عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 02-10-2010, 02:58 AM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

تطور التعليم في الكويت في القرن الأخير بدرجة كبيرة، فقد تحول من الشكل التقليدي القديم إلى التعليم النظامي وكانت البداية في المدرسة المباركية كانت في طليعة ركب التحديث في هذا المجال الحيوي. في الجزء السابق من اللقاء حدثنا العم غانم يوسف الغانم عن الحياة الاجتماعية في كويت الماضي في بدايات القرن الماضي وكذا بعض الجوانب الحياتية والاقتصادية للمجتمع الكويتي في الفترة التي سبقت ظهور النفط، وأوضح ما تميز به هذا المجتمع من تلاحم وترابط وتقارب بين الحاكم والمحكوم. يستكمل اليوم الحديث عن جوانب أخرى مهمة من مشوار حياته ورحلته ويروي لنا في الوقت نفسه مواقف وأحداثا تتعلم بالتعليم والتجارة والبحر والسفر والعقار وغيرها. في البداية يتطرق إلى مشواره في التعليم وفي السياق يكلمنا عن أحوال التعليم في تلك الفترة وكيف تطور وتغيرت مناهجه، ومتى قدمت أول بعثة تعليمية فلسطينية إلى الكويت ومن كان في استقبالها وكيف كان الاستقبال. ثم يذكر بداية النشاط الكشفي في الكويت وعلى يد من كان ذلك ويذكر جانبا من الأنشطة الكشفية وكيف استقبلها الناس والتجار ومن شجعهم ودعمهم. بعد ذلك يتحول ضيفنا إلى الحديث عن السفر بالسفن الشراعية وعمله بنقل الذهب والتجارة وكيف استفاد من ذلك وكون مبالغ مالية لا بأس بها، ويحكي لنا قصة الصناديق التي استوردها من باكستان وكيف ربح منها. ثم يذكر لنا العم غانم الغانم متى بدأ العمل في مجال تجارة العقارات وكيف دخل «سوق المناخ» منذ بدايته وماذا كانت النتيجة في النهاية. كما يحدثنا عن الحركة الثقافية والأدبية في الكويت وأحوال الكتاب والمؤلفين ومشواره هو شخصيا في هذا المجال والكتب التي ألفها، ويقدم نصائحه للرقي في هذا الحقل وللحفاظ على تاريخ الكويت وتراثها من الضياع. ولا ينسى بطبيعة الحال ان يذكر بعضا من الحقائق التاريخية عن علاقة عائلته بالبحر وكيف ركبوه وطوعوه. كل ذلك وغيره من المعلومات والحقائق الشيقة والممتعة يستكملها لنا العم غانم الغانم اليوم في الجزء الثاني من اللقاء معه، فإلى التفاصيل:
بعد حديثه عن نشأته والظروف الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع الكويتي في فترة طفولته وشبابه في الجزء الاول، ينتقل العم غانم يوسف الغانم للحديث عن مشواره بالدراسة وأحوال التعليم فيقول: بداية تعليمي كان عام 1928 والوالدة رحمها الله أدخلتني مدرسة بن شرهان مقابل قصر السيف على بهيته ومدير المدرسة والمشرف والموجه المرحوم سعد الشرهان، والذي يعاونه عبدالمحسن الشرهان والرجل الثالث عبدالله التورة، وكان يساعدهم زيد الصقعبي وهو منظم ومشرف على الطلبة وهو مسؤول عن غياب الأطفال يشبه عمله محمد سيار في المباركية.
أمضيت في المدرسة منذ عام 1928 حتى عام 1932 حيث تعلمت قراءة القرآن الكريم والحساب ومسك الدفاتر وختمت القرآن الكريم والوالدة أقامت حفل زفة ختم القرآن لم ألبس البشت ولم أمسك السيف وإنما الوالدة عملت الحفل في البيت وبحضور الفنانة عودة المهنا وكان الاحتفال عائليا.
