عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 24-02-2011, 05:39 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

إسماعيل السيد: 87 سنة لم أذهب خلالها إلى طبيب ولم أتناول دواء


في سلسلة حلقات «من قديم الكويت»، نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الاول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحتلي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للايام الخوالي، الى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتآلفة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف ان يشمل معهم عددا من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت الى الكويت قبل 40 أو 50 سنة فجاهدوا وعملوا، كل في مجاله، ولم يستمر هذا التواصل والعطاء لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت وأهلها لهم.
ويؤسفنا ألا يمهل القدر السيد اسماعيل علي السيد ليقرأ حديثه الاخير هذا، حيث انتقل الى رحمة الله تعالى اخيرا قبل نشر هذا اللقاء، الذي استعرض فيه ذكرياته في الكويت على مدى 60 عاما، رحمه الله..
في مستهل لقائنا معه، قال: هناك اسم رباعي لي وللاسف لم استعمله لظروف سياسية ابعدت هذا الرابع (نبايل) من النبل، وهذه العائلة انقرضت، ونحن من الريف قرية مشهورة تسمى «فيشة الصغرى»، كلهم هاجروا واختفوا، ولا يوجد لي في هذه الحياة، الا هذه السيدة (أم حازم) زوجتي، وكذلك هي لم يبق لها الا أم وأخت.
واضاف: دخلت الكويت 1952م، وشربت من ماء شط العرب الذي كان ينقل الى الكويت بواسطة السفن التي تسمى «أبواما»
التي كانت تحمل صهاريج خشبية تدعى «فناطيس» الواحد منها فنطاس او تانكي، وحفرت برك تفرغ فيها المياه، والسقاؤون كانوا ينقلون المياه الى منازلنا، وكنت اسمع: ماء شط - ماء شط بواسطة عرباين يدوية يدفعها المهارى، وكل واحدة فيها تانكي وحنفية يصب منها حسب الحاجة.
وقال السيد: انا من مواليد 1923/3/3، اي ثلاثة بثلاثة بثلاثة، والآن بلغت 87 سنة تقريبا، ولا شك ان الذاكرة بدأت تضعف، وخلال هذه السنوات ولله الحمد لم امرض، ولم اذهب الى المستشفى، ولم اتناول دواء، والآن بدأت بادوية التقوية، والصحة ممتازة والحياة كويسة، كما تشاهدني يا ابني يا جاسم.

سياسة متعبة
قال: حياتي كلها مشاكل سياسية كبيرة ومتعبة، بدايتها ونحن طلبة في المرحلة الثانوية ننظم تظاهرات ضد الاحتلال الانكليزي، وكنت اتزعم المسيرات الطلابية، ويرفعونني على اكتافهم، وانا اول طالب اعتقل، واصيح بأعلى صوتي لخروج الانكليز، وللاسف كان الحاكم المصري يتبع الاستعمار ايام النقراشي باشا الى ان انتهى بعد فترة طويلة. مررنا بظروف قاسية، اعتقالات وتحقيقات وسجون وتعذيب لمدة سنوات، وهذه اذني طبلتها تلفت ولا اسمع بها بسبب الضرب على الوجه، ولقد سببت لأمي وابي متاعب كثيرة، وانا وحيدهما.
وللاسف، كانت المصائب كلها في عهد رئيس الوزراء المصري السابق اسماعيل صدقي وايضا من اختيار الانكليز، حتى جاءت ثورة جمال عبدالناصر، واصلا هو كان من جماعة الاخوان المسلمين، وعندما وصل الى الحكم انقلب عليهم، وأنا قررت الخروج من مصر، وباعجوبة وصلت الى بيروت عن طريق البحر.

