عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-08-2010, 11:59 AM
الصورة الرمزية فتى البارق النجدي
فتى البارق النجدي فتى البارق النجدي غير متواجد حالياً
عضو مخالف، تحت الملاحظة، النقاط: 1
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 48
افتراضي

نواخذة العثمان
(1879-1950م)

لعل القارئ الكريم يلحظ - وهو يجول في ثنايا هذا الكتاب – أنه تمحور حول ثلاثة محاور أساسية.
الأول: مقدمات الكتاب التي تشكل مدخلاً مهماً لموضوعه، وقد مهدت له بإلقاء الضوء على أهمية حرفة التنوخذ بحد ذاتها، وبالتالي الدور الحيوي الذي لعبه النواخذة في تاريخ السفر الشراعي، وبالتالي في رسم الملامح الرئيسية لتاريخ الكويت في الفترة الماضية، ومن ثم الدور الإستراتيجي الذي لعبته الكويت في المنطقة.
الثاني: التعريف بعائلة العثمان التي لعبت دوراً مهماً في استقرار الحياة الحضرية في مدينة الكويت وما حولها جنباً إلى جنب مع بقية العائلات الكويتية الأخرى، التي عملت في السفر الشراعي أو الغوص على اللؤلؤ، من حيث أصلهم الكريم وفريجهم (حيهم) وعمايرهم ومسجدهم.
الثالث: التعريف - عن كثب – بكل نوخذة من نواخذة العثمان بشكل مستقل من خلال استعراض ما تيسر لنا من سيرته الشخصية، مركزين على إنجازاته البحرية وأبرز المواقف التي تعرض لها، وقد بينا الأحداث والمواقف التي تدل على تميز نواخذة العثمان بعاملين اساسيين من عوامل التوفيق والنجاح:
الأول: المتعلق بمهارته البحرية.
الثاني: أوجه إحسانه.
وفيما يلي عزيزي القارئ تفصيل لما يشمله المحور الثالث من المحاور الثلاثة المشار إليها أعلاه.

النوخذة عبدالله بن عثمان
تاريخ الميلاد: 1842 م.
تاريخ الوفاة: 1865م.
عدد سنوات العمل في مجال التنوخذ: 4 أعوام تقريباً.
أهم السواحل التي وصلها في رحلاته: شط العرب وموانئ الخليج العربي.
أهم البضائع التي كان يتاجر بها: التمور والمواد الغذائية والمواد الاستهلاكية.
نبذة عن عمله البحري:
عمل النوخذة عبدالله بن عثمان في مجال السفر الشراعي على مستوى سواحل الخليج العربي وشط العرب والمسمى "سفر القطاعة" والذي تنقل من خلاله السفن الكويتية بضائعها من الكويت وشط العرب إلى سواحل الخليج، وبالعكس.
وقد قدم عبدالله بن عثمان من نجد مع شقيقه عبدالعزيز ولم يكن لهما أية خلفية بحرية البتة، حيث لا بحر فيها ولا نهر، بل صحراء قاحلة عدا بعض الواحات المتناثرة بين التلال والكثبان الرملية (النفود)، ولكنهما سرعان ما تعلّما صناعة ركوب البحر كبحارة ثم ما لبثا أن التقطا فنون هذه الصناعة بنهم حتى تعلما فن قيادة السفن الشراعية، فأصبح كل منهما نوخذة يقود سفينته بشكل مستقل.
وقد توفي مبكراً في شبابه حين كان يحمل التمر في البصرة ليشحنه إلى الكويت وموانئ الخليج العربي، ودفن في جزيرة حجي صلبوخ في أعالي الخليج العربي جهة العراق، ولذا سمى أخوه عبدالعزيز ابنه البكر "عبدالله" إحياء لذكراه الطيبة، وقد كان عبدالله الصغير نوخذة حاذق، سنورد ذكره فيما بعد ضمن نواخذة العثمان، وكذلك بالنسبة لابنه النوخذة عيسى عبدالله عبدالعزيز العثمان.

ولقد زوج المرحوم النوخذة عبدالله بن عثمان ابنته منيرة لابن أخته هيا، وهو النوخذة محمد سليمان العثمان.
وهكذا تتشابك وشائج الرحم بين نواخذة هذه العائلة الكريمة علماً بأن ما بسطناه هنا هو بعض هذه الوشائج، أما بقيتها فسيتبين لنا بشكل أكبر في موضع لاحق من هذا الكتاب.

النوخذة عبدالعزيز بن عثمان
تاريخ الميلاد: 1845م.
تاريخ الوفاة: 1935م.
عدد سنوات العمل في مجال التنوخذ: 41 عاماً تقريباً.
أهم السواحل التي وصلها في رحلاته: شط العرب والأحساء والخليج والهند وممباسا.
أهم البضائع التي كان يتاجر بها: التمور والمواد الغذائية والأخشاب والأقمشة.
أبرز النواخذة الذين تدرب على أيديهم:
- النوخذة محمد المسجري.
- النوخذة عبدالرحمن العبد الجادر.
أبرز النواخذة الذين تدربوا على يده:
- النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان.
- النوخذة محمد سليمان العثمان.
