عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 09-02-2008, 02:48 AM
فاعل خير فاعل خير غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: كويت - بلاد العرب
المشاركات: 270
افتراضي

وكان من نتيجة إعلان الحماية أن بدأ تحرش العثمانيين بالكويت، ففي 14 فبراير ،1902 حيث أقام الترك خمس خيام لعساكرهم في جزيرة بوبيان، وقد أبلغ الشيخ مبارك البريطانيين، فأرسلوا السفينة سفنكس إلى هناك لاستكشاف الأمر.
وعند هذه الأخبار تنتهي أهم القضايا التي تمس العلاقات الكويتية البريطانية وفق ما وردت في أوراق الوكيل الإخباري ويجد القارئ تفاصيل أخرى حول هذا الموضوع (في الفصل الثاني) عند الحديث عن علاقات الشيخ مبارك بكل من الدولة العثمانية وإمارة آل رشيد. إضافة إلى ما جاء في نصوص الرسائل.
ثانيا - الشيخ مبارك الصباح والدولة العثمانية
يكشف ترتيب الأحداث حول علاقات الشيخ مبارك بالدولة العثمانية في رسائل علي بن غلوم عن كثير من المعلومات. ولا نريد الادعاء بأن تلك المعلومات جديدة بالنسبة إلى ما كتب في تاريخ هذه الحقبة أو أنها أحداث مكتملة السياق، ولكنها تقدم تفصيلات أولية لم تنلها أقلام المصنفين بالتعديل والتحرير، ولم تطلها أيادي المؤلفين المعاصرين. فمن الواضح أن اللقاءات التي تمت في الغرف المغلقة قد نقلت بحذافيرها - ومن أصحاب الشأن أنفسهم- بكل ما تحمله ألفاظهم من بساطة وبعد عن الرياء.
وتسجل رسائل علي بن غلوم مراحل الأطماع العثمانية في الكويت منذ أن بدأت تظهر الإشاعات حول اتفاقية الحماية التي عقدها الشيخ مبارك الصباح مع الحكومة البريطانية في يناير عام 1899 وتشير أول رسالتين مؤرختين في 4 و5 سبتمبر 1899 بعث بهما علي بن غلوم إلى ممثل المقيم السياسي البريطاني في البحرين محمد رحيم بن عبدالنبي إلى بداية المضايقات العثمانية. فقد تحدث في الرسالتين عن وصول أميرال بحري عثماني من البصرة إلى الكويت بتاريخ 2 سبتمبر ،1899 وكان معه خمسة عساكر. وقد نزلوا في تلك الليلة في بيت الشيخ مبارك. وبعد سؤال هذا الشخص عن دوافع قدومه إلى الكويت، ومن الذي أوفده إليها، ذكر أنه مأمور من الباب العالي وبتكليف من حمدي باشا والي البصرة ليكون قائدا بحريا في الكويت.
فقال له الشيخ مبارك إن بلده لا تحتاج إلى قائد بحري وأن عليه أن يعود من حيث أتى وألا يتم تنزيل شيء من حمولته وأن يسافر في الليلة نفسها. فأجاب القائد البحري بأنه لم يكن يتوقع معاملته بهذه الطريقة وإعادته بهذه السرعة، وأن في ذلك إهانة للدولة العثمانية، وأن الوالي سوف يستاء من هذا الأمر. فرد عليه الشيخ مبارك بأنه لا يريد سماع أي حديث في هذا الأمر وعليه العودة فورا إلى البصرة. وقد عاد بالفعل في الليلة نفسها بحال من الذل والهوان بحسب تعبير علي بن غلوم.
ولم يكتف الشيخ مبارك بهذا الأمر بل أمر الوكيل الإخباري علي بن غلوم أن يكتب على لسانه رسالة منه إلى السيد محمد رحيم ممثل الوكيل السياسي البريطاني في البحرين يصف فيها ما حدث، ويؤكد أن وراء كل ذلك والي البصرة حمدي باشا الذي يضمر له العداء منذ العام الماضي. ويبين أن ذلك العداء بدأ منذ مجيئ المندوب البريطاني إلى الكويت بصحبة محمد رحيم في وقت توقيع المعاهدة بين الكويت وبريطانيا، وبين الشيخ مبارك أيضا أنه لن يعير حمدي باشا أي أهمية التزاما بالاتفاق.
وذكر الشيخ مبارك أن تصرف حمدي باشا نابع من حسده وغيرته، فنحن نحكم الكويت منذ ثلاثمائة سنة، وحكومة الكويت تحت تصرفنا ندير زمام الأمور بها، فقد كانت الكويت أرضا قفراء جاءها جدنا الشيخ صباح مع جماعة من أقاربه وأنصاره فقطنوا بها وبدؤوا بعمارة أرضها وقد كان بداية ذلك الأمر عام 1017ه(1).
وقد أرسل الشيخ مبارك إلى المقيم السياسي نسخة من الرسالة التي بعثها حمدي باشا وهي مؤرخة في 17 ربيع الآخر عام 1317ه الموافق 25 أغسطس 1899م والتي يذكر فيها أنه من اللازم 'وجود رئيس ليمان (ميناء) بطرف الكويت للنظارة (الإشراف) على السفن المترددة لذلك الطرف.. وأنه قد تم تعيين رئيس ليمان البصرة حسن أفندي رئيسا على ليمان الكويت'. كما أرسل رد الشيخ مبارك على حمدي باشا والي البصرة وهو مؤرخ في نفس يوم ورود المبعوث التركي حسن أفندي أي في يوم 25 ربيع الآخر 1317ه الموافق 2 سبتمبر ،1899 وفيها يذكر الشيخ مبارك أن الكويت لا تستقبل سفنا أجنبية وأن هذا المحل أهله وحشيين(1) (أي أحرار) ولسفنهم تراجع إدارة ليمان البصرة فلا معنى لتغيير ما جرت عليه العادة من قبل (الوثيقة رقم 14).
