عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 10-05-2010, 09:15 AM
د. يوسف مساعد الميلم د. يوسف مساعد الميلم غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 31
افتراضي مقاطع من الفصل الأول للكتاب

علاقاته بأحفاده
كان أحفاده بالنسبة إليه هم الواحة التي يستريح فيها وينعم في ظلالها بالمتعة والطمأنينة، وكانوا أيضا الغد المشرق والزهور التي تتفتح أمام عينيه، وكانوا يمثلون له الأمل و المستقبل الزاهر وامتداده الطبيعي في الحياة.
وقد كان لديه قبل وفاته -رحمه الله- أربعة من الأحفاد هم " شوق، وبدر، وفهد" أبناء نجله" يوسف" و "مساعد" من ابنته" دينا".
كان- رحمه الله- يهتم بهم جميعا اهتماما غير عادي ويحرص على مجالستهم ومداعبتهم بحنوّ الجد، يعمل على توفير بعض طلباتهم التي يتحفظ عليها والديهم في بعض الأحيان، وكان حريصا جدا على أن تحتفل الأسرة بكاملها بيوم ميلاد أي منهم بمشاركة جدتهم الحاجة "أم يوسف" -أطال الله عمرها- وكان يوم ميلاد أياً من الأحفاد هو بمثابة العرس داخل المنزل، فيحرص ويكلف ابنته" نورة" بالتحديد للعمل على تجهيز كل ما تحتاجه هذه المناسبة ، ومنها توفير هدية باسم كل واحد من العائلة للمحتفى به حتى يحقق هدفا في نفسه وهو التقارب والتلاحم والترابط بين الأحفاد، والنشوء على حب بعضهم لبعض، كان حريصا على هذه المناسبة للجميع دون تفرقة صغيرا كان أم كبيرا فهي مناسبة هامة يلتفون فيها حول جدهم وجدتهم ينعمون فيها بالدفء الأسري والحنان الذي يفيضون به على الجميع.
كانت الابنة "دينا" بما تحمله من إعتزاز و حب وتعٌّلق بوالدها قد أسمت أبنها باسم أبيها "مساعد"، وكان هذا الحفيد يمثل له شيئا كثيرا، وله منزلة خاصة في نفسه، قد يكون أحد أسبابها قرابة السكن فكان "مساعد" متواجدا في منزل جده باستمرار ، ويقضي مع جده وجدته أوقاتاً طويلةً وربما كان لتطابق الأسماء بينهما دورا في ذلك ،فضلا عن الأدب الشديد الذي كان يتصف به وتعلقه الشديد بجده وجدته.كان تأثير وفاته على الأحفاد كبيرا وشعروا بفقدان من كان يمثل لهم نبع الحب الصافي والحنان الفياض بلا حدود ، ذهب من كان له في خيالهم صفات الشخصيات الاسطورية التي تصنع لهم المعجزات وتحقق أحلامهم في لحظات.

علاقته بعائلته "إخوانه وأخواته"
كانت أسرته الصغيرة جزءاً من عائلته الكبيرة وركنا أساسا فيها،وكانت العائلة بالنسبة إليه هي الكيان الكبير الذي يجمع كل الأسر الصغيرة فيه في تفاهم وتناغم وحب،و كانت بالنسبة إليه الخيمة الكبيرة التي يستظل الجميع تحت سقفها ،ويتمسك الجميع بعاداتها وتقاليدها وقيمها ومثلها العليا ،وكانت تمثل له القوة والثقة والأمان ، وظل طوال عمره يعمل جاهدا على تماسكها وترابطها ، وكان يدين بكل الاحترام والتقدير لها فهو يستمد منها وبها كل أسباب الحياة والتميز .
والملفت للنظرأن تصميم ديوان العائلة الكائن في منطقة العديلية على هيئة خيمة كبيرة وكأنها تجمع العائلة فهل كانت مصادفة أواختيارا مقصوداً..؟!هل كانت كل هذه المعاني تدور بعقولهم حين قرروا إنشاء هذا الديوان الرائع. .؟! ربما .
