عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05-06-2008, 11:49 AM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

في الحلقة الرابعة والأخيرة من استعراض الوثائق الفرنسية الخاصة بتاريخ الكويت يكمل الباحث الاستاذ يعقوب يوسف الإبراهيم قراءة التقارير العثمانية والانكليزية والمفاوضات التي دارت مع الشيخ مبارك والاشكالية التي رافقت انزال العلم العثماني ورفع العلم الانكليزي ويرصد ما كتبته الصحافة العربية والاجنبية عن «حادثة العلم» وينقل ملخصا للتقرير الذي رفعه القبطان كيسيل قائد السفينة الفرنسية le catinat ولقائه بالشيخ مبارك والانطباعات التي خرج بها عن طبيعة العلاقة الكويتية مع الانكليز والعثمانيين.

كتب الميرلاي نجيب بك تقريراً مفصلاً عن الرحلة. ما يهمنا هنا هو ما حدث في يوم 4 ديسمبر، يقول عن ذلك: «في الساعة الثامنة جاء جابر ليقول ان والده لن يستطيع القدوم لتوعكه، وأنه ينتظرنا في الساعة الحادية عشرة، ذلك الصباح في منزله. وفي الموعد المحدد توجهت مع السيد النقيب الى هناك فاستقبلنا أمام باب غرفته، وقال ان الانكليز منعوه من أن يحضر الينا، وفي هذه الأثناء دخل الغرفة رجل وأبلغ أن القبطان الانكليزي يريد المجيء. فوافق مبارك فدخل القبطان وهو برتبة ميرلاي ومعه ضابطان آخران ثم جلسوا ووجه القبطان كلامه عبر المترجم الى السيد النقيب قائلاً: «ان هناك اتفاقية بين الدولة العثمانية والدولة الانكليزية حول وضع الشيخ مبارك وعدم التدخل في أموره من أي جهة، وأنه يستدل من البرقيات المسلمة له من اخلال بالاتفاق مما يؤدي الى ابطالها. وبناء على ما جرى، فان الشيخ مبارك ليس مخولاً بالرد. واذا أعطى جوابه، فانه القبطان سوف يحرق الكويت. وبما أننا لسنا مخولين بالتعامل بهذا الشأن قررنا الصمت حتى لا يتدهور الأمر. في تلك اللحظة قام القبطان بانزال العلم العثماني المرفوع على العمود المنصوب في الشرفة أمام مجلس الشيخ مبارك ورفع العلم الانكليزي. عندئذ وجهت كلامي الى القبطان عبر المترجم بأنهم استعجلوا في تبديل العلم، فأجاب ان ذلك ليس الهدف بل تبديل العلم هو للتخابر مع البارجة وأنه سيبقى هنا الليلة عند مبارك امتثالاً للأمر الذي تلقاه. فظهر جلياً عدم امكانية أخذ أي رد أو جواب من مبارك بعد الآن. فعدنا الى منزل النقيب وجمعنا حاجياتنا وغادرنا فوراً الى السفينة الهمايونية «زحاف» في الساعة الواحدة والنصف ليلاً وبتنا في السفينة، وفي اليوم التالي تحركنا الى البصرة، والأمر لحضرة ولي الأمر.»
كما كتب السيد رجب النقيب تقريراً مشابهاً نوعاً ما ولكنه خال من موضوع انزال العلم. ولكنه ذكر أن الشيخ مبارك مل من الحياة في الكويت وأنه ينوي السكن في أملاكهم بالفاو أو الزين أو بومباي أحياناً.
أما تقرير قبطان البارجة «بومون» الكومندر سمونز الى رئيسه الأدميرال بوزن ــ جيت قائد الأسطول شرق الهند في 14 ديسمبر 1901 نأخذ منه ما يتعلق بالموضوع نفسه «كان الشيخ يأمل في رد كتابي من المقيم السياسي لمزيد من التأكيد ودعم الحكومة البريطانية له ونتج عن ذلك رفضه الالتزام باعطاء رد مبهم على رسالة السلطان بل رغب في أن أقول نيابةً عنه: اني لن أدعك ترد على ذلك، فوافقت وحضرت مع الكابتن فليبس (قبطان «ريد برست») والملازم هاند المقابلة التي جرت بينه وبين النقيب، حيث صرح فيها انني لم أدعه يرد وقد أكدت على تصرفي بأن برقيتي السلطان تحملان تهديداً واضحاً للشيخ، الأمر الذي نعتبره خرقاً للاتفاقات المبرمة مع الحكومة البريطانية للمحافظة على الأوضاع في الكويت. بعد ذلك غادر النقيب وبرفقته شقيق الوالي». وعن حادثة انزال العلم يقول: «يؤسفني خلال مقابلة النقيب أن جندي الاشارة الذي كان يقوم بالاتصال مع سفينتنا الراسية على بعد ميلين ونصف الميل لم يستطع من تحقيق ذلك، فاستأذن باستخدام سارية العلم في منزل الشيخ، فلاحظ شقيق الوالي ذلك متسائلاً عن رفع العلم البريطاني. وعموماً تم شرح الأمر له وبدا النقيب مقتنعاً.»

