عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 10-05-2010, 09:42 AM
د. يوسف مساعد الميلم د. يوسف مساعد الميلم غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 31
افتراضي مقاطع من الفصل الثالث للكتاب

الإسهامات في المجال الوطني


كانت المواقف الوطنية والتعلق بحب هذه الأرض الطيبة والولاء التام لحكامها صفات متجذرة ومزروعة في نفوس هذه الأسرة من قديم الزمان، ولم تتغير هذه المواقف أو تتبدل في أي وقت من الأوقات. وبالعودة إلى سيرة الوالد الحاج يوسف الميلم- يرحمه الله- نجد أنه شارك مع أبناء الحي القبلي في الكويت القديمة ببناء السور الثالث عام 1919الذي تم إنجازه في شهرين وكان يمتد في شكل نصف دائري خلف الكويت من البحر بمسافة أكثر من 5 أميال ، وارتفاعه أربعة عشر قدماً وله خمسة أبواب وستة وعشرون برجاً للمراقبة. كما كان له دور في الذود عن حمى الوطن في" معركة الجهراء "الشهيرة التي حدثت في صبيحة العاشر من أكتوبر عام 1920 م للدفاع عن تراب الوطن بقيادة المغفور له الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت آنذاك ،بلغ عدد الجرحى نحو 120 مصاباً ، أما الشهداء الأبرار فبلغ عددهم نحو 370 شهيداً وكان منهم المرحوم" إبراهيم العبد الهادي الميلم" الذي استشهد وكان عمره في ذلك الوقت ثلاثة وعشرين عاما ولديه طفلة صغيرة "دلال" لم يخف أو يجبن أو يفكر في طفلته التي كان عمرها شهورا بل لبى نداء وطنه ونداء ربه وقدم روحه وحياته فداء وتضحية لتصعد روحه إلى بارئها راضية مرضية ..
وتتجلّى شجاعة وصلابة الحاج" يوسف" في موقف حرج للغاية عند إصابة شقيقه في المعركة المرحوم " إبراهيم العبد الهادي الميلم" وعلم بوفاته في المستشفى الأمريكاني متأثّراً بجراحه بعد أن كلّل الله الكويت بالنصر،فلم يحزن ولم يجزع واحتسبه عند الله شهيدا فداء وتضحية لتراب هذا الوطن الغالي. كان لديه إيمان مطلق وتسليم تام بأن الشهداء ضحوا بأرواحهم من أجل الكويت وهم أحياء عند ربهم يرزقون.

أما أروع صور الولاء والانتماء والحب لهذا الوطن المعطاء فقد تجلت في الحدث الجلل الذي هز المجتمع الكويتي والعالم بأسره ،وهو" الغزو العراقي الغاشم" للبلاد، فقد كان الغزو في حد ذاته يمثل كارثة على كل المستويات تشارك فيها من كانوا داخل البلاد مع من خارجها ، كان ضياع الوطن هو ضياع الحياة بالنسبة لكل من عاش على هذه الأرض الطيبة وارتوى من نبع حبها وخيرها سواء كويتيين أو من الجنسيات الأخرى، تساوى في ذلك حكام ومحكومون، مواطنون ومقيمون ،كانت الصدمة كبيرة والجرح غائرا، فالطعنة كانت من شقيق كان بالأمس القريب جارا وأخا وصديقاً لم تبخل الكويت شعبا وحكومة عليه بشئ كانت السند والمعين ، تكلفت من أجله الكثير من أموالها وأمنها ما لايتحمله أحد كانت له الظهر الآمن والداعم بكل ما تملك من إمكانات وأموال ،ولكن كان الجحود والخسة والنكران هو ما لاقته الكويت وأهلها المسالمون الآمنون من هؤلاء الذين ليس لهم عهدا ولا ذمة، فقاموا بغزو البلاد واستباحوا حرماتها ودمروا مرافقها ومؤسساتها، ونكّلوا بشعبها الطيب المسالم الآمن ،وقد كان من فضل الله على هذا البلد وشعبه الوفي أن حفظ الله سمو أمير البلاد وولي عهده الأمين دون أن يمسسهم سوء من البرابرة الغزاة الذين حاولوا الوصول إليهم والنيل منهم بأي شكل، لتظل الشرعية موجودة ،وكان التفاف كافة شرائح وأطياف الشعب الكويتي حولهم ، وتمسكهم برموز الشرعية ، دافعا قويا لالتفاف قوى الحق من الدول العربية والإسلامية والأجنبية بجانب الكويت في قضيتها العادلة وتحالفها من أجل هزيمته وإخراجه من الكويت ذليلا مدحورا.


