عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 13-06-2009, 06:04 AM
الصورة الرمزية الأديب
الأديب الأديب غير متواجد حالياً
عضـو متميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 448
افتراضي

فكرة خيرة


لا يخلو بلد، مهما ضاقت رقعته، وصغر شأنه، من قوم صالحين، مصلحين، يريدون الخير لأمتهم، والرفعة لأوطانهم، ولكنهم يختلفون شجاعة وإقداماً فمنهم من يجبن عن أن يتقدم خشية من أن ينكب بالرد عليه ونكران ما دعا إليه.

ومنهم من يتقدم فإن رأى معارضاً نكص على عقبيه، ومنهم من لا يبالي بما يعترض طريقه من عقبات، وهؤلاء قليلون. والناس كما خلقوا منذ القدم محافظون على القديم متأسون بمن سبقهم، مقلدون أسلافهم، متمسكون بـ (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) إلا قليلاً منهم ممن استنارت فكرته وأراد الله الإصلاح على يده.

والكويت كغيرها من البلاد وأهلها كغيرهم من البشر، حافظوا على قديمهم، وأنكروا كل تجديد دعوا إليه، غير أن سنة الوجود تأبى إلا التقدم.
والعقل البشري كلما وصل إلى درجة طمع فيما فوقها.

والكويت لم تخل من أولئك القليلين الذين ضحوا من وقتهم وجهدهم لإصلاح حال الناس وهدايتهم وإرشادهم إلى ما ينفعهم في حالهم ومآلهم، وفي دينهم ودنياهم.

فمن رجال الدين محمد بن فارس، وخالد العدساني، وأحمد الفارسي وعبد الله بن خلف، والسيد أحمد السيد عبد الجليل الذي ظل حتى آخر أيامه يؤدي رسالته مع ما كان يقاسيه من مرض.
ومن رجال المال من اشترك في بعض الصحف وجمع في محله من شباب ذلك اليوم وذوي الفكرة النيرة من يقرأ ومن يستمع ـ مع أن الناس آنذاك كانوا يكفرون من يقرأ الصحف والمجلات بل وحتى المؤلفات العصرية ـ ومن أولئك المرحومان زيد وعبد الرزاق ابنا خالد الخضير اللذان اشتركا في مجلتي المنار والمؤيد سنة 1320هـ الموافق 1902م. وكان محلهما في كل ليلة كمدرسة يجتمع فيها الكثير ما بين قارئ ومستمع.

ومنهم قوم ذاقوا لذة التعليم فأحبوا لأولادهم أن يتذوقوا منه أكثر فأكثر لذة وأن يدركوا به أوفر سعادة لاسيما من وصل منهم إلى البلاد النائية العليمة، وعرف كثيراً من العلماء ومنهم رجال وسع الله عليهم دنياهم فمدوا يد المعونة لمن رحل يطلب العلم، ليتعلموا ويعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم.

وقد كان لتطور التجارة وازدهار سوق اللؤلؤ واحتياج الناس إلى كتبة وحسبة أثره في التفكير في إيجاد ميدان واسع للتعليم يفيد المعلم به ويستفيد. ورسخت هذه الفكرة عند أولي البصيرة والحجا.

ولا ننكر فضل من زار الكويت من العلماء الأفاضل ذوي الآراء الحرة والأفكار الصائبة واتخذوا من مساجد الكويت ميداناً لتعليمهم وبث إرشادهم ونصائحهم منهم الشيخ محمد أمين الشنقيطي مؤسس مدرسة النجاة في الزبير والشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار والشيخ عبد العزيز الثعالبي الزعيم التونسي.

