عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-07-2010, 10:18 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

القبس اليوم


ابوام النوخذة عبد العزيز العثمان : بوم موافج - بوم تيسير- بوم السالمي في نقعة العثمان


إلى من أفنوا صباهم وحياتهم في البحر ليضعوا للكويت تاريخا بحريا وتراثا نعتز به ونفاخر، الى نواخذة الكويت والى تلك السفن الخشبية الشراعية ومن صنعها، الى اجدادنا، الى والدي النوخذة احمد صالح السبيعي.. اسمح لي يا والدي بهذه الجزئية من الاسطر لأضعها في هذا الكتاب، لتبقى اعمالكم وذكرياتكم واحاديثكم الشيقة خالدة في نفوسنا وتاريخنا، نستشف منها حياة الكويت في الماضي ونلتمس منها العبرة ونجني منها معرفة الحياة.

وتقول بنت النوخذة خالدة أحمد صالح السبيعي: هذه الاسطر التي تحمل سيرة نوخذة استمر 23 سنة على ظهر السفن متنقلا من الخليج الى المحيط الى بحر العرب، وفي هذا العدد نستكمل جانبا آخر من حياته والابوام التي ركبها والصعاب التي واجهته ومخاطر الحرب العالمية الثانية والقصص والحوادث التي كانت في ذاكرته.

«تيسير» ونجاح التجربة الأولى
بوم تيسير هو المحمل الاول الذي ركبه النوخذة احمد رحمه الله، وهو صغير، ويتسع لاربعين بحارا، لقد اسند النوخذة العم عبدالوهاب العثمان لاحمد السبيعي مهمة قيادة المحمل الى البصرة، ويدرك كلاهما ان البوم تيسير بوم ليس سهلا، ولا شك في انه رأى فيه ما يجعله يثق بأنه قادر على انجاز تلك المهمة خصوصا ان احمد السبيعي كان شابا يملؤه الحماس، والنشاط والهمة في ذلك الوقت.

يقول النوخذة احمد السبيعي عن تجربته الاولى في قيادة محمل تيسير: «لقد اوصاني المرحوم العم عبدالوهاب العثمان بخط سير محدد وهو عند عبور الكويت عليك ان تسلك طريق جزيرة عوهة ولا تعبر جهة جزيرة فيلكا او جزيرة مسكان بسبب ضحالة المياه في هذا الطريق وتحاشيا لاحتكاك البوم بالقاع، تفهمت الاسباب ولكنني رأيت الظروف مواتية لعبور المحمل بسلام اذا ما سلكنا طريق فيلكا باتجاه البصرة فهناك 3 عناصر تؤمن ذلك اولها ان المد كان عالمياً، حيث كان أيام حمل، والثاني أن عمق المياه أسفل المحمل كان مناسباً للعبور، والثالث هو اتجاه الرياح وسرعتها كانت مناسبة جداً. هنا قررت أن أختصر الطريق والوقت معاً، وكنت حريصاً على أن يمر المحمل بسلام.

كان البحارة متخوفين من فشل تلك «المغامرة»، بعد عبور جزيرة «مسكان» رأينا بعض «أبوام الماي» متجهة إلى الكويت فأخبروا العم عبدالوهاب العثمان بعد وصولهم الكويت بأنهم رأوا تيسير خارجاً من جهة «مسكان» باتجاه «بوبيان» متجهاً إلى «البصرة»، فرد عليهم لقد اختلط عليكم الأمر فخط سيره مختلف عن هذا الطريق. فأكدوا له أنهم يعرفون تيسير وبأن «نوخذاهم» أحمد السبيعي رفع يديه يحيينا من بعيد، فأطرق رأسه العم عبدالوهاب مستنكراً عدم الامتثال لنصائحه. وبعد فترة وجيزة نقلت أبوام المياه الأخرى لحظة وصولها إلى الكويت خبر وصولنا إلى الفاو، عندها التقط العم عبدالوهاب أنفاسه وقال الحمد لله.

ثم بعد ان التقيت به، استفسر عن عدم امتثالي لأوامره، فقلت له يا عم عبدالوهاب «يرى الحاضر ما لا يرى الغائب» وشرحت له الظروف المواتية للعبور بأمان وبسلام.