مصادفة لفتت نظري بشدة قبل أن استقصي وأعرف ظروف وأسباب إقامة الديوان فيما بعد.

أشقاؤه
تتكون العائلة من ستة أشقاء ، وهم حسب الترتيب العمري: المرحوم "عبد الله "و"احمد" و"إبراهبم" و"فهد" والمرحوم"مساعد" والمرحوم"عبد العزيز" الذي توفي وهو صغيرا ، إضافة إلى خمس شقيقات وهن المرحومة" عائشة" زوجة المرحوم" محمد الغنيمان -العشيرج-" ، و"لطيفة "زوجة المرحوم" محمد العبد المغني" ووالدة السفير والكاتب والمؤرخ المعروف الأستاذ" عادل العبد المغني" ، والمرحومة "هيا" زوجة المرحوم" صالح السيف" ، والمرحومة "طيبة "زوجة" حمد عبد الكريم الصقر" والتي توفيت في نفس السنة مع المرحوم" مساعد" ، وأخيراً "لولوة "زوجة الحاج "علي محمد الميلم".
بعدما توفي والدهم الحاج" يوسف الميلم" –رحمه الله- في أوئل الخمسينيات وجد الأخوان "عبد الله" و"أحمد" أنفسهم مسؤولون عن الأسرة، وتكفلوا بالعمل والإنفاق عليها نظرا لصغر سن إخوانهم حتى كبروا وقوي عودهم، واستكملوا رحلة العائلة معا وجميعا.
"شب" مساعد بينهم بعد وفاة أبيهم، وعملوا على توفير كل ما يحتاجه من النواحي المادية والنفسية حتى لايشعر بفقدان الأب الذي كان يحظى عنده بمكانة خاصة ومنزلة كبيرة .
ورغم قلة الموارد وصعوبة الحياة في تلك الفترة، وقبل الطفرة النفطية إلا أن المرحوم "عبد الله" وأخاه "أحمد" فعلوا كل ما في استطاعتهم ووسعهم ليوفروا للأسرة حياة كريمة، ويقوموا على تلبية كافة مطالبها وما تحتاجه. كان الأخ الأكبر"عبد الله" والذي كان يعمل بإدارة حرس الأسواق وصار مديراً لها قبل وفاته، بمثابة الأب للجميع وبالحس التجاري الذي يتمتع به جميع أفراد العائلة، كان يعمل أيضاً في تجارة الأراضي والعقارات وكانت مهارته الشديدة وجرأته وقدرته الفطرية على استشراف المستقبل وحسن التوقع لديه، حقق الكثير من النجاحات في هذا المضمار. ولطيبته الشديدة كان الكثيرين من المعارف يلجأون إليه لثقتهم فيه للعمل معه والاستفادة من خبراته في هذا المجال ولم يكن يتوانى في مساعدة كل من يحتاج إليه في هذه الناحية وقد حقق الكثيرين منهم أرباحا كبيرة من وراء التعامل معه، وقد تجير ذلك إلى مصلحة العائلة في تلك الفترة في شراء أحسن الأراضي بأفضل الأسعار. وكان في نفس الوقت أخيه أحمد يدير دكان والدهم الراحل، وكان يعمل في نفس النشاط وهو تجارة المواد الغذائية والأقمشة.
في منتصف الخمسينيات بدأت الحركة التجارية في الكويت تنتعش واتجه الإخوان لنوع أخر من التجارة، وكان الأخ إبراهيم قد اقترح عليهم العمل في نشاط الإطارات وقطع غيار السيارات ولما لاقت الفكرة قبولا من باقي إخوانه، قاموا بافتتاح أول محل لهم لتجارة الإطارات وقطع غيار السيارات مقابل قصر نايف تولى إدارته الأخ" إبراهيم" وانضم إليه الأخ "فهد" لاحقاً ، وتكاتف الإخوان" عبد الله وأحمد وإبراهيم" في التكفل بأمور العائلة المعيشية والحياتية المختلفة، وكان الأخ "مساعد" يقوم بمعاونة أشقاءه أثناء دراسته بالمدرسة أذا سنحت له الفرصة بذلك، واستمر الوضع على هذا النحو إلى أن بدأت ظروف الحياة تتحسن، وكبر الأخوة الصغار، واتسع النشاط التجاري للعائلة وانعكس ذلك إيجابياً على كافة أفرادها.