دور الصحافة العالمية بالأزمة
أمام هذا الزخم الكبير من الأحداث والمتغيرات السياسية. فان المراقب يرى انعكاسها جلياً على الصحافة العالمية. كما ظهرت بدايات اهتمام واضح وكبير للصحافة العربية في شؤون الكويت استقطبت الاهتمام بحكم موقعها، وتفرّدت جريدة اللواء بنشر مقالات عدة واصدارات على شكل كتيّبات مثل «صدى الحرب» لحسن بن محمد بن حجي كاتب امارة حائل عام 1320 هـ - 1902 م. وكذلك «القول الرشيد في ثبوت امارة ابن رشيد» للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الحمود مفتي الزبير عام 1320 هـ أيضاً.
أما «الأهرام» فقد نشرت مقالات أرسلها أحد مندوبيها الذي سافر الى الكويت لتغطية الأحداث ميدانياً، وهو بيومي ابراهيم ــ وقد ذكرناها في مجال الحديث عن «حادثة بومون» ــ بالاضافة الى المقالات التي يكتبها أنطوان غوغيية تاجر السلاح الفرنسي المقيم في مسقط ونشرت في 15 و20 يناير 1902 على التوالي.
بالرجوع الى الصحافة الأوروبية، نرى التغطية عامة خاصة في الصحف البريطانية نتيجة نقاشات وتصريحات المسؤولين في البرلمان وبعد مبادرة نشرتها جريدة التايمس الهندية TIMES OF INDIA في أكتوبر 1901 تبعتها «سان بتسبرغ هيرولد» ST. PETERSBURGER HERALD الروسية في 12 ديسمبر 1901 ثم «فرانكفورتر زيتنك» FRANKFURTER ZEITUNG الألمانية في 25 ديسمبر و«التايمس» THE TIMES اللندنية في 21 ديسمبر و»نوفوي فيرمان» NOVUEY FERMAN الألمانية في 25 ديسمبر وأعقبتهم دي أمستردامر DE AMSTERDAMMER الهولندية مع كاريكاتير عن اختطاف الكويت في يناير 1902.
وكانت جريدة الجيماينه زيتنك ALLGEMEINE ZEITUNG الصادرة في ميونخ في 29 سبتمبر 1901 قد نشرت مقالاً طويلاً تحت عنوان «حادثة الكويت» أثار سخط وغضب السلطان عبد الحميد على الشيخ مبارك مما ادى الى ابتعاث النقيب الى الكويت لرأب تصدع العلاقات ولكنها خلقت مشكلة البومون وكلها مؤشرات لتأثير ما ينشر في الصحافة العالمية وما يترك من ردود فعل تأجيج للوضع العام.
علاوة على كل ما نشر، تبقى الصفحة المصوّرة، التي ظهرت فيLE MONDE ILLUSTRE قبل أكثر من مائة عام، سبقاً صحفياً واشارة تاريخية مهمة في التسجيل الاعلامي الكويتي – الفرنسي، وهو أيضاً توثيق مهمة «كاتينا».