السبيعي معلم
حين تسلم النوخذة أحمد السبيعي مهمة قيادة المحمل كنوخذة معلم كان عمري 27 - 30 سنة تقريباً، وكان ذلك في محمل بوم العثمان اسمه «فتح الكريم» وهو أصغر من بوم «تيسير» وحمولته 2500 مَنْ، وقد رشحه النوخذة عبدالوهاب العثمان لتلك المهمة بعد ان وجد فيه الفطنة والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة.
أما عن سفراته مع النوخذة عبدالوهاب العثمان والنوخذة يعقوب بشارة فيقول احمد السبيعي: «لقد تنوعت خبراتي فقد سافرت سنتين مع النوخذة العم عبدالوهاب و3 سنوات مع النوخذة يعقوب بشارة بعد ذلك سافرت مع النوخذة ابراهيم المشعل في بوم تيسير كمساعد و«معلم» لمدة سنتين بعدها ذهبت كمعلم لدى النوخذة عبدالعزيز بن شايع لمدة سنتين، وبعدها كنت مع النوخذة راشد بن مبارك كمعلم لمدة سنة. وذلك لحاجتهم لمن يجيد القراءة والكتابة في ذلك الوقت، وكذلك ركبت مع النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان كمعلم، وآخرين حيث كان يصرف لي اعلى من القلاطة بقليل، اما آخر سفرة لي كمعلم فكانت في سنة 1938».

لقد تسلم احمد السبيعي قيادة السفينة كنوخذة في بوم «موافج» وهو ملك للعم النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان بعد ان حالت صحة النوخذة عبدالله العثمان عن السفر لكبر سنه، حيث استمر احمد كنوخذة عدة سنوات.
ويقول النوخذة احمد: لولا قيام النوخذة عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان بتدريب وتأهيل الآخرين لما وجدنا النوخذة احمد صالح السبيعي ولا النوخذة عيسى يعقوب بشارة، هؤلاء الذين ركبوا مع كبار النواخذة وتعلموا منهم اصول البحر وهم يافعون حتى اصبح كل منهم «نوخذة معلم».

يذكر لنا النوخذة عيسى عبدالله العثمان في كتابه «المختار في مجاري البحار» انه تعلم علوم وفنون البحر في اثناء رحلاته وهو في الرابعة عشرة من عمره برفقة والده النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان، حيث تعلم مبادئ القياس على يد «المعلم» عيسى يعقوب بشارة الذي استعان به والده في قياس مواقع السفينة في البحر، وهي الرحلة الاولى لعيسى العثمان، حيث كانت رحلتهم من الكويت الى البصرة، حيث حملوا التمر ثم توجهوا الى الهند. اما في الرحلة الثانية في العام التالي فيقول النوخذة عيسى العثمان: «ان النوخذة احمد صالح السبيعي كان هو المعلم في رحلتي الثانية، وتعلمت على يديه المزيد من علوم وفنون البحر».

الحرب العالمية الثانية
وأضافت: لقد تزامنت مسيرة النوخذة في الإبحار بمنطقة الخليج والمحيط الهندي مع فترة الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945، في ذلك الوقت يقول النوخذة أحمد:
«شاهدنا في البحر بعض الغواصات والبوارج والسفن الحربية الأجنبية. حيث مرت تلك الغواصات على أبوام كويتية كثيرة وكنا نراها أحياناً تطفح ثم تغوص، وفي إحدى المرات ضربت إحدى الغواصات بوم النوخذة «بن جارالله» لأنه رفع علم الكويت وكان في ذلك الوقت لون علم الكويت أحمر وهو على ما يبدو في العُرف العسكري يدل على وجود إنذار أو خطر قادم إليهم. لكن الله أنجاهم وركبوا «الماشوه» لمدة 3 أيام إلى أن وصلوا إلى الهند بسلام».

كما قال النوخذة: كان دورنا كبيراً حيث كنا نوفر المؤمن والأكل لأهل الكويت فرغم كل الظروف الصعبة لم تنقطع المؤمن الغذائية عن أهل الكويت بفضل الله وبفضل استمرارية رحلات السفر، لقد رأينا المخاطر ونحن في وسط البحر في ذلك الوقت وتحديداً بين المحيط الهندي وبحر العرب حيث كانت البواخر الحربية للإنكليز توقفنا، وكنا نتعرض لاستجواباتهم (من أنتم؟ وماذا تفعلون؟ وماذا تحملون)، وبعد ان يتأكد الإنكليز نكمل مسارنا، إن تلك المهمات البحرية هي أساس حياتنا في الكويت، لا شك في أن الإنكليز على علم بطبيعة رحلاتنا، الأمر الذي جعلهم يتفهمون فلا يتعرض لنا أحد منهم، فنكمل رحلتنا بسلام على الرغم من أعداد الغواصات الحربية من حولنا في المنطقة وكنا معتمدين على رعاية الله سبحانه لنا.