المدرسة المباركية
ويكمل العم غانم الغانم: انتقلت الى المدرسة المباركية وهي اول مدرسة نظامية في تاريخ التعليم في الكويت وكانت فصولها منظمة، حيث كانت أرضيات الفصول والطاولات من الخشب الساج وفيها سبورة وكماليات جميلة ولا يوجد فيها كهرباء والدوام كان على فترتين ومن محاسنها ان المدرسين الذين يدرسون فيها كانوا نوابغ ومنهم المرحوم سيد عمر عاصم والمرحوم عبدالرحمن الدعيج ومحمد الشايجي وعبدالرحمن أبورويح ويوسف العمر وعبدالله العمر وملا عثمان العثمان وعبدالله العثمان وسالم الحسينان وراشد السيف وعبدالعزيز الفارس وكان يضربنا على اليدين وكان بيت السيد عمر بجوار المدرسة المباركية فكان يدخل من بابه الى المدرسة وجاره يوسف الرجيب وعبداللطيف العتيقي.
وأثناء الدراسة في المباركية كان من المدرسين الذين أعتز بهم المرحوم عبدالرحمن الدعيج وهو مدرس عاقل ومدبر وكان نابغة في زمانه يعرف الطالب الذكي والكسول والذي يمل من الدراسة حيث يميز الطالب عن الآخر.
ومما أذكر كان يوزعنا في الفصل الى مجموعات الطلبة الأذكياء والطلبة متوسطي الذكاء والطلبة الضعفاء، ونحن لا نعرف عن التوزيع شيئا، حيث كان يتم هذا التوزيع من دون ما يشعر الطالب. ويلقي علينا بعض الكلمات ونردد من بعده ويعلمنا على «ألف خالي لام يمين ميم وسط دال يسار»، ويلحن الكلمات لكي يفهمها الطالب وأحيانا يصفق معنا من دون شعور ولذلك نحفظ بسرعة وبتلك الطريقة صار هناك تسابق بين الطلبة في الحفظ، وكان معنا في الفصل سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، وبجانبه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وكان معهما السيد عبدالرحمن الزيد العنزي يشرف عليهما ويوجههما للدراسة.
بصفة عامة المدرسة المباركية تعلمنا المبادئ وبعد ذلك انتقلنا للصف الثاني، ومما أذكر أواخر 1935 بدأ الحديث عن ان مدرسين فلسطينيين سيحضرون الى الكويت.
وفي العام الدراسي 1936/1937 حضرت البعثة الفلسطينية التعليمية بمساعدة المرحوم محمد أمين الحسيني (مفتي فلسطين).
ومما أذكر ان القنصل البريطاني ديغولي كان يحضر للمدرسة المباركية.
استقبال البعثة الفلسطينية التعليمية
في عام 1936 حضرت الى الكويت البعثة التعليمية الفلسطينية، وعن ذلك يقول العم غانم يوسف الغانم: كانت البداية عندما أخبرنا الأستاذ سالم الحسينان بأن بعثة مدرسين فلسطينيين ستحضر وهم مدرسون للمدرسة المباركية.
كان المرحوم خالد النصرالله من المدرسين في المباركية وكلف باختيار مجموعة من الطلبة لاستقبال المدرسين الفلسطينيين مع المسؤولين وتم تحديد موعد وصول البعثة التعليمية الفلسطينية وبأربع سيارات (ثننه) مكشوفة، وكان عددنا 20 طالبا مع المسؤولين، وخرجنا من بوابة الجهراء باتجاه المطلاع ولم يكن الطريق معبدا ومررنا على الصليبخات وكانت أرضا فيها صلبوخ وقاحلة.
وشاهدت الطيور والزواحف على الأرض، وبعد ساعتين وصلنا المطلاع مع غروب الشمس وجلسنا ننتظر وأذكر انني شاهدت حب ماء وغرفة واحدة وقوطي ماء، وشاهدت الجمال والبدو الرحل وشاهدت البر عند الغروب، وكلما وصلت سيارة سألناهم عن مشاهدتهم سيارات البعثة الفلسطينية.
