:حث الآخرين على فعل الخير
الأمة الإسلامية أمة دعوة، ومن ثم يسعى المسلم دائماً لإصلاح أحوال الآخرين وحثهم على الخير وتشجيعهم على البر
– لا سيما أهله وأقاربه - ولقد كان – رحمه الله – يحث أهله وأسرته وأولاده ومعارفه على فعل الخير، عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وقومه قال: "ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ" رواه البخاري.
كما كان
– رحمه الله – حريصاً علي إصلاح ذات البين ورأب الصدع بين أفراد أسرته وعائلته ابتغاء مرضاه الله تعالى ومغفرته.
ومن المواقف المؤثرة التي تؤكد حرصه على أداء حقوق البحارة كاملة غير منقوصة، بل الدفاع عنهم أمام أي طرف آخر، ما حدث بين النوخذة الكبير المحسن عبداللطيف سليمان العثمان والتاجر سليمان العبدالجليل، الذي كلفه بنقل بضاعة له من الهند إلى الكويت، واتفقا على سعر معين لنقل البضاعة، فاعتقد سليمان أن السفر سيشمل تكلفة السفينة والبحارة، بينما كان يقصد النوخذة عبداللطيف أجرة السفر فقط
.
فلما تمت عملية النقل أعطاه التاجر سليمان أجرة السفينة فسأله عبداللطيف عن أجرة البحارة، فقال سليمان
: "أليست داخلة في أجرة السفينة؟" فرد عبداللطيف: "لا يا أخوي، هذا حقهم ولا يطالبونك فيه يوم القيامة". فجاء رد سليمان حاسماً فورياً، فدفع ما حدده عبداللطيف كأجرة للبحارة، قائلاً: "يا مْعوَّد .. ما أحط شيء بذمتي". وفي هذا الموقف دلالة واضحة على دفاعه – رحمه الله - عن حقوق بحارته.
فض المنازعات
:
لم يقتصر دوره الاجتماعي
- رحمه الله - على إصلاح ذات البين داخل أسرته وعائلته فقط، بل امتد إلى حيه وأبناء مهنته ( البحارة ) جميعاً، حتى إنه كان يطلق عليه "رَجُل عِرْفي"، أي العارف بأمور البحر، والذي يقضي ويفضل في المسائل والمنازعات، وبعض الخلافات التي تنشب بين البحارة ونواخذة السفن الخاصة بالتجارة البحرية.
وفي الوقت الذي لم تكن قد ظهرت فيه المحاكم إلى الوجود، كانت هناك لجان أهلية من ذوي الخبرة والدراية تقوم بالنظر في القضايا ذات الاختصاص، وكان يطلق على اللجنة اسم
"أهل الصنف".
وكان للمحسن عبداللطيف العثمان
– رحمه الله - دور في عضوية لجنة "الخلافات" التي قد تقع بين النواخذة والبحارة أو بين تجار اللؤلؤ أنفسهم، فقد اكتسب خبرة ودراية، كما اكتسب ثقة الناس به نتيجة السمعة الطيبة التي كان يتمتع بها، ولم تكن هذه اللجان ذات صفة رسمية، لكنها كانت محل اعتزاز وثقة وقبول في كل ما تقضي به من أحكام بين المتخاصمين.
وقد قدرت السلطات الكويتية
– في ذلك الوقت – هذا الدور وأجلّته واعتمدت على ما يصدر منه من قول أو فعل فيما يعرض، حتى إن الشيخ عبد الله الجابر - رحمه الله – كان يوكله لفض أي خلاف أو نزاع بين البحارة، وكان لا يخيب ظنه أبداً.
دوره الوطني
:
أدرك
– رحمه الله – بناء السور – سور الكويت - وشارك في بنائه للدفاع عن الكويت من هجمات المعتدين بعد معركة الجهراء، هو وأخوه محمد.
تبرعه للجيش المصري:
عند الشدائد تعرف معادن الرجال، ولم يقتصر بر المحسن عبد اللطيف العثمان
– رحمه الله – على بناء المساجد والدور الملحقة بها فحسب، بل كان يحرص على فعل الخير في أي مجال يقدر عليه وتصل يده إليه.
