عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 28-12-2011, 05:51 PM
ندى الرفاعي ندى الرفاعي غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 693
افتراضي

قالت الأستاذة: سعاد السيد رجب الرفاعي



كان يوماً سعيداً ذلك اليوم الذي تسلمت فيه نسخة من كتاب الفاضلة سعاد الرفاعي المتضمن سيرتها الذاتية، فرحت به وانكببت عليه أقرأ واستذكر الأيام الخوالي الخاصة بتلك التي جمعنا العمل في وزارة التربية خلالها، وكانت اياماً تجعلني في موقف الشاهد الأمين على كل ما كانت تقوم به هذه السيدة المربية من عمل في مجال تخصصها وفي التزامها بالمهنة حتى صارت لا تقبل أي تنازل في أمر من الأمور إذا كان هذا الأمر يمس بالمستوى الراقي الذي تحب هي أن يكون عليه العمل التربوي الذي اضطلعت به، قلت إن الكتاب يتناول سيرتها الذاتية؛ وهذا صحيح، ولكنه يتناول السيرة الذاتية لأسرتها الكريمة لم تنس الكبار ولم تتجاوز الصغار، ويتناول كتابها - أيضاً - السيرة الذاتية للبلاد خلال الفترة التي عاشتها أم هذيل وهي فترة أتمنى لها أن تطول إلى ما لا نهاية، فهي وإن كانت قد تخلت عن مسؤولياتها الحكومية السابقة بسبب التقاعد عن العمل فلن يغيب عن البال أنها تقاعدت بعد أن أنجزت مهمتها التربوية الشريفة وإن كنا ننتظر منها المزيد، وتنتظر البلاد منها إنجازاً أكثر مما أنجزت، ولكن من يطلع على كتابها يعرف كم كان إنتاجها غزيراً وكم كانت مخلصة في عملها مُحبّة له. وكم كانت علاقاتها بالعاملين معها على كافة المستويات علاقات تشوبها الروح الإنسانية الطيبة التي كانت تكفل أفضل ما يحتاج إليه العمل في وزارة كبيرة عليها مسؤوليات ضخمة تهم البلاد حاضراً ومستقبلاً؛ هي: وزارة التربية.
أعود الآن إلى الكتاب وهو بعنوان: «مذكراتي.. سعاد الرفاعي» يحتوي على عشرين وأربعمائة صفحة تشمل تفصيلات كثيرة ومهمة، وتضم صوراً عدة، فيها فائدة كبرى لكل قارئ إذ تُقَرِّبُ إليه ما ورد في الكتاب من حديث عن جوانب شتى، فيستذكر بمشاهدتها أكثر ما مر به في حياته إذ إن الكثيرين منا قد عاشوا الحياة التي عاشتها أم هذيل ومروا بما يشبه ما مرت به، ولكن خبراتها كانت أكثر تشعبا وخدماتها أكثر تعميما.
وإذا أردنا أن نعرف أسلوبها في كتابة سيرتها الذاتية هذه التي هي موضوع الكتاب أصلا وجدنا السيدة سعاد الرفاعي تقول: «إنها مشاعر تلامس أوراقي دون استدعاء… محاولة جمع مقاطعها لتكون هي الجمل التي يقصدها قلمي بالتعبير.
إن لذكرياتي أرففاً كثيرة، وعندما تقفز واحدة منها لا أتجاهلها، وإن كانت في غير موقعها فهي السابقة، وإن حاولت إدراجها ضمن جدول فئتها الأولوية».
هكذا إذن!! كانت الكتابة إحساسا مرهفا، ومشاعر تلامس الورق دون معاناة من الكاتبة، وهي تعترف أن دورها كان يتمثل في محاولة جمع مقاطع العبارات التي تحتويها تلك الإحساسات، وتقديمها بالصورة التي تراها ملائمة.
بعد هذا فإننا نرى الكتاب وقد امتزجت فيه المشاعر، كما امتزجت فيه الأحداث، وتعددت الأماكن كما تعددت الأيام والشهور.
