مقابلة سعاد العتيقي

[الأديب]

( جريدة النهار 26/6/2008م )
سعاد العتيقي: لا نصون الذاكرة الشعرية فحسب
بل تراث الكويت والفكر الإنساني

إعداد مهاب نصر

الأستاذة سعاد العتيقي هي احد جناحي مشروع البابطين الذي يتطور بسرعة ليتحول الى مركز استقطاب ثقافي متجاوز للاقليمية. قادت العتيقي إدارة المكتبة باستفادة واسعة من مفهوم المكتبة العصرية.
لتكون مركز اطلاع وتوثيق يتجاوز الشعر الى افق الفكر الانساني ولتشهد قاعاتها العديد من الفعاليات الثقافية، وتحتضن حوارا غنيا للحضارات، وقد توج هذا الجهد بتولي سعاد العتيقي رئاسة جمعية المكتبات والمعلومات الكويتية مؤخرا.

من هذا المنطلق جاء حوارنا معها حول مفهوم المكتبة العصرية، والمشكلات التي تعاني منها مكتباتنا، والدور المتنامي لمؤسسة البابطين في تبادل الثقافات.

بخبرتك المتميزة في مجال ادارة المكتبات، ما هو التطور الذي لحق بنظامها؟ وما هي سمات المكتبة العصرية بنظرك؟
نحن الآن نعيش في عصر المعلومات بكل أبعاده التقنية، وعلينا ان نختار بين ان ننسجم مع معطيات التطور التكنولوجي ونواكب المجتمع الرقمي، او ان ننعزل عن محيطنا فنتخلف عن الركب، ذلك ان التوقف عند حد معين بحد ذاته يعد تراجعا الى الوراء.

وخلال الاعوام القليلة الماضية شهدت شتى مناحي الحياة العديد من القفزات التكنولوجية المتلاحقة، ومن المؤكد ان مجال المكتبات والمعلومات قد تأثر بهذه الطفرة المعلوماتية، جراء دخول الانظمة الآلية المتكاملة المتخصصة في القطاعات المختلفة لادارة المكتبات، سواء ادارة مجموعات المكتبة، او ادارة العمليات الفنية او ادارة التقارير الآلية، وقد انعكست هذه التطورات ايضا في ظهور الاوعية غير التقليدية، وخدمات المعلومات المقدمة في المكتبات فظهرت ايضا خدمات المعلومات غير التقليدية.

اما بخصوص سمات المكتبة العصرية الآن فعلى سبيل المثال لا الحصر ظهرت المكتبات الرقمية نتيجة التطورات السابقة.

وهي لا تحتاج الى مبنى، وانما لمجموعة من الخوادم (Servers) وشبكة تربطها بالنهايات الطرفية للاستخدام، وظهرت ايضا فهارس المكتبات الآلية بدلاً عن الفهارس الورقية، وكذلك خدمات المعلومات الالكترونية والعديد من السمات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها والتي ادت بالنهاية الى ايجاد حالة توافقية كبيرة بين المكتبات والتكنولوجيا.

ما السبب في ندرة المكتبات العامة لدينا؟ وما هي عيوبها؟
اختلف معكم في هذا الرأي، اذا لدينا في دولة الكويت الكثير من المكتبات العامة، ولا تكاد تخلو منطقة سكنية من مكتبة عامة، تفتح ابوابها لكل الباحثين والدارسين في شتى المجالات، اما عن عيوب المكتبات العامة، فأنا أرى انها تتمثل في نقطتين اساسيتين هما (الاهتمام، والتطوير).
فهذه المكتبات في حاجة الى اهتمام اكبر من القائمين عليها، وادخال العمل بالنظم الآلية المتخصصة في مجال المكتبات والمعلومات، واقامة شبكات معلومات تربط بين هذه المكتبات لتيسير سبل وصول المعلومات لكل المستفيدين.

بالاضافة الى حفز دورها في جذب القراء وكي يتم ذلك لابد من تدريب كوادر العاملين في المكتبات العامة على النظم الحديثة في مجال المكتبات والمعلومات، وتحويل هذه المكتبات الى مكتبات آلية تعتمد بشكل اساسي في عملها على نظم المكتبات الآلية، والفهارس الالكترونية، وزيادة قواعد البيانات المتاحة للمستفيدين من هذه المكتبات، ما سيعود في النهاية على المجتمع الكويتي بالنفع، ويدفع مسيرة الثقافة دائماً الى الأمام.