كان الأخ"عبد الله" بمثابة الأب لأخيه مساعد فهو معه دائما حنونا ناصحا وموجها، لم يشعر في وجوده بفقدان الأب فقد أحاطه هو وإخوانه بكل الرعاية والحب والاهتمام. انتقل إلي جوار ربه في العام 1963 م ليكمل المسيرة الأخ الأكبر من بعده" أحمد".
وقت وفاة المرحوم عبد الله، كان مساعد قد تجاوز العشرين من العمر وكان لوفاته تأثيرا كبيرا عليه فيذكر من عاصروا تلك الفترة أن مساعد كان حزينا جدا عليه وكان يبكيه بكاء مرٍ وكانت تلك اللحظة بداية مرحلة جديدة في حياته تحمل فيها كثيرا من المسئوليات وغلب على شخصيته الجدية التي صاحبته طوال حياته فيما بعد.
أكمل المسيرة الأخ الأكبر "أحمد" فكان لمساعد هو الأب وكان يصطحبه معه في سفراته خارج الكويت، ويشركه معه وأخواه في المناسبات والزيارات المختلفة، ولم يبخل عليه في سفر أو تعليم خارج البلاد .
كان "أحمد وإبراهيم" بالنسبة لأخيهما مساعد هما القدوة والمثل، بعد وفاة أخيه الأكبر عبد الله –رحمه الله- وكانت العائلة تمثل له الفضاء الرحب الذي يسبح فيه وهو مطمئن. فهناك من كانوا يمثلون له الأب، وهو أخاه" أحمد " والأخ الحنون إبراهيم" وهناك من كان يمثل له الصديق وهو أخوه" فهد". لذا فهو لم يشعر بالحرمان أو الحاجة, فهو بينهم ومعهم الأهم لهم لصغر سنه، والمحبب إليهم لأدبه وحسن خلقه واستقامته. وظل طوال حياته وحتى مماته محبّاً لهم، يكن لهم كل معاني الحب والتقدير والإجلال والاحترام. كانت وفاته حدثا جللا بالنسبة لهم، فهو الابن البار والشقيق الأصغر... وبكوه كما لم يبكوا أحدا من قبل.

شقيقه فهد
كان شقيقه "فهد" أقرب المقربين له ،وكان المرحوم "مساعد" مرتبطا ومتعلقا به بشدة ، وكانوا ملتصقين معا التصاقا تاما منذ صغرهم وحتى وفاته ،فلم يكونا يفترقا إلا عندما يأوي كلٌّ منهما إلى فراشه .
كان أصدقاؤهم نفس الأصدقاء، وميولهم نفس الميول، واتجاهاتهم نفس الاتجاهات لدرجة أنهم تزوجوا في نفس اليوم، وكانت بيوتهم ملاصقة لبعضها البعض ،وتتوجت هذه العلاقة بزواج ابنه الأكبر الدكتور" يوسف" بابنة أخيه" فهد" الدكتورة" فاتن".
عندما يتحدث "فهد الميلم" عن أخيه الراحل تجد الكلام متدفقا حانيا من محب ورفيق عمر ودرب، يتحدث كمن فقد نصفه الآخر، ويشعر بأنه انكسر بداخله شيء لم ولن يجبر.
كانا جسدين وروحا واحدة ،وكما قال صراحة: إنه أحس- ومازال -بفراغ كبير لم يستطع أن يملأه أحد منذ وفاته وحتى الآن، وصورته ماثلة أمامه في كل وقت ،ولم يفارق مخيلته لحظة واحدة، وفضلا عن كونه أخاه الأصغر، فقد كان صديقه المفضل والأثير لديه.
