عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-11-2009, 09:18 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي رجال لا ينساهم الوطن: الأستاذ عبدالرزاق البصير - يعقوب الغنيم

رجال لا ينساهم الوطن: الأستاذ عبدالرزاق البصير - يعقوب الغنيم
جريدة الوطن

منذ عقد الأربعينيات من القرن الماضي، والأستاذ عبدالرزاق البصير يكتب المقالات، ويحضر الندوات، ويشارك في المناقشات، وقد تكون له اسم لامع بسبب نشاطه هذا، وبسبب الأفكار التي كان يطرحها في كل ما يشارك به من كتابة أو قول. ولقد عرفته قبل أن يكون لي به اتصال مباشر عن طريق هذا الذي ذكرته عنه، ولكن الفرصة اتيحت لي فالتقيت به في وزارة الإرشاد والأنباء حين انتقلت إليها ولم يكن اسمها آنذاك قد صار (وزارة الإعلام) ذهبت إليه في مكتبة الوزارة التي كان يعمل أمينا لها، وقد وجدت منه الترحيب والاهتمام، وكان سروري بهذا اللقاء كبيرا وبخاصة وأنه تم بعد قراءتي لما كان يكتبه في الصحف ومتابعة مداخلاته في بعض الندوات. ولقد استمرت العلاقة بيننا بعد ذلك، ولما كنت قد انتقلت في ذلك الوقت إلى العمل في الوزارة التي يعمل بها فقد كانت الفرصة لي متاحة للقائه بصورة دائمة، وزادت وثوقا حين شكلت لجنة التراث العربي في الوزارة فكنت معه في عضويتها مما أدام الاتصال.


كان الجلوس مع هذا الرجل مفيدا وممتعا، تخرج منه وقد حصلت على معلومات كثيرة بسبب كثرة ما يقرأ، وبسبب شدة حبه للعلم وأهله، ومخالطته لغيره من الأدباء والعلماء الذين تحس وأنت نستمع إليه حين يتحدث عنهم بمدى صلته بهم ومعرفته لهم.


واستمرت علاقتي مع هذا الرجل الطيب أزوره ويزورني، ونتحدث دائما بواسطة المسرَّة. إلى أن كان ذلك اليوم الذي اتصلت به فوجدته من خلال الحديث قلقا منزعجا، وعندما سألته عن ذلك أخبرني أنه ذاهب الآن إلى المستشفى لعمل فحوصات طبية يخشى أن تكون نتائجها غير سارة، فقلت له: حماك الله من كل سوء، وسوف تظهر النتائج لصالحنا جميعا إن شاء الله. ولكن الأمور جاءت على خلاف ما توقعت، وثبت وجود المرض الخبيث، وفي يوم لاحق أبلغني أنه ذاهب إلى لندن من أجل العلاج فتمنيت له الشفاء، ولم ألبث إلا أياما محدودة حتى اتصلت به فكلمني من فراش مرضه، وكان صوته ضعيفا على خلاف العادة، إذ يبدو أن المرض اللعين قد بدأ يفتك فتكته، قال لي: إنه يتلقى علاجا مستمرا، ولكنه يائس من الشفاء. وآخر كلمة قالها: ادعو لي. ولقد كتبت يوم ذلك كلمة نشرت في إحدى صحفنا ذكرت فيها مآثره ودعوت كل من سمع به إلى الدعاء له، وقلت: إنه لا يريد منكم غير الدعاء.


لقد قضى الله قضاءه بأسرع مما كنت أتصور، فتوفي في سنة 1999م، وأصبت بعده باكتئاب شديد حتى أنني لم استطع الذهاب لتعزية أهله إلا في آخر يوم لهم في جلستهم التي كان الحزن مخيما عليها مثلما كان مخيما عليَّ.


***


الأديب المفكر عبدالرزاق ابراهيم عبدالله المعروف بالبصير، ولد في منطقة الشرق سنة 1925م، ودرس في كتاب تديره المطوعة صالحة الشمالي، وقد ذكر لي يوما أن هذا الكتاب كان مختلطا فيه الأولاد وفيه البنات، وقد درس فيه القرآن الكريم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تعلم على يد أحد العلماء كثيرا من العلوم وبخاصة النحو والفقه، والفلسفة القديمة، وجال على عدد من حلقات العلم يستفيد منها ويضيف إلى ذلك ما يستنتجه من قراءاته الكثيرة في كتب منوعة مستفيدا من قارئ يقرأ له بسبب إصابته في بصره منذ كان في السنة الرابعة من عمره، ولقد استطاع بمزيد من الجهد والاهتمام والرغبة الشديدة في التعلم أن يصل إلى مرتبة مرموقة، فيكون من أدباء الكويت البارزين، ويدعى للعمل قاضيا للأحوال الشخصية في المحاكم. وارتفع ذكره حتى تم اختياره عضوا في مجمع اللغة العربية في القاهرة بترشيح من الدكتور طه حسين، ولم يتخلف البصير منذ اختياره لهذه العضوية المشرفة عن حضور الجلسات أو تقديم البحوث حتى توفي.


