عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25-04-2014, 09:15 PM
الصورة الرمزية البحر الساطع
البحر الساطع البحر الساطع غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
المشاركات: 77
افتراضي

والسابع قول بعضهم: إن عقيدة أهل السنة والجماعة هي عقيدة الأشاعرة.
والجواب أن يقال: هذا خطأ وجهل لأن الأشاعرة قد سلكوا في باب الصفات مسلك التأويل وصرف الأخبار الواردة في ذلك عن ظاهرها، وهذا خلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان فإنهم كانوا يؤمنون بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسول الله r ويمرون الأخبار التي جاءت في الصفات كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وينزهون الله تعالى عن مشابهة المخلوقات: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية من فرق هذه الأمة كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: «إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وروى الطبراني نحوه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وهذا الحديث هو القول الفصل في تعيين أهل السنة والجماعة من غيرهم من الفرق، فكل من ادعى أنه من أهل السنة والجماعة فإن أعماله وأقواله في الأصول والعقائد تعرض على ما كان عليه رسول الله r وأصحابه رضي الله عنهم فإن كان موافقا لما كانوا عليه فهو من أهل السنة والجماعة وإن كان مخالفا لهم فدعواه باطلة مردودة.
الثامن: إطلاق بعضهم صفة الجهل على من ينقد الأخطاء في عقيدة الأشاعرة واتهامه بالتكفير لأئمة الإسلام.
والجواب أن يقال: إن الأولى بصفة الجهل من يعترض على العلماء الذين ينقدون الأخطاء الموجودة في عقيدة الأشاعرة ويبينون ما فيها من المخالفة لما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فإن الصحابة والتابعين لهم بإحسان كانوا يمرون الأخبار التي جاءت في الصفات كما جاءت ولا يصرفونها عن ظاهرها، وأما الأشاعرة فإنهم كانوا يؤولونها ويصرفونها عن ظاهرها، وشتان ما بين طريقتهم وطريقة الصحابة وأتباعهم، وقد تصدى لبيان الأخطاء الموجودة في عقيدة الأشاعرة كثيرة من كبار العلماء قديما وحديثاً، فجزاهم الله عن بيان الحق وتأييده خير الجزاء، وليس في نقد الأخطاء الموجودة في عقيدة الأشاعرة وبيانها تكفير لأئمة الإسلام كما قد توهم ذلك من لا علم عنده.
التاسع: إنكار بعضهم توحيد الأسماء والصفات وإنكاره أن يكون لله يد.
والجواب أن يقال: من أنكر توحيد الأسماء والصفات فهو جهمي، وكذلك من أنكر أن يكون لله يد أو أنكر غير ذلك من أسماء الله وصفاته فهو جهمي، وقد صرح كثير من أكابر العلماء في زمان أتباع التابعين ومن بعدهم بتكفير الجهمية وأخرجهم بعض العلماء من الثنتين وسبعين فرقة من فرق هذه الأمة، والكلام في تكفيرهم مذكور في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد وغيره من كتب السنة، وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكفاية الشافية:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في




