راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية
  #1  
قديم 07-10-2009, 01:06 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي ضويحي بن رميح - يعقوب الغنيم

هناك مقولة مشهورة تقول: «الشعر ديوان العرب» بمعنى أنه سجل يدون أحداث أيامهم، ويصور حياتهم ويحفظ ذكرهم. والشعر النبطي الكويتي هو سجل الكويت منه نستمد الكثير من المعلومات التاريخية والاجتماعية، فالشاعر النبطي عادة إنسان بسيط يعايش الناس ويحدث له ما يحدث لهم، ويعبر عن كل ما يشاهده من أمور الحياة التي تطرأ حين مشاهدته لها فهو العين التي تراقب وتسجل وتحفظ.

وضويحي بن رميح الشاعر الكويتي الذي توفي في سنة 1907م، واحد من هؤلاء الشعراء الذين جاء شعرهم مرآة صادقة لعصرهم. لقد ولد هذا الشاعر في الكويت وعاصر فترة من حكم الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح (1850ـ1814م) وكانت وفاته في زمن حكم الشيخ مبارك الصباح.
تعلم هذا الشاعر القراءة والكتابة، ثم التحق بالعمل في مجال البحر منذ بداية شبابه وظل يمارس هذه المهنة إلى أن توفي. وكان هذا مجال عمل مفتوح يستطيع كل من عنده القدرة الجسمانية الانخراط فيه لأن حاجة السفن إلى العاملين في ازدياد مع الزيادة المطردة في النشاط البحري في الكويت. ضويحي بن رميح شاعر موهوب له قصائد متنوعة وله قصائد يرددها الناس حتى يومنا هذا، ومنها هذه القصيدة التي شاعت على الألسنة منذ أبدعها الشاعر ولا تزال تسمع في حفلات الأعراس وهي:

مبارك عرس الاثنين
ليلة ربيع وقمره
يا المعرس اذبح خروفين
وإلا عليك الملامه
وإن كان ماكو خروفين
عيشي وكثر ايدامه
من عانك الله هل امعين
ربعك رجالي نشامه
عروسنا زينة العين
بنت الشرف والكرامه

وكنا نسمع هذا الغناء دون أن نعرف قائله حتى قام الأستاذ عبدالرزاق العدساني بتحقيق ونشر ديوان الشاعر ومنه عرفنا نسبة هذه الأبيات إليه.
ومن قصائده المشهورة أيضا:
يا جر قلبي جر لدن العضون
اغصون سدر جرها السيل جرا
على الذي مشيه تخطن بهون
وعصير ما بين الفريجين مرّا

وله أخرى مشهورة أخطأ عدد من الناس بنسبة بعض أبياتها إلى شعراء آخرين وهي:
أحب الخضر يوم ان لي صاحب خَضَرْ
وابا هي بْزينة جملة البيض واماري
مجيّه نهار العيد سبب لي الكدر
ومن حين شفته يا سعد ضاعت أفكاري

ولكننا لانريد الخوض في حديث يتعلق بهذا النوع من أشعاره، بل إن ما يعنينا هو البحث عن مظاهر الحاضرة والبادية في شعره.

***

كان شاعرنا من سكان منطقة القبلة، وقد أوحى إلينا في إحدى قصائده بما يدل على موقع سكنه حين قال وهو في الغوص يتشوق إلى موطنه ويقارن بين موقعه هناك، والبلد الذي ولد وعاش على ثراه فنجده يقول:
أخير من شوف ابو عينين وبروجه
شوفة غميضه ومسكنها واهاليها
نفسي بوسط الكويت تصير مبهوجه
بلادي اللي من الأوطان مغليها
عيني من البعد يا الأجواد مزعوجة
هني من شاف داره واهتنا فيها

وهو يتحدث في شعره عن الفرجان، والدكاكين المجاورة، ويصف ما يلاقيه في حياته ضمن المنطقة التي يعيش فيها، وقد مر بنا قوله:
على الذي مشيه تخطن بهون
وعصير ما بين الفريجين مرا

