عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-07-2008, 11:42 AM
ملاحم كويتية ملاحم كويتية غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
المشاركات: 116
افتراضي أعياد الكويتيين في عيون الرحالة الغربيين

أعياد الكويتيين في عيون الرحالة الغربيين


( مختارات ومشاهدات )



إما أخر من كتب عن الكويت في العيد فهي زهره فريز او زهره ديكسون وسجلت ملاحظاتها وتركت انطباعاتها عن الكويت والإقامة فيها فأخرجت كتابا سمته «الكويت كانت منزلي» طبع هذا الكتاب في لبنان قبل ثلاثين سنة ثم جاءت السيدة الدكتورة فتوح الخترش وترجمت وطبعت الكتاب مرة ثانية وسمته «الكويت كانت وطني».

احتفل العالم الاسلامي بعيد الاضحى الذى يحيي ذكرى تضحية ابراهيم .
وافق اليوم الاول من العيد الثالث من نوفمبر فذهبنا بعد ظهر ذلك اليوم الى ساحة سوق الكويت الواسعة لمشاهدة العرضة وهى رقصة الحرب الرسمية التى تؤدي ايام الاعياد والمناسبات الهامه .
وعندما وصلنا بسيارتنا الى الصفاة وهو المكان الفسيح المكشوف الذى يجلب اليه البدو جمالهم لعرضها للبيع وجدنا حشدا غفيرا يتجمع وكانت الارجوحات التى نصبت على وجه السرعة تمارس دورها في همة ونشاط لادخال البهجة على قلوب الاطفال الذين لا حصر لهم ولا عد تذرع المكان وهي في ملابس العيد ولا شاغل لهم او متعة الا التطلع للاخرين ومراقبة ما يفعلون .
وكان العلم الكويتي يرفرف بلونه القرمزي فوق رؤوس الحشد المتزاحم عن يسارنا وعندما توجهنا بسيارتنا نحوهم وضغط السائق باصبعه على صمام اداة التنبيه سارعوا بالتفرق ليفسحوا لنا الطريق .
وكان العلم مثبتا في المنطقة التى وقع عليها الاختيار لتكون حلبة لاداء رقصة الحرب وترجلنا من السيارة عند الجانب الخارجي للحشد الذى التف على شكل دائرة حول المنطقة الخالية وشققنا طريقنا حتى وصلنا الى داخل الدائرة .
وفي هذا المكان كان الشيخ عبدالله المبارك يجلس ومعه مجموعة من الشيوخ على صف من المقاعد في جانب الحلبة .
وكان الشيوخ جميعا يرتدون افخر ثيابهم ويحملون سيوفهم وكل سيف في غمدة الثمين الذى تحلية الزخارف والنقوش مصنوع من الذهب الخالص وعندما وصلنا الى حيث يجلسون نهضوا ليفسحوا لنا مكانا على المقاعد بجوارهم .
كانت رقصة العارضة قد بدأت لتوها وفي وسط الحلبة الى جانب العلم وقف المنشدون في صفين طويلين متقابلين وكل صف ينشد بالتبادل مع الصف الاخر مقاطع من اغنية طويلة ويصافح افراد كل صف افراد الصف الاخر وهم يتمايلون وينحنون في حركة موحدة وبالقرب من المنشدين وقفت مجموعة من حاملي الطبول تقرع نغمة رتيبة لا تتغير على طبول صغيرة من الجلد غير المدبوغ بينما يؤدي قائدهم وهو عربي ممشوق القامة يرتدي دشداشة زرقاء اللون عزفا منفردا بدقة قصيدة على طبلته تختلف عن الايقاع السائد من قرع الطبول الاخرى.
ومن الغريب ان الراقصين بدأ الرقص في بطء حول الحلبة على ايقاع هذه الموسيقى الرتيبة وكان هؤلاء الرجال جميعا مجندين من حاشية الحرس المسلح الخاص للشيخ عبدالله ويتولى قيادتهم تمرس في اداء رقصة الحرب .
وكان كل راقص يحمل بندقية ويتحركون جميعا في صف واحد متصل الراقص بعد الاخر حول الحافة الخارجية للدائرة ويؤدون حركة غريبة بجر القدمين على الارض على دقات الطبول وعندما رفع قائدهم بندقيته اعلى رأسه باسطا ذراعة الى اقصى طولها ادى كل الراقصين نفس الحركة على الفور كما كانوا يقلدونه عندما يضع كعب البندقية في كتفه وكأنه يتخذ وضع التسديد .
اما عندما طوح ببندقيته في الهواء ثم تلقاها بين يدية وهي تهبط فلم يتصرف على نفس النحو الا من كانوا على ثقة كاملة بقدرتهم على اداء هذه الحركة بينما شاركة الاخرون بالايماء فقط .
وجلسنا نرقب الموكب الذى لا نهاية له من الراقصين كان هناك راقصين من السود وطوال القامة يتميزون باقدامهم الضخمة من الحرس الخاص بالشيخ عبدالله وبدوا غلاظا تبدو عليهم سمات الرعونة الشديدة والتهور وفي ايديهم بنادقهم العتيقة وكان بعض البدو يرتدون سترات ملونة مزينة بجدائل من ذهب وعندما مروا بنا امكننا ان نقرأ على اكمامهم اسماء فنادق ودور عرض سينمائي امريكي فامريكا تصدر الى شبة الجزيرة العربية كميات ضخمة من السترات المستعملة التى يستخدمها الحجاب وحرس المنازل العامه والتي لا يدخر البدو جدها من اجل الحصول عليها.