هذا وكانت له مشاركات في عدد من الأندية الكويتية كان منها النادي الثقافي القومي الذي انضم إليه في سنة 1952م، ورابطة الأدباء، التي انتخب عضوا في مجلس إدارتها منذ سنة 1967م حتى سنة 1980م.


ولقد كون لنفسه مكتبة كبيرة تزهو بما فيها من أمهات الكتب، وقد كان يحلو له الجلوس فيها لما يجده من متعةفي جلوسه بين هذا التراث العظيم الذي تعب في تكوينه حتى جاوز الخمسة آلاف مجلد. وكان لحبه لمكتبته يدرك كل ما فيها من كتب، ويعرف موضع كل كتاب فما إن يذكر اسم واحد منها حتى يشير إلى موضعه، وهذه مزيّة من مزاياه الدالة على الذكاء وقوة البصيرة.


وله إلى جانب ذلك عدد من المؤلفات نذكرها فيما يلي:


-1 كتاب تأملات في الأدب والحياة هو أول ما أصدره عبدالرزاق البصير من كتبه، وهو كتاب متوسط الحجم، أصدرته له مكتبة الأمل في منتصف الستينيات من القرن الماضي، وطبعته مطبعة الجبل بلبنان.


يتكون الكتاب من عدة مقالات سبق له أن نشرها في عدد من الصحف، وقد اختار مما نشره فيما سبق مقالات ذات صلة ببعضها بحيث يمكن أن يطلق اسم الكتاب الذي أوردناه هنا على أي من تلك المقالات.


ومما جاء في مقدمة الكتاب قوله:


«وفي اعتقادي أن كل فرد من تلك الفئات يخلص لفنه ويقدم للناس ما في قدرته، ينبغي على النقاد إذا ما تيقنوا إخلاصه لفنه أن يسلكوا في طريقهم لنقده سلوك المرشد الهادي، لا سلوك الهادم الحاقد. ولاسيما إذا كان الكاتب يعترف بأنه لا يمتلك من الطاقات والمواهب ما يجعله في عداد الموهوبين».


وهذا تمهيد لما سوف يقوله لاحقا:


«وكاتب هذه السطور من هذا النوع من الناس يعتقد في نفسه أن طاقاته الفكرية والفنية طاقات محدودة جدا، وهو إذ يقدم هذه الأحاديث المتواضعة إنما هو من باب الاستجابة لكثير من الأصدقاء. ثم إنه يرى في تقديمها نوعا من التعليم للكاتب نفسه. فربما يقرؤها ناقد نزيه فيتفضل بإرشاده إلى ما ابتعد عنه من صواب الفكر، وتنبيهه إلى ما غفل عنه من خطأ في الأسلوب».


هذا ويضم الكتاب خمسة عشر موضوعا هي كلها تأملات في الأدب والحياة، كما أرادها الأستاذ البصير.


-2 الخليج العربي والحضارة المعاصرة، وقد نشر الأستاذ عبدالرزاق البصير هذا الكتاب في سنة 1986م، وطبعته مطبعة حكومة الكويت، وعنوانه يدل على فحواه فهو يتناول كل ما يتعلق بالخليج العربي تاريخا وحضارة وأدبا ورجالا. وفيه من التنوع الشيء الكثير مما يحدونا إلى القول بأن أبناء هذه المنطقة جديرون بالاطلاع عليه ودراسته.


-3 شعراء معروفون مجهولون، وهذا كتاب من مؤلفات الأستاذ عبدالرزاق البصير وهو على صغره كثير الفائدة، لأنه انتقى مختارات جيدة من عيون الشعر قالها عدد من الشعراء الذين تميز شعرهم بالرقة. ومن ذلك ما قاله ابن زريق في قصيدته العينية المشهورة التي مطلعها:


لا تعذليه فإن العذل يولعه


قد قلت حقا ولكن ليس يَسْمعُهُ


ومما قاله ابن النحاس:


بات ساجي الطرف والشوق يلحّ


والدّجى إن يمض جنح يأتِ جُنْحُ


ومنها:


كم أداوي القلب قلت حيلتي


كلما داويت جُرحاً سال جُرْحُ


وهذه من القصائد التي تغنى عندنا بألحان الصوت المعروفة.


