عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 25-05-2009, 09:09 PM
عنك عنك غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
الدولة: الـكـويــت
المشاركات: 412
افتراضي

راشد سعد ساير العلبان
(1318 – 1398) (1900 – 1977)

المولد والنشأة:
هو راشد سعد ساير العلبان، المولود في فريج البدر بمنطقة القبلة في مدينة الكويت عام 1318هـ الموافق لعام 1900م.
نشأ في أسرة عريقة مشهورة بالكرم والسخاء، والسمعة الطيبة، هي أسرة العلبان، وهي أيضاً من الأسر الكويتية المشهورة بنشاطها البحري، فقد ركبوا البحر وصاروا نواخذة معروفين منذ أمد بعيد، وتوارثوا هذه المهنة أباً عن جد وملكوا العديد من سفن الغوص على اللؤلؤ، فقد كان والده المرحوم سعد بن ساير العلبان نوخذة معروفاً، وكان جده كذلك، وقد عُرفوا في منطقة الخليج العربي بتجارة اللؤلؤ.
وقد اشتهرت في ذلك الوقت أسرة العلبان بالغنى والثراء، حتى إنهم كانوا من أوائل سكان منطقة الشامية، وهم كذلك من أوائل الأسر التي أقامت بضاحية عبدالله السالم. كما أن أسرته كانت من أولى العائلات التي اقتنت الأجهزة الكهربائية في ذلك الوقت.
تلقى راشد العلبان تعليمه في مدرسة المباركية التي افتتحت عام 1910م وكان محبوباً من الجميع. ومما زاد من حب الناس له أنه كان من الطلبة المتفوقين جداً، ولكن لم يقدر له أن يتم تعليمه، ولعل السبب في ذلك أنه ورث حب البحر وعشق ركوبه عن آبائه وأجداده، فأخذ يعمل ويتعلم "التنوخذ" بجد ومثابرة حتى صار من أمهر النواخذة, وقد وفقه الله تعالى في عمله وبارك له في جهده حتى إنه امتلك سفينة من سفن الغوص على اللؤلؤ وهو في سن الشباب.
صفاته وأخلاقه:
لما كان المحسن راشد العلبان محباً للبحر فقد اتخذه صديقاً حميماً له يجلس إليه ويناجيه كما يناجي الخليل خليله، فتعلم منه الكثير من الصفات الطيبة كالصفاء، والجود، والكرم، فالبحر يعطي بلا حدود، ولا يبخل على أحد يبحث في أعماقه عن الرزق، وكما أن البحر رحمة للناس بما جعله الله فيه من خير عميم، كان المحسن راشد العلبان كذلك عطوفاً على من حوله رحيماً بهم.
كما كان – رحمه الله – محباً للآخرين، يسعى لمساعدتهم ومد يد العون لهم عند الحاجة، وكان صادق الوعد، متعلقاً بالله حريصاً على أداء الفرائض وتلاوة القرآن الكريم، لا سيما وقت الفجر الذي خصه الله بالذكر في قوله تعالى: "أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)" سورة الإسراء.
عمله:
ركب راشد العلبان – رحمه الله - البحر منذ طفولته مع والده النوخذة سعد العلبان، وأبحر معه إلى مواطن الهولو واليامال، وإلى مغاصات (هيرات) اللؤلؤ في عدة مواسم، وقد امتلك في شبابه – كما أسلفنا - سفينة خاصة بالغوص على اللؤلؤ، من النوع الذي يسمى "شوعي"، وأطلق عليها لقب "مرزوق" "وتنوخذ" عليها، كما امتلك نوعاً آخر من سفن الغوص يعرف باسم "جالبوت" وحملت أيضاً اللقب السابق نفسه.
وظل النوخذة راشد العلبان – رحمه الله - ملازماً للبحر فترة طويلة، يشده الشوق والحب للمهنة التي عمل بها آباؤه وأجداده، وقد صعب عليه أن يترك البحر – كما فعل البعض بعد تدفق النفط في الكويت – فاستمر مزاولاً لهذه المهنة حتى عام 1964م، فكان آخر نواخذة الغوص على اللؤلؤ في دولة الكويت، كما يؤكد ذلك المؤرخ الكويتي العم سيف مرزوق الشملان في كتابه "تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي"، قائلاً: "آخر نوخذة كويتي كان يزاول مهنة الغوص على اللؤلؤ هو المرحوم راشد بن علبان المتوفي عام 1977م، "().