وفي هذا السياق وقعت يدنا أثناء بحثنا في أرشيف العائلة على وثيقة تكذب وتدحض مثل هذه المزاعم التي تزعم أن الكويت كان جزءا من العراق وهي تذكرة مرور صادرة في العام 1349هـ تقريبا العام 1928م منذ مايزيد عن ثمانين عاما صادرة عن مملكة نجد والحجاز وملحقاتها للجد الحاج عبد الهادي بن فهد الميلم –رحمه الله-توضح اسمه وتاريخ مولده بالكويت العام 1270هـ أي منذ حوالي 160سنة ومحل إقامته الكويت والتابعية" حكومة الكويت" وقد صدرت له، وكان وقتها عمره يناهز التسعة والسبعين عاما وكان يعمل " بياع شراي" كناية عن عمله بالتجارة.

كان الإخوان (أحمد وإبراهيم وفهد ومساعد) في أسبانيا، وفور علمهم بالغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت قاموا بفتح مجمعهم السكني "هادي سنتر" في منطقة" تورمولينوس " في مدينة " ملقا " في مملكة "إسبانيا" وهو مجمع ضخم مبني على مساحة ستة ألاف متر مربع تقريبا ، وبه حوالي خمسة وثلاثين شقة كبيرة موزعة على ثلاثة أدوار.. الطابقين الثاني والثالث منه أدوار مزدوجة وعلى هيئة فيلات ويقع علي البحر مباشرة. ويضم بين أسواره ملعباً للجولف وحمام سباحة كبير وحديقة خاصة به ، وجهزوه للأسر الكويتية التي كانت تقضي إجازة الصيف هنالك للسكن في شققه بلا مقابل إلى أن تزول الغُمّة. كما قاموا بفتح شققهم الخاصة في المجمع السكني "بلايمار" في نفس المنطقة للرجال العزاب الكويتيين المتواجدين هناك، و قاموا أيضا بتخصيص شقتين أحدهما للرجال والآخرى للنساء وقاموا بتجهيزهما لتكونا المقر الرسمي للجنة الشعبية الكويتية في إسبانيا، كي تنسق مع الحكومة الكويتية في الطائف. التي تشكلت برئاسة المرحوم عبد العزيز حسين وعضوية السادة عبد الرحمن الحوطي وسالم المرزوق وعبد الوهاب العوضي وفهد الميلم ..وآخرين.
كانوا مرتبطين قلبا وقالبا مع الحكومة الشرعية في البلاد ممثلة في سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وولي عهده الأمين سمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح رحمهما الله .
وانطلاقا من نفس الروح ، وتضامنا مع الأسر الموجودة وحفاظا عليها لسد حاجاتهم المادية وصونا لكرامتهم ، قاموا بمنح مساعدات مالية لبعض الأسر الكويتية هناك ،إلى أن تم تسلم هذه الأسر المساعدات المقررة لهم من الحكومة الكويتية.
لم يكن هذا الموقف منهم تجاه الأسر الموجودة هو نوع من المنة أو التفضل بل كان واجبا عليهم ، وقاموا به عن طيب خاطر وأريحية بالغة النظير، فكل من كان موجودا على الأراضي الاسبانية في ذلك الوقت كانوا بالنسبة لهم آباء وأمهات وأبناء وإخوة، وكانوا نسيجا واحدا متلاحما. وكانوا يطمئنون عليهم باستمرار ويسهرون على راحتهم وتلبية احتياجاتهم بشكل دائم وكانت الرغبة في تخفيف وقع الكارثة على نفوس هؤلاء الأسر هو همهم وشغلهم الشاغل.