-4 وله: الجريمة الكبرى في الكويت وأمانة القلم. ألف هذا الكتاب وأصدره عبدالرزاق البصير في سنة 1995م. وقد طبعته مطبعة حكومة الكويت في 287 صفحة من القطع الصغير.


واضح من عنوان الكتاب أن المؤلف يهدف إلى الاشارة إلى موضوع الغزو العراقي للكويت، وقد تضمن الكثير من المعلومات الخاصة مع بعض الذكريات المرة، والوقائع التي تثبت مكر المحتلين وظلم قوات الاحتلال. كما تضمن دور ابناء الكويت حكومة وشعبا في الدفاع عن الوطن وانهاض عملية التحرير، يضاف الى كل ذلك أحاديث المؤلف المتنوعة التي تتحدث عن الأوضاع القائمة بعد التحرير وعن المستقبل الذي ننتظره لوطننا. وعلى كل حال فإنه على الرغم من الحجم الصغير للكتاب الا انه جمّ المنفعة، ويكفي أن نعده تذكارا لأيام كئيبة مررنا بها.


-5 وكتابه: نظرات في الأدب والنقد، وهذا الكتاب من منشورات «كتاب العربي»، وقد صدر في سنة 1990م ضمن السلسلة التي تصدرها مجلتنا العريقة، وتعنى فيها باختيار الأفضل فتقدمه إلى قرائها.


الكتاب في مائتي صفحة من القطع الوسط، وقد تم تقسيمه إلى أربعة فصول كلها معبرة عن أفكار عبدالرزاق البصير، وعن اهتمامه في الأدب واللغة والفكر بعامة. الفصل الأول من هذه الفصول الأربعة بعنوان: لغويات، تحدث فيه المؤلف عن اللغة وحاجات العصر، وعن الترجمة الى اللغة العربية ومنها، وعن الآثار الأدبية والترجمة. معرجاً على تعريب التعليم الجامعي متحدثا عن مجمع اللغة العربية، ثم مشكلة العامية.


وجاء الفصل الثاني تحت عنوان: «في الشعر والنقد» وهو الموضوع الذي يستهوي أديبنا البارز فيكتب فيه دائماً وتحت هذا الفصل سبعة فروع ترأسها فرع عنوانه: الفن احساس وشعور بالمسؤولية.


والفصل الثالث عنوانه: «لمحات من الأدب في الخليج العربي» تحدث فيه عن أحمد البشر الرومي وكتاب الأمثال الكويتية المقارنة، وعن فهد العسكر، والشيخ يوسف بن عيسى، وعن الأدب القطري، والغوص على اللؤلؤ، وعن الموسمات الأدبية في الخليج العربي.


أما الفصل الرابع والأخير فكان بعنوان: «متفرقات» وهو يضم خمسة مقالات أخذت صفة التنوع أولها عن أدب المهجر وآخرها عن موقف العرب من الحضارة.


هذا هو كتاب عبدالرزاق البصير «نظرات في الأدب والنقد»، وعرضنا له هنا لا يغني عن قراءته.


***


أما كتاباته المتفرقة في الصحف فقد كانت كثيرة، وكان يكتب لعدد مما تصدره الكويت منها، ومما يصدر في الخارج، وقد رصد له أول مقال نشره فكان في سنة 1943م نشرته جريدة «البحرين» ثم استمر في الكتابة والنشر حتى صار لا ينقطع عن موالاة الصحف بما يكتب وكان ذلك حتى أيامه الأخيرة.


وتكفينا متابعة ما نشر في مجلة البعثة التي بدأ يكتب لها منذ صدورها ففي ما نجده في مقالاته المنشورة في هذه المجلة التي أضحت من التراث الفكري والأدبي للكويت، ما يدل على تسلسل عمله في هذا المجال، وهذا ما كتب بحسب سنوات النشر:


في شهر مايو لسنة 1947م نشر في مجلة البعثة مقالا تحدث فيه عن تجربته في القراءة ومتابعة الأدب الذي استهواه منذ صغره، يقول: «منذ الصغر وأنا أحب الأدب وأكلف به أشد الكلف، أحب الأدب بجميع ألوانه» ثم يقول إنه لا يحب قراءة الروايات التي يقبل عليها القراء فينصرفون بها عن الأدب الحق». وقد خاض تجربة ذاتية مهمة حين قرأ إحدى الروايات لينظر سر تعلق القراء بهذا اللون من الأدب، وقد أعجبته الرواية ولكنه علق على ذلك بأنه لا بأس بقراءة هذه الروايات بشرط أن تكون هادفة ومفيدة.