«مهمة كاتينا» CATINAT
لا بدّ إزاء هذه التغطية الإعلامية غير المسبوقة والنشاط السياسي المحموم لدول تحاول الولوج بنفوذها في منطقة إستراتيجية من العالم، وحكومات لها أجندتها الموغلة في الاهتمام لاقتسام الغنائم الإقليمية ما يدفعها إلى تحرّي الحقائق ميدانياً فلم تكن تقارير القناصل والرحّالة وشبكات التجسس كافية لرسم صورة توضع من خلالها خطط مستقبلية.
من هنا جاء قرار الحكومة الفرنسية في، أولاً إظهار تواجد قوتها العسكرية ممثلة بذراعها البحرية الفاعلة في مواقع الأحداث. ثانياً الوقوف البيني على مصادر الاحتقان السياسي الدبلوماسي البريطاني العثماني. ثالثاً معرفة حالة المنطقة المتنازع عليها حاكماً وحكماً وسكاناً. لذا تمّ الأمر بإبحار البارجة «كاتينا» وهي من قطع الأسطول الفرنسي الحديثة نسبياً (تاريخ بنائها عام 1896م ومدة استخدامها أقل من عشر سنوات)، فألقت مراسيها في ميناء الكويت صباح 20 فبراير 1902. لم يكن وصولها مثيراً للشكوك لدى السلطات العثمانية في البصرة بل العكس كان هناك شعور بالارتياح فالاعتقاد السائد عندهم عن تكرار زيارات قطع بحرية فرنسية أو روسية هي محاولات لكسر النفوذ والتواجد البحري البريطاني. فقبلها بأسابيع، قامت المدمّرة الروسية «فارياج» بزيارة مشابهة للكويت في 9 ديسمبر 1901. كما أن الشيخ مبارك كان مسروراً بهذه الزيارة حيث قابل القبطان «كيسيل» بكل تودّد وأخبره عن ارتياحه لرؤية العلم الفرنسي لأنه يمثل دولة لها شهرتها في العالم في حبها للعدل والمساواة واجتماعه بممثل هذه الدولة يعزّز اعتقاده بذلك. ولم يتردّد الشيخ في الإجابة عن أسئلة القبطان حول العلاقة ببريطانيا فقد لاحظ وجود نفوذها في كل مكان. حتى عند خروجه من لقاء الشيخ مبارك صادف دخول الكوماندر البريطاني بيليم PELHAM. ولكن كيسيل لم يستطع قياس العلاقة الكويتية ــ البريطانية بقناعة، فوجود العلم العثماني المرفوع في بيت الشيخ مثلاً هو حسب ما أفضى به قد رفع لتأثير ديني وليس سياسيا حيث لا نفوذ يذكر ولاحظ كذلك الرغبة في الانعتاق من أي سيطرة كانت، وأنه قد أعلن تحرّره من ربقة سلطان اسطنبول ولكنه لم يرفع العلم البريطاني وهذا يدلّ على إنكاره لحادثة العلم. كذلك لم يجد فائدة من مشروع سكّة حديد برلين بغداد وربطها بالكويت. أما انتقاداته لبريطانيا فكانت لحجبها أي معلومات خارجية عنه. ولكن تصرّفهم ألطف من المسلك العثماني المتغطرس الجاف وعلى العموم فقد اتضح «لكيسيل» أن الشيخ مبارك ليس صديقاً لبريطانيا بالمفهوم المطلق بل انه يحاول أن يحافظ على استقلال قراراته وأن يتحاشى المشاكل قدر الإمكان. وعندها طلب منه القبطان التقاط صور له فاستجاب الشيخ لذلك وهي أول صورة ظهرت له حيث لم يسبقها أخرى. كما سمح له بتصوير المدينة بأسواقها وأهلها فكان له ذلك وعند الاستئذان أخبره القبطان بأنه حين مغادرته سوف يطلق 21 طلقة مدفع تحية له كما جرت الأعراف فشكره الشيخ ولكنه أخبره بأنه لن يستطيع ردّ التحية لعدم توفّر مدفعية صالحة وربما كانت هذه إشارة دبلوماسية للطلب في تسليحه.

