عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 31-10-2010, 01:21 PM
الصورة الرمزية الجامع
الجامع الجامع غير متواجد حالياً
مراقب قسم الوثائق والصور التاريخية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: الكويت
المشاركات: 560
افتراضي


من
تراث دائرة معارف الكويت

د. يعقوب الغنيم:





كان اهتمام مجلس معارف الكويت بالصحة العامة التي تتعلق بطلاب وطالبات المدارس كبيرا منذ البداية وكان يقوم بعدة مبادرات في هذا المجال منها نشر الوعي الصحي في المدارس عن طريق انتداب طبيب يشرح للتلاميذ كثيرا مما يخفى عليهم من الأمور الصحية، ويحثهم على ضرورة اتخاذ سبل الوقاية من الأمراض، وهي سبل يبينها لهم. وكذلك عن طريق الفحص الدوري لهؤلاء التلاميذ وتزويدهم باللقاحات اللازمة والمقويات التي لابد منها وأخيرا بالتغذية.


الشيخ عبدالله الجابر وعبدالعزيز حسين في حفل مدرسي

وعندما جاءت خمسينيات القرن الماضي وجدنا أن هذا الاهتمام قد تعاظم، وأن الجهود التي صارت تبذلها دائرة معارف الكويت بالتعاون مع دائرة الصحة العامة جهود مشهودة توجت بإنشاء إدارة الصحة المدرسية التي بدأت صغيرة يشرف عليها ويعمل بها طبيب واحد إلى أن اتسع مجال عملها وتعدد العاملون فيها من أطباء وممرضين وغيرهم، بالإضافة إلى إنشاء عيادة في كل مدرسة يمر بها الطبيب بين وقت وآخر ويقيم بها ممرض يتولى الإسعافات الأولية ومساعدة الطبيب عندما يأتي إليه.
عندما جاءت سنة 1951م كانت قد نشأت إدارة الصحة المدرسية، وقد بدأت أعمالها وهي صغيرة قليلة الشأن ولكن سرعان ما كبرت وتعددت أعمالها وصارت تعنى بعلاج طلاب المدارس ووقايتهم من الأمراض، وقد نشأت هذه الإدارة في أحضان دائرة معارف الكويت ولكنها انضمت فيما بعد إلى منظومة أعمال دائرة الصحة العامة وكان التعاون بين دائرتي المعارف والصحة العامة في هذا المجال جيدا ومثمرا.
في سنة 1959م وجدت دائرة المعارف ضرورة لإصدار مجلة يقرؤها التلاميذ والتلميذات تكون منبراً للجميع وتقدم لهم في الوقت نفسه- التوجيهات الصحية التي لا غنى عنها لتنمية قدراتهم الجسمية والنفسية، فكان أن صدرت مجلة الصحة المدرسية التي نتحدث عنها في هذا المقال، ولقد استمرت هذه المجلة في الصدور فترة من الزمن ثم توقف صدورها لأسباب مجهولة، ولقد نسي الكثير من الناس ذكرها وظن كل واحد منا أنها انقرضت من الوجود نهائيا، ولكن جهود مركز البحوث والدراسات الكويتية أثمرت بالعثور على أعداد منها، وبالتالي القيام بنشرها في مجلد واحد هو بين أيدينا اليوم، وقد قدم لها أخي الأستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم بمقدمة موجزة ولكنها مهمة شكر في آخرها كل من أسهم في إيصال هذه المجلة بعد انقطاعها إلى أيدي القراء.
ولما وجدناه غير قادر على شكر نفسه باعتباره المحرك الأساسي لهذا العمل الجليل فنحن هنا نتقدم إليه بالشكر على كل ما قدم ومنه إصدار هذه المجلة في حلة جديدة جميلة مع إضافة الفهارس التفصيلية التي لا غنى للقارئ عنها.
وقبل أن ننتقل إلى صلب الموضوع فإنه لابد من الإشارة إلى أن هذه المجلة كانت تطبع في مطبعة حكومة الكويت وكان كل عدد منها يضم ستا وعشرين صفحة.