توفي والدهم وكان عمر "مساعد" حوالي تسع سنوات ،وبرغم الحب الشديد وتعلق الوالد به كونه الابن الأصغر، إلا أن مرحلة الوعي الكامل لم تكن قد تشكلت لديه بعد ،ولم يكن لذلك الحدث أثرٌٌ كبيرٌٌ عليه ، فقد وجد نفسه بين إخوانه،وفي حمى أحضان أمه الحانية التي ظل مرتبطا بها ارتباطا شديدا طوال حياته، لدرجة أنه وشقيقه "فهد" اقتطع كل منهما جزءاً من بيته وبنوا بيتا لأمهم بين بيوتهم لتكون بجانبهم ويطمئنوا عليها في كل الأوقات ،،ولم يطق فراقها أوابتعادها عنه حتى وفاتها رحمها الله في العام 1968م،وشب ليجد أن أقرب إخوانه إليه سنا وطباعا هو شقيقه" فهد"، فارتبط به هذا الارتباط الوثيق حتى وفاته- رحمه الله .
يذكر " فهد الميلم" أن المرحوم كان منذ طفولته نشيطًا خدوماً وفياً مخلصاً لأصدقائه ومعارفه، ليس له عداوات أو خلافات أو صراعات مع أحد، ذا ذاكرة قوية وملماً بأدق التفاصيل،وكان كتوماً وحافظاً للسر إلى أبعد الحدود ،لدرجة أن مرضه الأخير لم يدر به أحد إلا قبل إجرائه العملية الأخيرة التي توفاه الله بعدها.
كان هادئاً خفيفاً دائماً، ولم يكن يوما ثقيلا حتى على أقرب الناس إليه.
وبالرغم من كل ما مر به من تجارب وخبرات في الحياة تصلح لأن تكون أمثلة يحتذى بها، إلا أنه كان خجولاً متواضعاً شديد الحياء ،كريماً باراً بأهله واصلاً رحمه ، لم يطرق بابه يوماً محتاج إلا ولبّى حاجته .
تميز الحب والإعزاز الكبيرين اللذين كان المرحوم يكنهما لإخوانه الكبار منذ صغره وحتى وفاته بشكل يثير الإعجاب لكل من كان على علاقة بهذه الأسرة، وكان الاحترام والتقدير والإجلال والإكبار لإخوانه وطاعته لهم سمةً مطبوعةً في شخصيته منذ طفولته وحتى مماته.
كان حبه جارفا لإخوانه وأخواته الكبار على حد سواء، فلم يكن يمر أسبوع دونما يزور جميع أشقائه وشقيقاته ،وقد أصر على أن يكون حفل زفاف ابنة شقيقته" هيا" في منزله وبين أبنائه نظرا لوفاة والديها منذ وقت طويل ، فكان بعاطفته الجياشة وحبه الغامر لايريد لها أن تشعر ولو للحظة بأنها وحيدة في يوم زفافها ،وهذا يدل على القيم والمبادئ والمثل العليا التي تربت عليها هذه الأسرة الكريمة، والتي أرسى أسسها وزرعها فيهم ,والدهم المرحوم الحاج" يوسف الميلم".
يستذكر فهد الميلم أيضا كيف كان هو و "مساعد" يتشاوران في كل شيء.. سواء فيما بينهم، أو مع باقي أفراد الأسرة ،ولم يكن هناك رأي فردي لأي عضو من الأسرة، بل كان الجميع يشارك في القرار.ويستذكر أيضا الفترة الأخيرة في حياته قبل أن يعاني من أي مرض، وكيف كان حريصا على ألا يكون لأي شخص مطلب لديه ولم يأخذه ، لدرجة أنه أعطى تعليمات للعاملين معه بأن يسددوا أي مطالبات لأي شخص حتى وإن لم يكونوا على ثقة بصحة هذه المطالبات.