مضت سعاد الرفاعي في طريقها تتحدث بطريقة عفوية هي التي شرحتها فيما قدمناه قبل قليل وعرفنا منذ البداية أنها كانت تكتب سيرتها الذاتية على حلقات تطول أو تقصر، وأنها تكتبها في أوقات متفرقة ونلاحظ أنها بدأت بفقرات تتعلق بعملها في وزارة التربية وتجربتها الإدارية بها، وموقف بعض العاملين منها وكذلك موقفها منهم ولم تترك هذه الموضوعات إلا في الصفحة الحادية والخمسين حين بدأت تتحدث عن طفولتها، ولكنها قبل أن تلج هذا الباب الواسع تحدثت بحياء عن بداية خطبتها للطبيب البارع الدكتور نائل النقيب رحمه الله، وسوف تكون لها وقفات حول هذا الموضوع المهم في حياتهما، ولكنها استأنفت حديث الطفولة والدراسة، إلى أن وصلت إلى الصفحة الثامنة والستين حين بدأت الحديث عن دراستها في كلية البنات بجامعة عين شمس (تخصص فلسفة) بالقاهرة.
ثم استأنفت حديث الذكريات في الكويت وفي خارجها ومنها تفوق الزوج في دراسته العليا للطب وفرحها بذلك. ومر بعد ذلك حديث الذكريات المدرسية وهو حديث متداخل من حيث تاريخ كتابته، وفرحها بذلك، ولكن من الملاحظ أن فقراته كتبت في لندن، وكان بعضها مؤرخا في سنة 2007م. لقد كانت تستحضر في ذهنها تلك الذكريات ثم تكتبها في أي مكان كانت من الدنيا، وفي موضوع: «المدرسة القبلية حية في ذاكرتي، تقدم لنا أم هذيل صورة واضحة تبين لنا ما كان عليه التعليم في ذلك الزمان فتقول: «الاتصال المباشر بيننا، كطالبات من ناحية ومعلماتنا من ناحية أخرى، إلى جانب الدور الفعال للإدارة المدرسية متابعة وتنظيما، كانا كفيلين بجعل تلقي العلم مرغوباً مما ساعد على اكتساب الكثير.. بالإضافة إلى ابتكار الأساليب الكفيلة بتحقيق الأهداف التربوية.. لقد أجادت معلماتنا شرح المناهج والمقررات، كما استطعن ضبط الفصول وحل اي مشكلة طارئة خلال المسيرة التعليمية كمشاغبة بعض الطالبات، وعدم الالتزام بالنظام والتهاون في تأدية الواجبات».
وفي فصل آخر من الكتاب كانت تتحدث في البداية عن دراستها في مصر، وعن معيشتها وانشطتها هناك، وبخاصة عندما كان والدها مع والدتها هناك لقضاء فترة الصيف في ذلك البلد العربي العريق، وقد استمتعت بوجودهما معها خلال تلك الفترة وروت كل ما حدث لها، هناك وهي في معيَّتهما.
ثم تتوقف هنا قليلاً لتقول لنا: «أجدني أمام خاطرة سريعة اريدها مقدمة لسيل من خواطر اذا تدفقت فهي عون لي على ان اصل الى راحة ابحث عنها.. وليقرأها احبائي وافراد اسرتي واحفادي، إنها سطور قليلة من مخزون متراكم كتبته.. وسوف استكمل ما اصطاده منها.
ففي مسيرتي مراحل ارهقتني فيها مسؤوليات متجددة.. لم اهرب من تحملها ولم اتجاهلها.
عودت نفسي على مواجهة السهل والصعب منها، والبحث عن حلول او مخارج لها، فعودت ابنتي رهام ولميس على ذلك.. فلا ينبغي الاستسلام او الهروب عندما تضيق بك الاحداث.. واذا تعذر، فعليك ان تجتازها برضا.. واذا راودك الألم او الحزن فلا بد من الاستسلام.