ويقول داعيا لوطنه:
يا الله عسى برق تزايد لميعه
يمطر على جبله وشرق الغمامي
عله على الاحواد يضفي ربيعه
يضفي على دار الشيوخ الحشامي

وفي قصيدة أخرى يتجه إلى أخيه سعد بن رميح وهو في القصيدة (ابو فهد) فيتحدث إليه عن محبوبته واسلوب حديثها، وتحركها في الفريج تلبية لرغبات أهلها، ويصفها وصفا شاملا، ثم يبث شكايته إلى أخيه مدعيا أن أهلا لمحبوبة قد منعوه منها وحالوا دونه ودونها:

هرجة عشيري يعلم الله قروضات
نخي وفيه من الملبس نمونه
يضحك ويظهر لي من الحب شارات
والموت يطرخ في محاجر عيونه
والعنق عنق بريق وردوف نبهات
يا ويل من مثلي شكي من طعونه
لي راح منهم يشتري له غريضات
صوب الفريج اللي هله يندبونه
أخاف يقطع منه لولو ودانات
والا بعد بعيونهم يحسدونه

وهكذا نراه يتحدث عن الفريج، وعن الدكان الذي يذهب إليه المحبوب لشراء ما يحتاج إليه أهله من (غريضات) فتقرأ القصيدة وكأنك تعيش معه في مكانه وفي زمانه وذلك لفرط رقته وإحساسه وجودة شعره.

وعندما يتحدث عن السفر أو الغوص، فاننا نجد حنينه المتزايد إلى وطنه، وشكواه من البعد ومما يعانيه من شظف العيش وشدة النوخذة، وهو يرى أن البحر مورد من موارد الرزق، ولكنه مورد محفوف بالاخطار، وأكبر ما يعانيه عندما تهب على سفينتهم الرياح الشديدة، أو إذا لم يقم السيب بواجبه فيجره من قاع البحر في الوقت المناسب، أو إذا كان النوخذة في غاية الضيق. ولكنه مع كل هذه المضياقات فإنه يعلم أنه قد أقدم على خوض هذه المغامرة الصعبة حتى يستطيع أن يجمع من المال مايعينه على قضاء حاجته وهي الزواج ممن يحب الذي هو مستعد من أجل إرضائه أن يخوض البحار لسبعة شهور أخرى، هاهو يقول موجها كلامه إلى صديق له:

يابحر فيك الرزق لاشك مخطور
أكبر خطر غوص البحور الغزيرة
أكبر مصيبة عندما بابو منصور
لاهبت رياح قوية خطيرة
ولانساك السيب في جمة بحور
إما نعس والا تعومس مريرة
والنوخذة لاصار ضايق ومحشور
نضيق من ضيقه ونعجب نظيره
لعيون خلي سيد البيض والحور
سيد البنات اللي نهوده صغيره
لزيد في ذاك الخطر سبعة شهور
إن كان ذا يرضي خوافي ضميره

ثم يقول في قصيدة أخرى إنه كان الليلة البارحة في راس تنوره على ساحل الخليج ولكنه صار اليوم في الهير حيث بدأ الغوص على اللؤلؤ، رموا فوقه الحبال، وقالوا له أحضر كل ماتسطيع إحضاره من المحار، ويصف هنا قاع البحر ومابه من صخور ونباتات، ثم يدعو النوخذة إلى مغادرة هذا المكان برفع الشراع العود والاتجاه إلى الوطن حيث الحبيب الغالي ثم يقول:
ياحالي اللي من الأمواج مخطورة
أنا بسفين البحر والترف بظلال

