عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 24-02-2011, 05:35 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

غالب الغلاييني: أنا آخر من بقي من أطباء المستشفى الصدري


في سلسلة حلقات «من قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الاول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما ان الحنين للايام الخوالي، الى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتآلفة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف ان يشمل معهم عددا من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت الى الكويت قبل 40 او 50 سنة، فجاهدوا وعملوا كل في مجاله ومازالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، وما كان لهذا العطاء ان يستمر لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت واهلها لهم.
في مستهل لقائنا مع الدكتور غالب خميس شاكر الغلاييني من مواليد يافا فلسطين عام 1932، قال: ايام الانتداب البريطاني ادركتنا حرب 1948 تم فيها تقسيم فلسطين التي تسمى الحرب العربية الاسرائيلية الاولى، هجرنا الى مدينة غزة بعد ان سقطت يافا بيد القوات الاسرائيلية. وأصل اسرة الغلاييني من منطقة «الوجه» في المملكة العربية السعودية على البحر الاحمر، وتوزع اجدادنا وهم اخوة منهم واحد الى غزة واخر الى شمال لبنان، والثالث الى سوريا، وجدنا الكبير مكث في غزة، وبنو عمومتنا في لبنان، وقد زارنا كبيرهم الشيخ مصطفى الغلاييني الذي كان مفتي الجمهورية اللبنانية في الثلاثينات، نحن في الاساس تجار برتقال، وفي الحرب العالمية الثانية توقفت صادراتنا من 1939 حتى 1945، وانا عملت في هذه الاراضي الزراعية.
قال د. الغلاييني درست في يافا ثم الثانوية في غزة بعد ان طبق علينا منهج النظام المصري، وانا من الدفعة الاولى الذين اعفوا من الثقافة، وتحولنا الى التوجيهي، وهنا لا بد ان اذكر الاستاذ احمد اسماعيل المشرف التعليمي على القطاع رحمه الله فقد قدم الكثير للفلسطينيين ولا ننساه، هؤلاء اخذوا كل طالب ممتاز في 1950 الى جامعة فؤاد الاول، وجامعة فاروق الاول في الاسكندرية، وفي القاهرة جامعة ابراهيم باشا التي سميت جامعة طب العباسية، ومن ثم جامعة هليوبوليس .. اسماء تغيرت لظروف ما في تلك الفترة، وتدربنا في تلك الجامعات، دخلت الجامعة المصرية ايام الملك فاروق وتخرجت ايام جمال عبدالناصر، كانوا يقولون: انت مخضرم يا غلاييني.