ومن ذلك أنه عند وقوع العدوان الثلاثي على مصر عام
1956م، من قبل فرنسا وإنجلترا وإسرائيل، سارع – رحمه الله – بالتبرع السخي للجيش المصري، ملبياً نداء الأخوة والإيمان، وذلك ليستكمل الجيش عدته وعدده؛ للدفاع عن البلاد ضد الغزاة المعتدين.
قالوا عنه
():
يصف عبداللطيف محمد ثنيان الغانم النوخذة عبداللطيف العثمان بأنه
: "رجل حكيم ومتأنٍِ وذو شخصية متميزة".
كما يصف الأستاد علي عبدالرسول النوخذة عبداللطيف بأنه
"حكيم ويحرص على سلامة البحارة والسفينة، فإذا ما أقبل الليل أمر بإنزال الأشرعة تاركاً الشراع "العود الرئيس"، وترك البحارة يأخذون قسطاً وافياً من الراحة؛ إذ لم يكن ممن يسابق غيره من السفن كما يفعل الكثيرون بل يقود محمله بتعقل ومهارة".
ويصف أحد بحارته أخلاقه بأنها طيبة،
"فإذا ما أراد أن يصدر أمراً بتغيير اتجاه الشراع (الخايور)، فإنه يقف أمام "القائم" ثم "يتنحنح" وكأنه يستعد للكلام، فيعرف البحارة ما يريده ويستعدون للعمل، فلا هو ممن يكثر الكلام والمزاح، ولا هو ممن يحيط نفسه بعزلة عن البحارة". وهو نوخذة ومعلم يعرف أصول الملاحة وأسرارها.
وفاته
:
لما بدأ هدم المنازل القديمة في المدينة وترحيل السكان إلى منازل في مناطق خارجها، لزم النوخذة عبداللطيف منزله ولم يشأ أن يتركه إلا مضطراً، وبعد أن اشتد عليه المرض نُقل
– رحمه الله – إلى العاصمة البريطانية لندن لتلقي العلاج، لكن جاءه أجله ووافته المنية هناك، وأعاده أبناؤه وأهله ليدفن في أرض وطنه الذي أحبه، في آخر يوم من شهر أغسطس عام 1973م الموافق للثالث من شهر شعبان عام 1393هـ، بعد تركه لمنزله القديم بسنوات قليلة، وكان عمره حوالي 106 أعوام.
وقد كرَّمته دولة الكويت بإطلاق إسمه على أحد شوارع القطعة الثالثة بمنطقة ضاحية عبدالله السالم
.
رحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة والمغفرة
.
المصادر والمراجع:* مقابلة مع السيد حامد صالح عبداللطيف العثمان حفيد المحسن عبداللطيف سليمان العثمان –رحمه الله.
- صالح محمد العجيري – تقويم القرون لمقابلة التواريخ الهجرية والميلادية – الطبعة الثانية – ذات السلاسل – الكويت 1984م.
- د.عبدالمحسن عبدالله الخرافي – النوخذة عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان .. ريادة عائلة وتميز إنسان – الطبعة الأولى – المؤلف – الكويت 2003م.
- د.عبدالمحسن عبدالله الخرافي – عائلة العثمان .. مدرسة السفر الشراعي في الكويت – الطبعة الأولى – المؤلف – الكويت 2003م
- د. يعقوب يوسف الحجي – نواخذة السفر الشراعي في الكويت – الطبعة الثانية – الربيعان للنشر والتوزيع – الكويت 1993م.
- يعقوب يوسف الحجي – صناعة السفن الشراعية في الكويت – الطبعة الرابعة – مركز البحوث والدراسات الكويتية 2001م
- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطاع المساجد – إدارة الشؤون الهندسية.
* وثق هذه المادة حفيده السيد حامد صالح عبداللطيف العثمان .
منقول محسنون من بلدي .