أول من استخدم العمالة الأجنبية
مما عُرف عن المحسن راشد العلبان – رحمه الله – أنه من أوائل الذين استخدموا عمالة أجنبية للعمل معه في البحر للغوص على اللؤلؤ وكانت من عُمان، وذلك بعد عزوف الكويتيين عن العمل في مهن البحر لتدني أسعار اللؤلؤ، والتحاقهم للعمل بالوظائف الحكومية، حيث العمل المريح والأجر الأكبر.
ويؤيد ذلك الكاتب عادل محمد العبدالمغني في كتابه "نواخذة الغوص والسفر في الكويت" بقوله: "في بداية الستينيات لم يجد راشد العلبان أحداً من أهالي الكويت على استعداد للدخول معه في الغوص، فاضطر للاتفاق مع مجموعة من أهالي عُمان للعمل تحت رايته، واستمر معهم بضع سنوات، وكان بوده الاستمرار لولا صعوبة وصول بحارة عمان في كل موسم، فتوقف عن (التنوخذ) وكان أخر نوخذة كويتي"()
زواجه وذريته:
رغم أن المحسن راشد العلبان – رحمه الله - انشغل منذ صغره بالبحر، وصار هوايته وحرفته في آن واحد، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يلبى النداء الفطري المركوز في كل إنسان، فبحث عن الزوجة الصالحة التي تقر بها عينه، ويسعد بها قلبه ويرزق منها أولاداً يملؤون عليه حياته، ويخلدون ذكره، مردداً مع عباد الرحمن كلام الحق جل وعلا: "... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)" سورة الفرقان.
وقد وفقه الله تعالى إلى العثور على شريكة حياته، وتم الزواج في جو مليء بالبشر والحبور، والسعادة والسرور.
غير أن الله تعالى قدر أن تموت هذه الزوجة قبل أن تنجب له أطفالاً، فتزوج من فتاة أخرى، مكثت معه ما شاء الله أن تمكث، ثم قدر الله لها أن تلحق بالأولى، وسبحان الله الذي يبتلى عباده ليكفر عنهم ذنوبهم ويرفع درجاتهم؛ مصداقاً لقوله تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور (2)" سورة الملك.
فتجلد – رحمه الله - بالصبر على قضاء الله تعالى وقدره، وشرع في البحث عن زوجة ثالثة، إلى أن وفقه الله تعالى إليها، فكانت له خير عون في هذه الحياة وتعلمت منه الكثير وخاصة في الجانب الخيري من حياته – رحمه الله – وقد رزقه الله تعالى من زوجتيه الثانية والثالثة ذرية طيبة مباركة بلغت ستة من الأولاد وسبعاً من البنات.
وقد ورث هؤلاء الأبناء عن أبيهم – رحمه الله – حب الخير وعمل الصالحات، حتى إن ابنه حمد – رحمه الله - بنى مسجداً قبل وفاته في منطقة كبد، وما زال هذا المسجد يحمل اسمه حتى الآن.
ومن فضل الله تعالى أن ألقى في قلب أبنائه جميعاً حب الإنفاق في أوجه الخير المتعددة، فكان منهم ابنه فهد الذي شارك في حرب العاشر من رمضان 1393هـ – السادس من أكتوبر عام 1973، وأصيب في المعركة، وحصل على وسام الشرف من الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
وقد كان لفهد أوجه إنفاق عظيمة على أهله وإخوانه، خاصة المحتاجين منهم، بل إنه وزع ميراثه من أبيه – وكان مبلغاً عظيماً في ذلك الوقت - على أوجه الخير، وعلى رأسها مساعدة إخوانه المقربين، فكانت صدقة وصلة، كما أخبر النبي صلي الله عليه وسلم: "أَسْرَعُ الْخَيْرِ ثَوَابًا الْبِرُّ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَأَسْرَعُ الشَّرِّ عُقُوبَةً الْبَغْيُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ" أخرجه ابن ماجه في سننه.