وكأنها ارادت بهذه الكلمات ان تفتتح حديثاً آخر من أحاديث الذكريات، وهو يتعلق مرة اخرى بأحوالها في وطنها الكويت الذي غادرته ثم عادت اليه حاملة شهادتها الدراسية وهي في البداية تذكر فريج القبلة، وترى انه لوحة زاهية الألوان، استمتعت بطفولتها فيه بين احضان اسرتها الكريمة وانتقلت منه الى الدراسة الجامعية في القاهرة وها هي عائدة لاستئناف حياتها، وكان اول ما تفكر فيه هو خدمة وطنها، وقد ادت حق الوطن كما ادت حق الاسرة وفق ما جاء في احدى فقرات الكتاب، وما ان بدأت العمل وبدا للمسؤولين حسن ادائها، ومقدرتها على الانتاج الجيد حتى توالت عليها الترقيات التي اسعدتها، وجعلتها تستمر في بذل جهدها الذي اوصلها الى ذلك، وان كانت تحس – في ذلك الوقت - بأن فراقها لمهنة التعليم قد آلمها – فيما بعد - فقد احست بلذة العمل في هذا المجال، وسعدت بالارتباط الذي جمع بينها وبين تلميذاتها، وقبل ذلك بينها وبين زميلاتها.
وفي صفحة جديدة تتحدث عن حياتها في بداية عملها في التدريس، ولكنها في الوقت نفسه تتحدث عن وطنها، وعن حبها له، وتردد في فقرة عنوانها «علاقات كأوراق الشجر» الأناشيد الوطنية التي كانت تسمعها في تلك الفترة وتصف حياتها في بيت اهلها بكل دقة وبكل التفصيلات، كما تتحدث عن سعادتها باستلام اول مرتب تتقاضاه من عملها وكان مائة وعشرين دينارا، وعندما تم زواجها عاشت هي وزوجها رحمه الله في بيت الاسرة الكبير الى ان رتبت حياته المستقلة في سكن خاص، ولا تزال وهي تكتب هذا الفصل المعبر عن نقاط مهمة مرت في حياتها تردد الخواطر وتستذكر ما كانت تسمعه او تقرأه.
وعادت – بعد ذلك – في عدة فصول لكي تعبر عن شعورها تجاه عملها في التدريس فقد كانت تجد فيه متعة كبيرة، وكانت ترى انها تؤدي حين تقوم به رسالة مهمة نحو وطنها ونحو طالباتها، وتجد الاستمرار في هذا السبيل استمراراً في حمل الرسالة التربوية المهمة.
وفي الصفحة الرابعة والتسعين بعد المائة من كتابها وضعت سعاد الرفاعي عنواناً مهما يبين مفصلاً من مفاصل الحياة التي مرت بها وهو: «التوجيه الفني يكسب، وتخصص الجراحة يكتمل، وفيه بيان النجاح المبهر للمرحوم الدكتور نائل النقيب زوج المربية سعاد السيد رجب الرفاعي فقد اختزل المدة التي منحت له للدراسة في الخارج إلى أقل مدى ممكن، وتفوق على الرغم من الضغط الشديد الذي قام به لكي ينهي دراسته سريعا من أجل العودة إلى البلاد، وكان نبوغه الواضح هو السبب في هذا الانجاز. أما سعاد فقد تحدثت عن عودتها هي إلى ميدان العمل، وذكرت كيف اختارت مجال الخدمة التربوية في ديوان الوزارة، وكان ذلك الحديث في فصل لاحق لما ذكرناه وأفضل أن يعود القارئ بنفسه إلى قراءته في الكتاب. وعلى مدى ستين صفحة تالية تتحدث عن طبيعتها في العمل وحرصها على عدم الانفراد بالرأي فيه، وتبين طبيعة علاقتها بالمسؤولين خلال العمل، ثم ما تلبث أن تعود إلى حديث الذكريات الأولى وهكذا تنقلت في أحاديثها ضمن هذا الكتاب بين الماضي والحاضر والخاص والعام، وكانت تعبر دائما عن كل ما تكتب بأنه خواطر وأنها تكتب هذه الخواطر من آن إلى آخر دون تحديد زمن، ومن مكان إلى آخر دون تحديد مكان، ولكنها في آخر الأمر استطاعت أن تجمع كل ما كانت ترغب في الكتابة عنه من شؤون حياتها العامة والخاصة، واستطاعت أن تمدنا بمعلومات قيمة وجديدة عن المربية الكريمة التي عرفناها ولم نعرف عنها كل شيء. ولكنها في الوقت نفسه تذكرنا بماض جميل وأحيت في النفس ما كان مر من مشاغل العمل التربوي الذي هو رسالة مهمة قبل كل شيء. وهو أيضا الرسالة التي حملتها أم هذيل طوال فترة عملها.
