عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 29-12-2011, 06:18 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي المجالس في الكويت - يوسف بن عيسى القناعي

المجالس في الكويت

بقلم: الشيخ يوسف بن عيسى القناعي

منذ تأسست الكويت إلى سنة 1339هـ حين تولى الحكم صاحب السمو أحمد الجابر لم يكن بها مجالس تذكر، إنما إذا بدا لأمراء الصباح أمر تشاوروا مع جماعتهم، وعملوا ما به الخير للبلد وأهله، ولكن مبارك الصباح أبطل هذه السنة الشريفة ولم يلتفت للمشاورة مع جماعته، ولهذا وقع في مشكلات، منها حربه مع ابن الرشيد وسعدون، وقد انكسر جيشه، فذهبت هيبة الكويت المعنوية، فضلا ما نالها من الضرر بالأموال والأرواح، ولما تولى ابنه سالم أعلن الحرب على الإخوان من عشيرة مطير، ولم يراجع جماعته في ذلك، ولم يكن لإعلان هذه الحرب من سبب مبرر، فكانت العاقبة وخيمة على البلد وأهله فقد ذهبت الأموال الجسيمة والأرواح الغزيرة في وقعتي حمض والجهرة، واستخف الإخوان بأهل الكويت ولم تبق لهم قيمة في نظرهم.

===========
أسباب تأسيس المجالس
سأذكر في هذه العجالة السبب في تأسيس المجالس وانحلالها أو انفلالها، ولا أذكر ما جرى فيها من الأعمال، لأن المجلس الأول الذي أسميه الآن مجلس الشيوخ (أي الشيبان) كانت مهمته مشاورة الحاكم للجماعة في مهمات الأمور، ولم تدون نتيجة المشاورة على حسب مجرى المجالس. وأما المجلس التشريعي فقد أحصى خالد العدساني جميع أعماله برسالته (نصف عام للحكم النيابي) فمن أحب الإطلاع فليراجع هذه الرسالة، وأما مجلس الشورى فأغلب مقرراته لم تنفذ وسأذكر ما نفذ منها عند ذكره.

=========
السبب في تأسيس مجلس الشيوخ وانفلاله
لما توفي المرحوم سالم المبارك، وكان حاكم الكويت أحمد الجابر مبعوثاً من قبل عمه سالم للمذاكرة مع عبد العزيز السعود بالصلح، ولا ندري ما تكون النتيجة في قبول الصلح أو عدمه، رأيت أن أكلم وجهاء البلد في طلب مجلس للمشاورة مع الحاكم في الأمور المهمة، كيلا نقع فيما وقعنا فيه من الحروب، زمن المرحوم سالم، فتكلمت مع الجماعة منفرداً بنفسي واحداً بعد واحد، فوافقوا على ذلك والبعض منهم أخر الموافقة على وصول الحاكم، ولما وصل سمو الحاكم، وعلم بالأمر لم يبد أي معارضة بل اجتمع وهو وجماعته عند أمير المحمرة خزعل بن داود واتفق الجميع على أنه إذا بدا أمر مهم للبلد، يرسل الحاكم على جماعته ويشاورهم بالأمر وما اتفق عليه يمضيه وتشكل هذا المجلس من الشيبان أهل الثروة بالاختيار دون الانتخاب، وأخذ الحاكم يواصل الجلسات مع الجماعة للأمور المهمة، فكانت ثمرة هذه المشاورة ضئيلة جداً وسببها كثرة الاختلاف فيما بين الجماعة، إذ كل عضو يرى أنه هو المصيب ولم يرجعوا لاتباع الأكثرية، حتى أنه ورد دار الاعتماد البريطاني كتاب بإمضاء (الأمة) وقدمه المعتمد لسمو الحاكم وعرض على أهل المجلس، وإذا به ينتقد أهل المجلس ويرميهم بالجهل وعدم الصلاحية ومن بعض كلامه: "إنا نبرأ إلى الله من هذا المجلس الذي جمع أعضاء لم يعرفوا التمرة من الجمرة ولم ينتخبوا من قبل الأمة وقد أغضب هذا النقد اللاذع أهل المجلس وأخذوا يبحثون عن الكاتب فحامت ظنونهم حول المرحوم الأستاذ عبد العزيز الرشيد، وكادت تقوم قيامته من غضب الجماعة، وحيث أني أعرف كتابة ابن رشيد، وترجع عندي أن الكاتب هو المرحوم السيد هاشم الرفاعي أقسمت لهم ببراءة ابن رشيد ولم أبين لهم ما ترجح عندي من أن الكاتب هو السيد هاشم، لأن الرجل صادق فيما كتب، وهل من العدل أن من تكلم الصدق يقام عليه الحد؟. وبعد هذا الكتاب حصل فتور في جلسات المجلس، ولعل الحاكم رأى ما رأيت من صدق ما كتب الكاتب في الإنتقاد، لأنه لم يتأثر كما تأثر أعضاء المجلس بل لزم الصمت بتلك الجلسة، وبعد ذلك أخذت جلسات المجلس تتباطأ شيئاً حتى انفل المجلس بلا حل، وصار في خبر كان.