عشر من العلماء في البلدان


واللالكائي الإمام حكاه عنـ




ـهم بل حكاه قبله الطبراني



فذكر أن خمسمائة من العلماء تقلدوا القول بتكفير الجهمية.
والأدلة على تكفيرهم مذكورة في كتب السنة وليس هذا موضع ذكرها.
العاشر: قول بعضهم إن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة.
والجواب أن يقال: قد دل القرآن والسنة على قبول أخبار الآحاد من غير تفريق بين ما يتعلق بالعقائد وما يتعلق بالأحكام. وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من لدن أصحاب رسول الله r إلى يومنا هذا، وإنما خالف في ذلك بعض أهل البدع ومن تبعهم من المتفقهة المقلدين وغيرهم من العصريين المتكلفين فزعموا أن أخبار الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد وهذا قول لا دليل عليه، وما ليس عليه دليل فليس عليه تعويل، والأدلة من القرآن والسنة وأفعال الصحابة رضي الله عنهم تقتضي التسوية بين العقائد والأحكام وغيرها مما يتعلق بأمور الدين. فأما الأدلة من القرآن ففي آيات كثيرة. منها قول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ{ فأمر تبارك وتعالى بالتثبت في خبر الفاسق لأنه يحتمل الصدق والكذب فلا يسارع إلى تصديقه خشية أن يكون كاذباً، ولا يسارع إلى تكذيبه خشية أن يكون صادقاً. والتثبت تنجلي حقيقة خبره، ومفهوم الآية دال على قبول خبر الواحد العدل من غير توقف فيه.
الآية الثانية قول الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{ قال القرطبي في تفسيره: فيه دليل على وجوب العمل بقول الواحد لأنه لا يجب عليه البيان إلا وقد وجب قبول قوله وقال: }إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا{ فحكم بوقوع البيان بخبرهم انتهى.
قلت: ولهذه الآية نظائر من القرآن تدل على ما دلت عليه من وجوب العمل بخبر الواحد.
الآية الثالثة قول الله تعالى: }وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ{ قال القرطبي في تفسيره: أمر الله سبحانه وتعالى أن يخبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن وما يرين من أفعال النبي r ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى الناس فيعلموا ويقتدوا، وهذا يدل على جواز قبول خبر الواحد من الرجال والنساء في الدين انتهى.
الآية الرابعة قول الله تعالى: }وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ{ وهذه الآية الكريمة دالة على قبول خبر الواحد لأن الطائفة تقع على الواحد فما فوقه، قال ابن الأثير في النهاية، وابن منظور في لسان العرب: الطائفة الجماعة من الناس وتقع على الواحد، قلت: ويدل على ذلك قول الله تعالى: }وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا{ الآية، قال البخاري في صحيحه ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى: }وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا{ فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية انتهى. ويدل على ذلك أيضا قول الله تعالى: }وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ قال ابن عباس رضي الله عنهما: الطائفة الرجل فما فوقه. وقال مجاهد وعكرمة: الطائفة الرجل الواحد إلى الألف، وقال إبراهيم النخعي: أقله رجل فما فوقه، وقال الإمام أحمد الطائفة تصدق على واحد. ذكره ابن كثير عنه.
وأما الأدلة من السنة ففي أحاديث كثيرة، منها قوله r: «بلغوا عني ولو آية» الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري والدارمي والترمذي: هذا حديث صحيح، والأمر بالتبليغ يعم الواحد فما فوقه، وهذا يدل على وجوب العمل بأخبار الآحاد.
الحديث الثاني قوله r: «نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه بنحوه وقال الترمذي حديث حسن صحيح، وهذا يدل على قبول خبر الواحد، وقد روي نحوه عن زيد بن ثابت وأنس بن مالك وجبير بن مطعم والنعمان بن بشير وغيرهم رضي الله عنهم.
وقد كان النبي r يبعث رسله آحاداً ويرسل كتبه مع الآحاد، ولم يكن المرسل إليهم يقولون لا نقبل أخبارهم لأنها أخبار آحاد، وكان يبعث المبلغين عنه والداعين إلى الإسلام جماعات وآحاداً، وكانت وفود العرب تقدم عليه جماعات وآحاداً فيأمر كلاً منهم أن يبلغ قومه ويدعوهم إلى الإسلام، وقد قبل r خبر تميم الداري عن الدجال وروى ذلك عنه على المنبر كما ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وقبل r خبر ابن عمر رضي الله عنهما في رؤية هلال شهر رمضان وعمل به رواه أبو داود، قال الخطابي في الكلام على حديث ابن عمر رضي الله عنها فيه دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد، وقبل r خبر أعرابي في رؤية شهر رمضان وعمل به رواه أهل السنن وفيه دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد.