من الواضح ان دور مكتبة البابطين قد تجاوز الحفاظ على المؤلفات الى ان تكون واجهة حضارية لحوار الشرق والغرب - هل تنوي المكتبة التوسع في هذا المجال؟ وما مشروعاتها المستقبلية؟
مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي منذ افتتاحها في 8/4/2006م، اخذت على عاتقها تجميع شتات التراث الشعري العربي، وذلك بهدف الحفاظ عليه للاجيال القادمة وتوفير سبل الاستفادة منه، وبخصوص حوار الشرق والغرب والدور الذي تلعبه المكتبة في هذه المجال، اوضح ان هذا الدور هو احد الاهداف الرئيسة التي ارساها مؤسس المكتبة رئيس مجلس ادارتها الشاعر الاستاذ عبدالعزيز سعود البابطين.

وقد سعينا الى ذلك منذ العام الأول لافتتاح المكتبة حيث تقرر اقامة مواسم ثقافية لاضفاء صبغة جديدة على العمل المكتبي التقليدي، فعقدت المكتبة امسيتها الثقافية الاولى في 29/5/2006، حيث استضافت رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية السابق فخامة الدكتور محمد خاتمي الذي حاضر على مسرح المكتبة عن حوار الشرق والغرب، وحوار الحضارات وجاءت محاضرته بعنوان تحديات العالم الاسلامي وسبل النهوض.

كما القى فيها سمو الأمير خالد الفيصل ندوة عن دور مؤسسة الفكر العربي في الحياة الفكرية.

وأقامت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري ندوتين على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي الاولى بعنوان «العرب في الاعلام الغربي» يومي 4-5 مارس 2007م، والثانية بعنوان «دور الاعلام في حوار العرب والغرب»، يومي 30-31 مارس 2008م.

وكل ما سبق ان دل على شيء فانما يدل على المكانة العالمية لمكتبة البابطين المركزية للشعر العربي كونها اصبحت جسراً يمتد بين حضارات الشرق والغرب، وهو دافعنا لتكوين نواة فكرية في عملنا المكتبي يكون اساساً لمشاريعنا المستقبلية التي يتم الاعداد لها حالياً وسيعلن عن تفاصيلها حال اكتمالها، فقد ارتأت المكتبة ان تأخذ مداها الاشمل والاوسع لتؤدي دوراً يتوهج تارة في ميادين الشعر وتارة أخرى في ميادين الفكر.

تصدر المكتبة عدداً من الإصدارات من دواوين وكتب محققة.. إلخ، كيف يتيسر للجمهور الحصول عليها؟
كما سبق واسلفت فان المكتبة ليست مجرد طاولات للقراءة وكتب على الأرفف، بل اصبحت وعاء منتجاً للعمل الادبي ايضا، وبالفعل اصدرت المكتبة منذ الافتتاح العديد من الاصدارات هي:

- كتاب «مكتبة عبدالكريم سعود البابطين نوادر النوادر من الكتب» الجزء الأول.

- كتاب «اكاديمية المأمون في خوارزم».

- كتاب «مكتبة عبدالكريم سعود البابطين نوادر من الكتب» الجزء الثاني.

- العدد الأول من مجلة «المكتبة».

- كتاب «الاستدراك على ابي علي في الحجة» للاستاذ د. محمد الدالي.

- كتاب قائمة اصدارات الشعر العربي السوري في مكتبة البابطين.

- كتاب «مكتبة عبدالكريم سعود البابطين نوادر النوادر من الكتب» الجزء الثالث.

وهذه الاصدارات متاحة ضمن مجموعات المكتبة، ويمكن الاطلاع عليها والتصوير منها لزائري المكتبة، والمستفيدين منها.

هل يقتصر دور المكتبة في الحفاظ على الذاكرة الشعرية أم يتوسع ليشتمل على فروع المعارف الأخرى؟
مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي هي اول مكتبة متخصصة في العالم ككل في مجال الشعر العربي، وهي بمثابة مركز ايداع لجميع الكتب والدوريات والرسائل الجامعية والكتب النادرة والمخطوطات المتخصصة في مجال الشعر العربي، وهذا جعلها مكتبة فريدة من نوعها.

بالاضافة الى ذلك فالمكتبة تهتم بالتراث العربي في شتى المجالات الموضوعية فالمكتبة تقتني بين جنبتاها ما يزيد عن الالف مخطوط اصلي في شتى العلوم العربية والاسلامية، وما يزيد عن7500 كتاب نادر، واوائل المطبوعات العربية من كتب ودوريات.
الى جانب اهتمام المكتبة الخاص بتاريخ دولة الكويت وكل مصادر المعلومات المتوافرة عن هذا الموضوع لتكون ذاكرة للأمة، وللشعب الكويتي بما تحتويه المكتبة من مجموعاتها.

وعلى رغم ان اسمها يوحي بالتخصص الشعري إلا أن لدينا خيارات ثقافية اخرى، فهي تحتوي على مكتبة عبدالكريم سعود البابطين التي تبلغ مجموعاتها اكثر من 100 الف كتاب ودورية في شتى المجالات، وتتنوع مجموعاتها ما بين الكتب والدوريات الحديثة والنادرة وامهات الكتب، ومخصص لها الطابق الثاني في المكتبة.