ويذكر "فهد الميلم" واقعة أعادتنا إلى السيرة العطرة لوالدهم المرحوم الحاج "يوسف"، فقد جاء أحد العاملين في مجال إصلاح السيارات يطالب المرحوم مساعد بمبلغ 1500دينار قيمة إصلاح سيارة ابنته من حادث وقع منذ ثماني سنوات، وبرغم ثقته بأن هذا الرجل قد حصل على حقه في تلك الفترة البعيدة، وإنه ليس من المعقول أن يسكت عن هذا المطلب لمدة ثماني سنوات، وخصوصا أن العائلة لها اسم معروف ولها عنوان معلوم يعرفه كل من هو موجود بالكويت ،وهو ما أثار استغراب الحاضرين لهذه الواقعة من أفراد العائلة والضيوف الذين كانوا متواجدين وقتها، وطلبوا من الرجل مراجعة نفسه، خصوصا أن مطلبه غير عقلاني وغير واقعي، وبالتأكيد فإن في سجلات المستشفى في حالة الرجوع إليها ما يفيد بتسلمه هذا المبلغ، ووعدوه بمراجعة السجلات للتأكد، وأن يعود الرجل في موعد آخر، إلا أن المرحوم "مساعد" آثر بعد مغادرة الرجل أن يسدد له هذا المبلغ خوفا من أي احتمال ولو ضعيفا بعدم حصوله على حقه ،وبالفعل تسلم الرجل هذا المبلغ دون التأكد من ذلك .
كان العم "مساعد"- رحمه الله – يبدو وكأنه يشعر بموعد الرحيل عن دار الفناء وذهابه إلى دار الحق، وكان له ما أراد في مقابلة وجه ربه الكريم وسجله ناصع البياض، وكأنه بشكل لا شعوري ولا إرادي يكرر ما قام به والده في القصة التي سبق ذكرها ...رحمهم الله جميعا .

=========================================


علاقاته بأصدقائه


كان للأصدقاء دور كبير ومكانة متميزة وركنٌأساسيٌّ في حياة المرحوم"مساعد الميلم"فهم يشكلون جزءا مهماً في تركيبته النفسية والشخصية والاجتماعية. كان شديد الارتباط بهم ولم يتخلَّ عن أحد منهمفي أي وقت من الأوقات . كانوا يمثلون الضلع الثالث في المثلث الذي يشكل منظومة حياته وهو" العائلة والعمل والأصدقاء" يتذكر العم فهد أن المرحوم "مساعد" كان شديد الارتباط بأصدقائه منذ طفولته, وكانت سعادته بالغة في الالتقاء بهم وقضاء الوقت معهم, وكان أمتع أوقاتهم عندما يتجمعون ليقضوا أوقاتهم في ضحك و لهو برئ خارج البيوت والدواوين ليمارسوا الألعاب القديمة والمنتشرة في ذلك الوقت مثل الدرباحة والمقصي.. وما إلى ذلك وكان "مساعد" متميزا فيها بشكل لافت.
و كان يعشق البر, ويخرج مع أصدقائه ( الكشتة مع الربع) يقيمون المخيم فيه, يستمتعون بالهدوء وصفاء الجو وروعة المناظرواستنشاق هواء الصحراء ويقضون أياما غارقين في سحرها.
و كان أيضا مولعاً بالبحر, يقضي ساعات طويلة في الحداق "الصيد" وركوب البحر والتزحلق على الماء مع شقيقه "فهد"وكان ذلك شيئاً غير مألوف في ذلك الوقت ،وكان ارتباطه وعشقه للبحر تحديداً حتى بعد أن صار شاباً يافعاً هو وشقيقه" فهد" سبباً فيما بعد في تفكيرهم في بناء "مستشفى هادي" ،فقد تولدت صداقة بينهم في تلك الفترة البعيدة مع مجموعة من الأطباء الوافدين الذين يتردد شقيقهم الأكبر "أحمد" عليهم للمراجعة والعلاج, وتحولت العلاقة بينهم إلى صداقة حميمة وظلوا أوقاتاً طويلة يذهبون معهم في رحلات صيد الأسماك وفي إحدى هذه الرحلات عرض عليهم أحد أصدقائهم من الأطباء فكرة بناء مستشفى خاص, ولاقت الفكرة استحسانهم ولم تختمر في ذهنهم , وتخرج من حيز الفكرة إلى التنفيذ إلا بعد سفرهم لبريطانيا كما سيرد لاحقاً.