كان الابن الأكبر" يوسف" يقوم بنفسه بتوفير المياه العذبة لهم والذهاب مرتين شهريا إلى المزارع والمسالخ لتوفير اللحم الحلال لهم، ولم يشعر مرة واحدة بالتعب أو الكلل أو الملل، ولم يتكبر أو يتعالى بل كان يشعر بالسعادة الغامرة والفخر والاعتزاز إذا ما رأى علامات الرضا والارتياح عليهم ، فهو يقوم بخدمة أهله وأبناء جلدته ،كان يشعر أن قيامه بهذه الأعمال عزاء له عن عدم تمكنه من الالتحاق بالجيش أو القيام بأي عمل في الميدان يساعد في تحرير بلاده .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كان توفير الأمن لهذه الأسر هاجسا كبيرا بالنسبة لهم، فقام الإخوة -نظرا للعلاقات الطيبة والمحترمة مابين عائلة الميلم والمسؤولين بالمدينة- بالاجتماع مع المحافظ وقائد الشرطة بالمنطقة وذلك لتوفير حماية من الشرطة الإسبانية على مدار 24 ساعة للعوائل الكويتية الساكنة في المجمع "هادي سنتر"، وذلك بإقامة نقطة حراسة دائمة بداخله فترة تواجدهم أثناء الغزو .وكذلك توفير حماية خاصة من الشرطة الإسبانية على مدار الليل والنهار لبعض الشخصيات الكويتية الهامة خلال تواجدهم في إسبانيا أمثال المرحوم" عبدالعزيز حسين"،و المرحوم "حمد الرجيب"، والمرحوم "فهد الدويري"،كما تم الاتفاق مع رئيس مخفر "بن المدينا "على تخصيص قسم لتسهيل معاملات الكويتيين وإعفائهم من الرسوم خلال فترة الغزو العراقي.
و بعد الاطمئنان على الأسر الكويتية الموجودة في ملقا،كان لدى العائلة ماهو أكبر وأهم، وهو إثارة قضية احتلال الكويت على كافة المحافل ، وكسب التضامن والتأييد لها، وبالفعل تم التنسيق مع وكالات الأنباء العالمية لعمل مقابلات مع اللجنة الكويتية في إسبانيا ممثلة بالسيدين "عبدالرحمن الحوطي" و"سالم المرزوق" ، كما قام محافظ المنطقة بعمل مؤتمر صحفي لوكالات الأنباء العالمية ،ودعا إليه جميع الكويتيين المتواجدين في إسبانيا، حيث ألقى فيه كلمة دعما لقضية الكويت.
واستكمالا لهذه الجهود قام الإخوة بالمساهمة في دعم مشروع تسمية ميدان الكويت في إسبانيا، وحضر حفل افتتاحه السفير الكويتي في أسبانيا و أعضاء اللجنة الشعبية الكويتية ، والكويتيون المتواجدون هناك، وحشد كبير من الشعب الإسباني. وهذا الحفل أظهر التأييد الكبير لقضية الكويت العادلة من قبل الحكومة والشعب الإسباني، لم يترك المرحوم وإخوانه وأبناؤهم مسيرة أو تظاهرة أو فعالية بهذا الصدد إلا وكانوا من المشاركين فيها أومنظمين لها.كان من ضمن اهتمامات سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح –طيب الله ثراه-في ذلك الوقتإرسال الوفود والمبعوثين الكويتيين إلى كل دول العالم لإيصال صوت الحق وعدالة قضية الكويت ،وكان أن قام وفداً مكلفاً من قبل الحكومة الكويتية في الطائف برئاسة الشيخ سالم صباح الناصرالصباح بزيارة إلى مملكة إسبانيا حيث قام الإخوة باستقباله والتنسيق مع السلطات المحلية في محافظة ملقا بإعداد وإنهاء الاجراءات اللازمة لاستقبالهم منذ قدومهم من المطار وحتى نهاية رحلتهم، ومن المواقف التي لاتنسى قيام سعادة الشيخ سالم الناصر الصباح برغم طول الرحلة ومشقتها حتى وصوله إلى إسبانيا، بالتوجه من المطار رأساً إلى مجمع هادي سنتر للإلتقاء باللجنة الشعبية والكويتيين المتواجدين هناك حيث ابلغهم بتحيات رمز الكويت وأميرها سمو الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح والحكومة الكويتية وطمأنهم على أن عدالة قضية الكويت أصبحت الأن هي قضية العالم الحر أجمع، وإن النصر قادم قريباً بإذن الله كما أخبرهم بأن المسؤولون يتابعون بشكل مستمرودائم أحوال وأوضاع أبناء الكويت جميعا سواء بالداخل أو بالخارج وهم يعملون بكل السبل لتذليل كل الصعوبات التي تقابلهم والتنسيق قائم على جميع المستويات وكافة الأصعدة لتحرير هذه الأرض الطيبة وعودة أهلها لها سالمين. وقد لاقت هذه الزيارة أرتياحا كبيرا في نفوس الكويتيين وعززت آمالهم بزوال هذه المحنة في القريب العاجل بإذن الله.