وقد سأله الدكتور يعقوب يوسف الحجي قائلاً: ألم تدركوا خطورة الإبحار في ظروف الحرب العالمية؟ فرد عليه النوخذة أحمد السبيعي قائلاً:‍ لا شك في اننا كنا ندرك تلك الخطورة ولكن ظروف معيشتنا تحتم علينا مواجهة المخاطر، الأمر الذي يجعلنا نتم هذه الرحلات بحذر. لأن الكويت في ذلك الوقت في أمس الحاجة للمؤن الغذائية.
إضافة إلى ذلك يذكر النوخذة عيسى عبدالله العثمان في كتابه «المختار في مجاري البحار» حول بعض الحوادث التي تعترض سفن السفر الشراعية في الحرب العالمية الثانية فيقول: كنا في بومباي آخر الموسم من عام 1941 وعزمنا على السفر إلى الكويت ولكن المسؤول في ميناء بومباي نصحنا بعدم السفر، لكننا خفنا ان ينتهي الموسم فنضطر الى البقاء حتى الموسم الآخر، لذلك عزمت على التوكل على الله والسفر.

تركنا بومباي في يوم الخميس 1941/4/30 وفي اليوم الرابع ونحن على بعد 250 ميلا من ساحل الهند شاهدنا جسما تحت الماء، فقال البحار هذه اسماك جراجير، لكن بعد لحظات عرفنا انها غواصة، وشاهدنا مدافعها مصوبة نحونا فرفعنا الاعلام البيضاء وبعد ذلك تركتنا الغواصة بسلام.

وعلى مسافة بعيدة كانت هناك سفينة لا نعرف من صاحبها فاتجهت اليها الغواصة وضربتها، وحين وصلنا مسقط علمنا ان هذه السفينة للنوخذة عبدالله الخال من اهالي دولة قطر، وان الغواصة الالمانية هي التي اغرقتها، لان النوخذة رفع الاعلام الحمراء بدلا من البيضاء، وبعد ان ضربتهم الغواصة ركبوا قارب الماشوه ولم نعرف كم مات وكم سلم منهم من الموت، ولكن الناجين وجدوا باخرة اوصلتهم الى ميناء بومباي، وعنهم روينا هذه القصة.
وقد اكد ذلك النوخذة صقر عبدالوهاب القطامي في حوار اجراه الصحافي جاسم عباس في صحيفة القبس الكويتية في العدد 13159 الصادر يوم السبت 16 يناير 2010 على الحوادث المؤسفة التي تعرضت لها السفن الكويتية ابان الحرب العالمية الثانية فيقول:

«في عام 1944، كنا 3 سفن مبحرين من كاليكوت الى جوا في بحر العرب، سمعنا اصوات المدافع، ومع ازدياد الرياح رجعنا الى بر الهند، وبقية السفن عبرت فتعرضت لها غواصة ضربت واحدة منها، ولانها محملة بالاخشاب فلم تغطس، اما السفينة الثانية فقد ضربت في مقدمتها، فاستعملوا الماشوه (زورق النجاة) حتى انقذتهم سفينة حجاج قادمة من جدة اوصلتهم الى بومبي، والسفن الكويتية ابرقت الى اهالينا ان الجماعة سالمون ووصلوا مسقط، واعتقد التجار من اهل الكويت ان بوم الداو قد ضرب، وعند وصولنا ميناء عدن سألنا عن سبب اعتداء الغواصة اليابانية على السفن الشراعية في البحار، فقالوا: ان بريطانيا تستأجر الابوام وتضع فيها المدافع، فجاءت الاوامر بضربها ونحن الضحايا، وهذه الغواصة ضربت سفنا ايرانية وعمانية».

السفن بشراع اوماكينة
واضافت: تعددت خبرات النوخذة احمد حيث ركب بوم «تيسير» واصبح نوخذة في بوم العثمان «فتح الكريم» لمدة ثلاث سنوات، ثم نوخذة في البوم «المحمدي» لمدة سنتين، ثم في سفينة ذات محرك (لنج) للنوخذة عبداللطيف العثمان لسنوات قليلة.
كما يذكر لنا النوخذة احمد موقفا اخر يقول فيه: «اتذكر واحدة من سفراتي الاخيرة وتحديدا في سنة 1950 تقريبا في لنج بشراع وبماكينة 45 حصانا بحمولة 700 من، لصاحبه عبداللطيف الثنيان، وكان محملا بالذهب وكان معي سعود فهد السميط، ابحرنا متجهين الى جوا وحين وصلنا الى جزيرة كبر اشتد الهواء علينا مما ادى الى خلل في السكان، واضطررنا للتوقف بجزيرة «كبر» محاولين اصلاح السكان وبعد اصلاحه توقفت الماكينة حاولنا تشغيلها دون جدوى، ثم اضطررنا الى الابحار باستخدام الشراع، ومن شدة الرياح تضاعفت سرعة المحمل عما كانت عليه في اثناء استخدامنا للماكينة.