ولم يكن ذلك غريباً على الابن فهد الذي ورث عن أبيه صفات كريمة منها السخاء والجود والكرم، وصدق القول الماثور القائل "من شابه أباه ما ظلم".
أوجه الإحسان في حياته:
تشرب المحسن راشد العلبان، حب الإحسان وفعل الخيرات منذ نعومة أظفاره، وكان يعلم أن ثواب الإحسان عظيم، وجزاءه عند الله جزيل؛ مصداقاً لقوله تعالى: " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)" سورة النحل.
ولذا حرص – رحمه الله – على أن يسهم في أوجه الخير المتعددة، فتنوعت أوجه إحسانه وتفرعت، حتى صارت كالشجرة الطيبة مورقة الأغصان، كثيرة الثمار، دائمة العطاء:
مسجد العلبان بكيفان:
كان – رحمه الله – يدرك أن بناء المساجد عمل خيري عظيم القدر، لكونها ملتقى المسلمين المصلين الذاكرين المتعبدين لله رب العالمين. كما أيقن من وعد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في قوله "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ" رواه ابن ماجه في سننه.
فقام - رحمه الله - ببناء بيت الله تعالى في القطعة الرابعة بمنطقة كيفان في محافظة العاصمة بدولة الكويت عام 1388هـ الموافق لعام 1968م، وقد سمي المسجد باسم مسجد راشد سعد العلبان، وهو مسجد جامع ذو مئذنتين، وقد تحمل - رحمه الله - تكاليف البناء كاملة، كما أشرف على فرشه وتجهيزه وإضاءته، ولم يهدأ له بال، حتى تم البناء، وصدح من فوق مئذنته صوت المؤذن بالنداء الخالد: الله أكبر.
المواصفات العامة للمسجد:
- المساحة الكلية للمسجد 1650 متراً مربعاً.
- مساحة مصلى النساء 175 متراً مربعاً.
- يتسع مصلى الرجال لعدد 1100 مصلٍّ، ومصلى النساء يسع 120 مصلّية.
- ارتفاع المئذنة 18 متراً.
- بني المسجد على الطراز العادي الحديث.
وكم كانت فرحتة غامرة، وهو يرى جموع المصلين تتجه صوب هذا البيت العامر مصلية ذاكرة راكعة ساجدة داعية لله رب العالمين.
ولم يكتف رحمه الله ببناء المسجد فحسب، بل كان يحرص على إعانة المحتاجين من رواده – وما أكثرهم في ذلك الوقت – فينصرفون داعين له بطول العمر وسعة الرزق.
بناء المدارس:
لقد ذاق المحسن راشد العلبان – رحمه الله – لذة العلم والمعرفة، وذاق طعم التفوق في الدراسة، وفق رواية ابنته التي قالت إنه كان دائماً على رأس المتفوقين، لعلمه عظم مكانة العلم والتعليم ورفعة شأن المتعلمين، وإن كانت ظروفه وشغفه بالبحر حالا بينه وبين إكمال التعليم بمدرسة المباركية، ومن هنا حرص – رحمه الله – على أن ينهل أبناء بلده – الكويت – من معين العلم ما ينفعهم، ويمكنهم من المساهمة في بناء وطنهم ورفعة شأنه. قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ عِلْمًا ثُمَّ يُعَلِّمَهُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ" أخرجه ابن ماجه في سننه.
ولهذا لما بدأت حملة التبرعات لبناء عدد من المدارس في دولة الكويت عام 1950م، بادر المحسن راشد العلبان بالتبرع بسخاء لهذا المشروع، فكان على رأس المحسنين الكويتيين الذين تبرعوا من أجل هذا الهدف النبيل، وليكون من الداعين قولاً وفعلاً إلى نشر العلم النافع.
وقد نجحت حملة التبرعات هذه في إنشاء العديد من المدارس التي خرجت الرعيل الأول من متعلمي الكويت الذين يحملون الآن شعلة نهضتها، ويخُطّون طريق تقدمها ورفع رايتها.
ومن المدارس التي أنشئت من أموال تلك الحملة: مدرسة سُكينة الابتدائية للبنات، ومدرسة أسماء المتوسطة للبنات وثانوية الجزائر للبنات، ومدرسة قرطبة المتوسطة للبنات، وكلها في منطقة الشامية، بالاضافة إلى مدرسة خولة المتوسطة للبنات في منطقة الشويخ.