ولقد جلس إليهم الكثير فاستفادوا منهم وعلموا أن العلم ميدان واسع لا ينتهي إلى طرفه أحد، والوطن وأهله لا سعادة لهم إلا بالعلم والأمم تقدر بمعارفها وأن تنوير أفكار الناشئة بالمعارف أساس تقوم عليه نهضة الأمة ولعلهم حلموا الأحلام اللذيذة وأملوا الآمال العذبة بما سيكون لهذا الوطن الصغير من عزة وهناءة، وسعادة، إذا فتحوا فيه مدرسة وأقبل عليها ناشئته يغترفون من مناهلها العلم والعرفان فيستفيدون ويفيدون ويستنيرون وينيرون السبيل لغيرهم بنور ما تعلموه منها.

وفي ليلة 12 ربيع الأول سنة 1328 الموافق 1910م وقد اجتمع كثير من الناس في ديوان الشيخ يوسف بن عيسى لسماع قصة المولد النبوي الشريف. ولما انتهى القارئ من تلاوة السيرة الشريفة قام المرحوم السيد ياسين الطبطبائي وألقى في السامعين كلمة كان معناها " أيها السادة كلكم حضرتم هنا لسماع قصة المولد أو السيرة الشريفة.
وماذا يفيدكم السماع إن لم تقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، إنه لا يمكننا الاقتداء بسنته ما لم نعرف سيرته، ولا نعرف سيرته حق المعرفة حتى نتعلمها، ولا يمكننا أن نتعلم ما لم يكن لنا مدارس ومعلمون، يفيدون النشء، ويحفظون مستقبله. إنه لا بد لنا من سراج يضيء طريقنا المظلم. ولا سراج كالعلم ولا علم بلا مدارس.

إذاً فلنتعاون أيها السادة على فتح المدارس المفيدة لنبعد عنا الأمية وخطرها، ونخلص أبناءنا من ظلام الجهالة " وقبل أن نبحث في تأثير هذه الكلمة في نفوس السامعين يجب علينا أن نعرف قائلها.
إنه السيد ياسين بن السيد محمد بن السيد عبد المحسن بن السيد ياسين بن السيد عبد الجليل الطبطبائي، وعبد الجليل هو العالم الشاعر الذي قدم إلى الكويت في سنة 1252هـ واختارها موطناً له، وعلم فيها وخلفه في علمه وتعليمه ابنه السيد أحمد كما ذكرنا وبيت آل عبد السيد ياسين سنة 1337هـ الموافق 1918م عن نحو ستين سنة من العمر.

لقد أثر كلام السيد ياسين الطبطبائي في السامعين وخاصة في الشيخ يوسف فكتب كلمة في صدر صحيفة طويلة بين فيها منافع العلم والتعلم ومضار الجهل وضلاله. ووقع تحتها بإمضائه متبرعاً بخمسين روبية لفتح مدرسة. ثم ذهب إلى الشيخ سالم بن الشيخ مبارك الصباح وقرأ عليه الكلمة، وطلب مساعدته. فأجابه بأن هذا من شأن حاكم البلاد والأمر فيه له. وكان الحاكم يومئذ الشيخ مبارك الصباح ثم خاطب إبراهيم المضف وكان من تجار اللؤلؤ فتبرع بمائة روبية ثم كلم شملان وكان الصديق الحميم للشيخ يوسف فاستحسن الفكرة ولكنه لم يعلق عليها ولم يتبرع بشيء.

وأعاد الورقة إليه ثم قام وتركه. أما الشيخ يوسف فقد وجد في نفسه على صاحبه لأنه كان يعلق عليه الآمال، ولأنه كان من الأغنياء المبرزين ولأنه كان الصديق الحميم له.

ولكنه لم يخيب فيه الأمل وصمم العودة إليه بوقت آخر. أما شملان فقد ذهب إلى آل خالد الخضير وبحث معهم الموضوع فرحبوا بالفكرة وتبرعوا بخمسة آلاف روبية وتبرع شملان بمثلها وطلبوا من إبراهيم المضف أن يزيد في تبرعه فأتمه خمسمائة روبية ثم خاطبوا هلالاً المطيري فساهم بخمسة آلاف وأخبروا الشيخ يوسف بذلك فشجعه على العمل.