ومع بوادر الانتصار وانكسار الغزو الغادر، أرسلت اللجنة الشعبية الكويتية نيابة عن المقيمين هناك رسالة إلى صاحب السمو أمير البلاد الراحل للتهنئة بالعيد الوطني الثلاثين، وقد قام سموه بالرد برسالة فاكس على مقر اللجنة الشعبية بمقرها في "هادي سنتر" تسلمت العائلة نسخة منها وكان نصها:

" بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوة رئيس وأعضاء اللجنة الشعبية الكويتية في أسبانيا والكويتيون المقيمون في اسبانيا-فاكس371137 52* ملقا
تلقيت بسرور وغبطة برقيتكم المهنئة بعيدنا الوطني الثلاثين،وإني إذأشكركم على تفانيكم ومشاعركم الوطنية، لأدعو المولى القدير أن يعيد الكويتيين إلى كويتهم لنجدد لقاءنا على الخير والمحبة ،ونبني معا كويتنا الغالية لتتبوأ مكانتها في الطليعة تعمل من أجل خير أمتنا العربية والإسلامية ومن أجل البشرية جمعاء، إن وقفة الشرفاء والخيرين في العالم مع نضال وكفاح شعب الكويت لهو دليل و تجسيد على مالها من مكانة مرموقة ردت كيد المعتدين الغزاة إلى نحورهم، ولا يفوتني هنا أن أترحم على أرواح شهدائنا الأبرار تغمدهم الباري بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته، وجنب أهلنا الصامدين في الداخل كل مكروه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
جابر الأحمد الصباح
أمير دولة الكويت
12شعبان 1411ه
26فبراير1991 م"
(* رقم الفاكس الخاص لمجمع الأخوة في أسبانيا - هادي سنتر-)
وكعادة أهل الكويت أصحاب الوفاء والأصالة، قام الأخوة وبعد التحرير بدعوة المحافظ لتشكيل وفد يمثل المملكة الإسبانية وكل من شارك في دعم قضية الكويت أثناء الاحتلال العراقي الغاشم للحضور إلى الكويت شكرا وامتنانا لهم، وبالفعل حضروا ،وتم تكريم الوفد بالشكل اللائق في ديوان سمو ولي العهد آنذاك) الأمير الوالد- الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح- رحمه الله ، وبعد ذلك تم تكريمهم في عدة أماكن أخرى رسمية وشعبية واختتمت بتكريم من العائلة بحفل في ديوان الميلم حضره عدد كبير من الكويتيين والسفراء العرب والأجانب بالبلاد.
وبالحس الوطني الذي كان يتمتع به الإخوة ،وفي تصرف غاية في الذكاء، فطنوا للنوايا الخبيثة للغازي المحتل ، فقاموا بعمل تفويض بإدارة مستشفي ( هادي ) لبعض القائمين على الإدارة من الأطباء الوافدين، وذلك بسبب وجودهم خارج البلاد بحيث لم يتمكن الغزاة من السيطرة على المستشفى، وأعطوا تعليمات لهم بفتح المستشفى وصرف الأدوية للمحتاجين خلال فترة الغزوبدون مقابل إلى أن أزال الله الغمة ،وبعد التحرير ونظرا للحالة التي ترك الغزاة عليها مستشفيات الحكومة وما أحدثوها فيها من دمار بربري وهمجي ، فقد بعثوا برسالة إلى صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح- رحمه الله -بما يفيد بأنهم يضعون المستشفى بكامل إمكاناته المادية والطبية والدوائية وكوادره العاملة تحت تصرف الحكومة الرشيدة لحين إعادة المستشفيات الحكومية لسابق عهدها.