هذا الذي أكتبه هنا لا يغني عن قراءة الكتاب، فما تم لي استعراضه في هذا المقال لا يتجاوز نصفه مع كثير من السرعة في تقديم ما أراه مهما للقارئ من وجهة نظري ولكن مجمل ما جاء في هذه المذكرات الشاملة جدير بأن يقرأ ثم تعاد قراءته لما يُضَم بين دفتي الكتاب من معلومات وخواطر وتعليقات لها أهميتها الكبرى التي لا تدل فقط على حياة الكاتبة منذ بداية نشأتها إلى أن تقاعدت فإنها على أهمية ذلك تعطينا ضوءاً كاشفا عن أحوال التعليم، وأخبار رجاله طيلة الفترة التي تمت الكتابة عنها إضافة إلى الخواطر المهمة التي كانت تجول في ذهن السيدة سعاد الرفاعي ثم عبرت عنها في كتابها أصدق تعبير، فوصفت ما كانت تحس به بأصدق وصف وأقربه إلى الفهم الإنساني.
ولم تكن هذه المذكرات متسلسلة، وكان ذلك عن قصد من الكاتبة، ولكنني أحسست دون أن أتوصل إلى معرفة قصدها أن طريقتها هذه كانت وسوف تكون سببا في استمرار أي قارئ في القراءة دون توقف إذ إن كل خاطرة وكل فقرة تثير في نفسه الرغبة في المزيد من الاستكشاف وهذا هو ما حصل معي فقد تعلمت الكثير واستمتعت بالقراءة وسعدت أكثر بوجود إحدى سيدات الكويت وهي تتفرغ لكتابة سيرتها الذاتية الأمر الذي كنت أتمناه وأرجو أن يقوم به كل قادر.
كانت الأخت العزيزة سعاد السيد رجب الرفاعي قد تكرمت وأبلغتني أنها قد أنجزت كتابة مذكراتها، وأضافت أنها تريد مني المشاركة في تقديم ما كتبت وقد رحبت بذلك وقمت بكتابة مقدمة وضعتها في بداية كتابها حين صدر وقد أستأذنتها في نشر المقدمة ضمن هذا المقال خشية ألا يكون قد تنبَّه إليها أحد، فأذنت مشكورة، وهذا هو النص المقصود أضعه في هذا المكان:
< هل استطيع ان اقف هذا الموقف؟
- هذا سؤال رددته في نفسي بعد ان استمعت الى هاتف الاخت العزيزة ام هذيل تخبرني انها قد كتبت قسما من ذكرياتها، وانها تريد مني ان اكتب مقدمة لما ورد في تلك الذكريات، ولم اتردد في الاجابة بالموافقة على هذا الطلب لسببين، اولهما مكانة الاخت سعاد السيد رجب الرفاعي عندي، والثاني انني كنت وما ازال ادعو اصحاب التجارب الحياتية الى كتابة مذكراتهم، لان ما مر من اعمارهم جدير بان تتعرفه الاجيال اللاحقة، وهو اضافة الى ذلك جزء مهم من تاريخ الكويت فهم ابناء هذا الوطن، وبناة حضارته وتقدمه.
