عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-10-2013, 05:34 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

حقيقة بعثة شيخ النقاد
الناقد الكبير محمد عبد الحميد موسى مندور، المعروف بالدكتور محمد مندور، والمشهور بلقب (شيخ النقاد) - ذلك اللقب الذي أطلقه عليه فؤاد دوارة – له قصة عجيبة في مشواره التعليمي، عندما كان مبعوثاً إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه في الأدب العربي. وهذه القصة رواها عام 1964، ونشرها فؤاد دوارة أكثر من مرة ([xxv]). وحول هذه القصة يقول مندور:
’’كان الهدف من بعثتي في باريس الحصول على ليسانس من السربون في الآداب واللغات اليونانية واللاتينية والفرنسية وفقهها المقارن، مع حضور محاضرات المستشرقين وتحضير دكتوراه في الأدب العربي مع أحدهم. وقد نفذت الجزء الأول في تسع سنوات من عام 1930 إلى 1939، ولكني لم أقدم الدكتوراه لأن الجو السياسي كان قد أكفهر في أوروبا عقب فشل مفاوضات تشمبرلين المشهورة مع هتلر، وأحسسنا أن الحرب قائمة لا محالة، ففضلت العودة إلى مصر دون أن أكتب رسالة الدكتوراه‘‘ ([xxvi]).
ونلاحظ على هذا القول، أن محمد مندور لم يحدد المدة المقررة لبعثته من قبل الجامعة، بل حدد الفترة التي قضاها في الحصول على الليسانس فقط، وهي تسع سنوات! علماً بأن البعثة التعليمية في هذا الوقت لا تستغرق سوى أربع سنوات أو أكثر قليلاً، للحصول على الدكتوراه، لا تسع سنوات للحصول على الليسانس! كما أنه يفسر عدم حصوله على الدكتوراه، بأن السبب في ذلك هو الحرب! ويفسر مندور طول مدة مكوثه في فرنسا، دون الحصول على الدكتوراه، بأن عراقيل صادفته، بالإضافة إلى تهديد مدير البعثة بفصله. وعن هذا الأمر قال مندور:
’’وبعد أن فرغت من دراسة اللغة اليونانية القديمة وآدابها سنة 1936، أحسست برغبة عارمة في زيارة بلاد اليونان للبحث عن الأماكن التي ورد ذكرها فيما قرأت من التراث اليوناني القديم، وكان لي زميل في هذه الدراسة اسمه جاك تريليه، فاتفقنا على أن نقوم معاً برحلة إلى بلاد اليونان وجزرها المتناثرة في بحر إيجة وجزيرة صقلية باعتبارها جزءاً من بلاد الإغريق القديمة، وسافرنا بالفعل رغم اعتراض مدير البعثة في باريس على سفري، لأنه كان يظن الأمر مجرد نزوة سياحية .. .. عدت من هذه الرحلة التي تفوق في أهميتها قراءة ألف كتاب لأفاجأ بمدير البعثة وقد أوقف مرتبي لأنني خالفت رأيه، وعلمت كذلك أنه كتب إلى الجامعة يطلب فصلي من البعثة .. .. وحدث أن مرّ الوفد المصري للمفاوضات بباريس عائداً من لندن عقب توقيع معاهدة سنة 1936، وكان يضم الرئيس السابق مصطفى النحاس، والمرحوم مكرم عبيد وزير المالية، وعلي الشمسي، فذهبت إلى الفندق الذي نزلوا فيه، وقابلت الشمسي وشرحت له المأزق المالي الذي وجدت نفسي فيه دون مرتب، فدهش الرجل وقادني إلى مكرم عبيد وأخبره بما حدث وأبدى استهجانه لتصرف مدير البعثة، فما كان من وزير المالية إلا أن أخرج ورقة بيضاء من جيبه وكتب عليها أمراً بصرف مرتبي فوراً، وبذلك انحلت الأزمة بصفة مؤقتة، وإن بقيت مع ذلك مهدداً بالفصل من البعثة فيما لو استجاب مدير الجامعة لطلب مدير البعثة‘‘([xxvii]).