الزواج في الكويت
قال السيد: تعرفت على أم حازم بثلاثين دقيقة في بيروت، رغم معرفتهم بأني رجل حركة ونضال وهارب من مصر، وقبل ان تتخرج في العلوم السياسية، والآن 54 سنة في الحياة الزوجية وشعارنا اسماعيل وانصاف السيد شركاء متضامنون «مدى الحياة»، تزوجنا في الكويت شهر 12 سنة 1955.
وقال السيد: وعلى الرغم من الاستقرار والعيش الهانئ في الكويت، لكن جمال عبدالناصر طلب من المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح ان يبعدنا من الكويت نحن الأربعة من الحركيين التابعين لــ «الاخوان المسلمين»، وهم: محمود الساعي كان رئيس المهندسين في وزارة الكهرباء والماء، وحسن العشماوي مستشار في الفتوى والتشريع، والدكتور عصام الشربيني من الاطباء المشهورين، لكن رفض طلب جمال عبدالناصر، وقال سمو الأمير، رحمه الله: هؤلاء لهم سمعة طيبة، ولا مشاكل عندهم، وهم من اصحاب الاخلاق العالية والامانة، ونحن وصلنا الخبر عن طريق المرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح.
وتذكر ابوحازم المهر الذي قدمه لزوجته ام حازم، فقال: مهرها كان كل رصيدي وما املكه في البنك العربي في بيروت، فسجلته باسمها.

العمل مع المطوع
وتحدث عن وصوله إلى الكويت والعمل كشريك مع عبدالله المطوع وعبدالرزاق المطوع، قال: التقيت مع عبدالعزيز المطوع أخو أبو بدر في مصر أيام محاضرات الثلاثاء، كان يلقيها المرشد رحمة الله عليه حسن البنا في الساحة المشهورة الحلمية فطلبت منه أن أحضر إلى الكويت وتمت الزيارة من القاهرة إلى بيروت ودمشق، وبغداد والبصرة بالسيارة ومن ثم إلى الكويت بالطائرة التي هبطت في مطار شرق الشامية موقع ضاحية عبدالله السالم والنزهة، وهذا المطار افتتحت عام 1948م حتى 1962م، الذي تحول إلى مطار عسكري، ودخلت الكويت بكفالة عبدالعزيز المطوع، وأتذكر أرض المطار وكانت رملية وفيه كشك و2 من الموظفين فقط.
وأضاف السيد أنا مقاول ومهندس ولي شركات في مصر، لكن عبدالناصر صادرها ومن ثم سحب مني الجنسية المصرية لمدة 45 سنة وبفضل الله سبحانه وتعالى أعيدت لي بعد أن حصلت على اللبنانية، والآن من مدة 10 سنوات الجواز المصري في «جيبي» كانوا يفهمون الأمور بالخطأ، ويقولون إنني سأغير النظام في مصر، ورضينا بما كتب الله سبحانه وتعالى لنا وأولادي الاربعة يحملون المصرية واللبنانية والأميركية، وكلهم من حملة الدكتوراه وبعيدون عنا، وهذا البيت الكبير ملك لنا، ونعيش بالوحدة وثالثنا الخادم.
وقال أسست شركة الإنشاءات مع المطوع ثم أسست شركة ثابتة مع محمد العدساني وعبدالله الكليب وكيل وزارة.
البريد والبرق والهاتف من عام 1964 الذي نقل الى مجلس الوزراء في 1966، والشركة تأسست تحت اسم بوبيان الجزيرة الكويتية تقع الى الشمال الشرقي، وأنا أول من استعمل الاسم في الأسماء التجارية، وأما الشركة الثالثة فقد اسستها مع عبدالله عبداللطيف المطوع باسم شركة كونكورد، عملت معهم حتى التقاعد منذ 5 سنوات، وأنا لم أدفع شيئا، ولكن الإدارة والحركة مني أنا، وهم دفعوا 75 الف روبية، وجاء الخير مع الخيرين، ولا أنسى من الشركاء بدر الشيخ يوسف، وفهد السلطان، وبعد التصفية تكرر رأس المال 54 مرة، وأخذت نصف الأرباح الخيالية. كانت الأمانة والإخلاص والتعاون شعارنا.

الإرشاد الإسلامية
وقال السيد: أنا من مؤسسي جمعية الإرشاد الاسلامية مع عبدالله المطوع موقعها كان في السوق بالقرب من المسقف، وتأسست بغرض تنوير عقول الشباب والمحافظة على القيم الروحية، لكي يتم البناء الاجتماعي سليما وقويا، والحياة الطيبة، وتأسست عام 1952، وأصدرت مجلة وترأسها عبدالعزيز العلي المطوع، ثم عبدالرزاق المطوع، وكانت تهتم بالشؤون الاسلامية، وتصدر شهريا، وبعد الأزمات المتتالية توقفت عن الصدور.
وعن حرب فلسطين 1948 الذي اشترك فيها اسماعيل السيد قال: حاربت على الجبهة المصرية - الفلسطينية ضد اليهود، ونظرة الاخوان المسلمين لليهود اعداء الدين والاسلام، ولو كان الفلسطينيون صنفا آخر لما حاربهم اليهود، فقط لأنهم من المسلمين.
وقال: حاربنا مع المتطوعين، ولدي صور تاريخية، وللأسف هجموا على بيتي في مصر، والحكومة أخذت كل الصور والوثائق، وكانوا اذا أمسكوا أحدنا يقتلونه بالسكين، وحتى ولو كان ميتاً.