اذن فقد كان ما سمعته مسعدا لي ومدخلا للسرور الى نفسي من عدة جوانب. بقيت الاجابة عن السؤال الذي افتتحت به هذه المقدمة. وكان قصدي واضحا فانا سعيد بالحدث وحائر في الوقت نفسه، وسبب حيرتي المكانة التي تحتلها ام هذيل واسرتها كافة في نفسي منذ عرفت كلا منهم، وهذا الامر يجعلني اخشى التقصير في حق اناس سعدت بمعرفتهم. ذلك لان من المجموعات البشرية التي يلاقيها المرء في حياته اناس تبقى صورهم مرسومة في ذهنه، لا تزول، ولا تمحوها الايام، ولان ما يتذكره من صفاتهم الكريمة وعاداتهم الطيبة ووفائهم يبقى محفورا في ذهنه، يتذكره صاحبهم في كل حين.
ومن اولئك الذين ارى ان ذكرهم يستعصي على النسيان افراد اسرة فاضلة غمرني الحظ السعيد منذ عرفت اول واحد منهم في سنة 1962م. تلك هي اسرة السيد رجب عبدالله الرفاعي، وهو علم من اعلام الكويت تذكرنا له واجب علينا، والاشادة به وباعماله خلال حياته المباركة ينبغي ان يستمر. فما قام به من خدمة لوطنه وابناء وطنه ليس بالقليل، وبخاصة اذا نظرنا الى طول مدة عمله وتنوع هذه الأعمال.
ولد السيد رجب الرفاعي في سنة 1897م، ودرس في مدارس الكويت المتاحة في زمنه. ثم بدأ العمل فصار في شبابه مشرفا على المكتبة الاهلية التي اسسها المواطنون في سنة 1920م، وفي سنة 1924م صار سكرتيرا للنادي الادبي الذي جرى تأسيسه في تلك السنة، والى جانب هذين العملين التطوعيين كان مديرا لشركة النقل بالسيارات التي كانت تصل الكويت بجاراتها برا، وقد سدت فراغا كبيرا واعانت على تبادل المنافع والزيارات طيلة قيامها بمهامها.
في سنة 1962م كانت الكويت قد بدأت في افتتاح سفاراتها في الخارج، فتم اختياره سفيرا لوطنه في الجمهورية التونسية، وفي هذا التاريخ عرفته معرفة مباشرة عندما كنت في زيارة لذلك البلد. وكم كنت سعيدا بهذه المعرفة التي استمرت آثارها المتمثلة في علاقتي بهذا الرجل حتى بعد ان عاد الى الوطن من تلك المهمة، والى ان انتقل الى رحمة الله في سنة 1982م.
لا انسى ان اذكر هذا ان السيد رحمه الله كان من ابرز العاملين في دائرة معارف الكويت، وكانت له آثاره التي ظل معاصروه والعاملون معه يذكرونها له بالتقدير، وبها تبوأ مكانة عالية في نفوسهم.
ومن هذه الاسرة التي اشرت اليها المرحوم الدكتور نائل النقيب زوج الاخت سعاد الرفاعي. وهو من ابرز اطباء الكويت في حياته، ولا يزال مرضاه يذكرونه بالخير اذ انه كان متصفا بافضل الصفات التي يمكن ان يتصف بها طبيب، وكان مؤمنا بالرسالة التي يحملها للناس يحرصُ على متابعة المرضى، والإعداد الدقيق لكل ما يكفل الشفاء لهم من تدريب للأطباء وتجهيز للمستشفيات بالمعدات اللازمة، وكانت فترة عمله وكيلا لوزارة الصحة من أزهى الفترات التي مرت بها هذه الوزارة.