نبذة عن عمله البحري:
ركب بحاراً هو وأخوه عبدالله في سفينة من نوع البغلة للنوخذة محمد المسجري. وبعد مضي ثلاث سنوات ركبوا مع النوخذة عبدالرحمن العبد الجادر، حيث أصبح الشاب عبدالعزيز بحاراً له سهم كامل (قلاطة). لكن عبدالعزيز كان يطمح إلى شيء أكبر من مجرد البقاء بحاراً على سفينة شراعية.
وبعد مضي حوالي 15 عاماً * قضاها في العمل بجد وإخلاص وصبر * استطاع أن يجمع مبلغاً من المال، فقام بشراء منزل كبير له ولعائلته، وبناء سفينة صغيرة أسماها "مسـاعد"، وكان ذلك في حوالي العام 1297هـ (1879م). وبدأت رحلات "مساعد" إلى الهند أولاً بقيادة النوخذة فلاح الخرافي، ثم بقيادة الشاب عبدالعزيز العثمان.
وبعد مضي عدة سنوات استطاع أن يصنع لنفسه سفينة أخرى عام 1310هـ (1892م) ذات حمولة تقدر بحوالي 1400 منٍّ من التمر، وأسماها "موافج". وفي تلك الأثناء توفي أخوه الأكبر عبدالله في البصرة ودفن فيها.
ثم اشترى النوخذة عبدالعزيز سفينة من آل العنجري، وعلّم ابنيْ أخته عبداللطيف ومحمداً أصول الملاحة وقيادة السفن الشراعية، فتسلم النوخذة عبداللطيف قيادة السفينة "مساعد" في عام 1311 هـ (1893 م). ثم بيعت السفينة "مساعد"، كما فُقدت السفينة "موافج" في حادثة غرق في البحر بالقرب من ساحل المهرة.
لكن النوخذة عبدالعزيز صنع لنفسه سفينة أخرى أسماها "موافج" أيضاً، أثبتت فيما بعد أنها من أفضل خشب الكويت ومن أطوله عمرًا، وكان ذلك في العام 1328هـ (1910م) وتولى قيادتها النوخذة عبدالعزيز ذاته حتى عام 1334هـ (1915م)، ثم تسلم قيادتها النوخذه عبداللطيف وأخيه محمد.
وفي بداية الحرب العالمية الأولى صنع النوخذة عبدالعزيز لنفسه سفينتين أخريين إحداهما بوم ماء والثانية هي البوم "تيسير" التي أصبحت من أشهر خشب الكويت.
واستمر النوخذة والتاجر عبدالعزيز في بناء السفن، يصنعها له الأستاد الكبير حسين بن منصور حتى توفي في الكويت في عام 1355 هـ (1936 م)، بعد أن خلفه أبناء أخته عبداللطيف ومحمد وولداه عبدالوهاب وعبد الله، وأصبحوا بدورهم من نواخذة الكويت الكبار.
أما نشأته وبناؤه لنفسه ابتداءً من لا شيء * بعد أن قدم صغيراً من سدير في نجد * فقد فصلناها جيداً في صدر هذا الكتاب تحت عنوان "عائلة العثمان... بين التاريخ والجغرافيا" في الصفحات من إلى ، ونحيل القارئ الكريم عليها تجنباً للتكرار.
ولقد وقفنا على وثيقة تؤرخ نشاط المرحوم النوخذة عبدالعزيز بن عثمان بعد فراغه من ركوب البحر والعمل كنوخذة على ظهور السفن، وهذا ما نشره الباحث في التراث الكويتي والإسلامي الإستاذ محمد إبراهيم الشيباني في جريدة القبس( ) من استعراض لأوراق ووثائق للخان بهادر عبدالله القناعي، وقد كانت إحداها عبارة عن تعهد يبرز النشاط البري الذي مارسه المرحوم عبدالعزيز بن عثمان بعد فراغه من النشاط البحري.
وهو تعهد قد كتبه المسيو باكليه رون كير وهو أحد رجالات الدولة البريطانية الممثلين لها في الكويت في بدايات القرن العشرين.
وبنظرة تحليلية لأهم التواريخ في حياته يمكن أن نربط بين تاريخ كتابة هذه الوثيقة (عام 1912م) وبين تاريخ فراغه من ركوب البحر في بدايات القرن العشرين، الأمر الذي يدل على الإطمئنان إلى نسبة هذه الوثيقة إلى المرحوم النوخذة عبدالعزيز بن عثمان، علماً بأن حاولنا استجلاء كل الأسماء الموجودة في ذلك الوقت والمطابقة لإسمه فكانت لأشخاص لم تتناسب نسبة هذه الوثيقة إليهم مع أحداث حياتهم الأمر الذي يزيد الإطمئنان إلى صحة نسبة هذه الوثيقة إلى المرحوم عبدالعزيز بن عثمان عميد عائلة العثمان المترجم له في هذا السياق.
وفيما يلي ما نصت عليه هذه الوثيقة مع تكملتها بالجزء الذي لم يظهر بالنسخة التي وقفنا عليها.