صدر العدد الأول من مجلة الصحة المدرسية في 1959/11/1 عندما كانت الصحة المدرسية آنذاك تتبع دائرة معارف الكويت ولذلك فقد أصدرت هذه الدائرة المجلة المذكورة باسمها على أن تصدر مرة في كل شهر خلال السنة الدراسية، وذكر أنها مجلة صحية تربوية.
يضم العدد الأول كثيرا من المقالات المتعلقة بأهداف المجلة، ويضم كذلك أخبار الجمعيات الصحية التي تشكلت من طلاب وطالبات المدارس، وإضافة إلى هذه الأخبار أضافت مجلة الصحة المدرسية عددا من الأخبار المهمة مما تقوم به دائرة الصحة العامة ودائرة معارف الكويت.
وصدر العدد الثاني 1959/12/1م، وفيه حديث عن الأمراض وطرق الوقاية منها، وفيه معلومات عن بعض الشخصيات مثل ابن قيم الجوزية، وأسئلة موجهة إلى طبيب، ورسائل متعددة من القراء، هذا بالإضافة إلى أخبار الجمعيات الصحية بالمدارس، وإعلان عن برامج الصحة المدرسية في إذاعة الكويت، وقد حرصت هذه المجلة على التذكير بمواعيدها لما تحتوي عليه من توجيه وتوعية، ودلالة على الأساليب الصحية السليمة.
والعدد الرابع هو الذي صدر في 1961/2/1، وهو يسير على النمط الذي سارت عليه الأعداد السابقة ويلاحظ أن الأطباء ومفتشي دائرة معارف الكويت يسهمون دائما بالكتابة في هذه المجلة إذ لا يخلو أي عدد منها من بعض المقالات التي كتبوها. وكان من أبرز كتاب العدد الرابع كل من الدكتور حسان حتحوت والدكتور يحيى الحديدي والأستاذ كامل بنقسلى من أسرة المعارف والدكتور محمد قنديل والصيدلي صالح صفوري.
وفي 1960/3/1م صدر العدد الخامس من هذه المجلة النافعة وسار على الطريق نفسه، ثم في 1960/4/1م صدر العدد السادس بالصفة ذاتها ثم صدر العدد السابع وهو الأخير من تلك السنة، وقد كان صدوره بتاريخ 1960/5/1م. وفي هذا العدد كلمة مدير معارف الكويت الأستاذ عبدالعزيز حسين بمناسبة انتهاء السنة الأولى لهذه المجلة، وقد ذكر أن صدورها كان نتيجة اتفاق بين دائرتي المعارف والصحة العامة على إصدارها وتقديمها للنشء، وشارك مدير دائرة الصحة العامة- آنذاك- الأستاذ عبدالرحمن سالم العتيقي في تحية المجلة بمناسبة توقفها تمهيدا لعودتها بعد عطلة نهاية السنة الدراسية ثم بدأت المقالات كالمعتاد. وفي لقطات الشهر نجد صورتين من حفل تكريمي أقامته مدرسة سعد بن أبي وقاص للدكتور محمد سعيد النجار الذي كان من أهم العاملين في مجال الصحة الوقائية والتوعية الصحية، وقد كتبت عنه المجلة ما يلي: «احتفلت مدرستا سعد ابن أبي وقاص وابن زيدون بتكريم الدكتور محمد سعيد النجار واشتركت لجنة التثقيف الصحي بتكريمه، وقام الدكتور حسان حتحوت فكرَّم فيه إنسانيته التي آثرها على نفسه وعلى عائلته وكرَّمت المدرستان تضحياته التي أحيت صحة الجيل، كما هنأه المراقب الفني بدائرة معارف الكويت الأستاذ كامل بنقسلي على سيرته الحسنة».


الدكتور محمد سعيد النجار

وفي شهر أكتوبر لسنة 1960م (تشرين أول) صدر العدد الأول من السنة الثانية لمجلة الصحة المدرسية، وفي كلمة العدد ومقالات كتبها الكتاب الذين سبق لنا ذكر بعضهم. وقد أضيف إلى هذا العدد «ركن المرأة الصحي» وباشر الدكتور محمد سعيد النجار بالكتابة في المجلة تحت عنوان عام هو «شخصيات لا تسنى» وكان عن (الجاحظ).
أما العدد الثاني من السنة الثانية فقد صدر في شهر نوفمبر لسنة 1960م، وكتب فيه الموجه الفني بدائرة المعارف عبدالعظيم بدوي وهو شاعر كانت له مساهمات في المناسبات التربوية التي مَرَّت بالبلاد. وكتب فيه- أيضا- الدكتور ثابت عبدالمسيح وكان طبيبا في الصحة ثم اتخذ له عيادة خاصة، وهو مشهور بدقته وحرصه على عمله، هذا بالإضافة إلى موضوعات أخرى متنوعة ولكنها كلها ذات علاقة بأهداف المجلة. أضف إلى ذلك عدداً كبيراً من الرسوم الكاريكاتورية الهادفة.
جاء بعد ذلك العدد الثالث من السنة الثانية وقد صدر في شهر ديسمبر لسنة 1960، وفيه تتعدد المقالات وتتنوع وكلها تدور حول صحة النفس والبدن، وقد لفت نظري مقال وجهه الأستاذ كامل بنقسلي إلى الجيل الجديد بعنوان: هل أنت متحضر؟، وفي نهاية المقال يقول الكاتب: إن حضارة اليوم، تصرخ في وجه الفتى الذي لا يتكل على نفسه بل على أسرته. وتقول: الجدُّ من شيمي، والصبر من صفاتي، والنجاح الحق من أهدافي، فالذي يصبر على العمل المنتج هو رفيقي، والذي يحمل عقيدة الكفاح في الحياة فهو ابني، وأما المبدع المبتكر فهو ابني المفضل، وقصدي من الحياة- دائما- إعلاء شأن الحق والجمال والخير.
وكتب الأستاذ جميل قاسم وكان مدرسا في المدرسة المباركية مقالا في العدد ذاته بعنوان: الإجهاد والنوم، وهو يتحدث عن النوم ومتى يكون مفيداً لجسم الإنسان ويرى أنه لا قيمة للنوم الذي ينامُه المرء ثم لا يقوم بعمل. إن النوم المفيد هو الذي يعيد للجسم طاقته وقوته ويزيل إجهاده بعد أنّْ يكون هذا النائم قد بذل جهدا وقام بعمل أدى إلى حاجته إلى النوم.
ومن ضمن ماورد في هذا العدد وصف لزيارة جماعة الصحة بمدرسة الصديق لمستشفى الصباح، وكان هذا المستشفى جديدا في ذلك الوقت، ولم تكثر حوله المباني التي نشاهدها اليوم، وعلى كل حال فإن الطلاب قد قدموا وصفا جيدا لهذا المرفق الصحي الكبير، وكانت طريقتهم في العرض جيدة إذ هي تعتمد على أسلوب السؤال والجواب.
ويعجب قارئ هذا العدد لشدة تجاوب المدارس مع مجلة الصحة المدرسية التي صار لها في كل مدرسة جماعة مختصة بالنشاط الصحي والتواصل معها.
ثم جاء العدد التالي لما سبق وهو العدد الرابع من السنة الثانية، وصدر في شهر يناير لسنة 1961م وجدير بنا أن نلاحظ أن أسماء الأشهر الميلادية قد تغيرت منذ هذا العدد، وكانت المجلة تستعمل أحيانا الأشهر السريانية ولذا فقد كتبت على الأعداد الماضية أسماء مثل: تشرين الأول، وتشرين الثاني، وكانون الأول.
في هذا العدد نرى الدكتور يحيى شاكر، وهو طبيب أطفال مشهور في الكويت قد بدأ مساهمته بالكتابة في مجلة الصحة المدرسية فقدم مقالا مهما عن اكتشاف اللقاح المضاد لمرض الجدري.
وفي هذا العدد – أيضا – نجد الصديق العزيز بدر عبدالله المديرس، وكان طالبا في الصف الرابع المتوسط، وقد أرسل إلى المجلة قصيدة حول صحة الانسان، ولقد كان اختياره لها موفقا لأنها سهلة التناول قريبة من أذهان الطلاب والطالبات.
ونقرأ فيما بعد قصة كتبتها طالبة في مدرسة حولي المتوسطة للبنات، هذه الطالبة صارت الآن معروفة بكتاباتها ومؤلفاتها وهي الأخت ليلى محمد صالح.
العدد الخامس من السنة الثانية الصادر في شهر فبراير لسنة 1961م من هذه المجلة فيه شبيه لكل ما مر بنا في الأعداد السابقة من مقالات وقصص وتوجيهات وشعر وفكاهات.
والعدد السادس للسنة الثانية الذي صدر في شهر مارس لسنة 1961م، يبدو أن صدوره وافق شهر رمضان المبارك ولذا نرى فيه مقالا كتبه بهذه المناسبة شيخي وأستاذي عبدالحكيم نعناع، وكان وقتها هو شيخ المعهد الديني. وفي العدد نفسه زيارة لمستشفى الأحمدي، وكان يسمى في ذلك الوقت مستشفى ساوثويل.
ولقد تضمن المكتوب عن المستشفى تفصيلا جيدا لكل جوانب العمل فيه، وامتلأت الصفحات المخصصة للمقال بالصور المفيدة التي تدل على الجهود التي تبذل في هذا المستشفى.
وصدر العدد السابع للسنة الثانية في شهر أبريل لسنة 1961م، وفيه مقال عن المشكلات النفسية، ثم زيارة لمرفق مهم للصحة وللتربية هو المطبخ المركزي وكان يومذاك درة لامعة في جبين دائرة معارف الكويت، وقد زين وصف الزيارة بعدد كبير من الصور المهمة.
وفي العدد نفسه مقال كتبه صديقنا المرحوم يوسف عبدالعزيز المساعد وموضوعه: الشاعر الكويتي فهد العسكر. وفي العدد – أيضا – صفحة جديدة عنوانها (حواء) واسمها يدل عليها فهي مخصصة للفتيات بشكل عام، وفيها نصائح وتوجيهات لهن. ومن العناوين الأخرى في هذا العدد: الغضب سم فتجنبه، والخوف مرض تجب معالجته، والرياضة حديقة الصحة، وفيه أيضا كلمة كتبها الدكتور حسان حتحوت.
وصدر العدد الثامن للسنة الثانية في شهر مايو 1961م، وهو آخر الأعداد الواردة في المجلد، لأن مركز البحوث والدراسات الكويتية وقد اجتهد في جمع أكبر قدر من الأعداد هذه المجلة ذات الدلالة على النشاط الصحي والتربوي في الكويت وقت صدورها لم يتمكن من العثور إلا على هذا القدر الذي تضمنه المجلد، ومن هنا فإنني أدعو الذين لديهم أعداد أخرى لم ينشرها المركز المذكور لعدم حصوله عليها أن يتقدموا بها من أجل استكمال هذه المجموعة. وهذه الدعوة يمكن أن تنطبق على كل ماصدر من مجلات في الفترات الماضية ففي تقديمها اليوم حفظ لها وتسجيل للجهود التي بذلت من أجل إصدارها بالإضافة إلى أنها تحتوي على معلومات تاريخية مهمة.
نعود الآن إلى العدد الثامن الذي أشرنا إليه فنجد مشاركا جديدا في الكتابة بالمجلة هو الدكتور محمد محيي الدين سليم، وهو من أشهر أطباء تلك الفترة في الكويت وكان مقاله بعنوان: كيف تحافظ على صحتك، مع إشارة إلى أن الفراغ مرض ينبغي علينا أن نتخذ الوقاية منه وفي العدد مقال كتبه الموجه بدائرة معارف الكويت الأستاذ عبدالمحسن عجور عن الفيلسوف الطبيب: الرازي وفيه مقال آخر كتبه أحد زملائي المدرسين في مدرسة الشويخ الثانوية هو الأستاذ ابراهيم هلال الذي كان يدرس الفلسفة والمنطق بالمدرسة حين كنت مدرسا بها في سنة 1961م وقد تناول في مقاله هذا شيئا عن الصحة النفسية، وقدا عتبر التعبير الفني نوعا من أنواع اكتساب راحة النفس.
وفي العدد – أيضا – إشارة إلى برنامج تثقيفي من عمل دائرة معارف الكويت بالإشتراك مع دائرة الصحة العامة وعدد من المؤسسات الحكومية والأهلية، وقد كان في إطار «أسبوع الصحة ومنع الحوادث» ويبدو أن هذا العمل قد جاء بنتائج طيبة دفعت المجلة إلى القول (: حملت رسائل القراء إلينا إعجاب وتقدير أولياء الأمور ببرامج أسبوع الصحة ومنع الحوادث، وكانوا يتحدثون فيها بفخر عن الصورة الحية التي بلغتها المدينة من النظافة، بفضل نشاط الطلاب والطالبات داخل المدارس وخارجها) .
هذا من واجبنا أن نذكر في الختام أولئك الذين بذلوا غاية جهدهم في سبيل إصدار هذه المجلة واستمروا معها إلى النهاية وهم:
الدكتور يحيى شاكر
الدكتور يحيى الحديدي
الأستاذ عبدالعظيم بدوي
الأستاذ طه الحمل
الأستاذ كامل بنقسلي
وقد كان في الهيئة المشرفة على المجلة بالإضافة إلى هؤلاء: الدكتور عمر الألفي، ولكنه لم يستمر فيها لسفره إلى بلاده.
وقد جرى ذكر ثلاثة أسماء خلال استعراضنا للمجلة وهم:
-1 الدكتور محمد سعيد النجار، وهو طبيب إنسان لا ينساه أبناء جيلي الذين أسعدهم وجوده بينهم، وكان يجوب الكويت كلها في سبيل أداء الخدمة الطبية للمحتاجين إليها، ويقوم بتقديم العون إلى كل من يتقدم إليه بطلب وهو منشئ برنامج التلفزيون الصحي وكان يقدمه للمشاهدين فترة طويلة من الزمن، رحمه الله.
-2 يوسف عبدالعزيز المساعيد، أحد أوائل كتاب الصحف الكويتية الحديثة، بدأ الكتابة الصحفية في جريدة والده «الرأي العام» التي كانت أول جريدة يومية كويتية ثم استمر في نهجه هذا فكتب في مجلة النهضة وكان له فيها مقال اسبوعي، انتقل إلى رحمة الله تعالى وهو في عز شبابه ونشاطه، وكان مؤملا منه الكثير.
-3 بدر عبدالله المديرس، صديق قديم له دور بارز في أعمال جامعة الكويت فقد كان آخر عمل له فيها في منصب الأمين العام منصب المساعد، يكتب في الصحف مقالات ذات طابع خاص يحرص فيها على المصلحة العامة ويحث على التفاني في العمل المخلص للوطن، اهتم أخيرا بالنشاط الإعلامي الأهلي، وله في ذلك دوره الذي لاينسى، ومن هذا المنطلق فهو دائما في الأذهان، أدامه الله، وكتب له الصحة والعافية.
وبعد، فإنه لا يكفي ما سبق لعرض المجلة كما ينبغي لأن الموضع لا يكفي للإفاضة المطلوبة، ولكن ماقدمناه إنما هو دليل عليها، وما على الراغب في الاستزادة إلا الحصول على المجلد المشار إليه وذلك أمر سهل.

ملحاق خير

اهتمت مجلة الصحة المدرسية التي كتبنا عنها المقال المجاور لهذا الملحاق بعالم من علماء المسلمين المشهورين هو: ابن القيم. ويجدر بنا هنا أن نُعَرِّفَ بهذا الرجل ثم نذكر السبب الذي دعا المجلة إلى الكتابة عنه.
هو الإمام النابغة شمس الدين محمد بن أبي بكر، ويعرف بابن القيم أو ابن قيم الجوزية، والجوزية مدرسة بدمشق كان والده قيما عليها، وكان عالما بعلم المواريث (الفرائض) إضافة إلى اهتمامه بشؤون المدرسة، ولشهرة والده في زمنه فقد أطلق على ابنه لقب ابن قيم الجوزية أو ابن القيم اختصارا.