لماذا افتقدنا المكتبة البيتية؟ وما أثر غياب المكتبات من منازلنا؟
هناك الكثير من الاسباب التي ادت الى هذه الظاهرة، فغياب التوعية المدرسية والاسرية بأهمية الكتاب، انشأ جيلا لديه مكتبات من الاقراص المدمجة (السي دي) بكل اشكالها الفنية والترفيهية.

بدلا من الكتب الورقية ولا ننسى ايضا الطفرة الكمبيوترية الحالية، فنحن في عصر الانترنت، والكثير من الناس اصبح الآن يعتمد على الانترنت للبحث والاسترجاع، بالاضافة الى زيادة القنوات الفضائية الثقافية، التي تقدم الكثير من البرامج الثقافية التي تحتوي على الكثير من المعلومات عن بلدان العالم المختلفة، وتناقش الكثير من القضايا العلمية، فأصبحت ايضا احد مصادر المعلومات لمعظم المهتمين.

ومما سبق بدأ يقل الاهتمام بالقراءة، وبالكتاب المطبوع، ما اثرسلبا على المكتبات البيتية، ولكننا في المجتمع الكويتي مازالت هذه الظاهرة موجودة الى حد ما فالكثير من البيوت الكويتية لا تخلو من مكتبة يوجد فيها مجموعات من الكتب لكل افراد الاسرة.

ونحن في مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي نحاول جاهدين احياء ثقافة القراءة والاطلاع لدى الاجيال القادمة، لذلك حرصت المكتبة في عطلة الصيف الماضي على اقامة دورة «قواعد اللغة العربية ومهاراتها»، لطلبة المرحلة المتوسطة، وكان الهدف الاساسي لهذه الدورة هو ربط الطلاب والطالبات المشاركين في الدورة في المكتبة، وخلق جيل قارئ يهتم بالقراءة والبحث ويرتبط بالمكتبات في تنمية ثقافته وتنمية مجتمعه.

هل هناك تعاون بين المكتبة ووزارة التربية والتعليم لتشجيع الطلاب على الاطلاع وتغذية مكتبات المدارس بالخبرات الجادة؟
بالطبع هناك تعاون وثيق ودائم بين المكتبة ووزارة التربية والتعليم في دولة الكويت، بهدف تحقيق هذا الغرض، وذلك من خلال زيارات طلبة المدارس بكل مستوياتها التعليمية للمكتبة، والقيام بجولات داخل المكتبة للتعرف على خدماتها، والاطلاع على مجموعات المكتبة، والقراءة والبحث في هذه المجموعات، مع تدريب الطلبة اثناء الزيارة على كيفية استخدام فهارس المكتبة الآلية لتحقيق اقصى استفادة من المكتبة ومجموعاتها.

ومنذ الافتتاح حتى الآن زار المكتبة العديد والعديد من المدارس بما يفوق المئة زيارة. وكذلك قامت مكتبة البابطين المركزية بإهداء وزارة التربية والتعليم في دولة الكويت نحو مئة الف كتاب لتوزيعها على مكتبات المدارس بهدف تنمية مجموعات هذه المكتبات، وخلق اجيال قارئة تهتم بالثقافة.

ما هي مشروعات المكتبة في دوراتها القادمة؟
للمكتبة العديد من المشروعات خلال السنوات القادمة كلها منبثقة من اهداف المكتبة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- العمل على جعل دولة الكويت مركزا ثقافيا تهوي اليه افئدة طلاب المعرفة من كل مكان.

- تجميع شتات التراث الشعري العربي بكل انواعه واشكاله، وصونه وتوثيقه في مكان ذي صبغة علمية.

- التعامل الامثل مع المادة الشعرية المحفوظة، وتجهيزها بالسبل كافة التي تيسر استرجاع المعلومات بسرعة وسهولة لتوفير وقت الباحث وجهده.

- توطيد علاقات التعاون المتبادل بين المكتبة وغيرها من مواطن الاشعاع الثقافي ومراكز البحث العلمي والاكاديمي، بما يخدم مسيرة الشعر العربي بصفة خاصة، والثقافة العربية بصفة عامة.

- تنمية الحس الشعري لدى الاجيال الجديدة، واستمرار التواصل مع الاصيل من الشعر.

- تفعيل دور اللغة العربية، والحفاظ على خصائصها، كما جاءت في امهات الكتب، وكمرجع اساسي للدارسين والهواة على حد سواء.

ولدى المكتبة الكثير من السبل لتحقيق هذه الاهداف، وفي جعبة افكارنا مشاريع عديدة للتنمية الثقافية، وما شاهده الجمهور من زخم سابق يتعدى عمره السنتين فقط من عمر المكتبة .
والقادم من الايام يحمل الكثير ان شاء الله.