معلومات فريدة بالتقرير
لم يضع «كيسيل» وقته فأرسل أفراداً من طاقمه لالتقاط الصور وجمع المعلومات وكانت حصيلة بعض ذلك أن السلطات العثمانية أرسلت كمية من الطابوق إلى جزيرة بوبيان لبناء مركز لها وأن هناك ما يقارب 300 جندي عثماني في أم قصر كما تتجه النية لبناء «طابية» فيها. وعلم أيضاً بأن بن رشيد ينوي مهاجمة الكويت. كما اتضح له أن الكويتيين غير راضين عن التغلغل البريطاني. ومن الشخصيات المهمة التي قابلها هو الإمام عبد الرحمن الفيصل (والد الملك عبد العزيز) وكان الاتصال به قد تمّ عن طريق تاجر السلاح الفرنسي المقيم في مسقط المسيو غوغييه بواسطة محمد بن عبد الوهاب الفيحاني تاجر اللؤلؤ في البحرين. وقد التقط أول صورة للإمام نشرت في مقال اللوموند أيضاً. ومن جملة التحريات وجد بأن هناك مخبرا محلّيا للبريطانيين هو حجي علي (علي غلوم رضا) ومترجما لهم هو حجي عبد الغفّار والذي يقيم في بيت الشيخ.
هذا باختصار بعض من المعلومات المودعة في تقرير «قبطان البارجة «كاتينا» الكومندان كيسيل.
إن مثل هذه الوثائق التي يصل الوقت بها إلى هجير التاريخ وبزوغ القرن العشرين ظلت مركونة تختلج سطورها الشوق إلى الظهور والتصفح. كتبت بأسلوب زمانها وهو على الرغم من سذاجته أحياناً إلا أنه يحتوي عن أسرار علم تام بما كان يدور عند أصحاب القرار من خلال أشخاص بعضهم ينتمي إلى عالم ومدن تعجّ أزقتها وأسواقها بالحركة والنشاط ومقاهيها ومجالسها بالحكايات تسرد بأصوات خافتة وإشارات حذرة وسط ضجيج حياة مجتمعات تسودها القسوة والغلظة. تسافر تلك الأقاصيص مسافات بعيدة لتستأنس منها آذان القناصل ومديري الشركات الأوروبية والمنقبين عن الآثار والرحّالة الذين اتخذوا من تلك المدن القصية مراكز لهم. أو مبعوثين أمثال كومندان «كاتينا» الذي أرسل تقريره إلى وزارة الخارجية في وطنه لإرشادها أو كما قال وزير خارجية فرنسا François GUIZOT 1845: «تنوير الحكومة عمّا يجري في هذه الأجزاء القصية من الإمبراطورية العثمانية». لتبنى على ضوء هذه التقارير وما جاء فيها سياسات أمم جعلت من نفسها وصية لتقاسم ثروات إمبراطورية منهارة أسموها «رجل أوروبا المريض» وتفيض ملفات تلك التقارير ومنذ منتصف القرن التاسع عشر وما قبله معلومات ومخططات تشير إلى العزم على السيطرة على البلدان المطلة على الخليج ومن ثم إحكام القبضة على منابع النفط التي بدأ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر في عربستان وموسوبوتمييا بالعراق.
ما أشبه اليوم بالبارحة.

المصادر والمراجع:
استقيت معلومات هذا البحث بالإضافة إلى ما ذكر فيه إلى:
الوثائق البريطانية:
ا – المكتبة البريطانية – لندن
ب – ملفات مكتبة الهند البريطانية
ج - مكتبة الصحف والنشرات كولن ديل – لندن
الوثائق العثمانية:
ا – يلدز-براكندي ما بين باش كاتبي
ب – صدارة ديوان همايوني مهمة دفتري
ج – صدارة مكتبي قلم عموم ولايات
3- الأرشيف المركزي للبحرية الروسية سان بطرسبورغ
4- وثائق وزارة الخارجية الفرنسية كيه دورسي – باريس
5- وثائق وزارة الخارجية الألمانية – برلين

1- العثمانيون أرسلوا 300 جندي الى جزيرة بوبيان وكمية من الطابوق لبناء مركز لهم
2- مقابلة الامام عبدالرحمن الفيصـل آل سعود عن طريق تاجر السلاح غوغييه وبواسطة تاجر اللؤلؤ البحريني محمد الفيحاني
3- حجي علي «مخبر» وحجي عبدالغفار «مترجم» لدى الإنكليز في بيت الشيخ مبارك




مقر الشيخ مبارك كما ظهر في صحيفة LE MONDE ILLUSTRE



سوق الإبل في الكويت.. وضباط وجنود من البحرية الفرنسية
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
رد مع اقتباس