لم يكن الإحساس بالمرارة والغدر والرغبة في القيام بأي عمل تضامنا مع هذا الوطن الغالي في المحنة التي ألمت به قاصرة عليهم فقط ، بل كانت هذه الروحية تسري في دماء وقلوب وعقول كل أفراد العائلة ، فقد قام الابن" يوسف مساعد الميلم" وكان وقتها(أول أيام الغزو قبل أنتقاله الى أسبانيا) يحضر رسالة الماجستير بالولايات المتحدة الأمريكية على الفور بكتابة رسالة إلى سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - رحمة الله- عن طريق سعادة الشيخ "سعود ناصر الصباح " السفير الكويتي بواشنطن يطلب منه العمل على تسهيل التحاقه بالمتطوعين في الجيش، أو ليساهم بأي شكل في العمل على تحرير تراب الوطن الغالي مؤكدا فيها على تمسكهم والتفافهم حول الشرعية ورمزها صاحب السمو أمير البلاد المفدى. كانت رسالة مشحونة بالعواطف والحماس والرغبة الصادقة بالتضحية والبذل والعطاء.
هانت عليه في لحظة كل أحلامه في استكمال دراسته العليا وأمنية حياته في الحصول على درجة الدكتوراه، وهو يرى أمامه الجرح النازف في قلب الوطن ،وقرر التضحية بكل شئ ليكون رهن إشارة وفداء لكل ذرة من تراب بلاده ، كان حديث الزواج وعمر ابنته البكر والوحيدة لم يتجاوز الشهر الواحد. كان للرسالة وقع طيبٌ وأثرٌ واضحٌ في نفوس المسئولين ، حيث قام سعادة السفير بالرد عليه برسالة شكره فيها على حسه الوطني العالي ،وهي تثبت بوضوح لايدع مجالا للشك عن مدى تلاحم هذا الشعب مع قيادته الشرعية في أحلك الظروف وأصعب اللحظات.

وكان نص رد الرسالة كالتالي:
" ...سفارة دولة الكويت-واشنطن –التاريخ27سبتمبر1990
الابن العزيز يوسف مساعد عبد الهادي الميلم المحترم
تحية طيبة وبعد:
تلقيت رسالتك الكريمة المؤرخة في 24/9/1990 والموجهة إلى راعي الكويت أمير البلاد المفدى الشيخ /جابر الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله وهنا أود أن أحي فيك روحك الوطنية وإخلاصك للكويت ولقيادتها الحكيمة، وأدعو الله أن يعيد لنا أرضنا الطيبة وأن يجمع شملنا مع أهلنا الأحباء.
بارك الله فيك وأكثر من أمثالك أهل المحبة والطيبة، وعاشت الكويت حرة أبية بقيادة أميرها وولي عهدها الأمين.
مع أطيب التمنيات،،،
السفير سعود ناصر الصباح"

لم تكن تلك الروح الوثابة والمشاعر الوطنية المتأججة قاصرة فقط على الرجال من أبناء العائلة بل امتدت أيضا إلى نفوس بناتهم ، فها هي الابنة "دينا مساعد الميلم" ،والتي كانت تدرس الطب بالكويت قبل الغزو الغاشم، واستكملت دراستها خلال فترة الغزو بمملكة البحرين تدخل الكويت مع أوائل قوات التحرير ضمن وفد الهلال الأحمر، لتقوم بمعالجة الجرحى وتقديم العون لمن يحتاج في أوقات كانت بالغة الصعوبة نظرا لحالة الدمار التي كانت عليها البلاد وانعدام كافة الخدمات فيها،لم تتردد أو تتخاذل في تلبية نداء الواجب ،متجاهلة ما قد تتعرض له من مخاطر تهدد حياتها وافتقاد أدنى درجات سبل الحياة المناسبة ، لم تؤثر السلامة وتبقى بمنأى عن الأهوال والمخاطر والحالة الأمنية المضطربة التي كانت تسود البلاد في ذلك الوقت ، حزمت أمرها وتوكلت على الله ووجدت التشجيع والمساندة والتأييد من جميع أفراد الأسرة.