وفي المجلد الخامس من مجلة البعثة له مقال نشره في العدد الصادر منها في شهر يناير لسنة 1951م، يتحدث فيه عن واجب المعارف، وهو يرى أن دائرة المعارف تعنى بالتعليم ونشره بين الأبناء، ولكنها ينبغي أن يكون لها دور في نشر الثقافة العامة بين الناس، وهو يرى أنه من المعيب أن يواصل التلميذ دراسته ويتزود بالعلوم المختلفة ويظل والده بعيدا عن اللحاق بهذا الركب، يقول البصير: «فعلى المعارف - إذن - أن تتخذ أنجح الوسائل لتوجيه الناس لفهم الحياة، لكي يدركوا أن لهم حقوقا، وأن عليهم واجبات» ثم يوضح الطريق إلى ما يريد بقوله: «ويخيل إليَّ أن أحسن الوسائل إلى ذلك هي إنشاء دور للمحاضرات العامة، وإنشاء إذاعة يقوم عليها أناس أدباء مخلصون، ولا بد من العناية بالصحافة والتمثيل، فإن هذين العاملين قد أصبحا من ضروريات الحياة».


وفي شهر مارس 1952م كتب مقالا تحت عنوان: متفرقات، تحدث فيه عن ثلاث نقاط مهمة، إحداها عن التعليم وما طرأ على مناهجه في ذلك الوقت من تغيير. والثانية عن الشعر الكويتي أما الثالثة فهي تعليق على ندوة أقامها طلاب الكويت في لندن، وفيها يبدي فخره بهؤلاء الشبان الذين انشغلوا بهموم وطنهم على الرغم من غربتهم وانشغالهم بالدراسة.


وصدر عدد شهر يناير لسنة 1952م، وضمن رسائل القراء نشرت مجلة البعثة له رسالة يتحدث فيه عن عزوفه عن القراءة والكتابة، وفي هذا يقول إنه تغير تغيرا كبيرا بعد نكبة فلسطين التي جعلته يحس بالاحباط وبالتالي فإنه توقف عن كل نشاط.


وفي شهر يونيو 1952م، له مقال تحت عنوان متفرقات يتحدث في جزء منه عن الشاعر (كشاجم)، وفي جزء آخر عن الموازنة بين مقتضيات العقل، وهجوم العاطفة على الإنسان، أما الجزء الأخير فكان مداعبة قصد بها سواق السيارات الذين يستعملون أبواقها دون داع فيزعجون المارة، ويقضون على تركيزهم.


وفي شهر سبتمبر 1953م، نشرت البعثة لصاحبنا مقالات ضمن باب «حديث الشهر» وكان عنوان مقاله هو: «محاورة مع صديق»، وفيه يتحدث عن لقائه بهذا الصديق وما دار بينهما من حوار في موضوعات شتى، وكان تركيز المتحاورين على النواحي الدينية وقد ختماه بدعائهما الله سبحانه طالبين الهداية والرشاد.


وفي عدد البعثة الصادر في شهر يناير لسنة 1954م مقال للبصير تحت عنوان خواطر، وفيها يشير إلى أن أمور البلاد التعليمية والطبية وغيرها صارت إلى الأحسن ولكنه يرى أن المعلم والطبيب وكل من بيده عمل ينبغي أن يؤدوا واجباتهم أفضل أداء، وألا يركنوا إلى التساهل، وعدم بذل الجهد في أعمالهم، لأن ما يقومون به فيه خدمة للوطن، وفي تساهلهم في أداء الواجب إضرار بهذا الوطن.


***


الدكتور عبدالله القتم أحد أساتذة جامعة الكويت البارزين، له اختصاص في الأدب العربي، وله اهتمام بالبحث والتنقيب في هذا المجال الخصب، كما أنّ له مكتبة عامرة بأمهات الكتب منها قسم كبير خاص بدواوين الشعر، وله صلات طيبة مع عدد من الأدباء في داخل الكويت وفي خارجها.


كان الدكتور عبدالله على صلة وثيقة بالأستاذ عبدالرزاق البصير، وكانت بينهما مدارسات في المجال المشترك بينهما وهو الأدب بشعره ونثره، وقد حدثني الأستاذ البصير عن صاحبه الدكتور عبدالله كثيرا، وأثنى على اهتمامه بالقراءة والبحث، وعن طريقه عرفت الدكتور، وصارت لي به صلة قوية.