فهو مشتاق إلى هذا الترف الذي يعيش في ظلال ناعمة بينما هو يعاني مايعانيه في البحر، وفي رحلة من رحلات السفر، أقبل عليه العيد وهو في الهند، فتذكر وطنه في هذا اليوم، وقال:
بالهند جانا العيد ياشين عيده
لو قالوا انه عيد ماظنتي عيد
عيد بليا صاحبي مانريده
يعل عيده عاد لو إنه بعيد
انا ابمبي عنه داري بعيده
وهو بدار مطوعين الا واليد

ثم يقول:
مبروك يااللي وسط قلبي وجيده
عسى عليك العيد مبروك وسعيد

هكذا نجد الشاعر يكثر من ذكر وطنه، ومن الحديث عن تجاربه في الحياة، وبخاصة في المجال الذي عاش فيه، فيصور لنا تلك الفترة الغابرة، ويحفظ لنا صور الحياة الكويتية القديمة، ويجلو لنا مدى تأثر الناس بالأعمال البحرية التي عاشوها ، ومدى تأثير تلك الأعمال في حياتهم، وفي مأثوراتهم الشعبية.

بقي أن نقول ان هذا المقدام الذي لم يتردد في خوض البحار من أجل كسب رزقه، تغلب عليه في فترة من الفترات حالة نفسية تؤثر في سيرة إلى مشاركة زملائه في رحلتهم، لقد استعد (للدَّشة)، ولكنه وجد محبوبته تمسح دموعها حزنا على فراقه، فتوقف عن الرحيل قائلا:

والله جزا ماراح يمسح دْموعه إني لخلي روحتي يم سيلان

ولكن ضويحي بن رميح لاينسى البادية التي أحبها ولم ينقطع عنها، فهو يذكرها في قصائد كثيرة، وقد ذكر موضعا في قصيدتين مما يدل على ارتباطه بهذا الموضع ففي إحداهما ذكر أن موقعه وراء برقان وذلك في أبيات قالها وهو في الغوص، حيث كان نائما فزاره طيف من يحب فقد اجتاز المسافات الطويلة وحل عنده وهو في مرقده فوق متن السفينة:

سرى الليل كله ماسرى مدمج السيقان
أنا والغضي في مرقدي مع هل الفنه
على مشغله جاني وهو من ورا البرقان
تكلمت أنا وصويحبي زاهي الخنة

وفي الأبيات الأخرى صرح باسم الموضع وهو «بيضا النثيل» وهذا الموقع قريب من منطقة الصبيحية وراء برقان، وفيها يقول:
ياالله اليوم ياعدالها لاتميل
يابو الافراج يافتاح باب الغناه
ترحم اللي من الغالي قليل الحصيل
ماطلب صاحبه شي وهو ماعطاه
لاسقاك الحيا ياجو بيضا النثيل
يوم شالوا عرب خلي وأنا فوق ماه

وهكذا يستمر الشاعر في التعبير عن مشاعره المتعلقة بالبادية ومن ذلك حديثه عن دار خله التي نظر إليها وهي خاوية تتلاعب فيها الوحوش الضارية، مر عليها الليل وهي خالية من أهلها، ليس فيها من صوت إلا صوت اصطفاق الباب بالهواء، وقد أثاره فراق (الخل) الذي تعلق به طيلة حياته ويأبى أن يفرط به أو أن يغيب عنه، ولذا فقد سالت دموعه على الخدين لكثرة مايشكو من الالم الممض الذي سببه له ذلك الفراق ، حتى جعل دمعه كما قال: (لو يشتكي لصم الحصى ذاب من البكاء). لقد تحرك الأحباب ثم ساروا إلى وجهتهم التي يزمعون الرحيل إليها دون أن يفكروا بما سوف يجري على من البلاء لذلك الفراق، فأنا عقب رحيل المحبوب قد صارت حالي صعبة وصار كل من يراني يأسف لما حل بي. وقد صرت بسبب تفكري المنصب فقط على ذكرياتي هذه المحدودة فكأني غريب بين أهلي.

