإحاطة بكثير من المعلومات حتى صار له تأثير كبير في بعض دوائر الحكم وبخاصة في موقع مثل عاصمة العثمانيين اسطنبول حيث كان له تأثير على بعض القرارات هناك حين سعى إلى عزل والي تركيا لدى البصرة ووضع آخر بدلا منه، وقد تحقق له ذلك.
إذن فلا غرابة أن يدعى إلى أي مؤتمر تبحث فيه أمور تتعلق بالحياة المشتركة لدول متجاورة، وقد حدث أن شارك في مؤتمرين مهمين بهذا الخصوص هما:
أولا: ما أطلق عليه مؤتمر (الفيلية) وهي عاصمة المحمرة، وقد تم عقد هذا المؤتمر في شهر مارس لسنة 1909م، وتم عقده في قصر الشيخ خزعل بن مرداو في عاصمة حكمه، وقد حرص الشيخ خزعل على حضور الشيخ مبارك الصباح للاستنارة بآرائه حول الأمور المطروحة، وإلى جانب هذين الشيخين حضر كل من سعدون باشا زعيم قبائل المنتفق، وعدد من رجال المنطقة، وكان الداعي إلى هذا اللقاء ما كان يعانيه الزعماء من مشاق يسببها رجال الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على تلك المواقع وعلى الأخص البصرة، وعلى الرغم من أن العثمانيين قد اتخذوا خطوات أكثر تشدداً عند معرفتهم بما دار في المؤتمر إلا أن المشاركين استمروا في البحث عن طريق مناسب حتى بعد انفضاض الاجتماعات، وهذا حديث يطول لو أردنا الاستمرار فيه.
ثانياً: ما سُمي »مؤتمر المحمرّة« الذي عقد في سنة 1913م، وكانت الدولة العثمانية ـآنذاكـ منهمكة في حربها في البلقان، وكان ينبغي أن يجتمع رؤساء المنطقة من العرب لكي يبحثوا في أوضاعهم ومستقبل بلادهم في ضوء ما يتهدد العثمانيين من انهيار، وفي ضوء تراجع العلاقات العربية التركية تراجعاً ينذر بانقطاع الصلات بين العرب وتركيا أو على الأقل ينذر باتخاذ الدولة التركية إجراءات مشددة ضد العرب، وهذا هو ما حدث بعد المؤتمر الذي عقد في المحمرة وحضره الشيخ مبارك الصباح والشيخ خزعل والسيد طالب النقيب، إذ قد أثار هذا اللقاء ثائرة الأتراك فاندفعوا إلى إصدار قانون جديد ينظم الولايات التركية ومنها ولاية البصرة مما دفع السيد طالب النقيب إلى الاحتجاج، ورفض القانون مع المطالبة بإبعاد من يعادي العرب من موظفي تركيا، وطلب من الشيخين مبارك وخزعل مساعدته بالسلاح تحسباً لما قد تخفيه الأيام بحسب التوقعات التي ينذر بها الوضع آنذاك، بل مضى إلى أكثر من ذلك حيث دعا إلى عقد مؤتمر في الكويت يضم كافة زعماء الجزيرة العربية للبحث في المشكلات الناجمة عن هذه الأوضاع، ومن ثم البحث في الأمور المستقبلية لأبناء المنطقة.
لقد كان الشيخ مبارك الصباح عضواً بارزاً في هذين المؤتمرين، وكان اهتمامه بأوضاع المنطقة كبيراً كما كان معارضاً للأعمال العنصرية التي كان يقوم بها الأتراك ضد العرب، وهم في بلادهم دون عدالة أو مراعاة للأهالي الأصليين. (انظر: كتاب مبارك الصباح للدكتورة سعاد الصباح، وكتاب: الشيخ خزعل، أمير المحمرة لعدد من الكتاب).