والسيارات التي كانت تذهب إلى البصرة بحدود أربع سيارات في اليوم واذكر اصحابها ومنهم عبدالعزيز العويش وعبدالعزيز الفهد وسيارة الثويني وعبدالعزيز جعفر وعبدالعزيز المليفي واخيه، واذكر اننا سألنا احد السواق فقال «شفت سيارة فيها رجال لابسين على رؤوسهم طرابيش حمر» وبعد ثلاث ساعات بعد صلاة العشاء، وصلت سيارتان فيهما خميس نجم الدين واحمد شهاب الدين ومحمد المغربي وجابر حديد وهم أول دفعة تعليمية فلسطينية دخلت إلى الكويت وكان المسؤول الذي معنا سالم الحسينان ووصلنا الساعة الثانية عشرة ليلا، وللمرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح الفضل الكبير على التعليم في الكويت وكان حاضرا في كل مناسبة وهو رمز الثقافة والتعليم في الكويت، وسكنوا في فندق، ولكنهم لم يذوقوا طعم النوم على الرغم من التعب بسبب الحر وصدى صوت النواطير الذين ينادون على بعضهم البعض، وفي الصباح قالوا للمسؤولين لم ننم الليل بسبب صوت المجانين الذين يصرخون طوال الليل فرد عليهم المسؤول وقال هذا صوت النواطير (حراس الأسواق).
وبعد ذلك تم تأجير بيوت لهم بالقرب من المدرسة المباركية.. وبعضهم كان يستخدم الدراجة، أما جابر حديد فاشترى له حمارا يستخدمه في التنقل والمدرسون الاوائل صبروا على جو وحر الكويت وعندنا قضية تنظيم التعليم والمنهج وأذكر قبل ذلك كان المنهج التعليمي عراقيا وأول مكتبة كانت لحمود المقهوي وكانت تستورد الكتب من العراق.
تغيير المناهج الدراسية
يتطرق العم غانم الغانم بعد ذلك الى مرحلة مهمة في تاريخ التعليم بالكويت ألا وهي مرحلة تغيير المناهج فيقول: عندما تقرر تغيير المناهج من عراقي إلى منهج تعليمي فلسطيني، الطلبة قاموا بمظاهرات يبدون فيها عدم الموافقة على هذا التغيير وأذكر أن الفداوية ضربونا بالخيزران وهربنا (وتشتتنا).. في ذلك الوقت كنا قوميين أكثر من دعاة القومية انفسهم، وكنا ندافع عن فلسطين وكنا نسمع عن الشيخ امين الحسيني وفوزي الخاروجي، هكذا بدأ تغيير المنهج وقد بدأ التغيير بالكشافة.
المباركية وأول فرقة كشافة
يسترسل ضيفنا في حديثه عن التغيير في مناهج وأساليب التعليم بادئا بالحديث عن استحداث النشاط الكشفي حيث يقول: بدأت فرقة الكشافة بالمدرسة المباركية مع قدوم أول بعثة تعليمية فلسطينية وأذكر ان محمد المغربي قال للطلبة مطلوب من كل واحد منكم روبيتان ونصف الروبية وكان عددنا 80 طالبا وتم اختيار 30 طالبا للكشافة، تجدر الاشارة الى ان مبلغ الروبيتين ونصف الروبية في ذلك الوقت كان مبلغا كبيرا واذكر ان محمد بن سيار كان في المدرسة المباركية وعندما سمع كلام محمد المغربي قال له المبلغ الذي طلبته كبير لا يستطيع اي طالب ان يحضره وغالبية الطلبة أهلهم فقراء فاسألهم عمن يستطيع ان يدفع المبلغ، فقال محمد المغربي للطلبة من يستطيع يرفع اصبعه ومن لا يستطيع يسكت.. بعد ذلك ذهبت الى البيت واخبرت الوالدة وفي تلك الفترة كانت حالتنا قد تغيرت والوالدة كانت تصرف علينا بعد وفاة الوالد واحيانا كانت تبيع الذهب واملاكنا لا تدر علينا الكثير.
وبعد ان اخبرت الوالدة قالت: ما الكشافة؟ فشرحت لها ما الكشافة ولكن المدرس قال: من يستطيع يرفع اصبعه، فقالت لي ارفع اصبعك.