ونظرا لهذه المواقف الكريمة والمشرفة التي تركت بصمة قوية في نفوس الجميع، كانت المبادرة الطيبة من سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح -طيب الله ثراه- بدعوة الأسرة إلى مقابلة سموه في مقره المؤقت في ديوان البابطين بالنزهة ، والذي اتخذه سموه مقرا مؤقتا يدير منه البلاد ريثما تتم ترميمات قصر دسمان والسيف من جراء التخريب الذي تعرض له أيام الغزو العراقي الغادر، وتواجد هناك الكثير من الضيوف والمسئولين ورجال الدولة ، حيث قام سموه بتقديم الشكر إلى عائلة "الميلم" على مواقفهم الوطنية الطيبة التي سجلت في صفحات التاريخ ، وعلى الدور الذي قاموا به في فترة الاحتلال الغاشم وبعد التحرير. وبدوره قام العم" فهد يوسف الميلم " بإلقاء كلمة عبر فيها عن شكره وشكر عائلة الميلم جميعا على هذه البادرة الطيبة من جانب سموه ، وأن هذا التكريم سيظل وساما على صدرهم جميعا، مؤكدا بأنهم كانوا وسيظلون رهنا وفداء لكل ذرة من تراب هذا الوطن الغالي، وأنهم سيظلون على عهد الوفاء والحب لسموه باقين.
إضافة لما سبق ذكره كان الحب والولاء لأمير البلاد الراحل سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح -طيب الله ثراه- قد تجلى بوضوح في الأزمة الصحية التي ألمت بسموه واستدعت علاجه بالخارج فترة طويلة قد جمعت حوله قلوب كل إنسان على هذه الأرض الطيبة من مواطنين ومقيمين، وقد تبنى مجلس الآباء والمعلمين بثانوية أحمد العدواني بنين -وكان الراحل مساعد الميلم من أبرز أعضائه- حملة لجمع الدعوات لسموه بالشفاء والعودة سالما إلى البلاد، شارك فيها جميع طلاب المدرسة ومعلموها وأعضاء مجلس الآباء، وتم تجميعها في مجلد كبير ،وقام الراحل شخصيا بتحديد موعد مع سعادة الشيخ "فهد الجابر الأحمد الصباح "، حيث قام وفد من المدرسة بصحبة الراحل بتسليمه إليه في مكتبه بالهيئة العامة للشباب والرياضة وقت كان سعادته رئيسا لها.
ولأن الكويت لا تنسى أبناءها المخلصين أبدا، ففي فبراير 2009 م،وبمبادرة من «بيت الكويت للأعمال الوطنية في فعاليات مهرجان «كلنا في حب الكويت»،وفي ذكرى عيدي التحرير والاستقلال،
وهما مناسبتان لهما أهمية كبرى وعظيمة في ذاكرة الكويت وعقول كل أبنائها ، وبرعاية كريمة من سمو رئيس مجلس الوزراء ،قام الشيخ مبارك الحمود الصباح محافظ الجهراء ممثلا عن سمو رئيس مجلس الوزراء بتكريم كوكبة من رجالات الكويت والشخصيات الوطنية التي قدمت الكثير من التضحيات لهذا الوطن المعطاء، وأشاد بما قدمه هؤلاء من تضحيات في سبيل هذا الوطن، مؤكدا أن الكويت سباقة بالعرفان بالجميل وحفظه، وتمنى الرفاهية والتقدم للكويت ،وقد تم التكريم في حضور عدد كبير من أعضاء السلك الدبلوماسي وبعض الفنانين والشخصيات الكويتية ،وكان من ضمن المكرمين السيد فهد يوسف الميلم تقديرا للمواقف الوطنية الكثيرة التي قدمتها عائلة الميلم .
واحتفالا بأعياد التحرير والاستقلال في العام 2009 م أطلقت فنادق ماريوت الكويت برعاية الشيخ نايف الجابر الأحمد الصباح ومستشفى هادي بالكويت "مسيرة سلام" ضمت شاحنة ضخمة زينت بأعلام الكويت والبالونات وحملت الشعارات الوطنية لتتجول خلال أيام أعياد التحرير والاستقلال في شوارع الكويت وفي بعض المناطق الهامة مثل أبراج الكويت والمرافق العامة من وسط مدينة الكويت إلى منطقة الفحيحيل في احتفال في حب الكويت...وقد أكد العم إبراهيم يوسف الميلم نيابة عن أصحاب المستشفى بأننا فخورون برعاية هذا الحدث الهام تجاه وطننا الحبيب.وخلال احتفال وطني متميز أمام قاعة الراية قام الشيخ نايف الجابر الأحمد الصباح والعم إبراهيم يوسف الميلم، بقص شريط الافتتاح لإطلاق الشاحنة، كما تم إطلاق حمام السلام هاتفين في حب الوطن.