"وجه تحرير هذه الوثيقة
هو أنا يا مسيو باكليه رون كير قد تعهدت والتزمت لعبدالعزيز بن عثمان من أهل الزلفي يشيلني (ينقلني)( ) ورجالي وجميع أموالي من الكويت إلى القصيم من طريق بريدة وعنيزة والرياض والاحساء بأجار (بأجرة) عدد ماية (مائة) ليرة عثمانية وأيضاً عشرين ليرة إنعام (إكرامية)، وعلى عبدالعزيز المذكور البعارين (الجمال) وجميع ما يلزم من أشدة وخروج وقِرَب وخيمة وارفاق( )، إلا الزَّهَاب( ) علي أنا يا مسيو وقد سلمت بيد عبدالعزيز المؤمى إليه (المشار إليه) من الأجرة في الكويت خمسة وأربعين ليرة الباقي خمسة وسبعين ليره أسلمها له إن شاء الله تعالى في البحرين وإن احتجت أنا يا مسيو في الطريق لخمس ليرات سلف( ) يسلمها لي وأنا أسلمها له في البحرين مع باقي الأجرة، ومن بعد تسلمون له باقي الأجرة المذكورة، أخذ منه الورقة ممهورة لأجل البيان، تحررت هذه الورقة نسختين كل منا بيده ورقة كيلا نخون.
حرر في 23 صفر 1330هـ مطابق 13 فبروري (فبراير) عام 1912م".
ومن الجدير بالذكر أن نجاح المرحوم النوخذة عبدالعزيز بن عثمان كان له خلفية دعم اجتماعي أسري كريم، حيث أن المرحومة السيدة شيخة سالم السبيعي زوجة المرحوم النوخذة عبدالعزيز بن عثمان كانت سيدة بيت من الطراز الأول، حيث حفظت البيت وأهله في حضور زوجها وسفره، وساست "الحمولة" (بفتح الحاء: العائلة الكبيرة) خير سياسة، وقد كانت هذه الحمولة تضم أبناءها عبدالله وعبدالوهاب وزوجتيهما، وأبناء أخت زوجها هيا بنت عثمان وهما عبداللطيف ومحمد.
وعندما نقول أنها حفظت البيت فإننا نقصد معانٍ كثيرة، ومواقف طويلة تبدأ منذ الصباح الباكر حين توقظ الأولاد ليذهبوا إلى المسجد لأداء صلاة الفجر مع الجماعة في مسجد العثمان، الذي بناه زوجها، ثم لا يعودون من المسجد حتى تكون قد أعدت لهم الفطور.
وهكذا تشرف وتعد الوجبات، وتقوم بكافة الواجبات المنزلية التي لا يتسع المقام لذكرها، والمهم هنا أنها حافظت على كل البرامج اليومية في إدارة البيت الكبير في عملية انسيابية وطيبة خلت من المشاكل الاجتماعية والمادية ولله الحمد والمنة.
كما أنه من الجدير أيضاً بالذكر في هذا السياق أن نلقي الضوء على انعكاس مثل هذا الجانب في المجتمع الكويتي بشكل عام.
لقد كان النوخذة له مكانته الاجتماعية الكبيرة في المجتمع، ومن بعده الرتب البحرية الأخرى مثل مساعده (نوخذة الشراع) والمجدمي وهكذا.
وكذلك على صعيد الغوص على اللؤلؤ كانت للغواص مكانته الاجتماعية الأكبر ثم السّيب، والتي تنعكس من تميز الأول عن الثاني أصلاً في توزيع حاصل رحلة الغوص (القلايط: الأسهم).
ولقد كانت تشعر زوجة النوخذة بالفخر والاعتزاز للمكانة الاجتماعية والاقتصادية التي بلغها زوجها، أو بالمقابل تشعر بالمسؤولية تجاه ذلك وبالقدر نفسه، فتأخذ على عاتقها حفظ بيته وصيانة سمعته وحسن تربية أولاده وحفظهم من الزلل ما استطاعت.
كانت هذه نبذة عن الدور الرائد الذي قامت به المرأة الكويتية في هذا المجال.
أما بالنسبة لنساء العثمان فلن يعوزنا التفكير في حسن تدبيرهن، وقوة شخصياتهن، وطيب تربيتهن، ويكفي أن نرى انعكاس ذلك متمثلاً في كل من أوجه النجاح التالية:
1- بروز نواخذة العثمان ضمن أكفأ نواخذة السفر الكويتيين.
2- كثرة عددهم بشكل مطلق بحد ذاته، وكذلك بالنسبة للنواخذة الآخرين من العائلات الكويتية الأخرى.
3- نجاح العائلة في توارث مهنة "التنوخذ" جيلاً بعد جيل، أباً عن جد، وأخاً كبير لأخ صغير.
وهذه المظاهر الجلية للنجاح لا تأتي دون تيسير الله تعالى للنواخذة من آل العثمان، وتوفيقهم بإسنادٍ اجتماعي يدفعهم إلى النجاح دفعاً.
ومن الطبيعي عندما نتحدث عن نساء العثمان اللاتي كنَّ وراء كبار العائلة عندما برزوا في مجال التنوخذ في سفن السفر الشراعي أن نذكر زوجة عميد العائلة كما فعلنا آنفاً، حيث أنه من الطبيعي أيضاً أن تكون هي التي ضمت الجميع في حسن تربيتها ورعايتها.

النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان
تاريخ الميلاد: 1867 م.
تاريخ الوفاة: 1973 م.
عدد سنوات العمل في مجال التنوخذ: 33 عاماً.