هكذا عندما ذهبت إلى المدرسة اليوم الثاني وقال محمد المغربي من عنده روبيتان ونصف الروبية يرفع يده فرفعت يدي وقال هاتها، فقلت: غدا ان شاء الله، ونهاية الدوام ذهبت إلى البيت وشاهدت حمالا يجلس عند باب بيتنا وهو يعد مبلغا من المال واعطاه لوالدتي وكان المبلغ أربعين روبية وهو ثمن صندوق خشبي وقلت للوالدة يعني ذهب للحمال فقالت روح اسبح في الجليب لا تسأل وبعدما سبحت ذهبت الى غرفة الوالدة ولم اشاهد الصندوق المبيّت الخشبي فعرفت ان الوالدة قد باعته وتسلمت مبلغ أربعين روبية سعره، وقد قامت بكل ذلك حتى لا أقول أو أشعر بأنني فقير.
اعطتني الوالدة روبيتين ونصفا وكذلك اعطت اخي ابراهيم نفس المبلغ وذهبنا إلى مدرسة المباركية واعطيت المبلغ للاستاذ محمد المغربي وتكونت فرقة الكشافة في مدرسة المباركية من الطلبة الذين دفعوا المبلغ.
وبدأ التجار يساعدون المدرسة لفرقة كشافة المباركية وهي اول فرقة كشفية في الكويت وتم انشاؤها العام الدراسي 1936 ـ 1937 ورئيسها محمد المغربي.
وتم شراء ادوات موسيقية للفرقة وأحذية وملابس كشفية.. من الطلبة الكشافة عبدالمجيد خنفر وعبدالعزيز حسين وحمد الرجيب واخرون..وبدأنا نتدرب على المشي ويقول يَسْ: يَمْ.. يسار يمين ومع الطبل والموسيقى.
جولة بسوق التجار
يستطرد العم غانم الغانم في حديثه عن فريق الكشافة وبعض الانشطة التي كانوا يقومون بها فيقول: بلغنا الاستاذ محمد المغربي بأن الفرقة ستقوم بجولة بسوق التجار مع الآلات الموسيقية وجهزنا انفسنا واستعددنا لذلك اليوم، حربي يضرب الطبل الكبير وبدأنا نمشي في سوق التجار الصغار والكبار كانوا يمشون خلفنا وخرج التجار من محلاتهم يشاهدون فرقة الكشافة «لفينا ودرنا» من فريج الفهد مقابل المباركية الى ساحة الصفاة من ساحة الصرافين الى المقبرة القديمة الى الصيهد واذكر ان البعض كان يرمينا بالحصى ويقولون «ما يستحون كاشفين ارجلهم».. وكان معنا من المدرسين محمد المغربي على اليمين وخالد النصر الله على اليسار، وحربي يضرب على الطبل ويتم النفخ في البوق وعدنا الى المدرسة المباركية والاهالي ينتقدون.
اول مخيم كشفي
ثم يصل ضيفنا في حديثه الى اول مرة تمت فيها اقامة معسكر كشفي وعن ذلك يقول: بعد ذلك قال محمد المغربي سنقوم برحلة كشفية (حاليا عند الدوار قبل الشامية)، وعلى ذلك اقمنا معسكرا كشفيا وتم شراء عشر خيام وبعض الطلبة احضروا من اهلهم.. حوطنا وسيجنا المعسكر بأعمدة من الجندل والحبال وذلك ايام الربيع ونقلنا جميع الادوات والخيام بواسطة سيارة لوري للمرحوم جمعة الحسينان واما الماء فكنا نذهب الى آبار ماء في الشامية وبواسطة القربة ونفرغها في التوانكي.. والطبخ مشترك مع الطلبة وكان المرحوم الشيخ عبدالله الجابر يزورنا بعد صلاة العصر ويحضر لنا الخرفان ونذبحها ولمدة شهر وهو اول مخيم كشفي في الكويت في العام الدراسي 1936 – 1937، وكانت كشافة المباركية بقيادة محمد المغربي وخالد النصر الله.