كان السفر بالنسبة للمرحوم" مساعد" هواية ومتعة بدأت معه في فترة بعيدة من حياته, فقد زار دولا عديدة عربية وغربية تقريباً أغلب دول العالم المعروفة،وبرغم تنوع سفراته مابين العمل أو النزهة والاستجمام, فإن الأصدقاء كانوا دائما في عقله وقلبه, فهم إما بصحبته وهذه أغلب الحالات ,أو بمفرده أو مع أسرته, وكان في فترة الصيف يصطحب الأسرة سنويا للاصطياف, وهي عادة لم تنقطع إلا بوفاته –رحمه الله- فتكون لها عنده وعندهم مذاقا آخر في تجمعاتهم و قضائهم معظم أوقاتهم معا . كان حريصا جدا على أصدقائه في سفراته الأولى، و دائم الاتصال بهم، وفي ذاك الوقت البعيد التي كانت وسائل الاتصال الحديثة غير متوفرة كما هي عليه الآن .فإنه كان يراسلهم ويتواصل معهم حتى عن طريق المعايدات أو البطاقات البريدية.
وبالرغم من أن معارفه كانت كثيرة ومتعددة ومتنوعة بشكل غير معتاد فإن اللافت للنظر أن شخصيته الهادئة والودودة والمتحفظة في بعض الأحيان كانت سبباً في عدم كثرة أصدقائه الحميمين بشكل عام، ولكنه كان مرتبطاً بهم بعلاقات عميقة الجذور أدت إلى استمرارها لسنوات طويلة .
وبسبب هذه العلاقات العميقة والنبيلة معهم كانت خسارتهم فيه فادحة ،كانت لهم طقوساً معينة لاتتبدل ولا تتغير، وهي الإفطار يوم الخميس من كل أسبوع لمجموعة الأصدقاء المقربين، حيث يجتمعون في الساعة السابعة صباحا ، ولك أن تتخيل أن هذا الموعد معروف للجميع فإذا أردت أن تقابل أحدهم فلا داعي لأن تنسق معه على موعد مسبق، كل ما عليك هو أن تذهب إلى مكتب مدير "مستشفى هادي" في أيّ من أيام الخميس من كل أسبوع منذ الساعة السابعة صباحا، وستجدهم متواجدين , ولاأبالغ إذا ذكرت بأن جميع مواعيدي أو مقابلاتي مع العم "مساعد" لقضاء أي مسألة والانتهاء من أي موضوع , كانت تتم في هذا اليوم لأجد مجموعة الأصدقاء المقربين هناك, وكنت غالبا ما أشاركهم فطورهم ، واستمرت هذه العادة وهذا التقليد حتى الآن ، وعندما قررنا التحدث مع سعادة الشيخ" فهد الجابر الأحمد الصباح" بخصوص ذكرياته مع المرحوم"مساعد الميلم" ،التقينا في نفس التوقيت من صباح يوم الخميس وشاركناهم فطورهم أيضا، إلا أن المرحوم "مساعد" لم يكن معنا هناك بشخصه ،ولكنه كان هناك بروحه التي أحسست بأنها تحتوي أجواء المكان. وكان هناك أيضاً الاجتماع اليومي للأصدقاء بديوان العائلة بالعديلية يجتمعون فيها بشكل تلقائي ولا يتخلف عنها أحد.