أهم السواحل التي وصلها في رحلاته: شط العرب والخليج والهند وزنجبار.
أهم البضائع التي كان يتاجر بها: التمور والمواد الغذائية والأخشاب.
أبرز النواخذة الذين تدرب على أيديهم:
- النوخذة عبدالعزيز بن عثمان.
أبرز النواخذة الذين تدربوا على يده:
- النو خذة محمد سليمان العثمان.
- النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان.
- النوخذة عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان.
نبذة عن عمله البحري:
ولد النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان عام 1284 هـ (1867م) في فريج سعود بمدينة الكويت، حيث كان يقيم أفراد عائلته، وقد كانت عين الله ترعاه منذ الصغر، حيث روي عنه حادثة مؤثرة نزل فيها مطر شديد أحال البيوت المتهالكة - آنذاك - أنهاراً وفاض بها الماء، وكان عبداللطيف وعمره حينئذ أربعة شهور، وقد وضعته والدته بداخل "طبق" مصبوغ بالغار الأسود، لحفظه من الماء الذي وصل إلى أرضية الغرفة، وتركته بعد أن اطمأنت عليه، وذهبت لمساعدة باقي أفراد أسرتها، إلا أن الماء أخذ بالارتفاع في الحجرة رويداً رويداً حتى طفى الطبق فوق الماء وسار مع جريانه إلى حوض المسكن، ومنه إلى الباب، وكاد أن يخرج إلى خارج البيت مع سريان الماء، لولا عناية الله تعالى ورعايته حيث حُشر الطبق على باب البيت، فتنبهت والدته وهبت لنجدته.
وقد نشأ النوخذة عبداللطيف العثمان في كنف أسرة عركت البحر وفنون الملاحة فيه، وصارت سفنها تعبر عباب المحيطات والبحار، وقدمت الكثير لخدمة هذا الوطن العزيز وساهمت في تنمية اقتصاده.
تعلم في مدرسة سيد هاشم – وهي تقع قرب السوق – علوم القرآن الكريم والكتابة والقراءة وشيء من الحساب، كما تعلم من خاله النوخذة عبدالعزيز بن عثمان ومن النواخذة الكبار آنذاك أصول وفنون الملاحة البحرية، وقد نبغ بها وخبرها خبرة كبيرة.
رعاه خاله عبدالعزيز العثمان ودّربه على قيادة السفن الشراعية حتى أصبح بعد ثلاث سنوات قائداً للدفة (سكوني) مع خاله عبدالعزيز. ولما أتم الثامنة عشرة من عمره أصبح نوخذا، يقود سفينة صغيرة للقطاعة داخل الخليج.
ويعد النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان من كبار نواخذة الكويت، وهو أحد أشهر النواخذة الكويتيين بالخبرة الملاحية والحكمة وسعة الصدر.وقد ساهم في بناء سور الكويت هو وأخوه محمد.
وقد عرف عنه عفة اللسان إذ لم يعرف عنه ذكر أي عبارة تؤذي أحد أو تكدره، كما اشتهر بالنزاهة في معاملاته مع الآخرين وفي جميع أموره، وقد صدق مع الجميع فاصدقوه وتعاملوا معه على هذا المنوال وكان هذا ديدنهم جميعاً في ذلك الوقت، وهذا من نعم الله تعالى وحسن التربية التي تأسست على العقيدة السمحاء والسنة المحمدية الشريفة.
وفي مقابلة تليفزيونية تاريخية معه تحت عنوان (صفحات من تاريخ الكويت)، تحدث عن إحدى رحلاته البحرية مع خاله عبدالعزيز حين هاجمهم قراصنة في شط العرب يعرفون باسم "الدقاقة"، وكيف أن الله سلّمهم من شرهم فعادوا إلى أهلهم بسلام بعد تبادل إطلاق النار معهم.
تسلم النوخذة عبداللطيف قيادة سفن خاله عبدالعزيز مثل "موافج" و"تيسير". ولعل رحلات النوخذة عبداللطيف على البوم "تيسير" من الرحلات التاريخية الموفقة. فقد قاد هذه السفينة بكفاءة ومهارة، ووصل بها إلى معظم موانئ الهند الغربي. وكان خلال رحلاته هذه يدرب أقاربه على فنون الملاحة وقيادة السفن الشراعية، حتى أصبح هؤلاء من نواخذة الكويت المتميزين. وكانت السفينة تيسير مدرسة آل العثمان البحرية.
يصف عبداللطيف محمد الشاهين الغانم النوخذة عبداللطيف العثمان بأنه رجل حكيم ومتأنٍِ وذو شخصية متميزة".
كما يصف الأستاد علي عبدالرسول النوخذة عبداللطيف بأنه حكيم ويحرص على سلامة البحارة والسفينة. فإذا ما أقبل الليل أمر بإنزال الأشرعة تاركاً الشراع "العود الرئيس"، وترك البحارة يأخذون قسطاً وافياً من الراحة إذ لم يكن ممن يسابق غيره من السفن * كما يفعل الكثيرون * بل يقود محمله بتعقل ومهارة.