مشاهدات الحراسة
ويكمل العم غانم الغانم شرق وحكاياته عن النشاط الكشفي ويتطرق في حديثه عن اول معسكر كشفي في تاريخ الكويت الى الملاحظات التي كان يدونها من يسهرون للحراسة وما بها من طرائف، فيقول: كنا منظمين وكل مجموعة عندها دفتر تدون وتسجل مشاهداتها في الليل في وقت الحراسة، احد الكشافة كتب: شاهدت اربعة كلاب وتركت الحراسة وآخر كتب: شاهدت جملا دخل المخيم، وآخر كتب ملاحظاته بقوله اشتد البرد ودخلت الخيمة، كانت ملاحظات شيقة وطريفة جدا وفي اليوم الثاني جهزنا الريوق حليب وخبز وباجلا.. وكنا نتدرب على المشي من المعسكر الى منطقة العديلية حاليا.
وهي اراض واسعة يزرع فيها القمح والشعير وشاهدت رجلا راكبا على حمار ويجر خشبا يحرث الارض ومنها نلف الى حولي والى الخبرات على اطراف رمدان ثم نمشي الى الدروازة وندخل الى المعسكر وكان محمد المغربي يضع لنا علامات.. مثلا احد الكشافة يذهب بعيدا في البادية وكان المغربي يرسم على الرمل علامة يصل اليها الطالب الكشاف، مثلا دائرة ويرسم بداخلها خطا.
الكشافة اصلها صقل قدرات ومهارات الرجال وتحميلهم الاعمال الشاقة، والتجار اعطونا هدايا وقدمنا التمثيليات.
وقد تخرج في المدرسة المباركية والمدرسة الانجيلية نخبة من الطلبة الكويتيين الممتازين الذين خدموا الكويت بعلمهم وثقافتهم واذكر منهم البعض مثل عبداللطيف ثنيان الغانم وسليمان العدساني وسليمان الصانع والرزوقي وفهد السديراوي وكانوا يتحدثون اللغتين الانجليزية والعربية فعندما طلب المرحوم الشيخ عبدالله السالم امير الكويت تعيين قناصل استعان بهم وتم تعيينهم، مثلا خليفة الغنيم عين في لندن سفيرا للكويت.
السفر بالسفن الشراعية
يتحول العم غانم الغانم من الكلام عن الكشافة ومواقفها وأنشطتها إلى جانب آخر مهم ألا وهو البحر والسفر بالسفن الشراعية وعن ذلك يقول: بعدما تركت الدراسة سافرت بالسفن الشراعية لكي أتعلم علوم البحار وأصبح معلما مع النواخذة وبعد اتمام التعليم صرت معلما مع النوخذة عبدالله شاهين الغانم والنوخذة عبدالله شعيب، ومع النوخذة مبارك بن ناصر حاولت معه ان أصير نوخذة ولكن الخال عبدالعزيز المساعيد قال: اترك البحر وتعال معنا واشتغل بنقل الذهب من الكويت الى الهند، وقال نشتري ذهبا بألفين روبية وتحصل على أرباح ألفين روبية، فوافقت على رأيه واشتغلت بالذهب وكنت أسافر على البواخر دواركا وغيرها.
منذ الأربعينيات وعندي عشرون طريقة لاخفاء الذهب عن عيون المفتشين الهنود، والكويتيون اخترعوا عدة طرق لتحقيق ذلك، وفي البواخر استخدمت طريقة بأخذ معي سرير خشبي وآخذه الى عقاب الخطيب ويعمل بالخشب مثل مجرى للماء يحفره ثم أملؤه ذهبا وأسد الفتحة بالنشارة وغيري يخفي الذهب بحواف الصندوق وآخر يذوب الذهب مع الدهن وعندما نصل نضع عليه تيزاب (ماء نار) فينفصل الذهب عن الدهن فيصير قطعة واحدة ونعطيها للتاجر الكويتي بالهند ويبيعها ومما أذكر انه في احدى السنوات ربحت من الذهب ثلاثين ألف روبية، وفي يوم من الأيام وصل الربح الى خمسين ألف روبية الا ان بعد ذلك تم القاء القبض علي بتهريب الذهب وأخذوه مني وأخذوا جوازي، وحددوا لي موعدا للمثول أمام المحكمة.