كان شديد التأثير فيهم، وكانوا أيضا بنفس درجة التأثير فيه ،وكانت منزلته كبيرة في نفوسهم ،وكان لهم نفس المنزلة وأكثر.
كنا حريصين أن نلتقي بأقرب الناس إليه وأعز الأصدقاء إلى نفسه ،تقابلنا مع سعادة الشيخ فهد الجابر الأحمد الصباح ليتحدث عنه ،فالشيخ فهد لايعتبر أن المرحوم كان بالنسبة إليه صديقا فقط بل كان بمثابة الأخ الأكبر، وكان مرتبطا به بصلة قرابة، ويعتبر نفسه أحد أفراد العائلة . يذكر الشيخ" فهد" أن علاقته وصداقته بالمرحوم امتدت لأكثر من عشرين عاما ،كان له فيها خير الأخ وخير الصديق وخير الرفيق. كانوا يتقابلون كثيرا سواء في المناسبات الاجتماعية أو في الدواوين أو في السفر أحيانا ،ولكن كان اللقاء المحبب والأهم إليهم هو لقاء يوم الخميس صباحا من كل أسبوع بمكتب المرحوم بمستشفى هادي ،وهو لقاء لايتخلف عنه أحد من مجموعة الأصدقاء، ولم ينقطع عنه أحد حتى الآن إلا لظروف قاهرة باستثناء المرحوم "مساعد" الذي غاب عنه بجسده فقط ،ولكنه موجود بينهم بروحه وسيرته العطرة وذكراه الطيبة وبالدعاء الدائم له بالرحمة والمغفرة. كان الشيخ فهد الجابر يتحدث عنه بشجن واضح في صوته ،ويؤكد ويشدد على كلمتين تخللت حديثنا معه عدة مرات ..كان المرحوم "دمث الأخلاق.. وشعبي" كناية عن أدبه و بساطته وتواضعه ،ويستطرد قائلا: كان صاحب ابتسامة مشرقة دائمة لاتغيب، جريئا في الحق ذا رأي سديد ، يبدي رأيه في كل القضايا والأمور في شتى المجالات بدون تحفظ وبدون تجاوز أيضا، وكان رأيه دائما على صواب.كان محسنا كريما يساعد المحتاج ولا يخذل من يلجأ إليه ،كان قدوة لي، وكان لي الشرف بصحبته وصداقته كل هذه السنين، ولكن عزاءنا أن من يحملون اسمه الغالي الدكتور" يوسف" والأخ" زيد" هم إخوان أعزاء لنا وموجودون بيننا.
أذكر له بكل الإعتزاز أياديه البيضاء و دعمه الكبير لرياضة الآباء والأجداد.. سباقات الخيل والفروسية وذلك أثناء رئاستي لنادي الصيد والفروسية ،وكيف كان هو وإخوانه الأعزاء أبناء المرحوم" يوسف العبد الهادي الميلم "في منتهى الكرم والجود في دعمهم للنادي وأنشطته المختلفة .
واختتم حديثه قائلا : سيظل "مساعد الميلم" بيننا بأبنائه وبإخوانه ،وخصوصا الأخ العزيز والكبير "فهد يوسف العبد الهادي الميلم" الذي أعتبره أقرب الناس إلى قلبي ونفسي،، (انتهى)
كان العم مساعد رحمه الله ملتزما في كل شئ ،وكان يعطي كل جانب من جوانب حياته حقه دون زيادة أو نقصان وكما يجب أن يكون العطاء ،وهو ملتزم بذلك التزاما تاما .فهو الزوج والأب ، والجد والابن والأخ والصديق ورجل الأعمال القوي والناجح في عمله، كان يلعب كل هذه الأدوار معاً بكفاءة واقتدار منقطع النظير، وظل طوال حياته وحتى وفاته على هذا المنوال دون تداخل أو جور من دور على الأخر، وقد بدىَ ذلك واضحا جليا من خلال كل ما سبق.