***
والقسم الثاني» في المكان: ويحتوي هو الآخر على ثلاثة موضوعات هي:
ـ1 بلُّوقَة
هذا موقع من المواقع الكويتية، وهو وإن لم يكن معروفاً اليوم بهذا الاسم إلا أنه معروف بالصفة الدقيقة الدالة عليه.
ذكرت في كتابي »كاظمة في الأدب والتاريخ« أن بلوقة من الأماكن القريبة من كاظمة. وهذا أوان تقديم بعض التفاصيل لهذا القول.
نقل ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان أن »بلوقة ناحية فوق كاظمة قريبة من البحر«، وقال البكري في كتابه »معجم ما استعجم«: »ان بلوقة بناحية البحرين فوق كاظمة«، وإذا عرفنا أن العرب كانت تطلق على هذه المنطقة اسم البحرين تبين لنا أنه يقصد البلوقة المكان الذي في الكويت بدليل ذكره لكاظمة.
بلوقة اليوم موقع فوق كاظمة إلى الشمال الشرقي منها، وهو لا يسمى بهذا الاسم حاليا، ولكنه يسمى »الرخام« والرخام كما ذكرت في مكان آخر تلال متناثرة بالقرب من الصبية في شمال الكويت، وهي منطقة صحراوية خالية، وقد جاءت تسميتها بسبب ارتباطها بنوع من العشب ينبت فيها هو: الرخام. وبجوار هذا الموقع مفيض ماء تغمره السيول في موسم الأمطار يسمى »شعيب الرخام«، وبجواره ـأيضاـ مرتفع صغير يسمى »ضليع الرخام«.
وإذا قرأنا ما كتبه ابن منظور في كتابه »لسان العرب« توصلنا إلى السبب الذي يدعونا إلى القول بأن هذا الموقع المسمى حاليا »الرخام« هو ما كان يُسمى« ـفي القديمـ بلوقة. يقول بعد ذكره لعدة معان لكلمة بلوقة: »البلوقة مكان فسيح من الأرض بسيطة تنبت الرخامَى« والمكان الذي نتحدث عنه هو هذا الذي ذكره ابن منظور، وإذا كنا قد ذكرنا أن به بعض التلال المتناثرة بينما يقول صاحب كتاب »لسان العرب« أنه في أرض منبسطة فذلك لا يغير في الأمر شيئا، إذ قد تكون هذه التلال قد تكونت بعد العهد الذي كتب فيه كتابه بفعل الرياح وتغير سطح الأرض نتيجة لنشاطها في هذا المكان الصحراوي.
تحدث شيخنا الاستاذ حمد الجاسر عن بلوقة في كتابه »المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية« على الرغم من أن هذا الموقع ليس من البلاد السعودية، وهي عادة سار عليها شيخنا في كثير من المواضع في الكويت وغيرها من دول الخليج.
قال عن بلوقة بعد أن أورد أقوال القدماء عنها: »وقول المتقدمين عن بلوقة: انها فوق كاظمة يقصدون في الأعم الأغلب لمن كان في العراق، فهي على ذلك دون كاظمة في نواحي منطقة الكويت«، ولا أدري لم اختار الشيخ هذا الرأي، ولم لا يكون الموضع فوق كاظمة لمن جاء من الجنوب كما بينا في حديثنا عن الرخام= بلُّوقة.
ـ2 الشعيبة:
وضع موقع الشعيبة اليوم يختلف شكلا عن الوضع الذي كان عليه في السابق، فكثير من أبناء هذا الجيل لا يدركون وضع هذه القرية الجميلة قبل أن تحيق بها لعنة النفط إن صح هذا التعبير.
كانت هذه القرية تعيش وادعة هادئة على ساحل الخليج، على بُعد 44 كيلو مترا جنوبي العاصمة. وكانت قليلة المباني ولكنها قرية تفيض بالحيوية والنشاط، فعلى الرغم من المساكن المبنية من الطين على الطراز الكويتي القديم إلا أن سكانها كانوا ينشطون في مجالات شتى منها المشاركة في رحلات الغوص والسفر وصيد الأسماك، وكانت فيها باقي المقومات الأخرى من مساجد ومدارس، وتقوم الحكومة بإمدادها بالخدمات الصحية الملائمة.