السفر إلى باكستان
يكمل ضيفنا حكايته مع السفر والذهب قائلا: تم انفصال الهند عن باكستان عام 1947 وحادثة إلقاء القبض كانت قبل هذا التاريخ فركبت قطارا من مومباي الى كراتشي وكان عمي عبدالرحمن الشاهين موجودا هناك فبقيت عنده تقريبا شهرا واشتغلت دلالا أساعد الناس، والأكل والنوم عند عمي، مع ما حصل لي أقول ربّ ضارة نافعة.
في أحد الأيام وأنا في كراتشي كان راشد السيلي مع أخيه ابراهيم وأعطوني مكتوبا لكي أوصله لهاشم بندر وهو تاجر هناك وليرسل لنا بضائع وكان ذلك التاجر هاشم دائما يدعوني للغداء عنده وأرفض، في هذه المرة أوصلت له الرسالة وقد دعاني وقال ماذا تريد فقلت أريد شايا وكيكا ملونا ولأول مرة أشاهد ذلك النوع أكلت وشربت شايا وحليبا، وبعدها الحاج هاشم قال: غانم الآن خرجت لنا كوتة من أجل تصدير بضائع صناديق للكويت أو أي مكان والكوتة هي الرخصة وقلت له: اشتريها، ولكن كم عددها؟ فقال: خمسة آلاف صندوق وكل صندوق بداخله خمسة صناديق وسعر كل صندوق ثلاثون روبية، فقلت له: اشتريت ولكن شرط ألا أدفع الا بعد ان تصل البضاعة الى الكويت. وبتلك الفترة كانت بداية افتتاح البنك البريطاني في الكويت، المهم أرسل لي خمسة آلاف صندوق والأوراق على البنك البريطاني، وحينها قال لي عمي: ما عندك جواز كيف ستسافر الى الكويت؟
السفر والعودة إلى الكويت
ويكمل العم غانم الغانم الحكاية قائلا: بعدما تأكدت من ارسال الكمية الى الكويت ذهبت الى ميناء الكناري في كراتشي وقابلت بعض الكويتيين الذين يريدون السفر الى الكويت وسألت واحدا منهم وقلت له أين صندوقك أريد أن حمله عنك أو بدلا من الحمالين حملته على ظهري مع الحمالين أربعة أمامي وغيرهم خلفي، وصعدت الباخرة ونزلت الصندوق ولما حضر المفتش يسأل عن «التكيت» أي بطاقة ركوب الباخرة دخلت دورة المياه واختفيت حتى انتهى التفتيش، وقلت ليوسف الوقيان وفهد بن سري ونادوني عندما انتهى التفتيش، وأكلت مع الكويتيين حتى وصلت الباخرة الى الكويت ونزلت معهم وكان خالد المشعل وغانم الفودري حضروا الى الباخرة بلنچ وسألوني أين صندوقك؟ ونزلت الى اللنچ وهكذا وصلت الى الكويت.
وكانت هناك أربع بواخر تغادر الهند الى الكويت والخليج العربي دواركا وبربيننا ودامرا ونسيت الرابعة، وقد وصلت والخبر منتشر «صايدين غانم»
بعد ذلك جمعت مبلغا بسيطا وأخذت مبلغا من الصبيح وذهبت الى الجمرك ودفعت المبلغ المطلوب وأخرجت الصناديق التي استوردتها من الجمرك وأنزلتها الى السوق وأول بيعة لـ 5 صناديق بـ 300 روبية وهكذا حتى تكّون عندي مبلغ كبير.
فكرت ان اشتغل في بيع وشراء العقارات وذلك بداية الخمسينيات حتى تكوّن عندي مبلغ كبير ودخلت «سوق المناخ» منذ بدايته حتى سقوطه والذي جمعته خسرته وأصبحت مطلوبا للغير، ولكني لله الحمد لم أتأثر بما حدث ويجب ألا يقف الإنسان كثيرا عند المصائب والنوازل فالحياة أكبر وأعمق من ذلك ولعل في حدوث بعض المواقف الصعبة حكمة وفي كل الأحوال نحمد الله.