كما أرسل الشيخ مبارك توضيحا مع الرسالتين المذكورتين يذكر فيه أن الإدارة العثمانية منذ مجيئكم مع المقيم السياسي البريطاني في رمضان الماضي (أي زمن توقيع المعاهدة) وهم مستطيرون، رغم أن معاملتنا معهم كانت على جاري العادة، وقد بعثنا إليكم بصورة الرسالة التي وصلتنا منهم أخيرا وبصورة ردنا عليها. ونفيدكم أن حمدي باشا (والي البصرة) يتربص بنا منذ ولايته السابقة، وهو رجل غشوم وسماع وليس له استقامة حال، ولا هو قدر ولاية ومع أن رسائلنا إليه كلها كانت بالملاطفة فإنه باق على حقده وعداوته وتشبثه بأملاكنا.
وذكر أن الكويت أنشأها جده صباح منذ ثلاثمائة سنة أي منذ عام 1017ه وما لأحد فيها مدخل غير آل الصباح، ولا لأحد تمسك بها ولا دليل له على ذلك (الوثيقة رقم 15).
والجدير بالذكر، أن حمدي باشا كان واليا على البصرة حينما تولى الشيخ مبارك زمام السلطة في الكويت، وقد أراد ذلك الوالي أن يستغل أحداث مايو عام 1896 في الكويت ليفرض سلطة الدولة العثمانية عليها. وقد استطاع الشيخ مبارك بنفوذه وصلاته السياسية مع أصحاب القرار في الآستانة أن يطيح بحمدي باشا ويبعده عن ولاية البصرة.
ولما علمت الآستانة في يناير سنة 1899 بأخبار الاتفاقية السرية بين الشيخ مبارك وإنكلترا، وتوقعت أن يكون ذلك بداية مرحلة من التوسع الإنكليزي في حوض الخليج العربي، قرر السلطان عبدالحميد الثاني وأعوانه المقربون تغيير سياستهم تجاه الكويت بهدف تعزيز النفوذ العثماني فيها، ومن ثم أعادوا حمدي باشا مرة ثانية إلى ولاية البصرة لما عرف عنه من رغبة في تنفيذ تلك السياسة.
وكان من أول أعمال حمدي باشا بعد عودته إلى الولاية أن قام بإبعاد من له علاقة بالشيخ مبارك من أعيان البصرة، وأمر بتغيير موظفي البريد والتلغراف الذين كانوا يطلعون مبارك والإنكليز على البريد والتقارير المتبادلة بين الوالي والباب العالي.
وبدأ في تشجيع الباب العالي على اتخاذ تدبيرات حاسمة تجاه الشيخ مبارك مدعيا أن ضم هذه الإمارة إلى الامبراطورية العثمانية سيعود على خزينة الدولة بمبلغ إضافي يقدر بأكثر من خمسين ألف ليرة سنويا، وكان من التدبيرات التي قررها حمدي باشا إرسال رئيس ميناء البصرة ليكون مسؤولا عن ميناء الكويت وهو الذي كان من أمره مع الشيخ مبارك ما كان بحسب ما فصلناه أعلاه.
وقد بدأ الشيخ مبارك حملة جديدة لدفع أذى حمدي باشا، ولم تقف تلك الحملة عند الشكوى التي بعث بها إلى المقيم السياسي البريطاني ليحيطه علما بما حصل بل كانت له وسائله الخاصة في تأليب أصحاب القرار في الآستانة على حمدي باشا، وقد أسفرت تلك الحملة عن إقالة حمدي باشا من منصب والي البصرة وإحلال محسن باشا -صديق الشيخ مبارك - محله. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل حصل الشيخ مبارك على اعتراف من الباب العالي باستقلاله التام عن ولايتي البصرة وبغداد. فذكر المندوب الإخباري علي بن غلوم في رسالته المؤرخة في 26 نوفمبر 1899 أن الشيخ مبارك قد تسلم تلغرافا من الباب العالي في الآستانة يفيد أن اتصالاته ينبغي أن تكون مباشرة مع الباب العالي وألا يكون ذلك من خلال والي البصرة أو بغداد. وهذا الأمر يجعل وضع الكويت (في نظر الدولة العثمانية) أشبه ما يكون بوضع مصر وهو اعتراف بكيان سياسي مستقل لا تربطه بولايات العراق العثماني رابطة.
ثم تتابعت الأحداث بين الطرفين، فالدولة العثمانية كانت تسعى بالترغيب أو الترهيب إلى السيطرة على الكويت، والشيخ مبارك كان دائما في وضع الحاكم الذي يعمل على المحافظة على استقلال بلده ويرفض أي تدخل من الدولة العثمانية.
(1) في خطاب الشيخ مبارك يبين فيه حدود الكويت يذكر فيه ان تاريخ نزول الصباح في الكويت هو 1022 هجرية، أي 1613 ميلادية. والتاريخان متقاربان.
(1) هكذا وردت في الأصل
رد مع اقتباس