ثم أجرى الاكتتاب من عامة أهل الكويت فجمعوا 12500 روبية فكان المجموع من الكويتيين فقط 28000 روبية وكتب الشيخ ناصر المبارك وآل خالد وشملان وهلال إلى الشيخ قاسم آل إبراهيم.

والشيخ عبد الرحمن آل إبراهيم من أثرياء العرب في بومبي فتبرع الأول بثلاثين ألفاً وتبرع الثاني بعشرين ألفاً فكان مجموع التبرعات كلها 78000 روبية ثم تبرع آل خالد ببيت لهم وسط البلد ليكون الأرض التي تبنى عليها المدرسة واشتريت حوله بيوت أخرى لتوسعة رقعة الأرض بأربعة آلاف روبية وعين الشيخ يوسف بن عيسى مشرفاً على البناء فأقيمت المدرسة مكونة من ستة غرف:
أربعة في الجهة الجنوبية جهة المدخل، واثنتان في الجهة القبلية قسمت كل واحدة منهما إلى اثنتين فكان مجموع الغرف ثمانية وبنيت في الجهة الشرقية ثلاث مخازن فوقها غرف صغيرة رفع سقفها عن مستوى سقف المدرسة قليلاً وكانت معدة لراحة المعلمين أو سكن الغريب الأعزب منهم.

ويشغل هذا البناء الذي ذكرنا مربعاً من الأرض طوله من الشرق إلى الغرب مائة وعشرون قدماً في عرض خمسة وثمانين قدماً من الشمال إلى الجنوب أي نحو عشرة آلاف ومائتي قدم مربع.
ثم ألحقت بالمدرسة غرفة أخذت من محل الميضآت في شمالي المدرسة.

خرجت عن هذا المربع وفصلت بين المدرسة ومرافقها هذا كان كل محتويات المدرسة ويكمل تربيع المساحة المكون منها بيت المرافق بيت للسيد عمر الذي كان كوكيل للمدرسة في أول إنشائها ثم أصبح مديراً فيما بعد والمرافق مع الغرفة الملحقة مع بيت المدير أو بيت السيد كما يعرف سابقاً يشغل مساحة قدرها نحو من ثلث بناء المدرسة أي 35×120 قدماً وقد بدئ بالبناء في أول المحرم سنة 1329 وتم في رمضان سنة 1329 يوافق سنة 1911 وصرف على البناء ستة عشر ألف روبية مضافة إلى ثمن الأرض.

إذن فقد بقي من الاكتتاب 58000 روبية ظلت عند آل خالد الخضير لكي ينموها بالمعاملة بها، وكان الربح يومئذ في تموين أهل الغوص وتجهيزهم. فأقرضوهم وعاملوهم واشتروا بما بقي من النقد دكاكين في محلة المباركية وسوق الدهن وقد أحسن آل خالد الخضير النية في تنمية مالية المدرسة حتى تشكلت المعارف سنة 1354هـ فسلموا ما بيدهم لها وهو بضعة عشر ألفاً.

وكانت المدرسة تتقاضى راتباً شهرياً على كل طالب حسب درجته المالية روبيتين على الغني فأكثر بلا حد وواحدة على متوسط الحال ولا شيء على المعدم.
وإليك إحصاء عن الخمس سنوات الأولى بعدد الطلبة وكمية الدخل منهم:

......... عام - عدد الطلاب - المبلغ المتحصل بالروبية
1330 هـ- 254- 3580
1331- 346- 3820
1332 -332 -4700
1333- 304 -2600
1334- 341- 3420


فتحت المدرسة أبوابها في أول يوم من محرم سنة 1330هـ الموافق 22-12-1911م وهي أول معهد علمي أنشئ في الكويت وسمي بالمباركية تيمناً باسم حاكم الكويت الذي أنشئ المعهد في عهده (الشيخ مبارك بن صباح) وعين الشيخ يوسف بن عيسى مديراً لها وعين لها مجلس مالي مكون من ثلاثة أشخاص هم حمد الخالد الخضير، وشملان بن علي بن سيف وأحمد الحميضي وسارت المدرسة سيرها الحسن ثلاث سنوات، حتى إذا كان ذات يوم من السنة الرابعة أمر الشيخ مبارك بفصل الشيخ يوسف من إدارة المدرسة .
لماذا ؟ قيل إن الشيخ مبارك طلب تعيين أخيه حسين كاتباً في الجمارك ورفض الشيخ يوسف ذلك فغضب الشيخ مبارك.