وبعد اربعة ايام وصلنا الى «لنجة»، وهناك اصلحنا الماكينة عند شخص اسمه ابراهيم وشكو معروف بخبرته في صيانة الماكينات. وواصلنا الابحار لمدة يومين باستخدام الماكينة، وبعد ان تجاوزنا منطقة سلامة تغير الرياح الى كوس وتعطلت الماكينة مرة ثانية عندها توجهنا الى بندر عباس واصلحنا الماكينة هناك وواصلنا الابحار.. بعد ذلك غيرنا وجهتنا الى مسقط للتأكد من صلاحية الماكينة تجنبا لتكرار حدوث اي عطل آخر في الماكينة نظرا لطول المسافة المتبقية في الرحلة خصوصا اننا نحمل الذهب.

وتمكنا من اصلاح الماكينة عند فنيين متخصصين لضمان وصولنا الى «جوا» بطريقة آمنة، حيث مكثنا يومين في مسقط ثم أبحرنا وبعد 8 ايام وصلنا الى «جوا» بسلام، وعند وصولنا قمنا بتسليم الذهب الى السيد اسماعيل العبدالرزاق ــ رحمه الله ــ وعند رحلة العودة الى مسقط ثانية عادة ما نحمل طعانا او خشبا بهدف زيادة حمولة المركب، وبعد وصولنا الى مسقط حملنا بعض البضائع كما رافقنا بعض «العبرية» ثم واصلنا الابحار الى الكويت.

آخر رحلاته
وأضافت: عن آخر رحلاته يقول النوخذة: «في سنة 1952 أبحرت من الكويت إلى الهند ولمدة 3 أشهر كنت في بوم أحمد عبداللطيف العثمان «بوناصر» هو النوخذة وأنا مساعد له. أما آخر سفرة لي كنوخذة في السفن الشراعية فكانت في 1948، ولله الحمد خلال سفراتي كنوخذة (خلال 4ــ 5 سنوات) لم تصادفني مشاكل أو صعوبات، كالتي صادفتنا من قبل حين كنت متدربا أو معلما».

التحق النوخذة أحمد بوظيفة في وزارة الكهرباء والماء في سنة 1952.
وكان يقول لو يعود بي الزمن لعدت إلى البحر من جديد فأنا من عشاق البحر».

وفاته
وتقول خالدة: كان -رحمه الله- نعم الوالد الطيب الحنون المحب لأهله وأبنائه، له من الأبناء تسعة (ثلاثة من الأولاد: صلاح وسليمان وخالد، وله ست بنات) حرص على تعليمهم جميعاً وكان أباً مثالياً مقرباً من أبنائه صديقاً لهم يبادلهم الآراء ويداعبهم بخفة ظله المعهودة.
وفي يونيو من عام 1995 أسلم بعدها روحه إلى بارئها فجر يوم 1995/6/12.
رحمك الله يا أبا صلاح لقد عشت محبوباً طوال عمرك وتركت الحزن على فراقك في قلب كل من عرفك.