وربما بدت رقصة العارضة بالنسبة للاجنبي مجرد احتفال رسمي فخم لا علاقة له بشؤون الحياة العملية ولكن الواقع انها تستمد اصولها من غرض محدد وهو اثارة النخوة القتالية في قلوب الجنود استعدادا للحرب وحتى في السنوات الاخيرة كان الجنود الكويتيون يرقصون وهم في طريقهم الى الصدام والمناوشات .
وفيما مضى رأيت الراقصين الذين يؤدون العارضة وهم يحشون مواسير بنادقهم بالبارود اثناء الرقص ويتحركون في خطى اشبة ما تكون بالخوض في الماء او الوحل مع ايماءات بطيئة متقنة كجزء من الرقصة وعندئذ يحدث ما يبهج المتفرجين ويثيرهم في نفس الوقت عندما يطلق الراقصون نيران بنادقهم في الهواء ولكن دون ان يعيدوا حشوها بالبارود او اطلاقها مرة اخرى وعرفت فيما بعد انه تم حظر هذا الجانب من الرقصة .
وبعد فترة وجيزة تغير نظام الرقصة فبدأ قارعو الطبول الذين كانوا يقفون في وسط الحلبة يشكلون حلقة تضم مجموعتهم الصغيرة وانضم اليهم عدد قليل من الراقصين حاملي السيوف وبدأوا في اداء حركة جديدة وكل منهم يلوح بسيفه تجريده من غمده.
ثم نهض الشيخ عبدالله المبارك من مجلسة بجانبا والقي بشته الموشى بالذهب واستل سيفة من غمده وانضم الى المجموعة الملتفة حول قارعي الطبول ورفع سيفه الى اعلى ليبدأ الرقص .
وانضم الى الرقص ابناء العديد من الشيوخ الاخريين الذين جاءوا لحضور الحفل بعضهم يحمل غدارته او سيفه الخاص بينما استعاد البعض الاخر سلاحه من ابية فهذا الرقص يعتبر جزءا من التدريب العملي للشيخ الشاب وحتى الاطفال في سن الثامنة او التاسعة خرجوا من الحلبة يراقبون الاكبر منهم في دقة وانتباه ويقلدون الحركات الغريبة التى يؤديها هؤلاء على قرع الطبول وكان قائد فرقة الطبالين بزيه الازرق يرقص هو نفسه اثناء قرعة على طلبته ويلف ويدور حول نفسه وهو يحجل على ساق واحدة بالتبادل .
وفجأة ومن وراء الحشد المتزاحم على الجانب البعيد من الحلبة تعالى صوت ضجيج السيارات وحركة بين الحاضرين وافسح الجميع الطريق لسيارة كرايزلر سوداء ترفع علما مثلثا صغيرا احمر اللون على رفرفها كانت قادمة في اتجاهنا .
وتوقف الرقص اثناء اجتياز السيارة للحلبة وتوقف الراقصون لمشاهدتها وهي تقترب من مقاعدنا وقبل ان تتوقف السيارة نهائيا فتح الباب وقفز منها اربعة من السود المسلحين ثم هبط منها حاكم الكويت الشيخ احمد .
وراء سيارة الحاكم اقبلت سيارتان تحملان ابنائه وفي المؤخرة عربة مكشوفة يركبها الحرس المسلح .
وما ان جلس الشيخ احمد على مقعده بجانبنا حتى قفز حرسة الخاص فوق صد المقاعد وشقوا طريقهم بين الجالسين واتخذوا مواقعهم في صفوف خلف الشيخ ليشكلوا حاجزا بينه وبين الحشد الهائج المصطف من الخلف .
وعندما جلس فخامته اقبل عدد كبير من اتباعه لتقبيل يده تعبيرا عن الولاء ثم اقترب الاطفال الذين شاركوا في العارضة في خطى وئيدة وعلى استحياء فقبلوا يده هم ايضا فانحنى الشيخ ليطبع قبلاته على وجناتهم .
وبعد ان جلس الشيخ احمد مرة اخرة بدأ الطبل والغناء من جديد وخرج الشيخ عبدالله الذى توقف عن الرقص عندما وصل فخامة الشيخ احمد وانضم مرة اخرى للراقصين في الحلبة .
ثم جاء المرحلة الختامية للرقصة توقف الراقصون في الحلقة الخارجية وتراجعوا الى الوراء ودخل الصفان الطويلان من المنشدين الى وسط الحلبة وبينما هم ينشدون كان افراد الصفين يتحركون الى الامام وينحنون لبعضهم البعض ثم يعودون ادراجهم الى الوراء من جديد وتحرك الشيخ عبدالله والمجموعة الصغيرة من الراقصين الملتفة حول قارعي الطبول في اتجاهنا ثم ابتعدوا مرة اخرى وهم يلحون بسيوفهم المتلألئة مع آخر اشعة الشمس قبل المغيب .
واستمرت الرقصة على هذا النحو حتى غابت الشمس وفي هذا الوقت كان جزء كبير من الحشد المتجمع في ساحة السوق قد انصرف واقتربت العارضة من نهايتها وغادر الشيخ عبدالله الحلبة .
واغمد سيفه ووضع عباءته على كتفيه ونادى فخامته ليطلب حضور سيارته وعندئذ اخذ موكب السيارات يشق طريقه عبر الحلبة وتوقف دق الطبول ولبث الراقصون في اماكن بلا حراك .
وقفز العبيد ليفتحوا ابواب سيارة الشيخ فركب الحاكم وابناؤه ووثب الحرس السود المسلحون الى عربتهم وتحرك سرب السيارات في بطء مغادرا المكان .
وانتهت العارضة وعندما وصلنا الى منازلنا كانت دقات الطبول واصوات الغناء لا تزال معنا وكأنها لم تفارق مسامعنا .
رد مع اقتباس