ولو تتبعنا مسيرة هذا الرجل العلمية والعملية لوجدنا أنه لم يركن إلى الراحة في يوم من الأيام، وكان يجمع بين وظيفته الرسمية بصفته وكيلا للوزارة ووظيفته الإنسانية بصفته طبيبا، وكان يستقبل أي مريض في أي وقت بحيث لم يكن يتردد في ذلك حتى أيام الجمع والعطلات.
كان تخصصه من أهم التخصصات، وكانت الأعمال التي قام بها في سبيل تدعيم الاهتمام بهذا التخصص مبهرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لقد وضع الأسس العلمية لخدمة مرضى السرطان في الكويت، وأوجد في سنة 1974م أول سجل لمرضى السرطان هنا، وكان جراحا على مستوى عال جداً من المقدرة الفنية والعلمية حتى أطلق عليه لقب: الأب الروحي للجراحين في الكويت، وبقي طيلة حياته مضرب الأمثال في الإيثار والوفاء والمصداقية. وكان أسفنا جميعا كبيراً عليه حين انتقل إلى رحمة الله في مساء آخر يوم من شهر يناير لسنة 2004م.
كان أبو هذيل رجلا محبوبا لا ينساه أحد ممن عرفه.
أما الأخت العزيزة سعاد السيد رجب الرفاعي وهي من تلك الشجرة الكريمة فسوف نجد عنها ما نريد أن نعرفه ضمن كتابها هذا، ولكن الإشارة إلى بعض محطات عملها في عجالة أمر لابد منها فهي:
- من أبرز العاملين في المجال التربوي.
- تخرجت في كلية الآداب بجامعة عين شمس المصرية بتخصص علم النفس والاجتماع سنة 1961م.
- وكانت أول موجهة كويتية لمادة الاجتماعيات في وزارة التربية التي انخرطت في سلك العمل بها منذ ان تخرجت.
- صارت مديرة لإدارة التعليم الثانوي بالوزارة المذكورة.
- صارت بعد ذلك وكيل وزارة مساعداً لشؤون التعليم العام. وبقيت في عملها هذا إلى أن استقالت في سنة 1991م.
أعود الآن إلى الكتاب الذي هو بين يدي القارئ، وهو الذي أقَدِّمُ له بهذه المقدمة التي ينبغي – في رأيي – ألا تطغى على ما فيه من معلومات وفوائد بحيث تقفز إليها قبل أن يقرأها أحد. وأبادر فأقول إنني استمتعت جداً بما قرأت فقد أحيا أسلوب الكاتبة كثيراً من الأمور التي مرت بنا ثم مضت حتى كدنا ننساها. وقد رتبت أم هذيل كتابها بطريقة تغري باستمرار القراءة إلى النهاية، وبدأت صغيرة ثم تدرجت مع كتابها إلى أن صارت أماً وجدة، ثم إلى أن بدأت دراستها متحدثة عن أيام التحصيل حديثا يعطي صورة لامعة لأساليب التعليم في وقت انكبابها على الدراسة دون أن تنسى علاقاتها الجميلة بزميلاتها ومدرساتها. ثم تدرجت معنا في العمل فوصفت أساليبها المفضلة في إدارة كل ما وكل إليها من أعمال، وقد كانت أعمالها واضحة فيها أداء لأمانة المسؤولية، وفيها اهتمام بالنواحي العلمية التي أهلتها للقيام بهذه الأعمال كلها.
إن النواحي التي تطرقت إليها أم هذيل كثيرة ومتشبعة، وكل ناحية من هذه النواحي في حاجة إلى مزيد من الحديث لولا أنها اكتفت بما قدمت على أمل أن تقدم جزءاً آخر من هذا الكتاب تتحدث فيه عن تجاربها التربوية الثرية. ونحن في انتظار هذا الإنتاج الذي سوف تكون له أهميَّةٌ في مجاله.