سميت »الشعيبة« بهذا الاسم نسبة إلى شعب كبير تقع القرية عند مفيضه إلى البحر، ومازال هذا الشعب أو الوادي ماثلا للعيان.
ورد ذكر الشعيبة في الخرائط العالمية القديمة، ومنها خريطة كارل ريتر التي نشرها في كتابه »علم الأرض« الذي طبع في ألمانيا سنة 1818م، ومنها ما ورد في الأطلس الذي نشرته جمعية نشر المعلومات النافعة في لندن سنة 1840م، ومنها خريطة »هول بري« المنشورة في المملكة المتحدة سنة 1856م وهي تقع على غربي خط الطول 48.8ْ شمالي خط العرض 29.2ْ.
في أواخر ستينيات القرن الماضي بدا أن هذه القرية الجميلة صارت تتعرض إلى التلوث من جراء أعمال النفط التي أحاطت بها من كل جانب، وأصبحت المعيشة فيها صعبة على سكانها فتم نقل الجميع إلى منطقة الصباحية التي كانت قد أنشئت في تلك الفترة، وصارت الشعيبة مُفرَّغة للأعمال السائدة حولها، فهي الآن مخصصة للصناعات المختلفة، وبخاصة المعتمد منها على النفط، وبها محطة لتحلية المياه وتوليد الطاقة وتصفية النفط وبها ـأيضاـ ميناء تجاري مهم.
وهذه بعض الملاحظات حول القرية القديمة:
ـ1 كانت القرية مسورة من ثلاث جهات، وكانت الجهة البحرية مفتوحة. وهي من الأماكن التي أحبها الشيخ جابر المبارك الصباح فهو يقضي فيها أوقاته في الصيف وفي الربيع، وسوف يأتي ما يؤكد ذلك.
ـ2 ألف جمال الدين الربكي كتابا في سنة 1817م أسماه »لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب« ولما كان هذا الكتاب مليئا بالتخليط والتلفيق، فإنه لابد لنا من الرد على ما جاء فيه عن منطقتنا فهو يقول:
»لا يخفى على السامع أنه من الكويت الى الظهران، وهو موضع قريب من القطيف على أربعة فراسخ من جانب الشمال ـوهو اليوم خرابـ هذه الأرض يقال لها العدان، وليس فيها بلدان مسكونة، بل بعض المواضع تسكنها في الصيف عرب بني خالد مثل العماير والصبيح، وهي: الفنطاس والفنيطيس جنوب الكويت مسافة يوم من جهة الجنوب«.
وفي كلام صاحب لمع الشهاب كثير من التخليط، ففي عهده كانت الفحيحيل والفنطاس وأبوحليفة والشعيبة من المناطق الآهلة بالسكان، وكان لسكانها مشاركة في شؤون الحياة الكويتية، بما في ذلك القيام برحلات صيد اللؤلؤ باعتبارهم يعيشون على مواني البحر، ومدنهم تشكل مواني طبيعية لإيواء السفن، وفي هذه المنطقة التي أشار إليها الربكي، ولاسيما في الفنطاس، حياة ثقافية وفنية متميزة في حدود الإمكانات المتوافرة آنذاك، وقد برز فيهم شعراء وفنانون لم يكونوا ليبرزوا لولا الاستقرار الدائم والحياة الحافلة بالنشاط في موقعهم ذاك.
ـ3 ذكر لوريمر هذه القرية في كتابه »دليل الخليج« فقال عنها: »الشعيبة: تقع على الساحل وتبعد 24 ميلا جنوب الجنوب الغربي لبلدة الكويت«.