كما كان يساهم – رحمه الله – بشكل كبير في تجهيز بعض تلك المدارس، فكان يقوم بالتبرع بالمال لإداراتها لشراء المكيفات والسجاد وغيرهما من المستلزمات الضرورية.
إهداؤه الأراضي لأصدقائه وأصحابه:
كان المحسن راشد العلبان – رحمه الله - يعلم أن عمل الخير لا يقتصر بالضرورة على الفقراء والمحتاجين فحسب، بل إن التهادي والتواصل بين الإخوان والأصدقاء والأقارب يعد من أعمال الخير المرغوبة في الإسلام، ولذلك فقد أوصانا بها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: "تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ" أخرجه مالك في الموطأ.
ولذلك أراد – رحمه الله - أن يتبع هذه السنة الحميدة وأن يعمل بهذه الوصية النبوية الكريمة، فكان يقوم بشراء قطع من الأراضي، ثم يهديها لأصحابه وأصدقائه، هبة لله تعالى بدون مقابل، لعلها تكون نفعاً لهم ولأولادهم من بعدهم، حتى يسهم هذا في إدخال السرور إلى قلوبهم من ناحية، ويحقق حياة كريمة لهم من ناحية أخرى، ولعلها تكون في ميزان حسناته إن شاء الله من ناحية ثالثة.
التبرع للمحتاجين من أبناء الخليج:
لم يشأ المحسن الكريم راشد العلبان – رحمه الله – أن يقتصر بره ومعروفه على أبناء بلده وأقاربه وأصدقائه فحسب، بل أراد أن يمتد ظل شجرة جوده الوارفة لتشمل إخوانه المسلمين في أماكن أخرى هم في حاجه للمساعدة والإعانة، عملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لمْ يَهْتَم بأَمْرِ المسلِمينَ فَليسَ مِنهُم".
ولذلك كان – رحمه الله – يتبرع بما يستطيع من الأموال والمساعدات العينية لإخوانه في دول الخليج العربي، وخاصة أهل البحرين الشقيق، لما بينها وبين الكويت من صلة خاصة.
وكان يساعدهم بما يقدر عليه من أوجه المساعدات الأخرى، حتى يحقق لهم حياة كريمة سعيدة.
وقد ملأت شهرته في هذا المجال الآفاق، وعم شذا عطره الأجواء، فعُرف بين أهل الخليج بصفات الكرم والسخاء، رغم حرصه على السرية وعدم الظهور، وقد صدق القائل:
دلائلُ البِرِّ لا تَخفَى عَلى أحَدٍ كَعاطِرِ الِمسكِ لا يَخْلو مِن العَبَقِ
تبرعه لفلسطين ومصر والجزائر وبعض الدول العربية:
فلسطين قلب العروبة النابض، ومصر بوابة إفريقيا الشرقية، والجزائر هي أرض الكفاح والنضال والثبات. وقد اتسع قلب المحسن راشد العلبان – رحمه الله - ليشمل بالحب والعطاء كل عربي ومسلم، وكأنه في ذلك متمثل قول الله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)" سورة الحجرات.
فمن أجل هذا كانت له أيادٍ بيضاء وصفحات ناصعة من التبرع لهذه الدول الثلاث خاصة في أوقات الحروب والمحن التي مرت بها، وكذلك غيرها من الدول العربية الأخرى.
قضاء الحوائج وتفريج الكربات:
بحكم نشأته في بيئة طيبة صالحة أدرك المحسن راشد العلبان – رحمه الله - مبكراً أن خير الناس أنفعهم للناس، وأن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، وأن من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، وأن من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، كما أخبر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.
ولذا كان – رحمه الله – لا يرد محتاجاً أبداً، بل كان يسعى في قضاء حوائج الناس وتفريج كرباتهم وخاصة الفقراء المساكين منهم، مدخلاً السرور على قلوبهم، وراسماً البسمة على شفاههم، مبتغياً بذلك الثواب من الله رب العالمين.
وكان – رحمه الله - يحظى منهم بالحب والتقدير، والدعاء إلى الله العلي القدير أن يكافئه في الدنيا والآخرة، وأن يجعل أعماله في ميزان حسناته يوم الدين، وقد شهد له بهذه الأعمال الطيبة أقرانه ومعارفه وفق ما أفادت به ابنته موثقة هذه المادة.