كانت كل الأعمال والمبادرات الوطنية التي قامت بها العائلة محل تقدير واحترام واهتمام من الحكومة الرشيدة والأسرة الحاكمة الكريمة التي كانت لاتتوانى في تقديم الشكر والقيام بالزيارات الودية للأسرة في ديوانهم بالعديلية في المناسبات الاجتماعية المختلفة.



زيارة الوفد الاسباني للبلاد


كما أسلفنا سابقا فإن الدور الذي قام به المسئولون الأسبان في محافظة بني المدينة ترك بصمات قوية ليس في نفوس عائلة الميلم فقط بل في نفوس قطاع كبير من الشعب الكويتي، ووفاء وتقديرا لهم فقد قام الإخوة بدعوتهم لزيارة الكويت لتكريمهم وتقديم الشكر لهم ،وإعطائهم الدليل الحي والواضح على أصالة ومعدن وقيمة هذا الشعب الذي لاينسى من وقفوا بجانبه في محنته.
تم وضع برنامج زيارات لهم اشتمل على زيارة المعالم السياحية والحضارية بالكويت إضافة لبعض الشخصيات الرسمية والشعبية. وقد تم تكريم الوفد الذي تكون من 14 فردا.
كما تم مخاطبة كبار المسئولين لعمل الاستعداداتاللازمةلمقابلة الوفد، حيث أُرسل كتاب إلى معالي الشيخ مبارك العبد الله ووزارة الطيران المدني لطلب فتح قاعة التشريفات بمطار الكويت لوداع الوفد في نهاية زيارته ورسالة إلى معالي وزير الخارجية النائب الأول لرئيس الوزراء ذاك الوقت سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لإحاطة سموه علما بزيارة الوفد وأسماء المشاركين فيه .
كانت الحفاوة البالغة والاستقبال الحار وكرم الضيافة الذي لاقاه الوفد منذ وصوله إلى الكويت وحتى مغادرته مثار إعجابهم ودهشتهم جميعا على كافة المستويات رسميا وشعبيا وإعلاميا ، فقد اطلعوا ولمسوا الوجه الحضاري والإنساني لهذا البلد الصغير في مساحته الكبير بمبادئه وقيمه وأخلاقه، قابلوا وتعرفوا على شرائح مختلفة من جميع أطياف وقطاعات المجتمع الكويتي شيوخ وسياسيين ووزراء سابقين ورجال أعمال وممثلين عن المؤسسات المصرفية والاستثمارية الكبرى بالبلاد، وكان ما يلفت النظر هو هذا الحرص من الجميع على الحضور والمشاركة والتكريم لهؤلاء الضيوف أعضاء الوفد ،ولقد كانت دعوة الوفد بمبادرة فردية من أبناء المرحوم يوسف عبد الهادي الميلم ،كما كان استقبالهم على المستوى الرسمي ربما يفوق ويزيد على المستوى الشعبي من حيث الاهتمام والاحتفاء ،وهذا يؤكد تلاحم وتفاعل وتجاوب الحكومة مع أبناء شعبها ، وحرص الجميع على إظهار الكويت بالشكل اللائق والمشرف ، وكان التخطيط أن تحدد لهم مقابلة مع صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح- طيب الله ثراه -ولكن لم تتم بسبب وجود سموه خارج البلاد في ذاك الوقت ، فيكفي استقبالهم في ديوان سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح -طيب الله ثراه- بقصر بيان الذي استقبلهم بكل مودة وحرارة وترحاب، وأعرب سموه عن شكر الكويت وتقديرها لما قدمته مملكة أسبانيا على المستويين الحكومي والشعبي من عون ورعاية لأهل الكويت الذين ظلوا فيها خلال الاحتلال العراقي الآثم لوطننا العزيز ، وأكد سموه : إن الكويت ستظل تذكر بالعرفان والامتنان موقف اسبانيا المبدئي النبيل تأييدا لقضيتنا العادلة .