وذكرها في موضع آخر قائلا: »قرية ساحلية صغيرة في منطقة العدان في إمارة الكويت، وتتكون من 15 منزلا تقع في داخل حصن مخرب، وسكانها عبارة عن 20 أسرة من قبائل عربية مختلفة، وبها عشر آبار عذبة المياه على عمق 16 قدما«.
ولدى الأهالي 150 نخلة وبعض الأشجار الأخرى، ويزرعون القليل من الشعير والخضراوات، كما أن لديهم ثلاثة قوارب أو أربعة لصيد اللؤلؤ، والقرية عبارة عن منتجع ريفي لسكان مدينة الكويت«.
كما ذكرها الشيخ عبدالعزيز الرشيد بقوله: »الشعيبة هي أقصى قرية في الجنوب وعلى بُعد ثلاثين ميلا عن الكويت«.
وذكرها ديكسون بقوله »الشعيبة» وهي آخر قرية ساحلية إلى أقصى الجنوب في منطقة العدان، وهي أيضا من قرى القصور، وتقع هذه القرية على بعد 27 ميلا إلى جنوب الجنوب الغربي من مدينة الكويت، وفيها 100 منزل يسكنها أصحابها بصورة دائمة، وعدد من المنازل الصغيرة تدعى (حوطة) تسكن من وقت إلى آخر، وفيها أيضا أنقاض قلعة كانت في يوم من الأيام المصيف المفضل لدى الشيخ جابر بن مبارك الصباح. وفي القرية عشرة آبار تحتوي على مياه صالحة للشرب على عمق 15 قدما، وهناك أيضا حوالي 150 شجرة نخيل، وبعض أشجار السدر، وقليل من زراعة الشعير والخضار، ويملك سكان القرية مركبا أو مركبين« ثم يعقب قائلا: »إن قرية الشعيبة آخذة في التوسع والازدهار، وهي تقع مباشرة إلى جنوب المدينة الحديثة على ميناء الأحمدي«.
ـ4 كانت هذه القرية موضع الهام للشاعر محمود شوقي الأيوبي الذي كان يعمل في مدرسة البنين بها، وقد كتب قصائد كثيرة من هناك تضمنتها دواوينه الشعرية المطبوعة، وقد كان هناك منذ سنة 1955م.
ـ5 وكانت ـ كذلك ـ موقع إلهام للشاعر النبطي عبدالله بن غصاب الذي كان يعيش هناك، ويقول الشعر معبرا فيه عن مشاعره مراسلا بقصائده لعدد من الشعراء ذكرنا منهم الشاعر فهد العبدالمحسن الفهد (الخشرم) وله قصائد مُغَنَّاة منها القصيدة التي غنتها الفنانة عايشة المرطة ومطلعها:
شً الراي يا أهل الهوى شً الراي
الشوق عزَّم على غر بالي
وبعد» فهذا تسجيل للصورة التي كانت عليها قرية الشعيبة وما حل بها، ولا أشك في أن من أبنائها من يستطيع أن يكتب تاريخها وتاريخ رجالها، وأن ينشر ما يجده من صور عنها وعنهم، فهل من مجيب؟
ـ3 العاقول والمطبة:
من المواضع التي زالت من الوجود إلا دلالات باهتة تدل عليها موضعان هما: العاقول والمطبة. كلاهما في منطقة الشرق داخل السور الثالث، وكلاهما زال من خرائط الكويت ما عدا الدلالات الباهتة التي أشرنا إليها مثل اسم دوار العاقول، ودوار المطبة.
يقع دوار العاقول عند تقاطع شارع الشيخ أحمد الجابر الصباح والشيخ جابر المبارك الصباح يطل عليه مبنى عال كبير كان في يوم من الايام مقرا للهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، والعاقول كما قال داود الانطاكي في كتابه: »تذكرة أولي الألباب« هو: »شوك الجمال، وهو نبت معروف ترعاه الإبل كثير الشوك فيه حدة، وله زهرأبيض وأصفر، كما له فوائد في الطب الشعبي«.