مجتمع تقليدي
وتحدث عن أيام مضت وعن أناس عاشوا على مياه الآبار وفي الصحراء، واعتمدوا على البحر وهم مهرة فيه، فقال: عشت مع هؤلاء العظماء في بداية الخمسينات، كنت احصل على 4 غالونات ماء مع اخواني، وكنا نسبح بماء الجليب (البئر) المالح، وآخر غرفة نصبّ من الماء العذب الذي كان للشرب والطبخ فقط، كانت حياة قاسية، عشنا في بيت متواضع وما يحويه من أشياء مرتبطة به، سكان متعارفون متآلفون يعاون بعضهم بعضا، والديوانيات تضمهم في الليل، والعمل والكد والعرق شعارهم بالنهار، مجتمع عاش في بيوت صغيرة مرافقها تسد حاجاتهم، ولكن المحبة والوفاء يتمتعون بهما، وكان البيت القديم الذي يسمى بالبيت العربي يتسم بالبساطة وينسجم مع البيئة وكان يتكون من عدد من الغرف، والنوافذ أي الشبابيك وتسمى «الدريشة» تكون فتحتها داخل الحوش، لا توجد نافذة واحدة تطل على السكة (حاجة شرعية أوي)، مجتمع له علاقة بالدين وأحكامه، وعلاقات قوية بين أفراد من مواطنيه أو مقيميه خاصة معنا نحن من مصر ولبنان وفلسطين.
قال: أيام عرفت بأعلى مراتب الاخوة واعظمها واكبرها، وكان رباط الدين يجمع بين الناس، وهو رباط باق لا يفنى، كنا نشعر بنور الايمان واشراقه.
واضاف: مجتمع راق متعاون عرف كيف يتعامل مع الغزو الغاشم الذي اراد الغازي الصدامي ان يفرق بين الناس، ولكنه فشل، فهذه سراديب البيوت شهدت العشرات من الكويتيين والكويتيات عاشوا فيها، وسرداب بيتنا في السرة جمع ما بين 40 - 50 شخصا، وحتى العساكر الصدامية الذين كانوا يراقبوننا كنا نقدم لهم الاكل والشرب لكي لا يؤذونا، ولكن تطور الحياة وتغير الاحوال غيرا القديم الذي لا يفرق بين الكويتي والمقيم لا في الدين ولا في المذهب ولا في العرق، والآن للأسف نسمع ما كنا نسمعه من قبل.

ديوانية العتيقي
وقال ابو حازم: لا وقت للفراغ بعد العمل. وفي الليل نجتمع عند العزيز عبدالرحمن العتيقي في ديوانيته التي تجد فيها العقيدة والعمل، كل منهما في الآخر، تجد فيها الوحدانية لله تعالى، والوحدة المتماسكة بين روادها وتنعكس على المجتمع، ديوانية ملؤها الاخوة بالله، ونصرة المظلومين والمستضعفين، هكذا دواوين الكويت كلها تجمعها الروابط الاخوية، ديوانيات الكويت كانت تهب لنصرة المظلوم، وقضينا اوقاتا طيبة فيها.
وقال: الآن وبعد التقاعد اقضي اوقاتي بين 50 ألف صورة فيها ذكريات مفرحة ومؤلمة، واعتقالات وسجون ومحاكمات، واهانة وكرامة، صور فيها الفهم والسلوك والاخلاق، وذكريات من الصالحين والنصر من عند الله.
وفي الختام اشار ابو حازم الى الصور والتحف في بيته وفي كل ركن وصوب ذكريات طيبة رغم قسوتها، وتماثيل من خشب الابنوس قالوا لي انها محرمة في البيت، لا اعرف لماذا حرمت؟
وختم بالقول: انا سعيد جدا يا جاسم وسعيد جدا بــ القبس لقد نقلتموني نقلة عظيمة من 70 سنة وأكثر
رد مع اقتباس