حادثة الصاعقة
لم تصادفني ضربات كالتي واجهتني في السابق عدما كنت معلما في بوم «عبداللطيف العثمان» عام 1939 وهي حادثة الصاعقة.
وهنا يوري لنا النوخذة أحمد السبيعي تلك الحادثة التي تعد من اصعب المواقف التي صادفها في رحلات السفر في السفن الشراعية والتي حدثت في سنة 1939. حيث كان في العشرين من عمره، يقول: «سافرت مع النوخذة محمد صالح في بوم عبداللطيف العثمان كمعلم، في تلك السنة ضربتنا صاعقة في عرض البحر وكان عدد البحرية حوالي 25 شخصا. وكانت حمولة البوم 2000 مَن، حيث سافرنا من الكويت إلى منطقة «القطيف» في الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية وحملنا «سُلوق» من القطيف إلى الهند وبعنا حمولة «السُلوق» في كراتشي وكذلك في البنادر التي نمر عليها في أثناء سيرنا على الساحل الهندي. ومن كليكوت حملنا الأخشاب بعدها واصلنا إلى النيبار وبعنا بضاعتنا هناك، وفي طريق عودتنا إلى الكويت مررنا بالقرب من جزيرة الشيخ وتحديدا على بعد 70 ميلا من البحر اشتدت علينا رياح «الكوس»، قمنا بإنزال الشراع ووضعنا الجيب، ولكن الرياح تزداد مصحوبة بالبرق والمطر الشديد والرعد يملأ السماء. المشهد كان رهيبا، البحر أبيض من ضوء البرق في عز الليل والصواعق تتخطفنا من كل اتجاه، السفينة تتقاذفها الأمواج العاتية يمنة ويسرة كأنها دمية صغيرة، في هذه الأثناء ضربتنا صاعقة شديدة أصابتنا جميعا بالذهول وأوشكنا على الهلاك وشعرنا بدنو أجلنا، بعدها تجمدنا لحظات من شدة الهول لا أحد يدرك ما حصل، فدعونا الله أن ينجينا مما نحن فيه ويرجعنا إلى أرض الوطن سالمين، استمر دوي الرعد الذي يصم الآذان طوال الليل. وبعد أن هدأت الرياح قرب الفجر اكتشفنا أن الدقل قد تحطم نهائيا إلى أوصال صغيرة متناثرة على الحبال، إلى درجة أنه في صباح اليوم الثاني قام الطباخ بتجميع الأجزاء الصغيرة من خشب الدقل فأشعلناه لطبخ طعامنا. وكان من بين بحارتنا أبناء النوخذة محمد صالح ــ رحمه الله ــ وهم عبدالله وإسماعيل وكذلك السكوني عبدالرزاق المحميد وعبدالله المريخي وعمي سعود السبيعي وإبراهيم المراغي وغيرهم.
ومن شدة الصاعقة اصيب ستة من البحارة وجدناهم خلف اليمة بحالة يرثى لها جلودهم منسلخة من شدة الصاعقة من بينهم إبراهيم المراغي وعبدالله المريخي وعمي سعود السبيعي وآخرون، واصبح البوم بلا دقل.
وفي الصباح صار الهواء كوس وليس لدينا سوى دقل القلمي، وهذا لا يؤدي الغرض المطلوب، في تلك الأثناء وجدنا بوم معلّ.ي من البحرين وصرنا ننوّ.ف له ووضعنا مَرْدي عليه مزويه سوداء لنثير انتباههم فيها وللأسف لم يرنا أحد، وما علينا إلا الاتكال على الله والتفكير بحلول مؤقتة توصلنا بسلام إلى أقرب شاطئ، بدأنا بوضع الدستور محل الدقل وربطنا الجيب مع القلمي إلى أن وصلنا إلى البحرين التي تبعد من 60 إلى 70 ميلا عن موقعنا تقريبا.
ولو كان الهواء شمال لأصبح الوضع أشد خطورة على أرواحنا وبضاعتنا. وأخيرا استطعنا الوصول إلى البحرين بسلام والحمد لله، وأخذنا المصابين إلى المستشفى للعلاج وذهبنا إلى رجل اسمه فخرو لشراء دقل جديد للمحمل.
وبعد أسبوع حمَّلنا طعان «رمل» من البحرين وأبحرنا إلى كراتشي، وحملنا قطنا من كراتشي إلى البصرة. وإحنا معلَّين إلى البصرة وتحديدا قرب جزيرة «أم المرادم» توفي النوخذة «محمد صالح» بعد مرض استمر يوما وليلة فقط. وبندرنا في الجزيرة والهواء كان شمال وخطفنا من أم المرادم إلى الزور وفي أثناء الليل دوَّق الهواء، ونحن متوجهون إلى الكويت وتحديدا عند منطقة الشعيبة فتوقفنا، وتم انزال الماشوه وذلك لدفن النوخذة «محمد صالح» هناك، وكتبنا رسالة إلى الكويت لنبلغهم فيها خبر وفاة النوخذة وإننا متجهون إلى الكويت بدلا من البصرة، وسلمنا الرسالة لأحد المارة بسيارته اللوري.
ووصلنا إلى الكويت مع لحظة تلقيهم لرسالتنا، حيث استقبلونا ونزلنا بعض البضائع بالكويت في ميناء الشويخ وهنا تأتي التشاشيل لتنزل البضاعة إلىالنقعة. أما الحطب فعادة يتم انزاله في البحر على شكل شواويش باتجاه النقعة ليتم تسلمه».
وقليلا ما كان البحارة يموتون في غبة البحر بعيدا عن اليابسة، ولكن يذكر لنا النوخذة صقر عبدالوهاب القطامي عن المرض الذي أصاب بحارته في البوم بالمحيط الهندي حيث توفي أحدهم وقاموا بغسله وتكفينه ثم ربطوا الجثة بالصخر حتى تركس وتصل إلى قاع البحر، وكان كل يوم يموت واحد من البحارة لمدة 3 أيام.


رد مع اقتباس