جئت الكويت في 1959
وتحدث عن أعماله، فقال إنه بدأ في قطاع غزة بعد تخرجه بالعمل في وكالة الأمم المتحدة للاجئين كطبيب، وفي تلك السنوات كان إخوتي يعملون في الكويت، ومعهم زوج خالتي مصطفى شهاب، الذي كان من البارزين في قسم المساحة بدائرة البلدية، وابن عمي محمود الغلاييني صاحب برنامج «شبكة الهواء» في إذاعة الكويت، طلبوني للعمل في الكويت، وتسلم الموافقة من السفارة السويسرية التي كانت تقوم برعاية المصالح البريطانية قبل الاستقلال، وذلك لسوء العلاقات المصرية الإنكليزية، ففي عام 1959/4/24 وصلت إلى مطار النزهة الدولي خلف السور، ولله الحمد كل الظروف ساعدتني مع وجود الدكتور أحمد سلامة أحد الرواد الأوائل في الكويت، ومن الاخيار الذين كافحوا داء السل ذلك المرض الذي عصف بالكويت، والذي كان من الأسباب الرئيسية للوفيات، والدكتور سلامة من مواليد بيروت رحمه الله له باع طويل في الأمراض الصدرية تقاعد عام 1969 من وزارة الصحة، فتح عيادة عام 1970 في منطقة جليب الشيوخ حتى 1982، وتقاعد نهائيا عن العمل، ومن الظروف التي ساعدتني في الكويت وجود القريب إلى نفسي وأهلي محمد الحناوي، كان في دائرة الكهرباء، وكذلك الدكتور أسامة عبدالمجيد جراح الصدر الذي تعامل في الكويت معي كأخ عزيز، والدكتور إبراهيم قليبو، وفؤاد طريفي هؤلاء هم من زكوني ورشحوني وارشدوني.
اضاف: من مطار النزهة إلى سكن في الشويخ كان جاهزاً، ويعتبر سكن العذاب مقابل محطة التقطير ومطاحن الدقيق، بالقرب من السكن يوجد مطعم، صار فيما بعد كما أعتقد مطعم «ميس الغانم».
وذكر أول يوم عمل، كان في مستشفى الصدري في فترة كان مرض السل منتشراً بشكل واسع، وكان مقر المستشفى في منطقة الشرق بجوار كراج الملا، وحفيز الغانم، كان عدد المرضى ما بين 450ــ500، وأكثر من 100 مريض في الانتظار، وقامت الحكومة بتوسعة المستشفى، ومن ثم نقله إلى الشويخ، حتى أصبح في الكويت مصح للصدري في الشرق والمقوع، ومصح للنساء في الشويخ.
وقال د. الغلاييني: كنت أنام مع المرضى طوال أيام الاسبوع وأشرف عليهم، وكانت راحتي كل أسبوع 18 ساعة فقط، هذا نظام كان متبعا، وطلب مني الدكتور سلامة أن اقوم بهذا العمل والمهمة لمدة سنة واحدة، ثم يأتي دكتور آخر، وبعد فترة نقلوا مرض السل من الشرق إلى مصح المقوع في الأحمدي حتى يبعدوهم عن البلد، وأنا نقلت معهم، ولكني في غرفة منفردة، وكنا نستقبل المصابين بلدغات العقارب والحيات، لأننا بالقرب من الصحراء والبر والمخيمات، وبعد العلاج ننقلهم إلى مستشفى الأميري.
وتذكر تردد الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله على مصح المقوع للمتابعة عندما كان رئيساً لدائرة الصحة العامة، فطلب مني أن أضع لوحة إرشادية تدل على المصح، وكان معه في كل زيارة رجل كبير السن عرفت فيما بعد أنه العم المرحوم خالد عبداللطيف الحمد وكنت أجلس معهما واستمع إلى الإرشادات والنصائح، وكان مسؤول المصح في الصباح حتى الظهر د. محمد عاصي.

المرض الملعون
وقال الغلاييني عن السل، إنه داء رئوي كبدي يصيب العظام، أيضاً، والأمعاء، والغدد، مرض ملعون سببه التلوث، لا يفرق بين أهل الكويت والبادية، وكان منتشراً بشكل واسع في الباديتين المجاورتين، وتأتي أفواج من المرضى إلى الكويت للعلاج، وبسبب سهولة العدوى كان السل يصيب أفراداً عدة من العائلة الواحدة والبيت الواحد، كنا نفكر دائماً بعزل المريض بالسل، وكان أحياناًَ لا يفيد فيه العلاج، والميسور الحال كان يرسل مريضه إلى الخارج للعلاج، خصوصاً في الجو النقي الصافي، وأكثر مرضى السل بالكويت كانوا من الأجانب.
وقال، بعد التطور والأدوية المتوافرة، والتطعيم المستمر للأطفال بدأنا نسيطر على السل المنتشر، وحتى في المنافذ منعوا الكثير من المصابين، من خلال اكتشاف المرض بالأشعة السريعة المتطورة، والحالات المستعصية كنا نعالجها بإبر الهواء في البطن والرئتين، وكانت بعض المريضات يحتجن إلى دم بعد النزف من الفم، لكن أزواجهن كانوا يرفضون دم الرجل لزوجته أو لأمه وأخته، وكان يقول، لا أوافق على دم الرجل للمرأة، وأحياناً كنا نزور المرضى في بيوتهم وننقلهم إلى المصح بكل وسيلة ورجاء، وطاقم الزيارة من الممرضات المتخصصات ودكتور وسيارة مجهزة، وكانت الزيارات متكررة، ولذلك قللنا من العدوى مع وجود الأشعة المظلمة، لكن بين المرضى أنفسهم كانت المناعة موجودة، وغالباً ما يصيب السل عظام المرأة، فكنا نضعها في جبس، وأنا من الأوائل الذين عملوا في مصح النساء، وكان معي دكتور لبناني، لا يحضرني اسمه، ود. إبراهيم قليبو، ود. أسامة الدرهلي.
وقال، بعد السل الذي ذهب بلا رجعة زاد عندنا هذه الأيام الالتهاب الرئوي، والربو، وسرطان الرئة، وسرطان الحلق والفم، وسرطان المثانة، وانتفاخ الصدر الذي يعود سببه إلى التدخين، وكذلك القصبات الهوائية، أمراض غالباً ما يكون التدخين سببها، خصوصاً الشيشة أو أي تبغ أو تنباك.