وقيل لأن دار الشيخ يوسف كانت مأوى لكثير من طلبة العلم الأجانب عن الكويت والحاكم لا يأمنه وقيل غير ذلك.

وعين بعد الشيخ يوسف بن عيسى القناعي الشيخ يوسف بن حمود مديراً ومدرساً فلم تطل مدته فعين مكانه السيد عمر عاصم الأزميرلي التركي الذي استوطن الكويت منذ سنة 1329 الموافق 1911 فغير نهج التعليم فيها عن طريقة الكتاتيب إلى طريقة تقسيم الحروف الهجائية إلى منفصلة ومتصلة و إلى حروف بداية ووسط ونهاية
ثم عين الشيخ عبد العزيز الرشيد الكويتي مؤلف كتاب (تاريخ الكويت) عين مديراً وأعيد السيد عمر إلى وكالة المدرسة ولسبب خصام حصل بينهما ترك المدرسة وفتح بالاشتراك مع أحد أساتذتها عبد الملك المبيض مدرسة لحسابهما وعاد السيد عمر إلى إدارة المدرسة حتى إذا كانت سنة 1344هـ - 1926م قدم من العراق إلى الكويت محمد خراشي الأزهري المصري وعين مديراً للمدرستين المباركية والأحمدية وبقي نحواً من ستة شهور غير فيها نهج التعليم ووسع في تعليم اللغة العربية بجميع فروعها وفي آخر رمضان. من نفس السنة استقال وسافر إلى البحرين ومنها إلى مصر ولم يعرف له بعد ذلك خبر.

ومن أشهر المعلمين الذين درّسوا في المباركية:
1ـ الشيخ حافظ وهبة المصري الذي يشغل الآن منصب وزير مفوض للملكة العربية السعودية في لندن جاء إلى الكويت فاراً من أسر الإنجليز في الهند في شوال سنة 1333 هـ الموافق 1915م ونزل في المدرسة وعين معلما فيها ثم أبعدته السياسة عن الكويت وبعد انتهاء الحرب الأولى عاد تاجراً ولم يدرّس.
2ـ الشيخ عبد العزيز بن حمد المبارك الإحسائي عين مدرساً لطلبة العلم الكبار ولم يقم طويلاً.
3ـ الشيخ نجم الدين الهندي جاء من الهند ونزل ضيفاً على عبد الرحمن العسوسي (والد مدير الأوقاف) وبواسطته تم تعيينه مدرساً في المباركية فيما بين سنتي 21- 1322هـ الموافق 13-1914م.
4ـ السيد عبد القادر البغدادي جاء به الشيخ يوسف بن عيسى من بغداد وأنزله ضيفاً في بيته وعينه معلماً.
5ـ الشيخ محمود الهيتي الذي قدم إلى الكويت بطلب من أعضاء المدرسة سنة 1336هـ الموافق 1918م وعين في المدرسة لتعليم اللغة والدين ولازم الدراسة عليه كثيرون اشتهر منهم السيد مساعد السيد عبد الله وعمر العلي والشيخ عبد العزيز حمادة وانتفع به الكثيرون وتوفي رحمه الله في رمضان سنة 1340هـ الموافق 1922م .
6ـ الشيخ محمد نوري قدم إلى الكويت بطلب من أعضاء المدرسة بعد وفاة الشيخ محمود الهيتي ووصلها في شعبان سنة 1341 هـ الموافق 1922م وباشر في تدريس اللغة العربية والدين وكان له أطيب الأثر في تعليم النحو والفرائض واستظهار بعض الأحاديث وتوفي رحمه الله في رمضان سنة 1345 هـ الموافق 1926م .
7ـ الشيخ أحمد بن خميس الخلف وهو أحد قضاة المحكمة الشرعية حالياً.
8ـ الأستاذ محمود شوقي الأيوبي وكان مولعاً بتعليم الطلبة كيفية إلقاء الخطب والقصيد والأستاذ لا يزال مدرساً في المعارف.
9ـ المرحوم عبد الملك بن صالح المبيض واشتهر في تعليم الحساب ومسك الدفاتر ونجح على يديه فيهما الكثير ولكنه ترك المباركية سنة 1337 هـ الموافق 1919 م وافتتح مدرسة في ديوان ابن عامر ومحلها الآن الباب الجنوبي لسوق ابن معجل، وعمرت هذه المدرسة ثلاث سنوات حتى أسست الأحمدية سنة 1340 هـ الموافق سنة 1922م وعين مديراً لها.
10ـ خليفة بن خميس.

ومدرسون آخرون منهم:
عبد المحسن عبد الله البحر ، عثمان عبد اللطيف العثمان، عبد الرحمن بن علي الدعيج، محمد بن علي الاسماعيل، إدريس ابن قاسم الإدريس محمد عبد الله الوهيب، محمد إبراهيم الشايجي، عبد العزيز محمد العتيقي، عبد الله عبد اللطيف العمر، عبد الله آل نوري (المؤلف).
وكانت أهم الدروس التي بنيت لها المدرسة (القرآن ، التفسير ، الفقه ، اللغة العربية ، التاريخ الإسلامي ، الحساب).

وهناك دروس أخرى درست فيها كمبادئ الجغرافيا ومبادئ الهندسة درسهما الشيخ حافظ وهبة ثم تركت حتى استلمتها دائرة المعارف وقد تنوعت دروس اللغة العربية فكانت إنشاء ومحفوظات وقواعد وإملاء ورسم وخط وأحياناً عروض،
ونوع درس الدين فكان قرآناً وتفسيراً وفقهاً وفرائض، وكانت الدروس في اليوم خمسة ثلاثة في الصباح واثنان في المساء لكل درس ساعة، يفصل بين الدرس والدرس عشر دقائق، وقد تكون دروس اليوم كلها عربية، قواعد فإنشاء فإملاء فخط فمحفوظات،
وكان الحساب والقرآن درسان ثابتان في كل يوم وفي كل فصل وكانت غاية التلميذ وولي أمره أن يختم الولد كتاب الله ثم يخط ويحسب، فإن نجح فيهما كان حاسباً وكاتباً، وتلك هي الغاية التي يطلبها الجميع.
وكانت السنة كلها دراسة لا عطلة سنوية ولا امتحان ولا تفتيش دائماً،

وهناك عطلة ربيعية تسمى (الكشتة) تكون غالباً في أوائل شهر مارس أيام الربيع يخرج فيها المعلمون وأغلب التلاميذ مع أهليهم إلى خارج البلاد استنشاقاً لهواء الربيع وتمتعاً باخضرار البر بنباته، واستجماماً للراحة.

وكانت المدرسة مكونة من خمسة أقسام.
يتشعب القسم الأول منها إلى أربع شعب، يدرس في الشعبة الأولى الحروف الهجائية بأقسامها وربطها، ومتى أتقن الطالب ذلك نقل إلى الشعبة الثانية ليتعلم فيها كتابة الكلمات والجمل ومبادئ الحساب التي هي كتابة الأعداد والجمع، ثم ينقل إلى الشعبة الثالثة ليصحح إملاءه ويقرأ في الجزء، ويتعلم الطرح، ويقرأ ما يكتب، ثم ينقل إلى الشعبة الرابعة فيحفظ جدول الضرب، ويقرأ بعض قواعد التجويد، ويقرأ كتابة غيره، ويتعلم من قواعد الإملاء الشيء البسيط، ومتى انتهى من هذه الشعب الأربع، نقل إلى القسم الثاني وفيه يتعلم القسمة في الحساب وحسن الخط ومبادئ الفقه وهكذا يتدرج في النقل حتى القسم الخامس.

وقد أدركنا القسم الخامس وليس فيه أكثر من سبعة أو ثمانية طلاب، لأنهم قبل أن يصلوا إليه، يسحبهم أولياؤهم ليشتركوا معهم في الكسب.

وفي القسم الخامس يكمل الطالب كتاب العبادات في الفقه مفصلاً، وقواعد اللغة العربية، وشيئاً من التوحيد وشيئاً من الفرائض.

وتلك التنقلات بين الشعب والأقسام ليست مبنية على قاعدة امتحان سنوي إنما هي برضاء مدرس الفصل عن التلميذ بأنه ارتفع عن مستوى زملائه التلامذة. فيخبر المدير ويمتحنه مع المدرس الذي سينقل إليه فإذا اقتنعا بنقله نقل. وكان لكل قسم أو شعبة مدرس خاص إلا القسم الرابع والخامس فإن مدرسيهما يتبادلان الفصل لأن مدرس الرابع يدرس الحساب في الخامس ومدرس الخامس يدرس العربية في الرابع.

أما المدير فله الخيار أن يدخل في أي فصل شاء.
وكان معدل عدد الطلبة ما بين أربعمائة ومائة وستين في العام وسبب هذا المد والجزر هو موسم الغوص فمتى حل (ويبدأ عادة في أول حزيران) قل عدد الطلبة لأن أهليهم يسحبونهم معهم ليتعلموا الغوص أولاً، وطمعاً في الدريهمات القليلة التي يحصلونها ثانياً، فإذا انتهى الموسم (وينتهي عادة بانتهاء أيلول) رجع الأولاد إلى المدرسة وخير عهد مر على المباركية قبل عهد المعارف عهد الشيخ يوسف بن عيسى كما ذكرنا.

ولعل سائلاً يسأل من تخرج من المدرسة المباركية ؟
الجواب على ذلك كل أهل الكويت، ولكن الكويتي بطبيعته مادي يسعى دائماً للتجارة وللعمل المربح، فإذا تخرج الولد من المدرسة أراد أبوه أن يكون مثله تاجراً أو صانعاً أو بحرياً، ولا يريد له غير ذلك. فيشتغل الولد باختيار والده ولا اختيار له، وبعد سنتين أو أقل ينسى ما كان حصله في المدرسة.

ثم من ذلك الذين يسعده الحظ للوصول إلى القسم الخامس؟ والناس يحتاجون أولادهم ليعلموهم كسب قوتهم أو ليعينوهم عليه ويكفيهم أنهم قرؤوا وكتبوا وتعلموا شيئاً من الحساب يسترون به حالهم أن يطلع غريب على أسرارهم.

ولقد درست في المباركية زهاء خمس سنين لم أجد في قسمها الخامس أكثر من ثمانية طلاب. كما أني درست في الأحمدية سبعة أعوام لم أجد في قسمها الأخير أكثر من سبعة بينما الصفوف الأولى ملأى بالطلبة وكلهم يترك المدرسة بعد بلوغه السادسة عشر أو السابعة عشر لأنه صار رجلاً في نظر أبيه (وكبر على المدرسة) فليعنه إذن على كسب قوته أو ليكسب قوت نفسه.
.
__________________
ومنطقي العذب للألباب مستلبٌ *** ومبسمي نضَّ فيه الدر والنضرُ
لازم منادمتي وافهـم مناظرتي *** واسمع مكالمتي يفشو لك الخبرُ


التعديل الأخير تم بواسطة الأديب ; 13-06-2009 الساعة 06:11 AM.
رد مع اقتباس