عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13-06-2009, 06:03 AM
الصورة الرمزية الأديب
الأديب الأديب غير متواجد حالياً
عضـو متميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 448
افتراضي

تاريخ التعليم بالكويت من 1300هـ -1360هـ

قصّــة التعليــم
للشيخ عبد الله النوري رحمه الله


أول معلم عرفته الكويت لتعليم رسم الخط بالطريقة الصحيحة بعد سنة 1300هـ الموافق 1883م هو الملا قاسم إيراني الأصل أتى إلى الكويت مع أخيه الملا عابدين في سنة 1304هـ الموافق 1887م وفتحا محلاً بالشارع المعروف اليوم باسم شارع الأمير في منطقة قيصرية التجار، وتوفي الملا قاسم فخلفه أخوه الملا عابدين. الذي توفي بعد سنة 1350هـ الموافق 1931م

وفي سنة 1305 الموافق 1888م جاء الملا راشد الصعقبي الذي غلب عليه فيما بعد اسم ابن شرهان جاء من الإحساء وفتح محلاً للتعليم في محلة المرزوق وعاش الملا راشد هذا إلى ما بعد سنة 1345 وساعده طول مدة تعليمه ابنه الملا سعد وفي سنة 1037هـ الموافق 1890م وصل الكويت السيد عبد الوهاب الحنيان. وكان موظفاً عند آل إبراهيم في بومبي، فأقنعه بعض الكويتين الذين يسافرون في تجاراتهم إلى الهند بأن يأتي الكويت ويعلم أبناءها القرآن الكريم والخط وله على ذلك ثواب الله وثناء خلقه،
فاقتنع واستوطن الكويت وفتح مكتبه في القيصرية ثم انتقل منه إلى محلة العداسنة وساعده في أكثر هذه المدة ابنه السيد هاشم
وممن تتلمذ عليه الشيخ يوسف بن عيسى والشيخ عبد الله الجابر الصباح قبل تأسيس المباركة.

وفي الفترة ما بين سنتي 1300هـ الموافق 1883م، وسنة 1328هـ الموافق 1910م وهي السنة التي بدأت فيها فكرة تأسيس المباركية، عرفنا من المعلمين محمد بن عثم في محلة الجوعان والشيخ إسحاق في محلة عبد الرزاق، وبعد موته خلفه الملا زكريا الأنصاري الذي فتح محلة فيما بعد في سكة ابن دعيج.
والملا خلف ابن دحيان في محلة المدرسة المباركية، ويسمى يومئذ محلة العتقة، ثم انتقل إلى سكة عنزة، والملا حمادة في محلة السعود، ولما مات خلفه ابنه الملا جاسم، والملا عبد الله العوضي في محلة النصف، والملا محمد البغدادي في محلة العنقري. والملا عمر قرب مسجد الفهد، والملا فرج الهارون جنوبي مسجد السوق، والملا محمد الفارسي شمالي بيت الشيخ يوسف بن عيسى في محلة القناعات،
وكل هؤلاء كانوا يقرؤون القرآن فقط، يقرئون الطالب حروف الهجاء من ألفها إلى يائها ومن حفظها أقرؤوه القرآن من آخره إلى أوله. أما من اشتهر بتعليم الكتابة فمنهم الملا راشد الصقعبي وابنه سعد، والملا قاسم وأخوه عابدين، والسيد عبد الوهاب الحنيان، وابنه هاشم وقد تقدم ذكرهم، وقد ظهر بعدهم الملا عبد اللطيف العمر في محلة البدر، والشيخ يوسف بن عيسى في المحل المعروف بالمناخ، والشيخ عقيل بن محمد الفارسي فتح محله قرب القيصرية المعروفة بسوق التجار.

وفي سنة 1309هـ الموافق 1892م انتدب الشيخ جراح الصباح في عهد أخيه الشيخ محمد الصباح علياً بن عمار وكان موظفاً مالياً لدى الأتراك في الإحساء انتدبه ليعمل حاسباً في الكويت أيام حكم الشيخ محمد بن صباح وقد تبرع علي هذا بتعليم كثير من المتعلمين والمعلمين الأعمال الحسابية الأربعة وبعض طرق وقواعد مقربة،
ومنذ سنة 1310هـ الموافق 1893م كثر معلمو الحساب والخط و بنوا على ما علموه قواعد لما يحتاجونه من تقسيم موارد السفن وصرف النقد، وعينوا لهذه القواعد أسماء اصطلحوا عليها ووصلوا إلى نتائجها بطرق بسيطة جداً.