=============
السبب في تأسيس المجلس التشريعي
أرى أن السبب في تأسيسه هو المعتمد البريطاني وإن خالفني بعض الإخوان الوطنيين، لأني لما امتنعت عن الذهاب للحاكم في طلب السماح للجماعة بتأسيس المجلس، جاءني سكرتير دار الإعتماد، عبدالله بودي وأطلعني على نقل الكتاب الذي أرسل للحاكم من دار الإعتماد بخصوص المجلس وأخبرني أن الأمر منته، ولا أدري هل المعتمد هو الذي أرسله أم هو جاء من تلقاء نفسه وأما كتاب المقيم السياسي في الخليج المؤرخ في أكتوبر سنة 1938م الذي ينسب فيه تأسيس المجلس للحاكم فهو من لغة السياسة التي أجهلها، وعلى كل فقد دعاني الإخوان الساعون في طلب المجلس على العشاء في الشويخ، وطلبوا مني الذهاب معهم للحاكم وإقناعه بضرورة المجلس، فأجبتهم: بما أني أعتقد عدم أهليتنا للمجلس بحسب ما رأيت من المجلس السابق فلا أطلب شيئاً أعتقد عدم ثبوته، هذا هو عذري الذي أبديته لهم، ولكن خالد العدساني لم يذكره في رسالته، ولا أدري هل نسيه أو تناساه لوقوع ما قلت من عدم ثبوت المجلس بالوقت القريب. هذا وبعد طلب الجماعة من الحاكم الموافقة على تأسيس المجلس وموافقته لهم، سن المجلس القانون التشريعي المحتوي على خمس مواد أساسية، وصادق عليه الحاكم، ثم شرع المجلس في أعماله الإصلاحية بجد واجتهاد، إلا أنه مع الأسف لم يوفق لطريق النجاح، بسبب العجلة وعدم التأني والرفق في مطالبه الإصلاحية، زد على هذا عدم تدبره في عاقبة الأمر الذي يقدم عليه، كأنه لا يعلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أو أنه اغتر بقوته وتهاون في أشياء كثيرة بلا التفات إلى العاقبة، فلهذا لم يمكث إلا عشية أو ضحاها حتى حل أو انحل ولسان حاله يقول:

أعطيت ملكاً ولم أحسن سياسته
وكل من لا يسوس الملك يخلعه

ولعلك أيها القارىء تقول: بما أنك نائب الرئيس وكلمتك لها مالها عند الأعضاء فلماذا لم ترشدهم وتسير السفينة بطريق السلامة كيلا ترتطم وتنكسر؟ فالجواب أني منذ جلست على كرسي النيابة وأنا أنذر وأحذر وأصرح لهم أن المجلس لا يستقيم على هذه الطريقة، وعليكم السعي بالإصلاح لتظهر أعمال المجلس، ودعوا بكراً وخالداً، ولكنهم لم يلتفتوا لنصحي وإرشادي، طيلة إقامتي معهم، حتى أنه وقف أحد الأعضاء البارزين وقال لي ما معناه: إنك حجر عثرة في طريقنا فكلما قررنا أمراً نرى فيه الإصلاح وقفت أمامنا مثبطاً لعزائمنا، وبعد كلامه لم أر أحداً من الأعضاء خالفه فيما قال، زد على هذا، الكتاب الذي يزعم المجلس أنه حذف إليه من الخارج ولم يعرف صاحبه، وخلاصته أنه يحث المجلس على السير في عمله بلا تأن وينهاهم عن سماع قول المثبط لعزائمهم، ومعناه (إياك أعني واسمعي يا جارة).