تطور الأمراض الصدرية
وذكر الدكتور الغلاييني تاريخ المصح الصدري وتطوره من عام 1952 قبل قدومه أنشئ المصح الداخلي للأمراض الصدرية.
وفي عام 1953 أنشئ مصح النساء للأمراض الصدرية وفي عام 1956 أنشئت مراكز مكافحة السل، ومكتب لبحث المصابين بالسل من الناحية الاجتماعية، وفي 1959 افتتح مصح للأمراض الصدرية، ومصح المقوع، وفي هذه المصحات ما يقرب من 27 طبيبا في عملهم 24 ساعة، وهنا أذكر الدكتور كرنيك أو غصبيان الذي ادخل جراحة تنظير الشعب الهوائية، والدكتور محمد شعبان الذي تدرّب على عمليات الصدر، والدكتور اسامة والدكتور قليبو، ودخلت المصح الصدري أساليب جديدة، والأدوية الحديثة لها دور كبير في محاربة ميكروب السل، وكنت أنا أذهب إلى انكلترا على حسابي الخاص لمدة 6 أشهر للدراسة في جامعة «ولز».
ولكن الحكومة أخيرا صرفت الراتب فقط، وأما التذكرة والسكن، فمن جيبي الخاص، وحصلت على دبلوم في الأمراض الصدرية.
وعن الأجهزة المتطورة، قال: قامت الحكومة الألمانية بإرسال جهاز للكويت وأجهزة أخرى لدول المنطقة لم يعمل إلا الجهاز الكويتي لقدرة الأطباء على تشغيله وتصليحه وصيانته، وأنا من الذين قاموا بتشغيل الجهاز وتركيبه، وأنا أول من شغل مختبرات الوظائف النفسية في الكويت، ومن ثم ذهبت الى جامعة لندن 3 شهور للدراسة في عام 1964 أعطيت كل خبراتي للمرضى، وأحضرت جهاز تخطيط وعملت عليه، ولكن سرقه الغزاة ايام الغزو العراقي للكويت، ونحن الآن في نهاية 2010 لا نعرف السل أبدا، ولكن أكثر ما نعاني منه هو «الربو» الذي سببه التلوث والتدخين وأشجار السلم (الصفصاف ــ برهام)، وأصبح المصح الصدري الحالي في حالة ممتازة ببركة المسؤولين الذين تعاقبوا عليه، حتى وصلنا الى فتح ديوانية في المستشفى أقامها الدكتور عباس رمضان بعد أن عين مديرا، نجتمع كل شهر ليلة واحدة (الأربعاء)، زادت المحبة والألفة والتعارف في المستشفى بين جميع العاملين مع وجود الفول والحمص والفطائر والعصائر، وأهم ما في المستشفى وبين العاملين نجد العدالة والتقدير والتفاهم، ولا أحد ينزعج من العاملين اثناء العمل، الله يعطي مدير المستشفى الصحة والعافية، هو صاحب فكرة الديوانية، وهذه الجمعة الطيبة، ولا غرابة لأهل الكويت لأنهم تعودوا عليها، وهي امتداد لديوانيات أخرى المنتشرة في كل الديرة، وادعوا اخواني في جريدة القبس لأن يشاركونا في هذه الجلسات الراقية المفيدة للجميع.

أكلات علاجية
وذكر الدكتور الغلاييني بعض الأكلات التي تعتبر وقاية من أمراض السل وغيره، ذكر اللحم، والحليب، والروب، والخضار، والفواكه أكلات مغذية وترفع المناعة، وأما البيت فيجب التركيز على أكلات قليلة الدسم، والابتعاد عن النشويات، عليك بلحم الدجاج والسمك لشرايين القلب، وخفف من اللحم الأحمر، وأما كبير السن فيبتعد عن الألبان الا خالية الدسم.