ومنطقة العاقول التي نتحدث عنها تحيط بالدوار الذي ذكرناه والذي حلت محله إشارات مرورية. وقد كانت هذه المنطقة آهلة بالسكان، ويبدو من شعر الشاعر الشعبي فهد بورسلي أنه كان من سكانها فهو يقول في إحدى قصائده التي تترد على ألسنة المغنين:
وأنا فهد من هل العاقولْ
والقلب ساكن فريج ثاني
وأولها قوله:
شقول يا أهل الهوى شقولْ
هذا نصيبي من الخلان
وشْفي يديني على المجمولْ
يرضى الضحى والعصر زعلان
وهذه الابيات الثلاثة تدل على أن العاقول منطقة سكنية أو فريج من الفرجان القديمة فهذا الشاعر من سكانها، واستعماله لكلمة فريج ثاني دلالة واضحة على الفريج الأول وهو فريج العاقول.
شهدت بنفسي بقايا نبات العاقول قبل أن يزال وهو مطابق للوصف الذي ذكره داود الانطاكي في تذكرته.
أما المطبة فقد كانت منطقة سكنية كاملة، بقي من آثارها مدرسة النجاح التي تأسست في سنة 1949م ومسجد شملان بن على آسيف الذي أنشأه في سنة 1893م. وبقي دوار المطبة الذي هو في تقاطع شارعي طارق بن زياد وعبدالله الأحمد، وكانت بها الكتاتيب، وبها شاوي المطبة الشهير الذي يردد الأطفال هذه الأهزوجة عنه:
كيا شاوينا
شاوي المطبه
صيح على امه
يبي ارطبه
وكان في طرفها الشرقي أمام مبنى هيئة شؤون القصَّر مركز توزيع المياه القديم، وكنا نسميه بركة الماء، وهو من أعمال شركة ماء الكويت التي تأسست في سنة 1939م وعندها تنتهي سيارات الأجرة التي تنقل الناس من السوق إلى شرقي المدينة وكان يطلق على هذا النوع من العمل: سرَة شرق.
وهي حاليا بامتداد شارع عبدالله الأحمد من هذه النقطة التي أشرنا إليها غرباً حتى الدوار، ثم تمتد شمالا حتى تتاخم مساكن منطقة شرق المعروفة.
ولا يعرف سبب تسميتها بهذا الاسم إلا أنها في هذا الطرف من العاصمة تمثل هبوطا أرضيا، في مقابل النفود المقابل لها في غربي البلاد وهو التل الذي بني عليه المستشفى الأمريكي، فكأن الذي يأتيها يطب فيها أي يقفز هابطا إليها، وقد ذكر البعض أن ذلك الاسم راجع إلى أن بعض الصبية كانوا قد صنعوا خرما في السور الثاني للبلاد، فكانوا يقفزون منه من جانب إلى آخر، وفي رأيي أن هذا الرأي لا صحة له لعدة أسباب، منها:
ـ1 ذكر الشيخ يوسف بن عيسى أن بداية هذا السور من الشرق هي عند جناح نقعة ابن نصف الشرقي، وكان له هناك باب يسمى »دروازة بن بطي« شرقي بيت ابن نصف وبالإمكان استعمال هذا الباب لمن يريد الخروج والدخول.
ـ2 أن الهبوط من الفتحة المزعومة لا يؤدي إلى منطقة سكنية كبيرة كما ذكرنا عنها، ولكنه يؤدي إلى الوصول إلى خلف السور مباشرة فكيف تمتد هذه البقعة لتشمل مساحة كبيرة كهذه.
ـ3 أن عبور أبواب السور في غير الأوقات المقررة ممنوع، فكيف يسمح بهذا الاختراق الذي إن صح وهو غير صحيح سوف يفقد السور قيمته، ويعرض البلاد لهجوم من يريد بها شراً.