إلــى المدرســـة



عندما يريد أحد إدخال ولده الملا أو المطوع " وهما علمان للمدرسة " يجهزه باللوح وهو عبارة عن قطعة مستطيلة من الخشب طولها نحو من أربعين سنتيمتراً في عشرين عرضاً، وسمكها أقل من سنتيمتر واحد، ينعم بطين لزج يعرف باسم طين خاوه يكتب عليه المعلم حروف الهجاء بالحبر الأسود، فإذا حفظها الولد غسل اللوح وطين ثانية ليكتب عليه الدرس الثاني،

وهو عادة حروف الهجاء مشكلة بالفتحة والضمة والكسرة والسكون فإذا عرفها كتبت له هذه الجملة " رب يسر ولا تعسر . رب تمم علينا بالخير " تكتب مشكلة بالحركات ليقرأها ويكتبها، فإذا ما حفظ الولد هذا كله أعطى له الجزء " جزء عم " جزء القرآن الأخير الذي هو في عرفهم الجزء الأول.

فيبدأ قراءة الفاتحة بالتهجي " التشكيل " فإذا حفظها تهجياً قرأها سرداً، وهكذا حتى يكمل جزء عم، بعدها تقوى ملكة الولد على القراءة سرداً فيترك التهجي، وقل من يستطيع قراءة الدرس الجديد بدون مساعدة الملا وطريقتهم في ذلك أن يتلو المعلم الآية كلمة كلمة ويعيدها الولد عليه كلمة كلمة. كما تلاها المعلم إن صحيحة أم لا. وكلاهما يهز رأسه، ولا بد في أثناء ذلك من خفقة أو خفقتين بالعصا ترهيباً وإعداداً لتلقي الدرس الجديد.

وقد تتم عملية ختم القرآن عند الولد النبيه في سنة وقد تطول عند بعضهم سنين، فإذا ختم القرآن أعاد تلاوته كما بدأها من آخره إلى أوله، ويقولون عندها " يرد أو جرد " بقلب الجيم ياء حسب اللهجة الكويتية ومعناها "صحح قراءته "، بعدها إذا أراد له ولي أمره أن يكمل ويكتب لزمته الدواة والقلم، والدواة إناء صغير من خزف أو زجاج. ضيق الفم، توضع فيه خرقة من الحرير أو الصوف تسمى ليقة " ليجة على عاداتنا في قلب القاف جيماً " ترطب بالحبر الأسود الذي يصنع عادة من منقوع القرف " قشر الرمان " والحديد مذاب فيه حجر الزاغ، يصنعه الملا عادة ويبيعه للتلاميذ أو يصنعه التلاميذ أنفسهم.

وأما القلم فقصبة سوداء للكتابة كانت تجلب من إيران، وأول الكتابة على اللوح الخشبي المار ذكره وكلما ملأه الولد كتابة غسل وطين ثانية " وقد أبدل فيما بعد هذا اللوح بلوح جاء من الهند صنع من حجر أسود يكتب فيه بقلم من الحجر رمادي اللون " ومما كان يكتب يومئذ لتعليم الخط. " تعلم الخط تكن أميراً . ترى الجهال كلهم حميراً " . " إذا جادت بك الدنيا فجد بها طراً على الناس "، " الخط يبقى زماناً بعد كاتبه وكاتب الخط تحت الأرض مدفون " فإذا حسن خطه أو كاد سمح له بالخط على الورق. وعندما يصبح كاتباً ويقولون فلان كيتب بإمالة الكاف مع الياء بعدهما تاء مفتوحة.