كما يصف أحد بحارته أخلاقه بأنها طيبة، فإذا ما أراد أن يصدر أمراً بتغيير اتجاه الشراع (الخايور)، فإنه يقف أمام "القائم" ثم "يتنحنح" وكأنه يستعد للكلام فيعرف البحارة ما يريده ويستعدون للعمل، فلا هو ممن يكثر الكلام والمزاح، ولا هو ممن يحيط نفسه بعزلة عن البحارة". وهو نوخذة ومعلم يعرف أصول الملاحة وأسرارها.
كما أنه راوية للتاريخ جيد، تدل على ذلك المقابلة التليفزيونية التي أجريت معه عام 1966م وما فيها من معلومات قيمة ذكرها النوخذة عبداللطيف، حتى طريقة جلوسه على المقعد في هذه المقابلة تشعرك بوضوح أنك أمام رجل غير عادي، يفرض عليك احتراماً قل من يفرض عليك مثله من المتحدثين، وعلى رأسه عقاله "الشطفة" الأنيق.
وهو يروي في هذه المقابلة قصة حدثت له عندما ترك السفر الشراعي وكان راجعاً في باخرة مع صديقه محمد ثنيان الغانم. فقد التبس الأمرعلى قبطان الباخرة، وهو بالقرب من البحرين، فلاحظ ذلك النوخذة عبداللطيف الذي همس في أذن صديقه محمد ثنيان، فما كان من صديقه إلا أن أرسل من يقول للقبطان إنه مخطئ في مساره، ولما وصل التحذير للقبطان أرسل في طلب النوخذة عبداللطيف، وعندما تحدث معه عرف أنه أمام ملاح ماهر وحاذق، فقد ثبت صحة ما قاله بعد ذلك.
ويضيف النوخذة عبداللطيف أنه لم يكن بوده أن يتدخل في شؤون القبطان، لكن صديقه محمد ثنيان، أصر على ذلك وطلب منه أن يذهب للقبطان للتباحث بهذا الشأن.
وفي وصفه لأحوال أهل الكويت آنذاك، ولحبهم للسفن والبحر، يروي النوخذة عبداللطيف (في المقابلة المذكورة) أن أهل الكويت حين يسمعون أن واحداً منهم وفقه الله وبدأ يبني لنفسه سفينة، ويمد قاعدتها (البيص)، فإنهم يذهبون إليه في ديوانه ويباركون له بدء العمل في بناء السفينة، ثم يقدمون له المساعدة، فبعضهم يعطيه قماشاً للشراع، واَخر يعطيه "فرمن" لحمل الشراع، وغير ذلك من أدوات السفينة التي تحتاجها قبل أن تبحر من الكويت.
وفي الوقت الذي لم تكن قد ظهرت فيه المحاكم إلى الوجود، كانت هناك لجان أهلية من ذوي الخبرة والدراية تقوم بالنظر في القضايا ذات الاختصاص، وكان يطلق على اللجنة اسم "أهل الصنف".
ولقد كان للمرحوم عبداللطيف العثمان دور في عضوية لجنة "الخلافات" التي قد تقع بين النوخذة والبحارة أو بين تجار اللؤلؤ أنفسهم، فقد اكتسب خبرة ودراية وثقة الناس به نتيجة السمعة الطيبة التي كان يتمتع بها كسائر أعضاء اللجان الأخرى.. ولم تكن مثل هذه اللجان ذات صفة رسمية، لكنها كانت محل اعتزاز وثقة وقبول في كل ما تقضي به من أحكام بين المتخاصمين.
أدرك – رحمه الله – أنه من بنى لله تعالى بيتاً في الدنيا بنى الله له بيتاً في الجنة من واقع الحديث النبوي الشريف عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ أَوْسَعُ مِنْهُ فِي الْجَنَّةِ" رواه أحمد. فبنى - رحمه الله – مسجداً كبيراً ذو مئذنتين في ضاحية عبدالله السالم (قطعة3) عام 1389هـ الموافق لعام 1969م وهو يشغل مساحة كبيرة من الأرض، حيث يتسع لأكثر من ثمانمائة مصلٍ، بالإضافة إلى مصلى النساء. ويمتاز المسجد بلونه الأصفر الملفت للنظر، واسلوبه المعماري المميز ونقوشه من الخارج والداخل.
كما كان * رحمه الله * رائداً في عمل الخير والإنفاق في سبيل الله تعالى، خصوصاً في المناطق الفقيرة، فقد بنى في الزبير مسجداً للمزارعين والسكان غير المقتدرين على إقامة مسجدٍ يقيمون فيه صلاة الجمعة والجماعة، وقد أوقف عليه سبعة دكاكين، اثنان منها للإمام والمؤذن، ويقيم في البقية منها الأسر المحتاجة من أهل الزبير.
وأسس كذلك مسجداً آخر في منطقة الفاو بالعراق يرتاده كثير من المصلين بسبب كبر مساحته واتساعه، وقد تم بناؤه في عام 1965م.
كما أدرك – رحمه الله – بناء السور وشارك في بنائه للدفاع عن الكويت من هجمات المعتدين.
وقد استطاع عبداللطيف سليمان العثمان، أن يملك أكثر من سفينة "سفر" إلى الهند وزنجبار وعدن تحمل الأخشاب والتمور والأقمشة وغيرها من البضائع بين الكويت والموانئ الأخرى.