ـ4 يمتد سور الكويت الثاني ـ غرباًـ الى موقع متحف الكويت الوطني، ولم نسمع بوجود أي خرم فيه، ولو كان الأمر في المطبة كما ذكر البعض لوجدنا خروما أخرى مشابهة تنتج عنها مطبات كثيرة، وهذا ما لم يحدث.
وعلى ذلك فإن الأرجح أن تكون التسمية قد أتت من شكل الأرض هناك فهو منخفض فكأن من يصل إليه قد وثب إليه وطبَّ فيه كما نقول في لهجتنا.
المطبة والعاقول كانتا منطقتين واضحتي المعالم، وكان السكان يميزون بينهما، وقد رسم المرحوم الشاعر عبداللطيف عبدالرزاق الديين خريطة للعاصمة كما كانت عليه في السابق أوضح فيها هذين الموقعين. فموقع المطبة هو خلف الجزء الأخير من سور الكويت الثاني الذي كان ينتهي عند إشارة المرور عند تقاطع شارع الخليج العربي مع شارع خالد بن الوليد، وتمتد جنوباً إلى تقاطع شارع الشيخ أحمد الجابر وشارع خالد بن الوليد وهو نهايتها الشرقية أما بدايتها مع الغرب فموضع اختلاف، ولكننا نستطيع أن نقول أنها تبدأ من عند الدوار الذي تقع عليه مكتبة البابطين حاليا، وتمتد مع شارع عبدالله الأحمد إلى الشرق. وضمن هذه المنطقة فريج مشهور هو فريج الزهاميل.
أما العاقول فيمتد من شارع خالد بن الوليد غربا حتى شارع جابر المبارك شرقا وتقع المقبرة التي تسمَّى مقبرة هلال ضمنه ويحده من الجنوب شارع الشيخ أحمد الجابر، وأما من الشمال فالمقبرة والامتداد معها إلى الشرق، مع مضي الوقت تداخلت المنطقتان وكاد اسم المطبة أن يغطَّي منطقة العاقول بكاملها لولا أن بلدية الكويت قامت بتدارك الأمر حين أطلقت اسم العاقول على الموقع الذي أشرنا إليه، وهو عبارة عن تقاطع على شارع الشيخ أحمد الجابر. وعلى هذا فإن بعض الأماكن التي أشرنا إلى وجودها ضمن المطبة كمدرسة النجاح مثلا إنما هي في الأصل في منطقة العاقول، ولكن الأمر كما ذكرنا تفصيلا.
***
لعل في ما تقدم فائدة تجدد الأمل في مواصلة الحديث، وسوف نرى كم هو واسع هذا المجال التاريخي الجغرافي، ذلك لأن الكويت لم تحظ في السابق بما يغطي أخبارها التي تناثرت بفعل الزمان. ولا أملّ من تكرار الرجاء إلى كل من لديه القدرة على الإسهام في العمل المؤدي إلى تسجيل كل شيء عن الكويت أن يتقدم متسلحا بالصدق والوثائق، واضعا بين عينيه مصلحة وطنه.

تاريخ النشر: الاربعاء 14/5/2008 - الوطن
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جولة مع أسماء المناطق الكويتية الأديب المعلومات العامة 12 01-11-2013 11:15 PM
في أسماء الأماكن الكويتية - يعقوب الغنيم AHMAD المعلومات العامة 0 02-07-2010 03:01 PM
من أحاديث اللهجة الكويتية - يعقوب الغنيم AHMAD التاريـــخ الأدبي 1 03-06-2010 09:49 AM
العلاقات الكويتية العمانية القديمة - يعقوب الغنيم AHMAD المعلومات العامة 18 26-11-2009 02:07 AM
تلفزيون دولة الكويت في مجلة قديمة - 1964م - يعقوب الغنيم AHMAD المعلومات العامة 0 10-06-2009 02:51 PM


الساعة الآن 04:32 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت