عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24-02-2011, 07:28 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي


تحدث عن مسرح الأربعينات في الكويت
عقاب الخطيب: كما لو كنا في ديوانية

عقاب الخطيب أمام صورة لمشهد من مسرحية {إسلام عمر بن الخطاب}

فتحية الحداد
تطرح الشمس رداءها لتجر خطوات البشر اللاهثة وتضعها في كوة ليتنازل النهار عن صخب الضوء في ساحة الصفاة. مصابيح الكهرباء تحاول أن تثبت وجودها، وغير بعيد عنها تشتعل في الأنحاء أضواء خجولة لفتيل يكاد يذوب غرقا أو عشقا في زيت المصابيح والقناديل. رائحة الشواء تلتهم الفضاء، وقلوب وأكباد امتزجت بأسياخ استقرت على فحم موقد يتلظى بعالم استعار احمراره من قلب الشمس ليكسو الجمر رماد يقنعنا بموت سطحي حتى إذا ما ركض الصبيان في المكان ارتفع تراب الحياة في الأنحاء ليستقر رمل البراءة حيث يجلس أبو اسكندر.

هناك يتحلق الأولاد، يروي لهم أبواسكندر قصص التاريخ والحروب والأبطال. يمثل أمامهم كيف استل المحارب سيفه، وباغت أعداءه بهجمة شرسة ليجول يمينا ويسارا حتى ارتفع غبار المعركة عاليا و... يحل وقت آذان العشاء ويرفع أبو اسكندر تنكة استند اليها، ويلف بضاعته من الحلوى والمتفرقات فيعرف الأولاد، وبينهم عقاب الخطيب، أن الوقت حان للعودة إلى المنزل. يتركون ساحة الصفاة ويمشون عبر الأزقة وبيد كل منهم عصا يهش بها على صورة الأعداء بعد أن علقت برأس كل منهم شخصية البطل المغوار.

بداية الرحلة
في نهاية الثلاثينيات كان عقاب الخطيب أحد تلاميذ مدرسة المباركية، وكان العام الدراسي 1938-1939 فرصة لأن يكون ضمن فريق التمثيل الذي شكله معلم اللغة العربية الأستاذ محمد محمود نجم، وقدم رواية «اسلام عمر بن الخطاب» في عرض تطرقت إليه مقالات ومؤلفات مختلفة، فما الذي يمكن أن نضيفه اليوم إلى تلك الكتابات؟ في كتابه التوثيقي «تاريخ التعليم في الكويت والخليج أيام زمان» الصادر عام 1984، اهتم المؤلف صالح شهاب بالصور والتعليق عليها وكتب أسفل الصورة التي نشرها في الصفحة 213: «مشهد من رواية» اسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه (...) وقد كان من ضمن المشاركين في هذه الرواية صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي يرى في الصورة من اليمين رقم 6 من الواقفين، ولم أستطع التعرف على بقية الطلاب عدا من اليمين رقم 1 المرحوم محمد المغربي ورقم 4 ابراهيم عبدالعزيز الملا ورقم 5 الأستاذ محمد محمود نجم».

إن عبارة صالح شهاب «لم أستطع التعرف على بقية الطلاب» حافـز للبحث عن «بقية الطلاب». بعد العقود التي مرت على العرض، نجلس إلى عقاب الخطيب ونسأله عن مدرسة المباركية والمسرحية ونحاول الوقوف على بعض التفاصيل.
• ما الذي تذكره من عرض «اسلام عمر بن الخطاب» الذي تم في مدرسة المباركية؟
- أديت فيه دور عوف بن مالك، وكنت ضمن الشخصيات التي تؤدي حوارا يدور على النحو التالي:
-يا عمر الخير جزيت الجنة ... اكسو بنياتي وأمهن أقسمت بالله لتفعلن...
رد عمر: وإن لم أفعل؟
قال: اتق الله يا رجل.
قال: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟
قال عمر: دعه يا عوف، فليقلها، فلا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها.
التلميذ الممثل
• عندما نكبر الصورة التي نشرها صالح شهاب لعرض «اسلام عمر بن الخطاب»، نلاحظ فتى أسمر في يسار الصورة، فهل يكون هو التلميذ الذي مثل دور عوف بن مالك؟
- على الأرجح هو
• لا بد أن توزيع الأدوار وحفظ الحوارات أخذ قسطا من الوقت والجهد، فكيف تصف تلك المرحلة وظروف قراءة النص، هل اعتمدتم على دفتر أو كتيب معين؟
- يحفظ كل تلميذ حواره. كنا متلهفين للتمثيل ونريد الظهور أمام الجمهور. وعملية الحفظ كانت تستمر إلى ما بـعـد اليوم الدراسي فنحفظ في البيت أيضا حيث نأخذ الأوراق معنا ونراجع الدور لنتقنه.
• تعود بنا إلى كتابات حمد عيسى الرجيب الذي تحدث عن عرض «اسلام عمر» في كتابه «مسافر في شرايـين الوطن» وقال: «أذكر أن المسرح كان شيئا غير عادي بالنسبة لنا. أن نُمثل ونتعلم كيف نحفظ نص المسرحية، كنا مبهورين بفن الالقاء والموسيقى المصاحبة للنص والديكور والملابس». أتصور أن الأجواء كانت مفعمة بالطاقة والحماسة، ولكن باعتبار أن الأمر تطلب تدريب فريق تمثيل اقترب المشاركون فيه من عشرة أعضاء فلا بد أن التدريبات استغرقت زمنا، فهل تذكر فترة التدريب؟
- من اسبوع وربما امتد إلى ما يقارب الشهر.
• ربما كان المسرح في نهاية الثلاثينيات حدثا جديدا في الكويت، ولكن جو الحكايات والالتفاف حول الراوي أمر عرفتموه قبل المسرح وربما ساهم هذا في دعم أداء الممثلين الصغار في مـدرسة المباركية.. هل تذكر أيا من رواة القصص في الساحات العامة أو من الجيران، استمعت إليهم وتأثـرت بهم؟
- كانت لنا جارة اسمها «أم حصة»، تحكي لنا القصص بعد صلاة المغرب، وتشترط علينا أن نفلي رأسها، فيأخذ كل دوره في حك فروة رأسها وهي تحكي قصصها التي لا تنتهي في الليلة الواحدة.
• تقول أن ام حصة كانت جارتكم، فأين كنتم تسكنون؟
- بيتنا كان في الدهلة، قرب جوهرة الخليج.
ذكريات الطفولة
• عمارة جوهرة الخليج ليست بعيدة عن ساحة الصفاة، فما ذكرياتك عنها؟
- في هذه الساحة عرفنا بائعا يسمى أبو اسكندر، وكانت الصفاة تجتذبنا كثيرا، وبعد الغروب يستند أبو اسكندر إلى تنكة ونجلس حوله وهو يحكي لنا القصص، وكانت كلها عن الحرب فيقول مثلا وبحماس واضح: «وصاروا يتبارون ويتناطحون».
• وهل تستمر الحكاية طويلا؟
- الحكاية ومن يستمع إليه يلتزم غالبا بتلك المواقيت. في الماضي تعوّد الناس على العودة مبكرا إلى البيت وفي المساء يتلافون البقاء خارج المنزل كثيرا، وربما تأخروا قليلا ولكن في مناسبات محدودة.
• ولهذا ربما كان عرض مدرسة المباركية حدثا شجع الناس على الحضور.
- نعم حضر كثيرون. في ذلك الوقت لم تكن مجالات التسلية متوافرة، كما هي اليوم، لذا فالمسرحيات أوالتمثيليات جذبت الجمهور، سواء في البداية عندما مثّلنا في المدرسة المباركية أو لاحقا عندما شاركني محمد النشمي في تمثيليات قدمناها في روضة الأطفال ومدرسة المثنى وهي أعمال اعتمدت الطابع الفكاهي، فكنا نتواصل مع الجمهور من خلال حوارات ومواقف هزلية يتفاعل معها الحضور ويضحك وهو يتابع تسلسلها.
أعمال ارتجالية
• هل عملت مع النشمي وفق نصوص معينة؟
- الأعمال كانت ارتجالية.. دون نص.. كما لو كنا في ديوانية.
• وماذا عن الأزياء؟
- في المدرسة المباركية اهتمت المدرسة بتزويدنا بالأزياء، لكن في التمثيليات التي أديتها مع المرحوم محمد النشمي، اعتمد كل منا على نفسه بتجهيز الزي المناسب لشخصيته.

تعليق: إعادة البحث
في المقابلة وتعليقا على موضوع جمع التفاصيل قال الأستاذ عقاب الخطيب: «طشة على طشة تستوي غدير»، ومن هذا المنطلق فإن حديثه عن عرض «اسلام عمر» يمكن اعتباره قطرات مطر نضيفها إلى المعلومات التي أشار إليها صالح شهاب في كتابه حين قال: «وبعد أن شاهد مجلس المعارف المسرحية في عرض خاص أبدى بعض أعضاء المجلس تحفظهم على حوارين (...) ثانيهما – ثاني الحوارين - أن أحد الحاضرين في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تعجبه مقولة أو حكما أصدره على أحد المسلمين فانبرى له ذلك الرجل قائلا:
أحد الحاضرين: (بغضب) اتق الله يا عمر
رجل آخر: (بغضب أشد): ويحك... أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟
عمر: دعه يقلها لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نـقـبلها».
اليوم ان فكرت وزارة الاعلام أو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب باعادة طباعة كتاب صالح جاسم شهاب، وعزمت على تنقيح الكتاب بدراسات حديثة فإنها لا بد ستراعي اضافة المعلومات التي يمكن أن نستقيها من شخصيات ما زالت بيننا، لـيـعرف القارئ أن عبارة «الرجل الآخر» التي يقرأها في كتاب «تاريخ التعليم في الكويت والخليج أيام زمان» تشير إلى شخصية عوف بن مالك، وأن الحوار الذي جمع الشخصيات الثلاث وأثار اعتراض جماعة من مجلس المعارف بدأ بعبارة «يا عمر الخير جزيت الجنة، اكسوا بنياتي وأمهن... أقسمت بالله لتفعلن».
اعادة البحث في تاريخ التعليم والمسرح كفيل بفتح المجال أمام أبحاث تلتفت مثلا إلى استخدام عقاب الخطيب لكلمة «قال» في بداية حوار الشخصيات، ما يدعم الانطباع بأن النص الذي تداوله التلاميذ مع أستاذهم محمد محمود نجم جاء في الأصل في سياق قصة يلجأ فيها الراوي إلى «قال» لتميز حوار كل شخصية على حدة، وإن لم يكن النص قد جاء في هذا الصياغ، فإن الذاكرة قد احتفظت به على هذا النحو لتأثر المتلقي بعالم القصص التي كانت تروي في بـيوت الكويت وبعض ساحاتها.
القصص أو الروايات التاريخية استحوذت لفترة على الذوق العام، وربما لعب ذلك دورا في التمهيد للانتقال إلى أجواء المسرح حيث تتكاتف آليات تلقي النص، فالعمل الجماعي يصبح حافزا أو محفزا، وتدريبات الالقاء ترسخ المعلومة لتكشف الحوارات المختلفة عن موهبة مدفونة أو تستحضر ملكة غائبة، فيسمو التقاء الجمهور بالممثل.

تواصل
يقول عقاب الخطيب كنا نتواصل مع الجمهور من خلال حوارات ومواقف هزلية يتفاعل معها الحضور ويضحك وهو يتابع تسلسلها
رد مع اقتباس