ارتأت أم هذيل أن يتخذ كتابها هذا صورة أخرى غير الصور التي وجدنا عليها كتب السِّيَر الذاتية، أو تلك الكتب الأخرى التي تتحدث عن شيء مما تحدثت عنه أختنا فلم تلجأ إلى التبويب الذي يحدد معالم الموضوعات ولكنها وضعت الورق أمامها والقلم في يدها ثم بدأت في الكتابة على سجيتها دون أن تقيد نَفْسَهَا بأية قيود، ولذلك فإننا نراها قد اختارت أسلوبا فريداً في متابعة سرد ذكرياتها يعتمد على الفصول القصيرة المليئة بالمعاني بحيث وجدت لكل فكرة تريد أن تثبتها مكانها الذي تستحق أن تقع فيه وعندما اكتملت هذه الفصول الصغيرة وجدت نفسها قد أكملت حديثها إلينا، ووجدنا أنفسنا – بعد القراءة – وقد حصلنا على زاد كاف، وغذاء شهي مفيد لا أظن أن أحداً يقدر على تقديمه كما فعلت أختنا الكريمة، وسوف يتبين للقارئ مصداق حديثي بعد انتهائه من قراءته كما فعلت أنا.
ختاما أشكر الأخت أم هذيل شكراً جزيلاً لثقتها بي وهي ثقة أعتز بها جداً. وأشكرها على عملها هذا، وأنا وقراؤها في انتظار العمل المقبل إن شاء الله.


==============


ملحاق خير:

هذا نموذج مما كتبته السيدة سعاد السيد رجب الرفاعي في كتابها، أحببت أن أضيفه هنا كما ورد في الكتاب من أجل أن يُلمَّ القارئ بطريقة الكاتبة في عرض أفكارها ويدرك طبيعة أسلوبها تقول تحت عنوان: «تجارب أثَّرت في سلوكي من أسرتي ومدرستي»:
«حين يلاحقك صاحب مشكلة وأنت لا دخل لك بها ويبثها معتبراً نفسه بريئاً مما حصل وينتظر أن تؤيده، وأنت ترفض مساندته، يزيد في غيه وخطئه، متحدياً كل ما يحيط به، ماحياً أي ثغرة لصواب تعيده إلى واقع قد يحميه، إذا حصل هذا فكيف تتصرف؟ إنه يرفض النصح كما يرفض مراجعة نفسه، وإذا طلبت منه أن يقيس موقفه هل يتساوى مع الحدث الآني، قد يجيب بـ «نعم» ويقول: المفروض أن أكون أكثر قسوة وعنفاً، «وما قمت به قليل من كثير».
تعلمت.. وتعلمي مزيج من تجارب التقطتها من أسرتي، ومن مدرستي بمدرساتها.. خلال فترة التلمذة وأنا صغيرة، وعندما تخطيت الطفولة إلى مرحلة أعلى بمراهقتها التي لم نكن ندرك خصائصها، كنا تحت مجهر لم يغفل عن متابعتنا، لم أتجاهل النصائح، وكم تألمت من ملاحظات كادت تلامس بقوتها حدود العنف، ولكن عندما دخلت مرحلة الجامعة لم يغب عن فكري يوماً وأنا بعيدة عن والدي، أن لي رصيداً حولته المراقبة والشدة التي تلقيتها بالمراحل السابقة إلى رصيد أعطاني القدرة على المواجهة، ونثر بداخلي إحساساً بالحذر والحيطة، وهيأني لمرحلة أصعب للرد عليها عندما لا تخلو من الكذب والجرأة الممجوجة التي تمتزج بشيء من الحقد، من جبهات مختلفة.
وفي المقابل نلت مكاسب أحاطتني بقدرة على التفوق، فاتسعت زمالتي لإخوة وأخوات أفادوني بحصيلة هي ركيزة لخبراتي، وكم تحولت بعض تلك الزمالة إلى صداقات أعتز بها، تراكمات بإيجابياتها وسلبياتها.. أعطتني صدق المثل «من جد وجد ومن زرع حصد».

http://alwatan.kuwait.tt/articledeta...rQuarter=20114
__________________

*****
๑۩۞۩๑

{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين}
هود114
๑۩۞۩๑

*****