ويعتبر بوم عبداللطيف العثمان الذي يحمل اسم "فتح الرحمن" من أشهر أربعة مراكب كانت ملكيتها تعود إليه في عام 1936م. وبه نوخذا وبحارة يعملون لصالح مالكه، كما أنه كان لدى عبداللطيف العثمان مركب آخر اسمه.. "فتح الخير".. بالإضافة إلى سفينتين للسفر، ومن أشهرالنواخذة في هذه المراكب حسن الشطي، وعبد الرحمن الداود وعبدالرحمن الإبراهيم، الذي كان نواخذة في البوم" العثمانى" ولم تكن لديه سفن للغوص.
استمر النوخذة عبداللطيف يقود السفن الشراعية التابعة للعائلة حوالي 33 عاماً ترك بعدها قيادة السفن في عام 1931م، وتسلم النوخذة عبدالوهاب قيادة البوم "تيسير" بدلاً منه، بينما تفرغ النوخذة عبداللطيف لترتيب الأمور التجارية للعائلة، فكان يسافر إلى البحرين حين يعلم بوصول سفنهم ويخلص أمورها التجارية، ويودعها في رحلة العودة إلى الكويت.
وحين بدأ السفر الشراعي في التوقف، لزم النوخذة عبداللطيف ديوانه في حي القبلة يستقبل أصدقاءه ويقدم المشورة للناس.
ولما بدأ هدم المنازل القديمة في المدينة وترحيل السكان إلى منازل في مناطق خارجها، لزم النوخذة عبداللطيف منزله ولم يشأ أن يتركه إلا مضطراً، حتى وفاته في الحادي والثلاثين من أغسطس عام 1973م بعد تركه منزله القديم بسنوات قليلة، وكان عمره حوالي 106 أعوام.
وقد كرَّمته الدولة بإطلاق إسمه على أحد شوارع ضاحية عبدالله السالم (قطعة 3).
لقد تحدثنا في ختام سيرة المرحوم النوخذة عبدالعزيز بن عثمان عن زوجته الكريمة التي كانت أحد الأسباب المهمة والرئيسية لنجاحه، أما عبداللطيف فقد تزوج ابنة خاله فاطمة عبدالعزيز العثمان، وهي الأخرى كانت صاحبة فضل وحسن سياسة وتدبير، وقد أنجبت الأبناء الصالحين ومنهم النوخذة أحمد عبداللطيف العثمان. وقد كانت هي الأخرى * وسائر نساء العثمان * تقوم بواجباتها الاجتماعية والمنزلية على أحسن وجه، باعتبارها بنت نوخذة وزوجة نوخذة وأم نوخذة، فكيف لا تكون قيادية وقد كانت ربيبة النواخذة منذ نعومة أظفارها.
فهي بنت النوخذة القدير عبدالعزيز بن عثمان، وزوجة النوخذة القدير عبداللطيف سليمان العثمان، ووالدة النوخذة أحمد عبداللطيف العثمان، والنوخذة داوود عبداللطيف العثمان.
وقد كانت تدير كافة شئون بيت الحمولة (العائلة الكبيرة) الذي سكنت فيه أربع أسر، وقد كانت تتميز بحسن الإدارة وحسن العبادة إذ استطاعت - رحمها الله – أن تقوم بكافة شئون المنزل وإدارته في حين أنها تقضي أغلب أوقات فراغها وهي على سجادة الصلاة تصلي أو تنتظر الصلاة، سواء في الليوان (الممر) أو في غرفتها.
كما تزوج عبداللطيف سليمان العثمان فاطمة محمد السبيعي (أم سليمان) التي اشتهرت بورعها وتقاها، وقد كانت تؤم النساء في صلاتي العشاء والتراويح في بيتها، وينتظم خلفها حوالي عشرون امرأة.
وقد كانت رحمها الله محبوبة محبة للناس تتفقد وصول خشب (سفن) أهل الكويت كافة ولا تكتفي بالسؤال والاطمئنان على وصول خشب العثمان فقط، وكان سؤالها المعتاد: "مِنْ بَيَّن من الخشب؟".
وكذلك ابنته موضي عبداللطيف سليمان العثمان زوجة النوخذة القدير عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان، التي كانت له خير سند أيضاً في أسفاره الأولى، حيث أشرنا آنفاً في التعريف الشخصي به، بأنه تزوج مبكراً في بداية شبابه.

النوخذة محمد سليمان العثمان
تاريخ الميلاد: 1880م تقريباً.
تاريخ الوفاة: 1945 م.
عدد سنوات العمل في مجال التنوخذ: 25 عاماً.
أهم السواحل التي وصلها في رحلاته: شط العرب والخليج والهند.
أهم البضائع التي كان يتاجر بها: الأخشاب والتمور والمواد الاستهلاكية الأخرى.
أبرز النواخذة الذين تدرب على أيديهم:
- النوخذة عبدالعزيز العثمان.
- النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان.
أبرز النواخذة الذين تدربوا على يده:
- النوخذة يوسف محمد العثمان.
- النوخذة عبدالرحمن إبراهيم العثمان.
- النوخذة عبدالرحمن داوود العثمان.