=========================================

يوم الوفاة
كان الجميع كبارا وصغارا كمن استيقظ من حلم جميل على كارثة مروعة زلزلت أركان العائلة كلها ،وكل من كان يعرفونه ،كانوا يشعرون أنه تركهم سريعا وبدون مقدمات،فقد أجرى عملية جراحية ناجحة، وقبل الوفاة بساعة واحدة كان الجراح برفقته يطمئنه على أن حالته العامة طيبة ويمكنه الانتقال من غرفة الإفاقة التي كان متواجدا فيها إلى غرفة خاصة ليقضي فيها بعض الوقت للنقاهة، وأثناء استعداده لذلك كانت إرادة الله أقوى ، ووافاه الأجل المحتوم بسبب بعيد تماما عن العملية الجراحية ، وهو جلطة قلبية مفاجئة، ولكن في النهاية "تعددت الأسباب والموت واحد"، ووقف الجميع.. ابنه يوسف الذي كان قائماً على غسله وتكفينه، وزوجته وباقي أبنائه وإخوانه يلقون عليه النظرة الأخيرة وهم يودعونه و يبكونه ويدعون له بالرحمة والمغفرة.
يتذكر الابن يوسف هذا اليوم شديد القسوة على نفسه و الصدمة التي فاجأته, فالكل كان في حالة ارتياح وطمأنينة بعد نجاح الجراحة التي أجراها على يد جراح ألماني ماهر ومتخصص استُقدِم للكويت خصيصا لإجراء العملية, و بعد إجراء العملية بيوم واحد،وبعد زيارة الطبيب له واطمئنانه عليه، ذهبت الحاجة "أم يوسف" لإحضار بعض الملابس واللوازم وتجهيز الغرفة التي سينتقل إليها من غرفة الإفاقة، ولكن الابن يوسف الذي كان ينتظر قرب الغرفة فوجئ بمكالمة هاتفية من العم فهد يخبره بحدوث الوفاة، والعمل على إبلاغ والدته وإخوانه وبرغم التماسك الذي أبداه فإن الموقف كان أكبر من أن يتحمله بكثير، وكان من أصعب المواقف التي واجهته هو كيفية إبلاغ أمه وأسرته بهذا الخبر, فقام بإبلاغ أخواله وخالاته ليكونوا بجانب والدته في هذا الموقف الصعب. واسترد اتزانه سريعا ليواجه الموقف وإنهاء إجراءات دفنه، ودائما في أوقات الشدائد تظهر معادن الرجال, وجد يوسف بجانبه صديق عمره ورفيقه فلاح عبد الله مشاري الكليب الذي شد من أزره وسانده , فكان بسماحته و دماثة خلقه وهدوئه والتزامه وتقواه يهدئ من روعه كثيرا, ولم يتركه لحظة واحدة منذ علم بالخبر الحزين, فقام بنفسه بإصدار تصريح الدفن والاتفاق على من سيقوم بعملية الغسل وتجهيز الكفن ووقف معه يساعد في غسله وتكفينه في منزل الأسرة بالعديلية, وظل معه ليلة الوفاة كاملة, وكان معه أثناء الدفن بالمقبرة وفي العزاء نهارا وليلا لم يتركه أبدا.. يستذكر له الدكتور يوسف كل ذلك بمحبة غامرة وامتنان ومعزّة ليست لها حدود.
كانت جنازته وعزاؤه حالة تمثل كل أطياف المجتمع من أعلاه إلى أدناه من مشرقه إلى مغربه، شيوخ ووزراء ونواب ورجال أعمال مسؤولين سابقين وحاليين، وأشخاص بسطاء.. مواطنين ووافدين من مختلف الجنسيات ،وممثلين عن السلك الدبلوماسي بالبلاد.. العربي والإسلامي والأجنبي، ومئات البرقيات من داخل الكويت وخارجها.
كانت وفاته- رحمه الله -استفتاء حيّاً على محبة وإعزاز هذا الرجل والمنزلة التي يسكنها في قلوب كل من عرفوه أو سمعوا به.


"رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان"
رد مع اقتباس