ذكر عن ابن القيم أنه كان واسع المعرفة، ذا قلم سيال، وأنه كان دقيق الاستنباط، بارعا في كافة العلوم الإسلامية، ولم يكن له نظير- في وقته- في المعرفة بالفقه والحديث وأصول الفقه، وعلوم العربية. وكانت له مؤلفات عديدة، وباختصار فقد كان رجلا فذا وعالما كبيرا وكان مكافحا تعرض في حياته إلى كثير من المصاعب. وكان من تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية استفاد من علمه، وأعجب بمواقفه وتعرض لما تعرض له شيخه من أذى. وكان قد تلقى العلم إلى جانب ابن تيمية على أيدي عدد من العلماء البارزين، وصار بعد أن استكمل أدواته العلمية عَلَما يشار إليه، وكان موضع إطراء من المؤرخين والعلماء وقد ذكره ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، وكتب عنه السيوطي في بغية الوعاة في أخبار النحاة، وابن رجب في كتاب ذيل طبقات الحنابلة، وابن حجر في كتابه الدرر الكامنة ولن نستطيع إحصاء من كتب عنه قديما أو حديثا لكثرة ما جاء عنه في الكتب، وهذا دليل على اهتمام العلماء به ودليل على مكانته في الفضل والعلم.
ترك لنا عددا لا بأس به من الكتب في مختلف المجالات التي اشتُهر بإجادتها. ومن كتبه المشهورة: إعلام الموقعين عن رب العالمين وهو كتاب كبير فيه فوائد كثيرة تتعلق بالحديث والرجال والفتاوى. وله كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد، وهو كتاب جامع في السيرة والسنة والفقه وعلم الكلام وغير ذلك. وفي هذا الكتاب فصل مهم عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطب. وهنا نصل إلى ما ذكرناه سابقا وهو بيان سبب اهتمام مجلة الصحة المدرسية بابن القيم. فقد اهتم بالطب الذي يتماشى مع اهتمامات المجلة، ولكنه سار على الدرب الذي تعود السير فيه فكان موضوعه: الطب النبوي.
طبع كتاب ابن القيم الخاص بهذا الموضوع مُسْتلا من كتابه زاد المعاد، عدة طبعات نعرف من طبعاته الطبعة التي صدرت في حلب سنة 1346هـ، ثم الطبعة التي أشرف عليها الشيخ الفاضل عبدالغني عبدالخالق وهو من كبار العلماء، وقد أسعدني الحظ بمجالسته عندما كنت في القاهرة رحمه الله وكان صدور هذه الطبعة في سنة 1377هـ، وبين يدي طبعة صدرت عن دار التراث بالقاهرة في سنة 1398هـ 1978م قام بتحقيقها الدكتور عبدالمعطي أمين قلعجي.
وقد حرص العلماء الأقدمون على إبراز هذا القسم من كتاب زاد المعاد منذ أمد طويل وقد وُجِدَتْ منه خمس نسخ أولها منسوخ في سنة 1163هـ.
اعتمد ابن القيم على استخلاص ما يتعلق بالطب النبوي على الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد درسها دراسة جيدة وصنفها بحسب نوع ماتتعلق به من أمراض أو علاجات، وقد وجدنا أن ذلك ينتمي إلى عدة فروع:
-1 الدعوة الكريمة إلى اتباع الوقاية من الأمراض.
-2 التحذير من العدوى، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ( لايوردن ممرض على مصح) .
-3 علاجات متنوعة.
-4 التحذير من الطبيب الذي يعالج الناس وهو غير ملم بأصول مهنته، وفي الحديث الشريف) من تطبب ولم يعلم عنه الطب قبل ذلك فهو ضامن ).
وبعد؛ فإن هذا الكتاب جم الفوائد، وهو على كبر حجمه لا يمل المرء قراءته لأنه كلما أمعن فيه وجد شيئا ينفعه وهذه هي صفة كتب ابن قيم الجوزية بعامة.
رحم الله علماء الأمة الأفذاذ الذين تركوا لنا إرثا ضخما من العلم والمعارف العامة
.

الوطن 27/10/2010
رد مع اقتباس