وإليك شيئاً طريفاً من إنذاري لهم عن انهيار المجلس، وهو أني رأيت الزميل سليمان العدساني في المنام ينشدني هذا البيت من شعر النبط:

وإلا تشترنا عقب كم يوم
وإلا جلسنا جلسة زينة

(التشتر لغة انقلاب جفن العين، وفي اصطلاح أهل البحر هو فل السفينة إذا لم تصلح للأسفار).

فتشاءمت من هذه الرؤيا، وقصصتها عليه في المجلس، فأجابني إن شاء الله نجلس جلسة زينة أضف إلى ما تقدم أنني بعد استقالتي من المجلس لا أزال أسعى لإصلاحه لأني أعتقد أن المجلس هو الحياة للبلد، والأعضاء قد يتبدلون بانقضاء المدة ويأتي من هو أصلح للإدارة، فلذا لما قدم فؤاد حمزة الذي كان مستشاراً للخارجية في المملكة العربية السعودية ذهبت أسلم عليه، وطلبت منه الإرشاد لإصلاح المجلس، فقال: بلغ الأعضاء أن إرشادي لهم هو ترضية لحاكم الكويت بكل حال، لأن الضرر لا يأتي للمجلس إلا من بابه، وبساعتي جمعت الأعضاء وأخبرتهم بنصيحة هذا المحنك الخبير، فلم يلتفتوا إليها (ليقضي الله أمراً كان مفعولاً) (وإذا أراد الله نفاذاً أمر سلب من ذوي العقول عقولهم).

السبب في تأسيس مجلس الشورى

ما انحل المجلس التشريعي إلا على أساس أن يقوم مقامه مجلس آخر، وكان هذا مما يراه أعيان البلد، وبعض من أمراء الصباح، وقد أخبرت سمو حاكم الكويت بذلك، ولم أجد عنده مخالفة، وعلى هذا فقد اختير لهذا المجلس 14عضواً، منهم 4 من الأمراء غير الرئيس، والبقية من أعيان البلد، وهؤلاء الأعضاء منهم، كما قال الحريري "يشفيك أن قال وإن قلت وعى" ومنهم من لا يبدي ولا يعيد، ومنهم من يريد أن تكون كلمته هي النافذة وإن خالفه أعضاء المجلس، ومصيبة المجلس هي ضعف التنفيذ للمقررات، وقد طرق المجلس موضوعات هامة وقرر قرارات مفيدة ولكنها مع الأسف لم ينفذ منها إلا تقرير إدارة الأيتام التي حفظت أموال الأيتام بعد أن كانت نهباً بيد الأولياء، وإنشاء المستشفى الذي سيكون إن شاء الله كعبة القصاد للمرضى في هذا الخليج إن وسدت إدارته لأهلها.

وبسبب ضعف التنفيذ أخذ أعضاؤه يتسللون واحداً بعد واحد ولم يسألوا عن سبب تخلفهم، حتى صار المجلس خالي الوفاض. ما به إلا الرئيس وكاتبه، ولنا الأمل بالله أنه سيعود على نظم المجالس المعتبرة في البلاد المتمدنة، إذ لا حياة للبلاد إلا بالمجالس الدستورية وسنراه ينهض بالكويت نهضة عالية ويجعلها تسير على نظام قوي يطبق عنى جميع الدوائر، وليس ذلك ببعيد إن شاء الله.

هذا وأختم كلمتي في بيان حاجة المجالس في الكويت مهما كانت، وهي أن يكون الأعضاء بالانتخاب وأن يراعي الناخبون في انتخابهم أهل المعرفة المقتدرين مع قطع النظر عن أصلهم وثروتهم وبيوتهم، لأن في البلاد الراقية يتقدم العالم العامل مهما كان أصله، وقد صار من هو متهم بنسبه رئيس جمهورية، ولم يأنفوا من رفعة مقامه عليهم وقد أفاد البلاد حتى إذا عد رجال الإصلاح صار في مقدمتهم، وفي الكويت اليوم شباب متعلم فلماذا تحرم المجالس من إفادته وتختار أناساً لا يعرفون ولا يحسنون التصرف. والله أسأل أن يفتح بصائرهم ويلهمهم الرشد إلى الصراط المستقيم.

يوسف بن عيسى القناعي - (الملتقطات)
رد مع اقتباس