ولائم الإفطار في رمضان:
في رمضان تهب على المسلمين رياح الجنة، فتبعث في النفوس همَّة ونشاطاً وحباً للخير والجود والإنفاق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان فيه كالريح المرسلة.
وسيراً على هذا النهج النبوي وتأسياً بسلوك الرسول الكريم كان – رحمه الله - يقيم ولائم الإفطار في شهر رمضان من كل عام في بيتيه العامرين بضاحيتيْ عبدالله السالم والشامية، وكان – رحمه الله – يحب أن تتكاثر الأيدي على الطعام عنده، حتى إنه كان يحرص على إفطار ما لا يقل عن أربعين صائماً كل يوم، منتظراً الثواب الكريم من الله تعالى الذي بشر به النبي  في قوله :"مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا " رواه الترمذي .
سقي الماء وإقامة مظلات للفقراء:
جعل الله تعالى من الماء كل شيء حي، وتشتد أهمية المياه في الأماكن التي لا توجد فيها أنهار كالكويت وغيرها من بلدان الخليج.
وإذا عرفنا أنه لم يكن متيسراً في الماضي، الحصول على المياه النقية لندرتها من ناحية، وتكلفتها من ناحية أخرى، أدركنا عظم ثواب من يسقي الماء ابتغاء مرضاة الله تعالى.
وإذا كان الله تعالى قد غفر لرجل سقى كلباً، فما بالك بثواب من يسقي العطشى، ويروي ظمأهم بمياه نقية عذبة تنزل عليهم برداً وسلاماً؟ وهذا ما حرص عليه المحسن راشد العلبان – رحمه الله - حيث أقام سبيلاً للفقراء وذوي الحاجات وعابري السبيل.
ليس هذا فحسب، بل إنه – رحمه الله - أنشأ بعض المظلات على نفقته لتحمي هؤلاء الفقراء والمحتاجين من حر الشمس، وتمكنهم من ممارسة بعض أعمالهم البسيطة في ظلها كبيع وشراء بعض السلع والتي تعينهم أثمانها الزهيدة على قضاء حاجاتهم المهمة في الحياة.
الدعوة والإرشاد:
أدرك المحسن راشد العلبان – رحمه الله - مبكراً أن الله تعالى أعلى من شأن الداعين إليه، المبلغين رسالاته، وأدرك أن الدعوة إلى الله تعالى فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، وإذ لم يقم به أحد أثم الجميع، مصداقاً لقول الله تعالى " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)" (آل عمران).
ولهذا حرص – رحمه الله - على أن يقيم علاقات طيبة مع الناس جميعاً لا سيما أقاربه لتكون مدخلاً له لدعوتهم والتأثير فيهم، ومما زاد حب أولاده له وتأثرهم به أنهم لمسوا عشقه لكتاب الله تعالى تلاوة وحفظاً، فكانوا يسمعونه يرتله بصوت جميل طيب قبل الفجر، لدرجة أنهم كانوا يستيقظون للصلاة عند سماعه يرتل آيات الله تعالى بهذا الصوت العذب الشجي.
ورغم أنه – رحمه الله - كان يملك سيارة بل عدة سيارات إلا أنه كان يحرص على أن يذهب إلى المسجد سيراً على قدميه، برغم بُعد المسجد عن منزله، طلباً للثواب والأجر من الله تعالى، وتأولاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَزِيدُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ" رواه ابن ماجة في سننه.
حث غيره على الخير:
كان – رحمه الله – حريصاً على دعوة الناس من حوله إلى عمل الخير، وكان يشجعهم عليه بكل ما يستطيع، وقد بدأ بنفسه إذ كان قدوة لهم في ذلك.
ولما كانت زوجته – رحمها الله - أقرب الناس إليه، وأكثر الناس تأثراً به وبتدينه والتزامه، كان - رحمه الله - يشجعها على حفظ القرآن الكريم فحفظت ما تيسر منه، ولكنها أقبلت على قراءته فكانت تختمه مرة كل أسبوع، كما كانت تصوم معظم الأشهر الحرم بفضل الله تعالى ثم بفضل تشجيع زوجها – رحمه الله - على ذلك، الذي اصطحبها بدوره في رحلته إلى الحج أربع مرات متتالية.