مثل هذه العراقيل – من وجهة نظر مندور – هي التي صادفته ومنعته من الحصول على الدكتوراه! وبالرغم من ذلك، يقرّ مندور بأنه حصل بدلاً من الدكتوراه - المبعوث إلى فرنسا من أجلها – طوال تسع سنوات، على: الليسانس من السربون، وعلى دبلوم في القانون والاقتصاد السياسي والتشريع المالي، وحضور محاضرات الفلسفة والتاريخ والاجتماع وعلم النفس بالإضافة إلى البرامج المقررة من قبل البعثة ([xxviii]). هذا ما أقرّ به مندور! وكلامه هذا أصبح حقيقة ثابتة عند الجميع، لأن محمد مندور هو المتحدث الأوحد في هذا الموضوع، ولا يملك المرء ما يناقض كلامه. ولكن كلامه هذا له وجه آخر مجهول، تكشف عنه مجموعة من الوثائق الرسمية، التي لم تظهر ولم تنشر إلا في هذه الدراسة!!
فعلى سبيل المثال، نجد مجموعة من هذه الوثائق تتعلق بمجمل شهاداته الدراسية، ومنها نعلم أن محمد مندور المولود عام 1907 في كفر الدير مركز منيا القمح، حصل من مدرسة طنطا الثانوية على شهادة الدراسة الثانوية (القسم الثاني) الأدبي في شهر يونية 1925، وكان ترتيبه في جدول الامتحان الثاني عشر بالنسبة إلى الناجحين البالغ عددهم أربعمائة وستة وتسعين. كما حصل على الليسانس (عربي وسامي) من كلية الآداب جامعة فؤاد الأول عام 1929، وعلى ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول عام 1930. وقضى في باريس تسع سنوات، فحصل على الليسانس في الأدب الفرنسي من السربون عام 1933، وعلى شهادة فقه اللغة الفرنسية من السربون عام 1934، وعلى دبلوم في الأقتصاد السياسي من جامعة باريس عام 1934، وعلى الليسانس في اليوناني القديم من السربون عام 1936، وعلى شهادة أصوات ونطق اللغة الفرنسية من معهد الأصوات بباريس عام 1939، وعلى دبلوم علم الأصوات التجريبي من معهد الأصوات بباريس عام 1939 ([xxix]).
وشهادات مندور هذه - رغم دقتها وتوثيقها واتفاق معلوماتها مع فحوى كلام مندور السابق- إلا أنها لم تشفع له عن عدم حصوله على الدكتوراه، المبعوث من أجلها. بل أن مهمته كانت الحصول على الدكتوراه، لا على شهادات متنوعة، لا علاقة لها بمهمته الأساسية، مهما كانت قيمتها العلمية ([xxx]). وإذا كان القاريء قد تعرف على وجهة نظر مندور في أمر بعثته إلى فرنسا، وتعاطف معها لأنها وجهة النظر المتاحة. فإن الوثائق التي بين أيدينا، تأتي بوجهة نظر أخرى!
تقول هذه الوثائق، من خلال مذكرة مؤرخة في 17/7/1939: ’’إن محمد مندور أفندي سافر للبعثة في 13/7/1930 للحصول على الدكتوراه في أدب اللغة العربية، وعلى أن يتصل بأساتذة اللغة العربية بالسربون ومدرسة اللغات الشرقية وكلج دي فرانس. ومدة بعثته من أربع إلى ست سنوات. رسب أربع مرات متتالية في شهادة الدراسة العليا في الأدب الفرنسي أي في سنتي 1931، 1932. رسب للمرة الخامسة في يونية سنة 1933. نجح في شهادة الدراسة العليا في الأدب الفرنسي في نوفمبر سنة 1933. نجح في نوفمبر سنة 1934 في شهادة الدراسات العليا في فقه اللغة اليونانية، كما رسب فيها في فرصة نوفمبر سنة 1935 أيضاً. ورسب فيها للمرة الثالثة في يولية سنة 1936. عرضت مسألته على لجنة البعثات فقررت بجلستها المنعقدة في 16/8/1936 عدم صلاحية العضو للبعثة وإعادته، إلا أنه أرسل التماساً بوقف هذا القرار، ورأى مدير البعثة أن هذا القرار أثرّ فعلاً في أعصابه تأثيراً يستوجب الشفقة. عرض الأمر على الجامعة فقررت في جلستها في 16/12/1936 إبقاء محمد عبد الحميد أفندي إلى امتحانات يونية سنة 1937 فإذا لم ينجح يفصل من البعثة. فوافقت لجنة البعثات على التماس مجلس الجامعة بجلسة 25/3/1937. بحيث إذا رسب يفصل حتماً بدون عرض أمره على لجنة البعثات. نجح في يونية سنة 1937 في شهادة اللغة اليونانية، ورسب في يونية سنة 1938 في شهادة فقه اللغة والأجرومية. عرض أمره على لجنة البعثات في جلسة 24/9/1939 فوافقت على منحه فرصة أخرى في نوفمبر سنة 1938، فإذا ما رسب يعود نهائياً. تقدم في نوفمبر سنة 1938 فرسب أيضاً. وعلى ذلك أرسل تلغراف لمدير البعثة بتاريخ 17/12/1938 لعودة العضو المذكور، إلا إذا رغب في البقاء على نفقته الخاصة. وفعلاً بقى على نفقته إلى يولية سنة 1939 حيث عاد إلى مصر في 17/7/1939. وعلى ذلك لم يتم الدراسة التي أوفد من أجلها في البعثة‘‘ ([xxxi]).