وكذلك استقبال محافظ حولي السيد داود مساعد الصالح للوفد بمكتبه، حيث رحب بهم وأثنى على موقف الشعب الاسباني الصديق وقت الغزو الغاشم على دولة الكويت وبحث سبل تنمية وتطوير التعاون بين البلدين الصديقين في كافة المجالات.
أما على المستوى الشعبي فقد استضافهم السيد خالد يوسف المرزوق بمنزله وديوانه بمنطقة الفنطاس ،وقد حضر الحفل رئيس مجلس الأمة وعدد من الشيوخ والوزراء وكبار رجال الدولة ووجهاء الكويت ،والسيد بدر جاسم البحر رئيس مجلس إدارة شركة المشروعات السياحية بأبراج الكويت وانتهت الزيارة بحفل استقبال للوفد بديوان الميلم بالعديلية حضره الشيخ مشعل الأحمد الصباح والشيخ مبارك العبد الله الصباح ورئيس المجلس البلدي ونائب رئيس مجلس الأمة وعدد من الوزراء السابقين ورجال السلك الدبلوماسي والعربي وعدد من رجال الأعمال تم فيه تكريمهم بما يليق بهم وبما قدموه للكويت في أصعب موقف مر على الكويت في تاريخها القديم والحديث ، ويذكر إن طوال فترة الزيارة كان الأخوة بصحبتهم ، ولم يتركوهم لحظة واحدة ، وقد تحملوا كامل تكاليف السفر والإقامة طوال فترة وجودهم في البلاد .
وتقديراً لما قام به الإخوة من جهد وترتيب وتنظيم لهذه الزيارة التي تصب في خانة الكويت المشرفة خارجيا بعث وكيل ديوان سمو ولي العهد إليهم بالرسالة التالية:

"بسم الله الرحمن الرحيم
ديوان سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء
الأخ الفاضل أحمد يوسف عبد الهادي الميلم وإخوانه المحترمين
ديوان العبدالهادي الميلم – العديلية
تحية طيبة وبعد يسرني أن أعرب لكم عن خالص شكري وتقديري لدعوتكم الكريمة لحضور حفل العشاء بمناسبة زيارة عمدة بني مدينة بأسبانيا وعدد من الشخصيات الأسبانية.
وإذ أشيد بالمواقف والرعاية الكريمة التي قامت بها الحكومة الأسبانية على المستويين الحكومي والشعبي تجاه الأخوة الكويتيين وخاصة الذين قمتم باستضافتهم بأسبانيا وذلك أثناء الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت.
أود أن أُعّبر لكم عن بالغ التقدير على هذه المبادرة الكريمة وإتاحة الفرصة لنا جميعا بالترحيب بضيوفنا الأعزاء وبالإعراب لهم عن مشاعر الود والعرفان ، راجيا لكم ولإخوانكم الأعزاء كل توفيق وسداد مع موفور الصحة والعافية.
مع أطيب التمنيات
أخوكم
وكيل الديوان
عبد اللطيف عبد الرحمن البحر
25/12/1995"

وبعد عودة الوفد الأسباني بعثوا برسالة شكر باللغة الأسبانية ترجمت إلى اللغة العربية على النحو التالي:

"مجلس مدينة "بن المدينة" (ملجا)
هاتف. 84400 224 - فاكس 9009 244
بتاريخ: ديسمبر 22 1995
رقم السجل 15.795
الموضوع: دولة الكويت
أنعقد المجلس في جلسة خاصة في 15 ديسمبر 1995، وتم الموافقة على التالي:
2 - نتائج زيارة الوفد الرسمي للمجلس لدولة الكويت
بعد الإطلاع على تقرير رئيس المجلس السيد بولين بيريز-أرجيمي، وممثل المجلس لشوؤن السياحة السيد بونيل تيجرو، والمتحدث عن الحزب الشعبي السيد مونز جمنيز، قرر المجلس بالإجماع تقديم عظيم شكرهم وامتنانهم لدولة الكويت وحكومتها وعائلة الميلم والسفير الأسباني بالكويت على ترحيبهم الحار وضيافتهم للوفد الممثل لمجلس مدينة "بن المدينة". ويتعهد المجلس بكل ما في وسعه لتقوية الروابط على كافة المستويات معهم.
وهذا لاتخاذ اللازم.
مدينة "بن المدينة", 21 ديسمبر 1995"
الصور المرفقة
     
رد مع اقتباس