مورد رزق الملا


كان مورد رزق الملا من رسوم تدفعها التلاميذ إليه بمناسبات، ولكل رسم اسم خاص.
1ـ الدخالة: رسم يقدمه ولي أمر الطالب عندما يلحقه بمدرسة هذا الملا وهي على مقدار المعطي، فإن كانت دسمة " سمينة " صرف الأولاد ليشهروا أمر دخول هذا الولد عنده كدعاية له بأنه يعلم أبناء الوجهاء والأغنياء.
2ـ الخميسية: ضريبة يدفعها التلميذ صباح كل خميس، كل على حسب استطاعته من آنة واحدة أو أكثر والآنة تقل عن خمسة فلوس، أو قليل من الرز الناشف، أو الحنطة الناشفة أو التمر.
3ـ النافلة: صدقة يدفعها ولي أمر الطالب الغني أو المتوسط الحال إلى الملا في الأيام الشريفة، كيوم المولد النبوي، أو يوم المعراج، أو صباح ليلة القدر. أو صباح ليلة النصف من شعبان.
4ـ العيدية: ويقدمها التلميذ للملا صباح العيد أو في أسبوعه، وتكون مناسبة لحالة ولي أمر التلميذ المادية.
5ـ الفطرة: صدقة الفطر، حق من حقوق الملا على كل ولد يقرأ عنده، وهي عادة ستة أرطال من الحنطة أو التمر. أو من قوت البلد المعتاد وهو الرز.
6ـ الجزء: وهي رسوم يقدمها الطالب في أثناء دراسته، والقرآن مجزأ حسب اصطلاحهم إلى ثلاثة عشر جزءاً غير أجزائه الثلاثين وهي بالترتيب ـ الحمد ـ تبت ـ لم يكن ـ الفجر ـ عم ـ تبارك ـ الذاريات ـ قل أوحي ـ الرحمن ـ يس ـ النصف ـ أو الكهف ـ براءة ـ الختمة.
وكلما وصل التلميذ إلى جزء من هذه الأجزاء وجب عليه أن يهدي المعلم مبلغا نقدياً، ولا بد أن تكون الهدية التالية خيراً من سابقتها.
7ـ الختمة: كانت العادة في أن تكون هدية الختمة من عشرين روبية إلى مائة حسب قوة ولي أمر الطالب، وإن كان غنياً أصحبها بكسوة وهي عادة " بشت، وغترة، ودشداشة، ووزرة. والبشت: العباءة، والغترة بالغين غطاء الرأس أو الكوفية والدشداشة لباس الكويتي المعروف، والوزرة هي الإزار.

أما من يدخل ولده " قطوعة " يعني بأجر محدد بعقد على تختيم القرآن، فهذا لا يدفع دخالة، ولا خميسية. ولا جزء، ويكون الدفع عند الختمة، إلا إذا كان في العقد شرط على مقدم ومؤخر أو أقساط.
وأما الفقير من التلاميذ فيدفع رسم الختمة مما يستجديه من المحسنين بقراءة التحميدة، وهي أرجوزة يستمطر بها إحسان ذوي الإحسان ليكافئ الملا الذي ختمه القرآن.

وقد جرت العادة أن لا يرد الناس مثل هذا ولو بدفع اليسير، وكلما تجمع له من هذا الطواف دفعه إلى الملا. وقد يرسل الملا معه من يراقب طوافه ويحاسبه على كل ما حصله. وآخر عهدنا بالتحميدة منذ سنة 1942م.



مُـلا أو مستبد ؟!


لا بد لكل ملا من خليفة يسمى عندهم " ريس " محرفة من رئيس، وهذا لا بد أن يكون ممتازاً بخطه وحفظه، وربما بقرابته من المعلم، أو بوجاهة أبيه في المحلة، وهو يقوم مقام الملا في كل شؤونه، وربما في عقاب الجاني أيضاً. وكان الملا دكتاتوراً في مدرسته وعلى تلاميذه، لا يبدل القول لديه، ولا يقال له لم؟ وكيف؟ ، ويجب أن يظهر أمامهم بكل ما يستطيع إظهاره من غطرسة وعبوس.

ولكل ملا عصوان: أولاهما " المطرق " : وهي بطول باع 6 أقدام أو أقل يستعملها إذا كان جالساً لتمتد إلى ظهور الأولاد القريبين منه، وأرجل وأفخاذ البعيدين عنه، والثانية بطول قدمين أو أكثر تستعمل " للضرب المبرح " والعقاب الشديد، يدخل الملا مكتبه على عجل وعلى غفلة من الأولاد، وبيده المطرق " تلك العصى الطويلة " .