نبذة عن عمله البحري:
تدرب على يد أخيه النوخذة عبداللطيف العثمان، كما تعهده خاله عبدالعزيز بالرعاية حتى شبّ وأصبح من نواخذة السفر الشراعي في الكويت، وتسلم قيادة بوم العثمان المعروف باسم "تيسير" في أولى رحلاته عام الحرب العالمية الأولى (1914م). وقام بقيادة هذه السفينة حتى تسلمها منه النوخذة عبداللطيف، فركب في قيادة سفينة خاله عبدالعزيز"موافج" الأولى التي غرقت بالقرب من ساحل اليمن.
ولما صنع البوم"موافج" الثاني عوضاً عنه، تسلم قيادته لسنين طويلة وكان يذهب إلى الهند محملاً التمر ويعود محملاً الأخشاب. وكان يركب معه خلال هذه الرحلات النوخذة عبدالرحمن العثمان ليتعلم أساليب التنوخذ منه. فلما ترك النوخذة محمد البوم "موافج" تسلمه منه النوخذة منصور الخارجي ثم ابنه النوخذة يوسف العثمان بعد ذلك. وقد تفرغ بعدئذ لاستقبال سفن العائلة في كراتشي وبوربندر وبراوا لتصريف حمولتها من التمور في تلك الموانيء والمدن ثم تحميلها من جديد بالبضائع المختلفة إلى الكويت، كالأخشاب والتوابل والشاي وسائر المواد الغذائية والإستهلاكية.
وبالمقابل كان أخوه المرحوم النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان مسئولاً عن استقبال سفن العائلة في النيبار لتصريف حمولتها الواردة، ثم تحميلها بالأخشاب والقهوة والحبال وغيرها من المواد الاستهلاكية والغذائية.
ولقد كان المرحوم النوخذة محمد سليمان العثمان يستقبل سفن العائلة في مسقط لشراء التمور "والسلوق" وبيع المواد المستوردة من الهند في عمان والعجير والبحرين.
وقد كان يحل ضيفاً على المرحوم خالد السعدون والمرحوم بدر الساير عندما يزور البحرين، حيث كانا مشرفين على عمارة يملكها المرحوم هلال فجحان المطيري ويسكنان فيها، وكانت تسمى "البلدينج" نسبة للتسمية الإنجليزية (building)، وكان من أصدقائه في البحرين المرحوم صالح النفيسي.
وقد روى كل من المرحوم صالح العبدلي وعبدالرحمن الزامل أن النوخذة محمد سليمان العثمان استملك لاحقاً مع أخيه النوخذة عبداللطيف بيتاً للسكن في البحرين عند حضورهما إليها.
يوصف النوخذة محمد بأنه واسع الصدر، لا يجهد البحارة ولا السفينة. وقد استمر في رحلاته الشراعية حتى وفاته عام 1945م.
وقد ساهم – رحمه الله – في بناء سور الكويت الذي تكاتف أهل الكويت لبنائه دفاعاً عن وطنهم من المعتدين.

النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان
تاريخ الميلاد: 1866م تقريباً.
تاريخ الوفاة: 2/6/1962م.
عدد سنوات العمل في مجال التنوخذ: 40 عاماً.
أهم السواحل التي وصلها في رحلاته: شط العرب والخليج والهند واليمن.
أهم البضائع التي كان يتاجر بها: الأخشاب والمواد الغذائية.
أبرز النواخذة الذين تدرب على أيديهم:
- النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان.
- النوخذة محمد سليمان العثمان
أبرز النواخذة الذين تدربوا على يده:
- النوخذة عيسى بشارة بصفة معلم.
- النوخذة أحمد السبيعي بصفة معلم.
نبذة عن عمله البحري:
هو شقيق النوخذة عبدالوهاب، ومع أنه لا يعرف القراءة ولاالكتابة، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يصبح من نواخذة الكويت المشهود لهم بالنزاهة والصدق وحب الخير.
ركب شاباً مع قريبه النوخذة عبداللطيف العثمان ومنه تعلم أصول قيادة السفن الشراعية حتى أصبح سكونيّاً. وحين أتم الخامسة والعشرين من عمره سلمه والده سفينة شراعية ليقودها إلى موانئ الهند.
ولم يكن النوخذة عبدالله معلماً وخبيراً بقياس مواقع السفينة، لكنه تحلى بخبرة وثقة في نفسه وإيمان بالله كبير. وكان يصحب معه ابنه الشاب عيسى لكي يتعلم منه مبادئ قيادة السفن الشراعية، وكذلك آداب المعاملات التجارية وأساليبها.
ويتحدث ابنه عيسى عن أحد هذه الدروس قائلاً: "كنت مع الوالد في بومباي نحاول بيع التمر هناك، ولما عرض علينا السعر من قبل تاجر يسمى عبدالشكور لم يعجب الوالد فذهبنا إلى المسجد لصلاة العشاء، وحين خرجنا من المسجد أقبل علينا "دلال" آخر يعرض سعراً للتمر أعلى مما عرضه الدلال الأول، لكني فوجئت بالوالد يرفض السعر الأخير، ويخبر الدلال أنه باعه للدلال الآخر الذي سبقه في عرض السعر، فلما قلت للوالد إن سعر الدلال الثاني أعلى، قال لي "اسمع يا ولدي: إحنا ناس نروح ونيجي في هالبحر، ونخاطر بأنفسنا وحلالنا، ورأس مالنا الحقيقي هو النية السليمة، وقد قررت بيع التمر على الدلال الأول (عبدالشكور) حين كنت في المسجد، ولن أغير نيتي حتى ولو حصلت على سعر أعلى".