وفي بيته كان – رحمه الله – قدوة في حسن العشرة ورعاية أهله، فكان حلو اللسان عذب الحديث، عاملاً في ذلك بالتوجيهات النبوية الشريفة في قوله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" رواه ابن ماجه في سننه.
وفاته:
عاش المحسن راشد العلبان – رحمه الله – سبعة وسبعين عاماً، زرع فيها من بذور الخير ما استطاع، وتعهدها بالرعاية والسقاية، حتى صارت حديقة غَنّاء، امتدت ظلالها الوارفة يتفيؤها من أراد من أهل الخير. وخطا – رحمه الله - خطوات واسعة على طريق البر، يقفو أثرها من تأثر بقول القائل:
فتشبهواْ إنْ لمْ تكونواْ مثلهمْ إنَ التشبهَ بالرجالِ فلاحُ
فقد توفي المحسن راشد العلبان إلى رحمة الله تعالى في الثامن عشر من ربيع الثاني عام 1398هـ الموافق للسابع من أبريل عام 1977م، لكن سيرته العطرة ظلت إلى يومنا هذا، ليقفو أولاده وذرياتهم والمحسنون جميعاً أثرها من بعده، بينما يستجيب هو لنداء الله تعالى: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)" سورة الفجر.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجزاه عما فعل للمسلمين خير الجزاء، وجعل أعماله في ميزان حسناته.
قالوا عنه:
لقد شهد كثيرون للمحسن راشد سعد العلبان بالخير والفضل، عملا بما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ: "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ" أخرجه أبو داود.
ومن هؤلاء الكاتب عادل محمد عبدالمغني صاحب كتاب: "نواخذة الغوص والسفر في الكويت"، وقد تحدث في صفحات هذا الكتاب عن المحسن راشد العلبان – رحمه الله - كآخر نواخذة السفر والغوص على اللؤلؤ قائلاً: "النوخذة ابن علبان واحد من النواخذة الذين حققوا شهرة في ماضي الكويت ولم تأت شهرته إلا نظراً لتمرسه وخبرته الطويلة وعلاقاته الوثيقة مع رجالات البحر أضف إلى ذلك ومما أثار دهشتي في استمراره ومواصلته للتنوخذ حتى بداية الستينيات...النوخذة راشد العلبان له مساعيه الطيبة لعمل الخير فمن ماله الخاص بنى مسجداً كبيراً في عام 1968 في منطقة كيفان، ومن هذا المسجد انطلقت أولى اللجان الخاصة لمساعدة الفقراء والمحتاجين في داخل الكويت"().
وأما المؤرخ الكويتي العم سيف مرزوق الشملان فقد أفرد له صفحة في كتابه "تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي"، قائلاً: "آخر نوخذة كويتي كان يزاول مهنة الغوص على اللؤلؤ هو المرحوم راشد بن علبان المتوفي عام 1977م، وهو من نواخذة الغوص المعروفين. وترك مهنة الغوص منذ بضع سنوات، وكان يذهب في "لنج" أي سفينة بها محرك لدفعها إلى مغاصات اللؤلؤ القريبة والبعيدة، وكان البحارة الذين يعملون في سفينته من أهل عمان، حيث إن البحارة الكويتيين تركوا أعمال البحر وتوظفوا في وزارات الدولة في وظائف مريحة ومثمرة، فارتاحوا بعد ان ذاقوا الأمرين وتكبدوا المشاق والمخاطر في أعمال البحر"().
المصادر والمراجع
* مقابلة مع الأستاذة وسمية راشد العلبان ابنة المحسن راشد سعد ساير العلبان.
- سيف مرزوق الشملان – تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي – الجزء الثاني – الطبعة الأولى – مطبعة الحكومة – الكويت 1978م.
- عادل محمد العبدالمغني – نواخذة الغوص والسفر في الكويت – الطبعة الأولى – الكويت 1999م.
- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - إدارة المساجد – إدارة الشؤون الهندسية.
* وثقت هذه المادة ابنته الأستاذة وسمية العلبان
منقول محسنون من بلدي .
رد مع اقتباس