الثقافة وتأليف الكتب
فضلا عن كل مهاراته وقدراته وأنشطته المتنوعة فإن العم غانم رجل مثقف وكاتب مميز وله في مجال الكتابة والتأليف صولات وعن ذلك يقول: منذ عام 1930 كان عندي رادو كبير استمع الى اخبار العالم العربي والأجنبي واستمع الى الأغاني القديمة وما يقوله الكتاب وكنت أفكر وأتمنى أن أراهم وفي المدرسة المباركية المرحوم عبدالرحمن الدعيج صقل أفكارنا وعلمنا كثيرا من العلوم واعتبر من أوائل كتاب الخط الجميل، بالإضافة الى أنني اعتمدت على نفسي في القراءة والكتابة وفي عام 1964 اختارني المرحوم عبدالعزيز المساعيد لأكتب في جريدة «الرأي العام» وهي من أولى الصحف الكويتية.
وعبدالعزيز المساعيد هو خالي أخو والدتي وباشرت كتابة المقال ونشره، كما عينت نائب رئيس تحرير «ديلي نيوز»، وبدأت أكتب بعنوان «بين الأمس واليوم»، كذلك فإن أول كتاب قمت بتأليفه «الماضي العريق» وعدد الكتب التي أصدرتها 18 كتابا وهي شاملة جميع الموضوعات عن الكويت وحكامها وشعبها، فالشعب والحاكم متعاونون مع بعضهم البعض.
وأذكر ان المرحوم الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت عندما أراد تعيين قناصل وسفراء وجد ان الشعب الكويتي متعلم ومثقف.. واذكر ان الإرسالية الأميركية عندما فتحوا المستشفى الأميركي عام 1911 تعاونوا مع الشعب الكويتي وبعد ما حضر يعقوب شماس الى الكويت عام 1919 تعاون مع المستشفى الأميركي ونصحهم بالاعتناء بالناس.
وكان المقصود من الإرسالية هو نشر الدين المسيحي ولكن لم يلقوا آذانا صاغية لدعاواهم، كما انهم فتحوا كنائس في الأمريكاني، وبيت الريان تحول الى مدرسة وكنيسة وكانوا يعزفون الموسيقى ويعطوننا حلاوة وجاكلين لكي نكف عن الصراخ، وبعد ذلك نقلوا الى المستشفى الأميركي، واذكر ان البدو كانوا يحضرون معهم لبنا وقربة صغيرة ويضعون البيض بداخلها كيلا ينكسر ويعطونه للمرضى، وأذكر ان المسيحيين يقولون لنا غمضوا عيونكم المسيح سوف يمر فكنا نغمض ولكن البدو يفتحون بنصف عين وفي تلك اللحظة يمر الممرضون والممرضات ويدخلون للدوام، وبعدما يمرون يقولون افتحوا عيونكم لقد مر المسيح فيرد عليه الرجل البدوي ويقول والله انك كذاب اللي مر علينا الممرضات بنات وخلفهم رجل!
مؤلفو الكتب
وعن حركة التأليف والنشر واحوالها في الوقت الحالي يقول ضيفنا: حاليا عندنا نخبة من الكتاب ومؤلفي الكتب يكتبون عن تاريخ الكويت والحكام والشعب ويبذلون جهدا كبيرا لإخراج الكتاب ويصرفون مبالغ كبيرة، ولكن مقابل هذا عدم الاهتمام من المسؤولين، وعلى القائمين على الثقافة والعلم والأدب ان يشتروا من هذه الكتب التي تهتم بالتاريخ الكويتي، وبرجالات الكويت وخاصة الذين تبقى منهم القليل من كبار السن والمتحدثين عن التاريخ لا أن تدخل المزاجية والشخصانية في شراء الكتاب، توجد ميزانية لتشجيع الكتاب وشراء الكتب ولكن البعض لا يقدر ولا يحترم المؤلف وكتابه، إذا قدمت المكتبات الجديد فإن اول كلمة تقال لا توجد ميزانية ولكن الامور الشخصية توقف شراء الكتاب، فأنا اطالب المسؤولين بأن يشجعوا التأليف الكويتي والاهتمام بالتاريخ يجب ان يكون من الاولويات لكي نحفظ تاريخ بلدنا للأجيال القادمة، يعطون ويدفعون لمغنية ومغن مطرب ومطربة اما للأدباء والكتاب ما عندهم ميزانية لشراء الكتب، نريد إحياء تراثنا وتقاليدنا وعاداتنا نحفظها بالكتب للأجيال القادمة.