هذه القصيدة هي التي جاءت في الديوان تحت عنوان «ياويل مثلي» ومطلعها:
يا دار خلي يوم اشوفك اقبالي
لكن يمشي بك مغاليث وذياب
(المغاليث: الكلاب المسعورة ـ لكَنْ: لكأنَّ)

وفي قصيدة أخرى يتحدث الشاعر عن الفراق أيضا ويقول إن قلبه حزين بعد فراق صاحبه، ويقول إن يوم الفراق لا ينسى أبدا وكل من جربه رسخ في باله طوال حياته. لقد صمموا على الرحيل وطووا بيتهم الصحراوي المصنوع من الشعر، واتجهوا إلى الشمال بينما اتجه الشاعر وقومه إلى الجنوب. يقول: لقد وقفت متحيراً لا استطيع عمل شيء حتى أنني لم أقدر على مد يدي إلى ثوبي لكي اقطعه حزنا. وقد اكتفى بوصف حالته حين قال:
هلت العبرة عيوني وأجر الونين
ونة اللي ساير السم عن نومه حداه
ليت أهلنا مع أهْلَهْ يوم شدوا مشملين
لكن المقسوم جاري على اللي ما بغاه

وفي قصيدة أخرى يصف موضعا في البادية هو الموضع الذي تعيش فيه محبوبته، وهو موضع جميل اضفى عليه هطول المطر مزيدا من البهجة فنمت أعشابه البرية، وتداعى الناس إلى الاستمتاع بذلك الجو الرائق الذي جعل شاعرنا يقول:
يا زين عشب الثرى
فيه الأباعر تْفلي
يتليهن الأعفرا
مزعل اربْوُعَه ارضاً لي
اللي ليا من طرا
عليه دمعي يهلي

وفي آخرها قوله:
لولا الحيا والزرا
وادراك يا عَزْ من لي
لأجيك ما حْدي دري
وروح ما احْدي فطنْ لي
(الزرا: الانتقاد)

***

إذن فنحن أمام شاعر عرف البرَّ والبحر، عاش حياة الحاضرة وحياة البادية، له تجارب كثيرة في كل موقع من تلك المواقع التي ذكرها، وقد انطبعت تلك التجارب في شعره، وهو شعر قريب إلى النفس، يستطيبه المستمع ويهتم بترداده، فهو صادر عن نفس مولعة بالجمال، محبة للوطن، شديدة التعلق بالأهل والأصحاب، تنم عن روح دينية صادقة، كما أن هذا الشعر رقيق إلى الحد الذي يشعر فيه قارئه بروح طفوليه لطيفة تشع من بين أبياته، وتدل على روح راضية مطمئنة إلى قدرها، ولا تخلو القصيدة الواحدة من قصائده من دعاء، واستذكار لقدرة الله سبحانه وتعالى، وهو يرى أن هذه القدر الربانية هي التي تعينه على تحمل كل ما يعانيه من صعاب، في حله وفي ترحاله وفي حالة شقائه بصدود المحبوب، أو سعادته بقربه.

@24

تاريخ النشر: الاربعاء 7/10/2009
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-10-2009, 01:22 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

مشكور

اقتباس:
(المغاليث: الكلاب المسعورة ـ لكَنْ: لكأنَّ)



اللي أعرفه المغاليث : الجائعة والشرهة
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شاعر البحر: ضويحي بن رميح الهرشاني المتقصي التاريـــخ الأدبي 8 26-11-2011 05:52 AM
كاظمة إلى الأبد - يعقوب الغنيم AHMAD جغرافية الكويت 6 25-04-2010 12:32 AM
أسماء الأمكنة - يعقوب الغنيم AHMAD جغرافية الكويت 0 21-04-2010 01:30 AM
ذكريات في كتاب - يعقوب الغنيم AHMAD تاريــــــخ الكـويت 1 25-06-2009 04:33 AM


الساعة الآن 02:17 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت