عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 06-01-2010, 06:09 AM
الصورة الرمزية عبدالرحمن بك
عبدالرحمن بك عبدالرحمن بك غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 489
افتراضي

من شعراء الكويت: محمد أحمد المشاري

هذا شاعر نابه من شعراء الكويت البارزين، له شعر رقيق، كما أن له عناية بالشعر الموجه إلى الأطفال، وهذه ميزة تميز بها. وكان لطيف المعشر محبوباً إلى معارفه، وإلى كل من يتصل به، كثير الاطلاع والاتصال بالأدباء، وله علاقة خاصة بالأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري، وكانت لهما لقاءات متعددة حول الأدب والشعر، وكان إعجاب الأستاذ الأنصاري بالشاعر المشاري وبشعره قوياً، يستمع إليه ويتتبع آخر إبداعاته واستمرت علاقاتهما معاً إلى أن طواهما الموت ومضيا إلى رحمة الله.
تتبع الأستاذ عبدالله زكريا إنتاج الشاعر المشاري في حياته، وحثه على إصدار ديوان يضم شعره، وقد حدث ما أراد، وكان ذلك في سنة 1996م حين أصدرت دار قرطاس بالكويت مجموعته الشعرية المسماة: «أصداء»، وقد ضمت مجموعة منوعة من القصائد منها الوطني والغزلي، ومنها قصائد ذات أصول إنجليزية صاغها صياغة عربية جميلة وضمن المجموعة عدداً من القصائد الاجتماعية، والمراثي، ومجموعة أطلق عليها عنوان: نظرت، لها بعض اللمحات الفلسفية، فهي تكاد تكون تأملات في الحياة بكافة صورها.
تابع الأستاذ زكريا ضم القصائد التي لم تنشر ضمن هذه المجموعة فتكونت لديه مجموعة لا بأس بها، ربما كانت تغطي كافة إنتاج الشاعر إلا ما قل منه، ولم يكتف بذلك بل كتب لها مقدمة طيبة حكي فيها عن علاقته بمحمد المشاري، وشعوره بفقده عندما علم بوفاته، ووجد أن جهده هذا سوف يكتمل عندما يقوم بتسليمه إلى جهة أمينة تحرص عليه، فكان أن أرسل الديوان مع مقدمته إلى مركز البحوث والدراسات الكويتية الذي اهتم بالأمر جداً، وطلب من الأخ الدكتور خليفة الوقيان مراجعة النصوص قبل أن تتسلمها المطبعة وهكذا صدر الديوان في حلة قشيبة، وكان الدكتور خليفة هوالذي سلم نسخة الديوان بوضعه الجديد إلى المركز نقلاً عن الأستاذ عبدالله زكريا.
جاء في مقدمة الأنصاري للديوان عن الشاعر قوله: «المرحوم محمد أحمد المشاري شاعر رقيق المشاعر ومرهف الاحساس يمتلئ وجدانه بالشعر، ويصعب عليّ أن أختار شيئاً من شعره فشعره كان مليئاً بالصور والأخيلة، وشعره كله مختار صادر عن صدق ومعاناة شاعر، وهو شاعر يحاور مع الشعر في كل مناسبة، ويأتي بالبديع من القول، والمنغم من الشعر، والمرتل من النظم، وكنا نطلق عليه في بيت الكويت (شاعر الشباب)، وهو شاعر الشباب حقاً وبلبلهم المغرد المغني، وهو يغني بالشعر غناء جميلاً، والشعر غناء، والشاعر يغني فرحاً ويغني حزيناً، ويغني طوراً بين الحزن والفرح، ويحلق أحياناً بشعره في عالم آخر يصف الجمال، ويصف الحلم، ويتخيل الخيال، ويرسم طوراً بشعره لوحات من الحياة وواقعها، سواء أكان واقع الحياة حسناً أو كان سيئا، يرسم قصائد ولا يمل الرسم، وكلما أطلت عليه صورة من هذه الصور المختلفة رسمها بشعره، وخلدها بقصيدة من قصائده، وما أكثر الصور الجميلة».
ثم يضيف الأستاذ عبدالله زكريا: «وهذا شعره عليك أن تتأمله، وأن تتملى بمعانيه، وربما خفيت عليكم خافية أو بعض خافية منه، لكن شعره بعيد عن التزويق، وبعيد عن الغموض وبعيد عن الإبهام، وهو شاعر ملتزم بالشعر معنى ومبنى، ملتزم به روحاً مرفرفة طائرة في سماء الشعر، وما أدراك ما سماء الشعر، نجوم ساطعة جلية، وكواكب سائرة نيرة، وأقرأ ما يقوله في إحدى قصائده عندما استبد به الشعر، وتعانق معه عقلاً وخيالاً وواقعاً».

لكم طاب عيش واستحب مثاب
يبديك فيه راحة ورحاب
لنا في سكون الليل والكون هاجع
أحاديث في شتى الشجون عذاب
سرى البعض في أدب سقيم مزيف
وعن أدب بالطارئين مصاب

والواقع أن قصائده تكمل بعضها بعضاً فهي صادرة عن روح طيبة محبة للطبيعة وللناس، وقصائده أيضا تدل على علاقته بالأدب العالمي، وحبه لكتابة الشعر للأطفال الذين يجد فيهم عدة المستقبل كما يجد فيهم الروح الوثابة التي يسعد بها حين يلتقي بهم ويجلس معهم.
وكانت بين الشاعرين (الأنصاري والمشاري) قصائد متبادلة تدل على عمق الصلة بينهما، وعلى ما يكن كل واحد منهما للآخر، وقد لفتت نظري قصيدة جميلة كتبها المشاري وأرسلها إلى صديقه، وكان يشكو فيها حال الأمة العربية، ويعيب على بعض حكام العرب أنهم:

يتنمرون على شعوبهم
ويجرجرون لغاصب ذيلا
فغدت سهام الحق طائشة
وجنوده مجروحة قتلى
ومضت جموع العرب تائهة
تحدو السراب وتتبع الظلا

ثم يتحدث- ضمن القصيدة- عن نفسه التي تحملت الكثير وهي تعيش الأجواء المؤلمة لأمة العرب فيقول:

أبداً أطا منها فتدفعني
نفس أبت أن ترضع الذلا
وأقول مهلاً في غد فرج
فتقول إني أكره المهلا
جياشة لا تستقر ولا
ترضى بديل القمة السهلا
أوَ تستريح وكل مهزلة
أجواء أمتنا بها حُبلى

وحين وصلت هذه القصيدة المعبرة إلى الأنصاري أثارت في نفسه الكثير من الكوامن، ولا شك في أن ما يفكر فيه الصديقان مشترك، وهذا ما دفع الرد على القصيدة إلى الظهور فجاءت قصيدة الأستاذ عبدالله الأنصاري، وفيها مشاركة للمشاري في أحاسيسه وأفكاره، وفي تحمله للألم بسبب ما أصاب أمة العرب في صميمها، فقال ضمن رده:

يا مرسل الشعر الجميل لقد
أرسلته مترقرقاً سهلا
غنيت فيه المجد منثلما
ورثيت فيه الفضل والنبلا
وبكيت أخلاقا لنا انطمست
كنا لها الخلان والأهلا

ومنها قوله:
يا أيها المستاء من زمن
أحكامه لا تعرف العدلا
ورجاله خشب مسندة
إذ يعبدون المال والنسلا

وهكذا..

وللشاعر المشاري مطارحات شعرية أخرى مع الأستاذ عبدالله زكريا كلها تدل على العلاقة بين الشاعرين.
وإذا نظرت إلى قصائد الديوان وجدت الكثير منها يتجه إلى مخاطبة عدد من أصحابه الشعراء، فينتهز فرصة صدور ديوان لأحدهم ليقدم له التهنئة بذلك، أويتحدث إلى آخر عن ذكريات مرت بينهما، أو عن رحلات قام بها مع زملاء له في غابات أفريقيا عندما كان مقيماً هناك، فهو شديد التعلق بأصحابه، لا ينسى أحداً منهم، حريصاً على أن تبقى صلاته معهم مستمرة لا تنقطع.
هذا فيما يتعلق بديوان شعره العام، أما ما سوى ذلك فإن مركز البحوث والدراسات الكويتية قد قام بعمل جديد فيما يخص نشر نوع آخر من قصائد هذا الشاعر المبدع، إذ قام المركز المذكور بطبع سبع من القصائد التي تهم الأطفال، فجاءت في سبع كراسات جميلة ملونة بشتى الألوان مليئة بالصور المعبرة التي تكاد تنطق، وفي هذه القصائد الكثير من المعلومات والنصائح التي تهم الطفل، وقد جاء بعضها على لسان الزهور والحشرات والحيوانات والطيور، وتنوعت أهدافها ورقت لغتها بحيث يستفيد منها كل قارئ من أبنائنا الصغار الذين نحرص دائماً على أن تقدم لهم الشيء الذي يزيد معلوماتهم ويوسع مداركهم، ومما يذكر للمركز بالتقدير والشكر أنه قام بترجمة هذه المجموعة الطيبة إلى اللغة الإنجليزية فسدت مجالاً مهما فيما يتعلق بحاجات الأطفال القرائية في الكويت خاصة، وأعطت لقراء الخارج فرصة لمعرفة ما يستطيع شاعر كويتي أن يقدمه من إبداع.
أما بخصوص ما يتعلق بحياة الشاعر محمد أحمد المشاري فإنه قد تخرج في سنة 1957م في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة القاهرة، وفور تخرجه عمل محاسباً في دائرة المطبوعات والنشر ثم صار معاوناً ماليا بها، وانتقل إلى العمل في السلك الدبلوماسي عند نشوء وزارة الخارجية، فكان سكرتيراً أول لسفارة الكويت في اليابان، ثم عاد إلى ديوان وزارته ليتولى منصب مدير الإدارة الاقتصادية، ولكنه في اليوم الثامن والعشرين من شهر مارس لسنة 1968م صار سفيراً للكويت في كينيا، ولبث بها إلى أن عاد إلى ديوان الوزارة، ثم استقال من عمله في اليوم الخامس من شهر مارس لسنة 1969م.
وهو شاعر جيد الشعر له إلى جانب ديوانه مطبوع قصائد منشورة في عدد من مجلات الكويت، وكان رئيس تحرير مجلة البيان التي تصدر عن رابطة الأدباء الكويتية حتى سنة 1968م.
نضيف إلى هذا أن والد الشاعر محمد المشاري وهوأحمد خالد المشاري شاعر كبير من شعراء عصره البارزين له شعر غزير ليس بين أيدينا منه إلا ما ذكره الشيخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت» حيث أورد له عدداً من القصائد والمقطوعات التي تنوعت أغراضها وتعددت دواعي إنشائها.
يمتاز شعر أحمد المشاري بالرقة والتدفق والتعبير الصريح عن الأموور التي يراها، ولد في سنة 1886م، وتوفي في سنة 1948م، وعمل في عدد من البلدان قبل أن يستقر في وطنه حيث صار عضواً في مجلس دائرة المعارف في سنة 1936م، وفي مجلس بلدية الكويت في سنة 1938م، وفي مجلس دائرة الصحة في سنة 1948م، وهي سنة وفاته.
***
أحمل في نفسي تقديراً كبيراً للشاعر محمد المشاري بدأ منذ صرت اقرأ قصائده المنشورة في الصحف، وقد زاد ذلك التقدير له عندما لقيته فوجدت فيه إنساناً طيباً محباً للخير، عفيفاً بعيداً عن أن يكون حاقداً على أحد من الناس، ولذا فقد احتفظت له بقدر كبير من المعزة التي هو أهل لها، وقد انتقلت معزتي لهذا الشاعر ومحبتي له إلى أولاده، وأذكر أن عزيزي يوسف ابن الأخ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم قد عرض عليّ أبياتاً من الشعر كتبها عبدالعزيز محمد المشاري، وقد سعدت جداً بانتقال موهبة الشعر من محمد إلى عبدالعزيز، ووجدت نفسي أكتب بعض الأبيات أذكر هنا بعضاً منها:

عبدالعزيز نظمت نظماً
أبقاك وسط الشعر نجماً
مازلت تبتدع القصيـ
ـــد، وتنتقي ما طاب رسما
وتردد الشعر الجميــــ
ـــل، مقدما ما كان أسمى
ما قلت شعرك صدفة
أو قلت ذاك القول رجما
فأبوك شاعر عصره
وأبوه أجرى الشعر سهما
يصل الحقيقة وقعه
وإذا أصاب الخصم أصمى
قد أورثاك فأحسنا
إذ أورثا جدا وفهما

كان ذلك في سنة 2003م، وكنت أرمي في كتابة ما كتبت إلى تشجيع الشاعر الجديد، وإحياء ذكرى الأب في وقت واحد.
رحم الله الشاعر بقدر ماله من محبة في نفوس الجميع.
هذا ولم يهتم أحد من شعرائنا بإبداع الأشعار التي يمكن أن يقرأها الطفل فيستفيد منها ويسعد بها إلا من ندر منهم، ولكن الشاعر محمد المشاري اهتم بذلك اهتماماً شديداً، فقدم في ديوانه عدداً من الأناشيد الخفيفة الممتعة التي يقرؤها الطفل بسهولة فيفهمها ويعرف مغزاها، وردت هذه الأناشيد الجميلة في ديوانه، ولكن مركز البحوث والدراسات الكويتية تقديراً منه لقيمتها الأدبية والفنية، ولكي يفردها للأطفال حتى يتصلوا بها مباشرة قام كما قلنا فيما سبق بطبعها في سبع كراسات ضمت كل كراسة منها أنشودة من تلك الأناشيد السبع، ولم يكتف المركز بطبعها بل أضاف إلى كل واحدة منها عدداً من الرسوم الجميلة، التي تجعل الطفل يقبل عليها ويحب قراءتها بل وأخرجها إخراجاً طباعياً جميلا يسر كل قارئ.
تبدأ الأناشيد السبع بأنشودة بعنوان «حكاية» وهي من نوع الأراجيز شبيهة بتلك الأراجيز التي نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي، ويبدو أن شاعرنا كان متأثراً به، وبكتاب آخر هو «كليلة ودمنة» الذي أشار إليه منذ بداية أنشودة «حكاية» فقال:
قرأت في كليلة ودمنه
عن مثل الإخوان وقت المحنه

وقد تحدث فيها عن مجموعة من الحيوانات كانت تعيش في راحة بال، في جو ممتع، ومكان خصب، فجاءها صياد كدر صفوفها، إذ نصب شباكه لهم، والأنشودة ترينا كيف يتخلصون من هذه المشكلة بتعاونهم.
أما الأنشودة الثانية فهي: «الطائر الحائر» وفيها حكاية عن طائر دخل إلى غرفته ولم يستطع الخروج منها وعبثاً حاول الشاعر أن يدله على طريق الخروج، ولكنه لم يهتد أبداً، إلى أن قام بإمساكه وأخرجه من نافذة الغرفة إلى الحرية قائلا:
أو ليس البعض في هذي الدنا
مثل هذا الطير تيها في المسارْ
خابطاً في ظلمة من صنعه
وإلى جانبه يبدو النهارْ

وهكذا استخلص الحكمة التي يستفيد منها الإنسان مما حصل مع الطائر التائه.
هذا وقد جاء في هامش القصيدة في الديوان أنها مستوحاة من قصيدة «الطائر في الغرفة» للشاعر الإنجليزي «ليهمان».
وأما الأنشودة الثالثة فهي تروي قصة معروفة عن أسد وذئب وثعلب، وفيه يقضي الثعلب للأسد قضاء يدفع به عن نفسه خطر الموت.
والأنشودة الرابعة هي: «السيل والجرذان» وهي تحكي قصة مجموعة من الجرذان كانت تعيش هانئة على ربوة من الأرض خضراء يجدون حولها كل ما يحتاون إليه من ثمر، وجاء إلى الموقع سيل عظيم فتدافع الجمع راغبين في الهجرة إلا أن رئيسهم وقد أخذه الغرور أمرهم بالبقاء مدعياً قدرتهم على مجابهة السيل، ولكنهم ماتوا جميعاً تحت وطأة القوة الجبارة، وفي الختام:
كذا الحق سوف يزيل الطغاة
إذا اعترضوا زحفه المنتظر

وشبيه ما جاء عن الاغترار ما ورد في أنشودة «الفيل والنمل» وهي الخامسة من الأناشيد. وقد ظهر فيها ما يستطيع أن يقوم به النمل الضعيف للدفاع عن نفسه في مواجهة الفيل الضخم.
وتتحدث أنشودة «النملة والبعوضة» عن جدل ثار بين هاتين الحشرتين، تنتصر فيه كل منهما للرأي الذي تراه وفي الختام تنتصر النملة الدؤوب، فيقول الشاعر:
يا ليتنا كالنمل في سعيه
ما همه اللغو ولا المظهر

والأنشودة السابعة هي: «النحلة والزهرة» وهي في ديوانه، وقد وضع تحتها هامشاً يقول: «عن الشاعر لورد تنيسون». وفيها حديث عن العلاقة التي نشأت بين النحلة والزهرة، ولكنها علاقة مصلحة من جانب النحلة التي عندما وجدت أن الزهرة قد ذبلت أقلعت بجناحيها إلى أعلى تاركة صاحبتها وحدها.
لقد كانت مجموعة جميلة عبرت عن اهتمام الشاعر بالطفل وحرصه على أن يقدم له شيئا يرتاح إلى قراءته وسماعه. وعبرت - أيضا- عن اهتمام مركز البحوث والدراسات الكويتية عندما بذل الجهد الكبير في سبيل تقديمها بهذه الصورة الجميلة التي أضافت إلى قيمتها الأدبية والتربوية قيمة فنية كبيرة.

د. يعقوب يوسف الغنيم
جريدة الوطن الكويتية
تاريخ النشر 06/01/2010
__________________
أنا وشعبي كلبونا جماعة
الدين واحد والهدف أخدم الشعب
لو ضاق صدر الشعب ما استر ساعة
اضيق من ضيقه واستر لاحب
الراحل الشيخ
"صباح السالم"
رحمة الله

رد مع اقتباس