وأما قبول الصحابة رضي الله عنهم لأخبار الآحاد وعملهم بها فهو مشهور عنهم وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها ما في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله r قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.
فهؤلاء أهل قباء قبلوا خبر الواحد وعملوا به وأقرهم النبي r على ذلك.
ومنها ما في الصحيحين واللفظ للبخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: لما قدم رسول الله r المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله تعالى: }قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا{ فوجه نحو الكعبة وصلى معه رجل العصر ثم خرج فمر على قوم من الأنصار فقال: هو يشهد أنه صلى مع النبي r وأنه قد وجه إلى الكعبة فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر، وقد رواه الإمام أحمد والترمذي بنحو رواية البخاري وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وهؤلاء المذكورون في حديث البراء رضي الله عنه غير المذكورين في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وقد قبلوا خبر الواحد وعملوا به وأقرهم النبي r على ذلك.
ومنها ما رواه الإمام مسلم وأبو داود عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله r كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: }قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ{ فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة.
وهؤلاء المذكورون في حديث أنس رضي الله عنه غير المذكورين في حديثي ابن عمر والبراء رضي الله عنهم وقد قبلوا خبر الواحد وعملوا به وأقرهم النبي r على ذلك.
قال الخطابي في الكلام على حديث أنس رضي الله عنه: فيه دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد، وقال أبو البركات ابن تيمية: هو حجة في قبول أخبار الآحاد.
ومنها حديث تويلة بنت أسلم وهي من المبايعات قالت: إنا لبمقامنا نصلي في بني حارثة فقال عباد بن بشر بن قيظي: إن رسول الله r استقبل البيت الحرام أو الكعبة فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فصلوا السجدتين الباقيتين نحو الكعبة، رواه الطبراني في الكبير قال الهيثمي ورجاله موثقون.
وهؤلاء المذكورون في حديث تويلة غير المذكورين في الأحاديث التي قبله وقد قبلوا خبر الواحد وعملوا به وأقرهم النبي r على ذلك.
ومنها ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن أنس رضي الله عنه قال: إني لأسقي أصحاب رسول الله r وهم عند أبي طلحة مر رجل فقال: إن لخمر قد حرمت فما قالوا متى أو حتى ننظر ,قالوا: يا أنس أهرقها، الحديث وهو مخرج في الصحيحين من طرق عن أنس رضي الله عنه، وفي بعض طرقه عندهما قال أنس رضي الله عنه: إني لقائم أسقيها أبا طلحة وأبا أيوب ورجالاً من أصحاب رسول الله r في بيتنا إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ قلنا: لا. قال: فإن الخمر قد حرمت فقال: يا أنس أرق هذه القلال. قال: فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل.
فهؤلاء قبلوا خبر الواحد وعملوا به وأقرهم النبي r على ذلك. قال النووي في الكلام على هذا الحديث: فيه العمل بخبر الواحد وأن هذا كان معروفاً عندهم انتهى.
وقد روى الدار قطني حديث أنس رضي الله عنه في باب النوادر من آخر سننه عن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله. وساق بإسناده إلى حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء عند أبي طلحة يشربون من شراب تمر أو بسر أو قال رطب وأنا أسقيهم من الشراب حتى كاد يأخذ منهم فمر رجل من المسلمين فقال: ألا هل علمتم أن الخمر قد حرمت فقالوا: يا أنس اكف ما في إنائك وما قالوا حتى نتبين قال: فكفأته.
قال الدار قطني: قال أبو عبد الله وهو عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله: هذا يدل على أن خبر الواحد يوجب العمل انتهى.
وفيما ذكرته من الآيات والأحاديث أبلغ رد على الذين لا يقبلون أحاديث الآحاد ولا يرون العمل بها. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (الصواعق المرسلة) أنه ذهب جماعة من أصحاب أحمد وغيرهم إلى تكفير من يجحد ما ثبت بخبر الواحد العدل، قال: والتكفير مذهب إسحاق بن راهويه انتهى.