عندما توفي الأستاذ البصير لم يكن هناك من هو أولى بالكتابة عنه من صاحبه الدكتور عبدالله، الذي ألف كتابه القيم: «التحدي والتنوير في فكر عبدالرزاق البصير» ونشره في سنة 2002م، وقد تناول الكتاب كل ما يقع تحت هذا العنوان على هيئة فصول كان أولها الفصل الخاص بسيرته الذاتية، والثاني كان عن الصورة التي برزت للبصير في عيون الآخرين، وخصص المؤلف فصلا لاهتمام صاحبنا المشترك باللغة العربية وآدابها، وأما الفصل الرابع فكان «البصير والفكر الإنساني» ثم: «البصير والفكر الإسلامي» وكان الفصل السادس هو آخر فصول الكتاب وكان عن «البصير والفكر الليبرالي» ثم خاتمة الكتاب.


يبدو جليا اهتمام الدكتور عبدالله القتم ببحثه هذا، وقد كان هذا الاهتمام ذا دلالة على مقدرته بصفته مؤلفا وعلى تقديره للأستاذ البصير الذي ارتبط به برابطة ثقافية امتدت زمنا وأكسبت كلا منهما حب الآخر.


رأى الدكتور القتم صاحبه كاتبا في الصحف من الدرجة الأولى وذلك إضافة إلى اهتمامه الفكري والبحثي، فقدم لكتابه بمقدمة مستفيضة عن الصحافة الكويتية منذ بداياتها الأولى إلى وقتنا الحاضر. وفي نهاية المقدمة أرسل بعض التساؤلات التي تنبئ القارئ منذ بداية كتابه عن الموضوعات التي سوف يبحثها فيما يتعلق بالبصر، فهو يقول: «كيف أصبح عبدالرزاق البصير كاتبا صحفيا ومفكرا خليجيا؟ وكيف عاش البصير؟ وما ثقافته وآراؤه؟ هل خدمت الظروف البصير في حياته؟ وهل نعده كاتبا فقط، أم مفكرا كاتبا؟ وما الموضوعات التي كتب فيها البصير... وهكذا ينطلق المؤلف في تساؤلاته التي رد عليها في كتابه القيم «التحدي والتنوير في فكر عبدالرزاق البصير»، ولن يكون لنا مجال هنا لاستعراض الكتاب كاملا بسبب ضيق المساحة المحددة لهذا المقال، ولكننا نكتفي بما تقدم، وسوف يرى القارئ عند عودته إلى هذا الكتاب كل ما يريد معرفته.


وأصدر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت كتابا بمناسبة احتفاليته المعروفة: «منارات ثقافية كويتية» وقد صدر هذا الكتاب بمناسبة الندوة التي عقدت بهذه المناسبة في اليوم الثالث من شهر نوفمبر لسنة 1999م وكان موضوعها: عبدالرزاق البصير. أما هذا الكتاب فقد صدر باسم: «البصير والتنوير» ألفه كل من الدكتور محمد حسن عبدالله والدكتور سليمان الشطي، وبذلا فيه جهدا طيبا، وعلى الرغم من صغر الكتاب فإنه مليء بالتحليلات المهمة، محيط بكافة الجوانب التي يحتاج المرء إلى معرفتها مما يتعلق بالبصير وفكره وأدبه، وتمكنه من أدوات الثقافة مما جعل له الريادة في الأدب والثقافة عندنا.


النسخة التي بين يدي مستعارة، وسوف أعيدها إلى معيرها، وكنت حاولت أن أحصل على نسخة تبقى معي من هذا الكتاب فلم استطع، فهل أجد في المجلس من يتكرم بإهدائي المطلوب؟


***


وبعد؛ فيا أستاذنا وصديقنا عبدالرزاق البصير، كم نتمنى أن تكون معنا في هذه الأيام البائسة التي نحياها وسط مشكلات لا تنتهي، وبين أناس كل همهم المناصب والمصالح المادية حتى ولو كان ذلك على حساب الكويت التي لم يعد لها في قلوبهم ذرة حب، ولا لهفة إشفاق، ويكفينا الاطلاع اليومي على تصريحاتهم ومنازعاتهم في الصحف لنعرف عظم المأساة التي يعيشها وطننا؛ أناس لا يعجبهم العجب، ولا يسعدهم أن يقوم أي مواطن بعمل صالح، لقد اغتصبوا كل شيء وليس من خلاص إلا في الضرب الشديد على أيديهم، أما أنت يا عبدالرزاق البصير فإنه على الرغم من شوقي إلى أيامك وتمنياتي في استمرار وجودك بَيْننا فإنني أشفق عليك من معايشة هذه المأساة لأنني أعرف مدى حبك للكويت، ومدى تعلقك بالحق. يرحمك الله.



تاريخ النشر 18/11/2009






</SPAN>
رد مع اقتباس