وهذه الوثيقة المهمة، تفند جميع أقوال مندور السابقة، وتضرب بها عرض الحائط! فهذه الوثيقة تثبت أن مدة بعثته الأساسية كانت ما بين أربع إلى ست سنوات. ورغم ذلك تحملت الجامعة المصرية بعثته تسع سنوات! وتؤكد الوثيقة أيضاً أن من المفروض أن يتصل مندور بأساتذة اللغة العربية بالسربون ومدرسة اللغات الشرقية وكلج دي فرانس، من أجل الحصول على الدكتوراه. ولكنه لم يتصل بأحد! كما تؤكد الوثيقة أن لجنة البعثات عام 1936 قررت عدم صلاحيته للبعثة ووجوب إعادته منها، إلا أن مدير البعثة أشفق على مستقبله وتعاطف معه، فأعطاه فرصة أخرى. وهذا المدير هو نفسه مدير البعثة الذي اتهمه مندور في أقواله، بأنه كتب إلى الجامعة يطلب منها فصله من البعثة!! وأخيراً تثبت هذه الوثيقة أن محمد مندور رسب أكثر من عشر مرات في امتحانات المقررات المؤهلة للدكتوراه، وهذا أمر لم يكشف عنه مندور في أقواله!!
مبعوث فرنسا أميناً للمخازن!!
من المعروف أن زكي عبد الله سليمان تليمات، الفنان المشهور باسم (زكي طليمات)، من أشهر ممثلي المسرح العربي، ومن أوائل من أسسوا المعاهد المسرحية في العالم العربي. وبالرغم من شهرته الكبيرة، إلا أن هناك مجموعة من الوثائق المجهولة عنه، تكشف جوانب كثيرة غامضة في حياته، وفي مسيرته الفنية والعملية. وهذه الوثائق تقول: إن ميلاده كان يوم 28/4/1894 ([xxxii])، وقد حصل على شهادة الثانوية عام 1916، وبمقتضاها تمّ تعيينه في وظيفة كاتب من الدرجة الرابعة بمصلحة وقاية الحيوانات بالجيزة (حديقة الحيوانات) عام 1919 ([xxxiii]). وقد تزوج عام 1922 من فاطمة يوسف الخوري، المشهورة باسم روز اليوسف، وصاحبة المجلة المشهورة باسمها، والتي تصدر حتى الآن.
ومن الجدير بالذكر إن زكي طليمات كان يهوى التمثيل المسرحي منذ صغره، وقد بدأ احترافه للتمثيل عام 1916، عندما انضم إلى فرقة جورج أبيض ومثل معها مسرحية (العرائس)، تأليف بيير وولف، وتعريب إسماعيل وهبي المحامي. كما مثل مع الفرقة أيضاً عام 1918 مجموعة من المسرحيات، مثل: توسكا، وفيروزشاه، ورحلة المسيو بريشون، وريشيليو، ودزرائيلي. وفي عام 1919 مثل مع فرقة جورج أبيض أيضاً مسرحيات: المتصرف بالعباد، وزهراب ورستم، وأنشودة الزفاف، والإمام في الشام، وبين الدكاترة، وعمرو بن العاص. وفي العام نفسه انضم إلى جماعة أنصار التمثيل، ومثل معهم مسرحيتي (لولو ولوله)، و(فرجينيا). كما انضم في عام 1921 إلى فرقة عزيز عيد ومثل معها مسرحية (عبد الستار أفندي) تأليف محمد تيمور. وفي العام التالي انضم إلى نادي موظفي الحكومة للآداب والفنون الجميلة، ومثل معه مسرحيتي (الغريزة والواجب)، و(كدبة إبريل) ([xxxiv]).