فإن صادف مذنباً أمر أن يطرح أرضاً وأن توضع رجلاه بالفلقة، وإن لم يسعفه الحظ بمذنب، ضرب بالمطرق خمساً أو عشراً على الماشي ترهيباً لهم. وهكذا ترتفع أصوات التلاميذ بقراءة شيء أو لا شيء . وقد فهم العامة من الملا أن العصا وهبها الله لآدم من الجنة ليؤدب بها أولاده. وأن بكاء الولد حين تأديبه رحمة لوالديه. وأن الضرب وقت تعليم الولد يزيد في ذكائه. وحفظوا من الملا هذا البيت:

فرحم الله الذي أبكاني
لأنه للخير قد هـداني


لكن هذه العقوبات قلما ذاقها أبناء الأغنياء أو الشيوخ.
ومن أمثالهم يومئذ " طق الكب . يستأدب الفهد " أي اضرب أولاد العامة يتأدب أولاد الخاصة. وعندهم من وسائل العقوبة، الفلقة ويسمونها الجحيشة ويقلبون جيمها ياء " ولعلهم أخذوها من ذلك الجحش " والجحيشة عصا غليظة غالباً تكون: بطول متر ونصف المتر وغلظ بوصتين فأكثر، فصل بين كل ثلث من طولها بثقب أدخل فيه طرف حبل بطول العصا ليتدلى وسطه ويتسع لإدخال رجلي الولد فيه ثم تدار العصا ليلف باقي متسع الحبل عليها ويضيق على رجلي الولد فلا يستطيع تحريكهما. ثم يبدأ الملا بالضرب بقسوة فيظل الولد يتلوى من الألم ورجلاه في الجحيشة لا يقدر على إخراجهما حتى يطيب خاطر الملا أو يعجز أو يعتقد أنه أدى الواجب: واجب التأديب.

وقد يبقى الولد يومه لا يقدر على المشي من شدة ألم رجليه. وفي المدرسة غير ذلك " الصنقل " وهي سلسلة حديد ذات حلقات غليظة، طولها نحو مترين ونصف المتر تزن ما بين 13و 15 رطلاً ثبت طرفها إلى خشبة تزن نحو ستة أرطال، ويربط طرفها الثاني في ساق الولد بقفل، يحفظ مفتاحه عند الملا. وتبقى السلسلة مع الولد طول اليوم.
وربما حرم من وجبة الغداء بالحبس في المدرسة ومن أمثالهم " العافية بأطراف الجوع " وقد يمنع من الانصراف بعد العصر، ويبقى في المدرسة إلى المغرب. وربما ذهب بها إلى البيت ونام معها في الفراش وأصبح يصحبها إلى المدرسة.
وقد ترافقه اليومين والثلاثة إذا كان ذنبه كبيراً.

قلما نجا من قسوة الملا وبطشه ولد مهما كان سلوكه حسناً إذ أنها ليست مقصورة على عبثه في المدرسة أو تأخيره في حضوره أو تقصيره في عمله الدراسي، بل إن أكثرها تأتي من تهم خارجة عن محيط المدرسة والدرس. كشكاية ولد من الطريق أو لعداوة بين التلميذ والريس، أو صديق للريس. والأسباب الواهية كثيرة، والملا يحبها ليظهر أمام آباء الأولاد بمظهر الحازم القوي.
والأمين الذي لا يغفل عن أداء الواجب في المحافظة على أولاد من أودعوه أولادهم. لذلك كانت النتيجة كراهية الولد للمعلم. والهرب من المدرسة هي عنده أشبه بالجحيم.

فإذا ما هرب المسكين من المدرسة وعلم ولي أمره بذلك جاء به إلى الملا وقال له " ملا جزاك الله خيراً. هذا الأسود الوجه. عندك إياه. لك اللحم ولنا العظام " يعني ، اضرب طرباً يؤلم الجلد. ولا تكسر عظما. عندها حدث عن خوف الولد المسكين.

فكم منهم من جن. أو أغمي عليه. أو بال في ثيابه . أو ألقى نفسه من السطح فراراً من غضب الملا وبطشه.
وأما من أرغمه أولياء أمره على المثابرة وتحمل آلام التعلم، فقد قاسوا الكثير من موت إراداتهم وضعف نفوسهم. واضطراب تفكيرهم. وموت بعضهم.

وأما من حرموا التعلم. وقاسوا مرارة الأمية كباراً. فإنهم يذكرون باللعنة ذلك الملا وسوء معاملته. ولن ينسوا مهما بلغت بهم السن ما كان بينهم وبينه من بغض وخوف.
__________________
ومنطقي العذب للألباب مستلبٌ *** ومبسمي نضَّ فيه الدر والنضرُ
لازم منادمتي وافهـم مناظرتي *** واسمع مكالمتي يفشو لك الخبرُ


التعديل الأخير تم بواسطة الأديب ; 23-06-2009 الساعة 08:47 AM.
رد مع اقتباس