المبنى القديم
وشرح عن مبنى المستشفى الصدري في الشرق فقال: لا أنسى الملحق ففيه عيادات، وفوقه بالدور الثاني قسم الأشعة للقادمين الى الكويت، والملحق يطل على المقبرة، وأما من الداخل فحوش كبير يدخله الاسعاف، والى يمين المدخل ادارة المستشفى من 4ــ5 غرف، وفوق الادارة غرفة خاصة لي لأن اكون مع المرضى طوال الاسبوع، ومن ثم حمام وبلكون، وكان المرضى يلتقون في الليل وسط الحوش، كنا نعرض لهم افلاما مشوقة، وأخيراً استخدم المبنى للولادة، ومن ثم للأمراض الباطنية، وأخيراً نقلوا كل العاملين الى مستشفى الجهراء، والآن المبنى أطلال، ودمار، وخراب، ومواقف الصدري للسيارات بعد تصليحها لأن المصح قريب من الكراجات.

أمنيات بعدم التدخين
وأخيراً تمنى الدكتور الغلاييني أن يمتنع الكويتي والكويتية وغيرهما عن التدخين، وكان يكرر: بعد نصف قرن من الخبرة في مجال الصدر وأمراضه أنا أعرف ما هو التنباك وما هو القدو، وما هي اللعينة «الشيشة»، وأبارك لكل انسان لا يدخن، وأقول «ربنا يحفظ الكويت وتبقى للخيرين»، يساعدون المحتاجين لأن الكويت منبع الخير والعطاء، وأتمنى أن تعود العلاقات التي كانت بين اهالينا مثلما كانت في الخمسينات، باذن الله نرجع الى تلك الفترات، وهذا ما أتمناه وأحلم به، ولا أدري لماذا تغيرت الأيام والقلوب «ربنا يحفظ الكويت من كل حسود وعدو»، وحتى الدكتور الجراح العجوز علينا ألا نهمله بعد سنوات من الخدمة، لنستفيد منه في الندوات والمحاضرات والاعلام، حتى لو كانت يداه ترتجفان من الكبر.

دائرة «الصحة»
وقبل الحديث عن «الصحة» قال الغلاييني: انا آخر من تبقى من اطباء المستشفى الصدري القديم، ولا انسى هؤلاء الافاضل في ذاكرتي، الذين عملت معهم، وقبلهم كما سمعت وقرأت منهم الشيخ عبدالله السالم الصباح، مؤسس الصحة واول رئيس لها في عام 1936، وأول مستوصف حكومي كان في ديوان اسماعيل معرفي، ومن ثم الشيخ فهد السالم الصباح رئيسا للصحة، وبعد الشيخ صباح السالم الصباح، واول وزير عبدالعزيز الصقر - محمد يوسف النصف - حمود يوسف النصف - عبدالعزيز الفليج - عبدالرزاق العدواني - عبدالرحمن العوضي (من 1975 - 1986) عبدالرزاق العبدالرزاق - عبدالوهاب الفوزان - عبدالرحمن المحيلان - الشيخ سعود الناصر الصباح - انور النوري - عادل الصبيح - محمد الجارالله - الشيخ احمد فهد الاحمد الصباح - الشيخ احمد عبدالله الاحمد الصباح - معصومة المبارك - عبدالله الطويل - علي البراك، وهلال الساير.
وقال: عملت في الصحة من دائرة الشيخ صباح السالم الصباح حتى الآن، ولا انسى برجس حمود البرجس (ابوخالد) الذي قدم الكثير، وكانت الصحة من الوزارات والدوائر النشطة والمنظمة والعاملة من يوم عملت فيها عام 1959، لا تأخير في اي طلب من الادوية والاجهزة، ولا انسى د. احمد سلامة مدير المستشفى والدكتور كرنيك والدكتور شعبان، والسيد يوسف الحجي، حفظه الله، وعبدالرحمن العتيقي، سعد الناهض.
وختم قائلا: من السابقين والحاضرين في الصحة رجال افعال واقوال وغيرة وكرامة، والتواضع الذي رفعهم الله به، وهم الذي اصلحوا، وما زال من بعدهم يصلحون، وانا قضيت معهم كل عمري لخدمة هذه الارض التي تستحق، كانوا اخوة بررة متحابين في الله، متواصلين متراحمين، كنت اسمع اقوالهم حتى المديرين الذين مروا علي وانا مع الأمراض أشاهد من يغادر وأشاهد من ينقل الى مثواه الاخير، لا اسمع الا الخير والسعادة والتوفيق، وكان منهم تهذيب النفس والخير المطلق، أتمنى ان اقضي كل عمري وانا ادفن تحت تراب هذه الديرة الطيبة.


افتتاح الصدري 1959م

أطلال المستشفى اليوم
رد مع اقتباس