وتمّ تتويج هذا النشاط المسرحي بفوز زكي طليمات بالجائزة الثانية في مباراة التمثيل، التي أقامتها وزارة الأشغال عام 1925. فكتب الناقد والأديب محمود كامل مقالة، قال فيها: ’’يجب أن تسرع الحكومة بتنفيذ فكرة بعثة التمثيل، التي قررتها منذ مدة ثم انزوت في زوايا الإهمال. ولا شك أن أهم نوع نحن في حاجة إلى إرسال ولو شخصاً واحداً يتخصص فيه هو الدرام. وقد أعلنت الحكومة أخيراً قرارها القاضي باعتبار الأستاذ يوسف وهبي صاحب مسرح رمسيس فائزاً بالجائزة الأولى، والأستاذ زكي طليمات بالجائزة الثانية. ولما كنت لا أشك في أن ظروف الأول ومهام إدارة مسرحه، تمنعانه من السفر لهذا الغرض. إذن كان الواجب أن تفكر الحكومة في إرسال الثاني، وهو شاب احترف التمثيل مدة فأصبح ذا دراية تامة بهذا الوسط في مصر، وله إلمام لا بأس به بالفنون المسرحية، إذ ظل مدة طويلة الناقد المسرحي لجريدة المقطم، وقد نال أخيراً الجائزة الثانية في الدرام. وهو فوق هذا وذلك، حائز على شهادة البكالوريا وموظف في وزارة الأشغال، وهي الوزارة التي أراد الله أن تتحكم في أمر التمثيل عندنا، ولعل من السهل أن تعين في ميزانيتها هذا العام مبلغاً يكفي لإرساله‘‘ ([xxxv]).
وبالفعل وجدنا خطاباً مؤرخاً في 27/4/1925، أرسله السكرتير العام لوزارة المعارف العمومية إلى رئيس اللجنة الوزارية اللاستشارية لبعثات التعليم المصرية، قال فيه: ’’أتشرف بإحاطة معاليكم علماً أن الحكومة قد اتجهت نيتها أخيراً إلى تشجيع التمثيل العربي، ومكافأة من يتفوقون فيه من أهل الفن. وقد رأت تحقيقاً لهذه الغاية إجراء مباراة عامة بين أهل الفن بدار الأوبرا الملكية. وكان ضمن المتقدمين لهذه المباراة حضرة زكي أفندي طليمات، الموظف بحدائق الحيوانات التابعة لمصلحة التنظيم، والذي حاز الجائزة الثانية في الدرامه. وحيث إن أنظمة التمثيل في مصر تحتاج إلى الكثير لبلوغ درجة الكمال، ولا يتسنى ذلك إلا بدراسة طريقة التمثيل الحديثة وأنظمته الغربية. فتقترح هذه الوزارة إيفاد حضرة زكي أفندي طليمات في بعثة وزارة المعارف والأشغال إلى فرنسا، لتلقي فن التمثيل من نوع الدرامه في معاهدها وعلى كبار أهل الفن فيها. فالرجاء من معاليكم النظر في هذه المسألة والتكرم بالإفادة بقرار اللجنة الوزارية الاستشارية لاتخاذ الإجراءات التمهيدية لذلك‘‘ ([xxxvi]).
وبالفعل سافر زكي طليمات إلى فرنسا، ليكون أول مبعوث حكومي رسمي لتعلم فن التمثيل في العالم العربي بصفة عامة، وفي مصر بصفة خاصة. وبعد عودته من بعثته في أكتوبر 1928، وبعد أن حصل على ثلاث شهادات من الأساتذة الذين تلقى على أيديهم الفن المسرحي، تمّ تعيينه بإدارة الفنون الجميلة بوزارة المعارف، في وظيفة أمين مخازن وملابس ومناظر دار الأوبرا ([xxxvii])!! وعلى الرغم من تدني وظيفته التي لا تليق بشهاداته، فقد قدم مشروعاً متكاملاً لإنشاء معهد فن التمثيل العربي، وحصل على موافقة الحكومة بإنشاء المعهد في عام 1930. وتم الإنشاء بالفعل، وعُين طليمات مشرفاً له بجانب تدريسه لفن الإلقاء، فكان هذا المعهد، أول معهد للتمثيل المسرحي في العالم ال

المصدر: بحث قُدم في المؤتمر الدولي حول (مناهج التجديد في العلوم الإسلامية والعربية)، الذي أقامته كلية دار العلوم بجامعة المنيا بالاشتراك مع رابطة الجامعات الإسلامية، في الفترة 5-7/3/2005.
__________________
للمراسلة البريدية: kuwait@kuwait-history.net
رد مع اقتباس