عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 21-03-2009, 01:44 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

درايته بعلم الحساب:
كان المحسن محمد الفلاح رحمه الله - على دراية واسعة بمسائل الحساب، بل كان يحسب ­ كما يقول عنه الكثيرون ممن عرفوه ­ مثل الحاسوب في عصرنا الحديث، فكان يشرف على توزيع المصروفات، والواردات والأرباح، وتوزيع الأجور على العاملين معه في سفن الغوص التي تسمى" القلاطة" وهي السهم، كل ذلك دون مساعدة من أحد أو حتى باستخدام الحسابات الدفترية، بل كان يعطيهم الجواب فوراً عند انتهاء السؤال ودون تكلف منه.

حبه الشعر والشعراء:
اشتهر المحسن محمد الفلاح ­ رحمه الله ­ أيضا أنه كان محباً للشعر، والشعراء وكما نعلم أن الشعر هو ديوان العرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً" رواه البخاري في صحيحه.
وقد كان ­ رحمه الله ­ يعقد حلقة للشعر بديوانه العامر ليلة كل جمعة من كل أسبوع حيث يجمع الشعراء ويطلب منهم إلقاء قصائدهم ويستمع إليهم، ويقدم لهم الشاي بالحليب والقهوة.([1]) وكان يبالغ في إكرامهم والاحتفاء بهم تقديراً لهم وإدراكاً لمكانتهم الكبيرة.

أوجه الإحسان في حياته:
كان المحسن محمد الفلاح من أهل الخير والبر، الذين وفقهم الله تعالى إلى أن يبذروا من بذور الخير ما فيه نفع كبير لعباد الله المسلمين، لذا فقد تعددت أوجه الإحسان في حياة هذا الرجل على وجه قلما وجد له نظير .. إذ لم يقتصر إحسانه على بذل المال والإنفاق في سبيل الله تعالى فقط،
بل حرص على أن يشارك بنفسه في العمل وتوزيع هذه الخيرات على مستحقيها، وليس مهماً عنده بعد ذلك أن يجني هو الثمار أو يجنيها غيره، إنما الأهم عنده هو أن يعمل بقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( 77)" سورة الحج.
ومن أبرز صور الإحسان للآخرين في حياته انه أمر باقتطاع جزء من بيت العائلة الكبير ثم بنائه وإهدائه إليهم لضيق ذات اليد عندهم حسبما أفاد زيد حمد الفلاح في المقابلة الشخصية مع موثق هذه المادة ( أحمد عبدالعزيز محمد الفلاح ) .


كلمة للحق والتاريخ في حق إخوانه من أفراد العائلة "حمد وأحمد ويوسف وصالح وعبدالله"

لعله من الأمانة وتحري الكمال المنافي للنقصان عندما نتكلم عن السيرة العطرة للمرحوم محمد الفلاح أن لا ننسى بالذكر الجميل إخوانه الكرام.
فعندما نتكلم عن جوانب الإحسان والخير في شخصية المرحوم محمد الفلاح ونذكر المحاسن والمناقب فإنه من الطبيعي أن نكون قد شملنا بالحديث اخوته احمد وحمد, وذلك لاعتبار مهم يعرفه الكبير والصغير من عائلة الفلاح الكريمة، وهو كون الحلال مشتركاً, فما يصرفه محمد من مال أو يقدمه من مساعدات هو من نفس المصدر الذي تم جمعه عن طريق التجارة والغوص وحملة الحج وبيع الماء الذي كان يقوم به كل من أحمد وحمد وأبناء أخيه مفلح ويوسف صالح وعبدالله .

ثم لما كُفَّ بصر أحمد استمر حمد وبقية أبناء إخوانه في الغوص وتسيير حملة الحج واستجلاب الماء من شط العرب، وبلا مبالغة فقد كانوا يضعون مدخولهم من الغوص والتجارة وبيع الماء وقافلة الحج مباشرة في تصرف أخيهم الأكبر محمد بكل رضا وقناعة منهم لأن في ذلك حسن التدبير وجمع الشمل وطيب الخاطر، ورغم أن كلاً منهم كان يعتبر هو "الكدًّاد"([2]).
وفعلاً كان محمد عند حسن ظنهم بل كان بحسن تصرفه وسلوكه مع الآخرين أحد الذين ساهموا بإبراز اسم أسرة الفلاح في مجتمع الكويت وتاريخه.
لذلك كله كان لزاماً علينا ­ للأمانة والتاريخ ­ ألا نختم الحديث عن سيرته العطرة دون الإشارة إلى الدور الكبير الذي قام به الآخرون من أفراد العائلة الذين سبق ذكرهم.
وهذه حقيقة نثبتها في حقهم ... فلولاهم ما كان إحسان محمد، وهم شركاء في الأجر معه إن شاء الله كما هو الظاهر، والله أعلم.

كرمه وسخاؤه :
وهما صفتان عظيمتان، وقد وصف الله تعالى بهما ثلة من الأنبياء والمرسلين منهم سيدنا إبراهيم عليه السلام. قال تعالى: "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِين(24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)" سورة الذاريات.
وكذلك كان المعلم القدوة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أسخى الناس وأجودهم، فكان لا يرد سائلاً قط، وكان صلى الله عليه وسلم يسعى في مساعدة من يسأله حتى يقضي له حاجته. وقد حاول المحسن محمد الفلاح التشبه قدر استطاعته بهذه القدوة الحسنة، والسير على هدى تلك النجوم النيرة، وقد صدق الشاعر القائل:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح

وقد كان له بالفعل من مسماه نصيباً وافراً, فاقترنت سيرته العطرة بالحمد والفلاح، وقد اشتق اسمه منهما. وقد قطع ­ رحمه الله ­­ في ذلك شوطاً طويلاً وسجل صفحات طيبة من الكرم والسخاء، فكان ديوانه مفتوحاً طوال الليل والنهار حيث يبدأ النشاط فيه من آذان الفجر إلى آخر الليل، وكانوا يسمونه "سَدَّاحة " أي ديواناً يستلقي (ينسدح باللهجة الكويتية) فيه الضيوف من شيب وشباب وضيوف وخدم، كما كان هذا الديوان يبدو وكأنه "معمل" أو "ورشة عمل" لخدمة أهل الفريج، حيث كان يقوم بخدمة ضيوفه، فيشعل لهم النار، ويجهز لهم القهوة ويحضر الماء لهم بنفسه، بالرغم من كونه كفيفاً، كما كان من يريد أن يخيط شراعاً، أو يحضر شيئا يحتاج فيه إلى عمل جماعي يحضره إلى الديوان فيشارك جميع من في الديوان وعلى رأسهم محمد الفلاح بإتمام هذا العملً تشجيعاً منه للآخرين على الكسب الحلال وعلى تقوية الصلة بين أبناء الفريج الواحد.

كما كان يستقبل في هذا الديوان العامر أهل نجد الذين كانوا يفدون إلى الكويت آنذاك للتجارة أو غيرها، فيطعمون ويبيتون فيه كيفما شاءوا، إلى أن يقضوا حوائجهم في الكويت ويعودوا بسلام إلى ديارهم، داعين له بالثواب الجزيل من الله تعالى على ما قدم وأنفق في سبيل خدمتهم, حيث لم يكن في الكويت ثمة فنادق أو دور ضيافة ولو بالأجرة آنذاك.

ولهذا العمل ثواب كبير وأجر عظيم من الله تعالى: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: »أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ« رواه الترمذي.

سقي الماء:
يعد سقي الماء من أعظم الأعمال وأجلها، وأثقلها في ميزان المسلم يوم القيامة .. وقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً سقى كلباً كان يلهث يأكل الثرى من العطش، فشكر الله له فغفر له.
أما سقي الماء في الكويت في ذلك الوقت فقد كان عملاً من أجلِّ وأعظم الأعمال وأنفعها للناس، إذ كانت المياه العذبة سلعة نادرة، تُشترى بالمال إن وُجدت، فهي لا تتوافر إلا من خلال إحضارها بالسفن من شط العرب بالبصرة، أو من الآبار والسدود والخباري([3]) خاصة في أيام الشتاء بعد هطول الأمطار الغزيرة، وأشد ما يخشاه الناس هو تأخر هذه السفن "سفن الماء" إذ لا بديل لها، ولا غنى عنها.

وكان التجار يبيعون الماء الذي يحضرونه من شط العرب إلى الكويت، وكان منهم المحسن محمد الفلاح رحمه الله الذي كان يملك "بومين للماء([4]) فى كل واحد منهم تسعة خزانات (توانكي باللهجة الكويتية)([5]) فقام بعمل جليل لخدمة أهل بلده الكويت، حيث خصص اثنين من هذه الخزانات (التوانكي) لصالح العائلات الفقيرة التي لا تستطيع شراء الماء فيأخذون منهما حاجتهم من الماء مجاناً، صدقة لله تعالى، عملاً بالحديث المشهور في فضل صدقة سقي الماء وهو: "عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ" أخرجه ابن ماجه في سننه.

ثم لم يقتصر إحسان المرحوم محمد الفلاح - رحمه الله - على سقي الماء وتقديمه لهم مجاناً فحسب، بل كان يسخر دابته "حماره" في نقل ماء السبيل هذا إلى بيوت هؤلاء الفقراء، حتى لا يتحملوا مشقة تدبير الدابة التي تحمله إليهم، ولعل هذه المشاعر العالية بالرحمة بهؤلاء الفقراء والمساكين تأتي تأسياً بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ" رواه البخاري.

العطف والشفقة على من حوله:
كان المحسن محمد الفلاح رحيماً بمن حوله، رؤوفاً بهم، عطوفاً عليهم، يقربهم ويدنيهم منه ليعرف حاجتهم عن كثب وفي سرية تامة، فيحنو عليهم، ويعطيهم من الخير الذي وهبه الله إياه.
والرحمة واللين في التعامل صفة من صفات الأبرار، وعلى رأسهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه الله تعالى بقوله: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ...(159)" سورة آل عمران.
ولذا فقد كان المحسن محمد الفلاح لا يقتصر حنانه وعطفه على أبنائه وأحفاده فقط بل كان يشمل كل من يلاقيه من صغير أو كبير من الناس، فيمازحهم ويضاحكهم، ويشاركهم لحظات فرحهم وسرورهم، فكان الكل ينهل من حنانه، ويسعد في كنف بره وإحسانه، سواء من أهله أو من الخدم.

__________

(7) لم يكن من اليسير على الناس في ذلك الوقت تقديم غير القهوة لضيوفهم، فإن اجتهد بعضهم في البذل قدموا لضيوفهم الشاي بالإضافة إلى القهوة، لذا كان تقديم الحليب في حينها من مظاهر الإكرام، وقد كانت بيوت أهل الحضر في ذلك الوقت فيها بعض الأغنام أو الماعز أو البقر واحدة على الأغلب، وهي بالكاد تنتج ما يكفي لأهل البيت في الصباح والمساء.

(8) الكدًّاد: أي الذي ينفق على العائلة من عمله.

(9) الخبرة: هي ما يتجمع من ماء على الأرض، خاصة الأرض الرملية.

(10) البوم: نوع من السفن الكويتية الكبيرة الحجم.

(11) لعل أصلها كلمة "tank" باللغة الإنجليزية، ومفردها تانكي، أما إن كانت صغيرة الحجم فتسمى بالتنكة.
رد مع اقتباس