ركب النوخذة عبدالله في قيادة سفينته عدة سنوات، وكان يركب معه أحياناً النوخذة عيسى بشارة ليساعده على قياس مواقع السفينة في البحر، كما ركب معه النوخذة أحمد السبيعي، وقام بالمهمة ذاتها. ومع ذلك كان النوخذة عبدالله يتمتع بحافظة قوية ساعدت مثل هؤلاء "المعالمة" في مهمتهم هذه نظراً لمعرفته الجيدة سواحل الهند واليمن.
وحين اكتملت لدى ابنه عيسى الخبرة في قيادة السفن الشراعية، سلم قيادة سفينته "فتح الكريم" له، وترك السفر. لكنه استمر في تجارته.
وكان آخر حياته مؤمناً بالله أشد الإيمان وبقضائه وقدره، وكان يردد هذه المقولة: " من لا يرزقه الله تعبان". وكان كذلك قانعاً بما عنده.
وفي اليوم الثاني من شهر يونيو عام 1962م، توفي النوخذة عبدالله العثمان في منزله في حي القبلة في مدينة الكويت، بعد أن أفل نجم السفر الشراعي في الكويت، وترك ابنه عيسى ركوب البحر كما تركه غيره من نواخذة الكويت.
يقول الأستاذ محمد الرشيد الذي عاصر النوخذة عبدالله العثمان: " إن النوخذة عبدالله رجل فاضل، فاضل جداً، وصاحب ذمة، رحمة الله عليه".
ولقد سطر التاريخ البحري على ألسنة رجاله ما نقل عن النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان من موقف يدل على الحنكة البحرية والدراية, رغم كونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب, وبالتالي لا يستطيع استعمال الأداة البحرية المعروفة (الكمال) لقياس موقع السفينة في عرض البحر.
وتتلخص الحادثة المشهورة التي وقعت له أنه عندما كان متوجهاً بسفينته البوم من شط العرب إلى اليمن محملاً التمر، عبر مسقط، وقد كان معه من أهل الكويت نوخذا شراع (أي مساعد للنوخذة) و"معلم" (أي متخصص * كما سبق أن أسلفنا * في استخدام الأجهزة المتاحة لقياس الاتجاهات والمسافات والأبعاد بناءً على تحديد خطوط الطول والعرض).
وقد استخدم المعلم أجهزته وحسب حساباته المعتادة فقال للنوخذة بكل ثقة: "عم بوعيسى .. بكرة المغرب بتشوف البر" فقال النوخذة عبدالله العثمان: "يصير خير".
فلما بلغت الساعة الحادية عشرة في الوقت الغروبي (العربي) أي قبل الغروب( ) بساعة. ورُفع طعام العشاء، قال النوخذة عبدالله لأحد البحارة المعروفين بحدة البصر: "يا فلان..قوم اركب الدقل.." (أي اصعد الصاري الكبير) في إشارة إلى تحريِّ البر، حين كان البحارة يعتمدون في اكتشافهم للبر على العين المجردة، حيث لا أجهزة تذكر ولا اتصالات لاسلكية ولا أقمار صناعية، ويتحرى الرائي للبر قبل الغروب لأن الشمس تكون في الأفق فيسهل رصد الأسطح الملاصقة للأفق، إن اختلفت قيد أنملة عن سطح الماء المستوي.
فقال البحار: "هذا البر يا عم بو عيسى"، فرد عليه النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان: "هريا غزال، الحمد لله على السلامة" (أي وصلنا اليمن)، وهنا أخذت النوخذة المعلم ردة الفعل حيث سبق له أن حدد لهم مساء الغد للوصول، فقال للنوخذة عبدالله العثمان: "يا عم بوعيسى .. إذا طلع هذا البر وهذي اليمن .. أنا بكسر الكمال"، أي سأقوم بتكسير جهاز الكمال الذي أستخدمه، لأنه لم تعد له فائدة، فرد عليه النوخذة عبدالله العثمان بكل حكمة وروية: "لا يا ولدي خله ينفعك السنة الآتية".
ولما هدأ وتفهم الوضع وتيقن أنها اليمن، سأل النوخذة الكبير: "ولكن قل لي بالله عليك، كيف عرفت أننا وصلنا إلى البر ولم تستخدم جهازاً لذلك"، فأجابه بكل بساطة وبداهة: "عندما ذهبت إلى الزوُّلي( ) ضُحى اليوم رأيت "الحْمِسَة" (أي السلحفاة)، وهي لا تذهب إلى أعماق البحر وتظل قريبة من اليابسة، وبالتالي فإن ظهورها قرب السفينة هو مؤشر واضح على قربنا من اليابسة".
ومن هذا الموقف تتجلى حنكة النوخذة عبدالله عبدالعزيز العثمان وذكاؤه وخبرته العميقة بالبحر.
ولقد شهد له أهل الخبرة والدراسة في شئون البحر أنه يكاد لا يسبقه في عبور البحر أحد، وذلك لطيب نيته وصفاء سريرته بالإضافة إلى حنكته البحرية التي أشرنا إليها آنفاً.
رد مع اقتباس