تاريخ الكويت كبير وعظيم نريد حفظ اللهجة الكويتية من اللهجات الدخيلة علينا مثلا واحد يقول «برضو» بمعنى «ايضا» نحن لم نتعود على هذه الكلمات ولا نريد للأجيال القادمة ان تتعلمها.
أيها المسؤولون اشتروا الكتاب الكويتي ووزعوه لكي نحفظ التراث مثلنا كأي دولة لها تراث وتاريخ لا تتدخل الشخصانية والأنانية وعدم حب التراث لا بكلام «لا يوجد ميزانية» إذا لا توجد ميزانية فلماذا العطاء والبذخ للمغنيات والمغنين. حافظوا على الكويت وتراثها وعاداتها.
التاريخ البحري لعائلة الغانم
في نهاية هذه الجولة الشيقة في صفحات الماضي والتاريخ يكلمنا العم غانم الغانم عن تاريخ العائلة في البحر وركوبه فيقول: عائلتنا كانت تملك ثماني سفن شراعية كبيرة عند شاهين الغانم ولها اسماء ومنها سفينة الكاكا ورشدان والعوي والسعيدي والدنكية.
وابناء شاهين الغانم الذين يملكون السفن هم محمد الشاهين وخليفة الشاهين وعبدالرحمن الشاهين وجاسم الشاهين هؤلاء هم اعمامي يملكون السفن يعينون نواخذة لإدارة كل سفينة ويصنعون السفن على نفقتهم الخاصة وصانع السفن بذلك الوقت المرحوم احمد الاستاد والعجيب ان النوخذة والبحارة يعرفون عن حمولة السفينة وشراعها فيصنعون الشراع حسب حمولة السفينة بالمَنْ وعبدالله شعيب والنوخذة عبدالله الشاهين والنوخذة عبدالله القطامي والنوخذة الخارجي اولئك النواخذة عاصروا الوقت الذهبي للبحر وخالد محمد الشاهين نوخذة، واما والدي فكان تاجرا ولم يصبح نوخذة وكان يشتري التمور من العراق وينقلها الى الهند وكان ولد عمه شاهين يبيع له التمور والذي كان يتعب الكويتيين في السفر بالبحر الرياح الشديدة مثل الازيب والاحيمر ووالدي يوسف شاهين الغانم غرقت له ست سفن في المحيط محملة بالبضائع والتمور والبحارة وغرقت بسنة الطبعة وذلك قبل عام 1920، ايضا البطي أبو طيبان غرقت لهم سفن.
بصفة عامة اقول ان الكويتيين الواحد يشد أزر الآخر وتاريخ الكويت البري والبحري موسوعة كبيرة من الأعمال كذلك تجار البادية عندما يدخلون المدينة بأغنامهم وكل واحد يمول الآخر كان تاجر الاغنام اذا كان عنده خمسون رأسا من الاغنام بعد ثلاث او اربع سنوات تصح ثلاثمائة رأس.

معركة الرقعي
بينما يقلب العم غانم الغانم احدى صفحات الذاكرة إذا به يتذكر معركة الرقعي وعن ذكرياته عنها يقول: الذاكرة لم تخني وأذكر معركة الرقعي خرجت من البيت وشاهدت عبداللطيف الهاشم حاملا السلاح وحينها لم أكن أعرف لماذا، وأتذكر الى الآن عندما رأيته وكنت أقف بجوار حائط (طوفة) بيت المطر.
وعبداللطيف الهاشم كان نوخذة سفن السفر الشراعي وغرق بسفينته مع مجموعة من البحارة ومن ضمنهم ولده خالد الهاشم، وهو عم الكاتب فؤاد الهاشم.





غانم يوسف الغانم في شبابه



جريدة الأنباء 2/10/2010

__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
رد مع اقتباس